الباحثات عن الحرية وإثبات الذات خارج المنظومة الأبوية.. فتيات «مستقلات» يروين تجاربهن
منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير، وأعداد الفتيات اللواتي يتحررن من قاعدة التزام بيوت الأسرة حتى الزواج أو الموت في تزايد، بعد أن أصبح البحث عن الاستقلالية هدفًا رئيسًا في مسيرتهن؛ فتيات ينتقلن من محافظات أخرى إلى العاصمة، من أجل الدراسة أو العمل، أو بعد أن ضاقت بهن السبل وسط عائلات تكبلهن بالقيود والتقاليد، وأحيانًا نساء قررن بدء حياة جديدة هن محركها الأول والأخير بعد انفصال أو طلاق.
يخضن تجربة الاستقلال التي قد تكون صعبة في البداية، لكنها تدعمهن بمزيد من الثقة بالنفس، وتضاعف مقدرتهن على مواجهة الصعاب، وبمرور الوقت تصبح مواجهة الحياة لا تحتاج إلى سند يتمثل في رجل كما تحاول غالبية العائلات ترسيخ ذلك في أذهان بناتهن.
ارتبطت ظاهرة “استقلال الفتيات” في صعودها، برياح التغيير التي هبت مع ثورة يناير 2011، التي إن لم تحقق تغييرًا سياسيًا ملحوظًا، إلا أنها تمكنت من إحداث بعض التغيير على الصعيد الاجتماعي بين الشباب تحديدًا، فصاروا أكثر إقبالًا على كسر التابوهات، والخروج عن المفروض باسم قيم المجتمع واَدابه.
في أعقاب يناير 2011، تصاعد الجدل بين مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في هذا الصدد، بالتوازي مع تزايد إعلان الفتيات عن استقلالهن بفخر غير عابئات بالأطر التقليدية والأفكار المتحجرة، وفي الوقت الذي أصبحت فيه الشبكات الاجتماعية الإلكترونية وسيطًا لتشكيل دوائر دعم لبعضهن البعض، سواء بتوفير أماكن للسكن، أو فرص عمل.
على الجانب الاَخر، كان المحافظون والرافضون لهذه الفكرة، يستخدمون الشبكات الاجتماعية للإعلان عن اعتراضهم القاطع على “استقلال الفتيات”، بزعم أنه يهدد قيم المجتمع وكيانه، أو تخوفًا من عمل المرأة الذي يوفر لها مصدر دخل ثابت، ومن ثم تحجم الفتيات عن الزواج وتكوين أسرة وهو مايهدد المجتمع وتكوينه.
الفتيات المستقلات استخدمن الشبكات الاجتماعية مرارًا، للكشف عن تجاربهن، وليأكدن أن المرأة لن تكون سلعة متحفظ عليها، حتى يحين موعد بيعها.
وقد طرحت الدراما المصرية في شهر رمضان الماضي، مسألة استقلال الفتيات، من خلال مسلسل “هذا المساء” عبر شخصيتي “تقى” وابنة خالتها “هدير”، وشخصية “ليلى” في مسلسل “أرض جو”.
“ولها وجوه أخرى” التقت عينة من هؤلاء الفتيات اللاتي يصارعن المجتمع الأبوي بحثـًا عن الذات، لتستطلع الدوافع وراء اتخاذ هذه الخطوة وتحمل مشاقها، وكيف تغيرت حياتهن بعد “الاستقلال”
“لجأت إلى حجة استكمال تعليمي، فكان الأمر مقنعًا بالنسبة لهم”
البداية مع “دينا.م” وهي فتاة في الثلاثين من عمرها، انتقلت من محافظة المنوفية إلى القاهرة، بعد أن حصلت في مدينتها على “دبلوم تجاري”.
أتت “دينا” في زيارة عائلية قصيرة إلى العاصمة، وبعدها قررت أن تستقر وتعمل في القاهرة، وتستكمل دراستها بكلية التجارة بنظام التعليم المفتوح في جامعة القاهرة، حتى تطور من أدواتها وتحصل على وظيفة أفضل من تلك التي تشغلها الاَن وهي بائعة في أحد محلات المواد الغذائية.
تبدأ “دينا” حديثها مع “ولها وجوه أخرى” قائلة “عندما ينتهي عام 2017، سأكون قد أمضيت مايقرب من 10 سنوات في القاهرة، وقد واجهت صعوبات كثيرة، أهمها أن أهلي بخلفياتهم الريفية البسيطة، لم يتفهموا الأمر في البداية، ولذلك لجأت إلى حجة استكمال تعليمي، فكان الأمر مقنعًا بالنسبة لهم.”
