مسألة “الإجهاض” ما يمكن لها أن تطرح فى جلسة أو فى نقاش، إلا ويحيط بها صراخ وسباب وتحريم وإرهاب، كون “الإجهاض” من الخطوط الحمراء “العريضة”.

الإجهاض..هل هو حق أم جريمة؟ هل للمرأة حق فى الامتناع عن العبور لمرحلة الأمومة لسبب “يخصها”؟ هل يحق لها عدم الإبقاء على الجنين؟

بين التحريم والتجريم تظل قضية الإجهاض معلقة وتبقى معه إشكالية غير قابلة للحل بين الحق فى الاختيار والحق فى الحياة.

فى السطور التالية نتجول بين أروقة تلك القضية الشائكة فى محاولة لمعرفة جوانبها التى تدعم الحق والأخرى التى تقضي بكونه جريمة لا فصال فيها.

الإجهاض: هو انتهاء الحمل بخروج الجنين أو نزعه من الرحم قبل أن يصبح قادراً على الحياة .

وللإجهاض صور مختلفة:
·الإجهاض التلقائي: يحدث تلقائيًا بسبب مضاعفات أثناء الحمل
·الإجهاض الصحي: يكون بأمر من الطبيب للحفاظ على حياة المرأة الحامل فى حال زادت خطورة الحمل عليها وعلى حياتها.
·الإجهاض الاختيارى أو الإجهاض المحرض: وهو الأكثر إثارة للجدل، ويتم باختيار المرأة الحامل لأى سبب خاص بها.

دينيًا:

بين الحلال والحرام

· فى الدين الإسلامى: اختلف علماء الدين فيما إن كان الإجهاض قبل الشهر الرابع أى قبل نفخ الروح فى الجنين مباحاً أو غير مباح، أما فيما بعد الشهر الرابع أي بعد نفخ الروح أجمع العلماء أنه حرام شرعاً وأن من تفعل ذلك ارتكبت كبيرة من الكبائر، وأن الطبيب الذي يساعدها فى ذلك هو الاَخر مرتكب لكبيرة من الكبائر.

المذاهب الأربعة والإجهاض:

مذهب الإمام أبي حنيفة أباح للمرأة إجهاض الجنين فى الأشهر الأولى (120 يوماً) وتحديداً قبل نفخ الروح بعكس مذهب الإمام الشافعى الذى حرمه على اعتبار أن أول مراتب الوجود وقوع النطفة في الرحم فيختلط بماء المرأة فإفسادها جناية على موجود، فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش، فإن نفحت الروح واستقرت الحلقة زادت الجناية

أما مذهب الإمام مالك، فقد جاء في كتاب الشرح الكبير:”لا يجوز إخراج المنى المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوماً” وهذا يفيد الحرمة وعدم جواز الإجهاض ويتضح أن المالكية ترى أن محصول الحمل منذ بدايته له حق الحياة، وأنه لا يجوز التعرض له بحال من الأحوال

ذهب ابن حنبل إلى إباحة الإجهاض قبل أربعين يوماً إذ جاء في كتاب الأنصاف “يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة”

وإجمال الحديث أن الأئمة الأربعة ذهبوا في الإسقاط قبل نفخ الروح إلى مذهبين، أولهما المنع وأكثرهم تشدداً فى التمسك بهذا الرأى، مذهب الإمام مالك، ثانيها يقضى بجواز الإجهاض قبل نفخ الروح فى الجنين.

· فى الدين المسيحي: الإجهاض حرام لإنه قتل نفس وإجهاض لروح، وفقط أباح الدين المسيحي الإجهاض في حالات الضرورة والمتمثلة في الحمل خطر على حياة الأم وصحتها، أو أن يكون الجنين مشوهاً تشوهاً خطيراً . أما بالنسبة لحمل المغتصبة فالكنيسة رفضت إباحة الإجهاض للتخلص من هذا الحمل لإنه – بحسب ما يذكر-حتى إن كانت المغتصبة ضحية فالإجهاض يخلق ضحيتين

من الكتاب المقدس:

ينظر الكتاب المقدّس إلى الجنين ككائن بشري حي وحقيقي

الله خلق الإنسان على صورته (تكوين 9: 6) وكل النفوس هي له (حزقيال 18: 4). وهو قد عرف الإنسان قبل أن صوّره في البطن، وقدّسه قبل خروجه من الرّحم (إرميا 1: 5). والله ينظر إلى النّسيج الّذي يسبق تكوين الجنين كإنسان فيه نفس وروح، حتّى قبل صنع العظام وباقي الأعضاء (مزمور 139: 13-16).

ليس الدين وحده “المانع” للاجهاض القانون أيضًا
القانون المصرى يجرم هذه العملية بتاتاً ويمنع على الأطباء مزاولة عمليات الاجهاض لأن القانون يرى عملية الاجهاض عملية قتل نفس حتى إذا كان الجنين مازال فى بطن أمه وقد خصص المشرع المصري الباب الثالث في قانون العقوبات المصرى لتحديد عقوبات ضد هذا الفعل، وعنوانه: إسقاط الحوامل وصنع وبيع الأشربة والجواهر المغشوشة المضرة بالصحة.
لم يضع القانون المصري تعريفًا محددًا للإجهاض وإنما اكتفى بتحديد صوره، والعقوبات المقررة لكل صورة منه، بينما عرّفته محكمة النقض أنه “تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الاَوان”
والاجهاض في القانون لا يقتصر على إجراء العملية فقط بل يشمل الإجهاض بالأدوية والضرب وكل الطرق التى تسبب الاجهاض.