وتتابع “لم تكن محاولة إقناعهم العقبة الوحيدة في طريقي، لكن ثمة ضغوط أخرى مثل فرص العمل والعائد منها، وكيفية التوفيق بين الدراسة والعمل.”
لا تعتبر “دينا” أن الثورة هي الدافع الأول لاتخاذها قرار الاستقلال، بعكس “ميار.إ” ذات الـ25 ربيعًا، التي كانت الثورة عاملًا رئيسًا في استقلالها.
” كم من سيدة تصر على الاستمرار في علاقة لم تعد تحتملها، بسبب عدم قدرتها على إيجاد مصدر رزق!”
ترى “ميار” أن الحظ كان له دور كبير في استقلالها، فقد التحقت بكلية الألسن في جامعة عين شمس، وأقامت طيلة الدراسة في المدينة الجامعية، وعندما تَخَرَّجَت، كانت ثورة يناير قد اندلعت، وكان لها عظيم الأثر عليها، وعلى حد وصفها فقد “زعزعت كل الأفكار والمعتقدات”، وتصف حالتها وقتذاك “أدركت أنه لا مجال للعودة، على الرغم من أن فرص عمل عديدة متاحة أمامي في محافظتي الإسكندرية، إلا أنني فضلت أن أكون سيدة قراري، وتساءلت لماذا لا أختبر الحياة وحيدة؟”
وتتابع قائلة “لقد لعبت الثورة الدور الأكبر في اتخاذ قرار الاستقلال، فقد تعرفت من خلالها على أفكار واَراء، لم تكن لي سابق معرفة بها.”
وعن رفض المجتمع لظاهرة المستقلات، تشدد “ميار” على أن الحركات الاحتجاجية والثورات عادةً ما يصحبها تغييرات اجتماعية كبيرة، وتقول “أرى أن استقلال المرأة وحريتها واحد من هذه التغييرات بل وأهمها، أما رفض المجتمع لهذا الأمر، اعتقد لأنه يمثل تهديدًا على سلطة الرجل، لأنه يشعر بأن مركزه وما يراهن عليه في علاقاته بالنساء وهو المال بات في خطر ولم يعد حكرًا عليه، لأنها تعمل وتحصل على دخل مثله .”
“كم من سيدة تصر على الاستمرار في علاقة، لم تعد تحتملها، بسبب عدم قدرتها على إيجاد مصدر رزق، بعكس الفتاة المستقلة، التي علاوة على العمل والدخل، تصبح صاحبة شخصية قوية، بفضل ما تمر به من تجارب، وبالتالي ترفض التحكمات الذكورية التي عادة ما يفرضها الرجل بذريعة الحب والغيرة، وهي في حقيقة الأمر ضعف وعجز.” تضيف “ميار”
“الحصول على الحرية أو بمعنى أدق انتزاعها أمر صعب للغاية”
تتفق “أميرة.ر” ابنة الـ20 سنة مع “ميار”، مؤكدةً أن نظرة المجتمع السلبية تجاه الفتاة المستقلة، تأتي من أنها تفعل ما يفعله الرجل، من خروج للعمل ومنافسة في مجالات مختلفة، وهو ما يكشف زيف وتناقض هذا المجتمع.
“أميرة” من مواليد محافظة القاهرة إلا ان انفصال والديها، وزواج كل منهما دفعها إلى اتخاذ قرار الاستقلال منذ سنتين، وتعتقد “أميرة” أن بعض الفتيات المستقلات مررن بتجارب سيئة، كثيرًا ما كان الرجل السبب الأول فيها.
وعن تناول الدراما لشخصية الفتاة المستقلة، تقول إن الدراما لها وضعها الخاص، وإن كانت بعض الفتيات يقعن ضحايا للخداع، خاصة أن بعض المستقلات مازالن رغم ما حققنه، يبحثن عن شريك مناسب ويقعن ضحايا للحب.”
وتردف قائلة “لا ألوم عليهن، فهن ضحية تربية زرعت في أذهانهن أن الزواج هو نهاية المطاف، والحصول على الحرية أو بمعنى أدق انتزاعها أمر صعب للغاية، خاصة في مجتمعاتنا العربية التي يحكمها الأعراف والعادات والتقاليد التي في أغلبها ذكورية.”
بعض الأسماء جرى تغييرها بناءً على رغبة صاحباتها