هذا التجريم، يدفع الكثير من النساء إلى لجوء لإجراء عمليات الاجهاض فى الخفاء وفى الغالب لا يستدعى مناقشة هذا الأمر، إلا مع حالات وفاة الحامل أثناء إجراء العملية.

136255191639066

على استحياء.. تطالب بعض المنظمات النسوية بإقرار الحق فى الإجهاض
يطالب قطاع من المجموعات والمنظمات المعنية بحقوق المرأة بمنع تجريم الإجهاض فى القانون، والاعتراف بهذا الحق إذ أن الاجهاض في الخفاء سواء عن طريق عمليات أو أدوية يعرض حياة المرأة للكثير من المخاطر وأحياناً سوء التصرف يؤدى إلى الموت.
خارج نطاق مصر، طالبت الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان بإلغاء تلك التشريعات، لأنه من زاويتها مسألة الاجهاض الاَمن لابد أن تتوفر للمرأة حتى لا تتعرض لمخاطر قد تودى بحياتها.
وتشير أحدث الأرقام، إلى أن الإجهاض فى مصر تخضع له 23 سيدة من أصل ألف حالة وعلى مستوى العالم هناك 26 مليون حالة إجهاض رسمى مقابل 20 مليون غير رسمي سنوياً وبالطبع ذلك فضلاً عن وجود العديد من السيدات يخفين عمليات الإجهاض فى الدول التى تجرمه .
ولكن على الجانب الاَخر، هناك منظمات حقوقية ومجموعات فاعلة فى مجال حقوق المرأة، ترفض الإجهاض لأنه يقضي على حياة طفل برئ دون ذنب له.
المغتصبات .. ومازال هناك من يقف ضد حقهن فى الإجهاض!
فتاة انتهك جدسها وهتك عرضها بكل وحشية وظلم، حجم الكارثة والإضطهاد المجتمعى الذى تعانيه فى هذه الحال لا يوصف، فما بالكم لو أضيف على ذلك حمل جراء العلاقة الإجبارية التى أُخضِعَت لها، وبرغم المعاناة النفسية والجسدية التى تعانيها هذه الحالات، يقف القانون حائلاً بينهن وبين أى سبيل للعودة للحياة  الأقرب للطبيعية.
إذ لم يشرع لها حق الاجهاض الاَمن ليجعلها فريسة لأطباء وعيادات “بير السلم” مما يسبب لها الكثير من المخاطر وأحياناً ينتهى بهن الأمر إلى الموت.
على الصعيد الدينى، صدرت فتوى من دار الإفتاء تسمح للمغتصبات بالإجهاض شريطة ألا تكون مدة الحمل قد تجاوزت أربعة أشهر، لكن حتى تتمكن المغتصبة من إتمام ذلك بطريق قانونى واَمن يتعين عليها الحصول على إذن من النيابة العامة بأحقيتها أن تتخلص من هذا الحمل في إحدى المستشفيات الحكومية مما يصعب الأمر على المتضررات ويفضح أمرهن الذي يحاولن قدر الإمكان إخفائه عن عيون المجتمع الذى يعتبر “المغتصبة “سبة والمرأة الحامل “سفاحاً” عاراً.
فضلاً عن أن هناك بعض المنتسبين للأزهر واجهوا هذه الفتوى بالرفض ومنهم من اتهم دار الإفتاء بإصدار ما ينافى أصول الدين فى هذا الشأن مما سبب لغطاً وشتت الاَراء.

الإجهاض فى زمن الحرب

فى الحروب والنزاعات، يستخدم الاغتصاب كسلاح ممنهج تقوم به ميليشات أو جيوش نظامية ويذكر التاريخ أن أكثر من 100 ألف امرأة اغتصبت خلال الحرب العالمية الثانية، الاَن عادت هذه الصورة القاتمة مع بروز ما يعرف باسم “داعش” أو “تنظيم الدولة” ذلك التنظيم الإرهابي الذى يرتع فى مناطق عدة بدولتى العراق وسوريا.
وارتكب بحق النساء جرائم تعدت حدود المعقول، إذ مارس التنظيم الاغتصاب والسبي وبيع النساء والتزويج القسري، نتج عن هذه الجرائم “حمل سفاح” لعدد ليس بالقليل من النساء.
ورغم أن “كردستان العراق” يتجه لاستصدار تشريع يقضى بأحقية المغتصبة فى الإجهاض (مع العلم أن القانون العراقى يحظر نهائياً الإجهاض) إلا أن القبلية والعشائرية التى تسيطر على المجتمع هناك تقف حائط صد فى وجه قبول الأسر والمجتمع نفسه لهؤلاء النسوة من الأساس إذ يطالهن الرفض والنفور من  قبل كثير من الأسر وقد يدفعن الثمن مرتين فبعد اَلام وويلات الاغتصاب، تذبحن عبر ما يعرف بجرائم الشرف للتخلص من هذا “العار” بحسب ما يرون.
كما أن التشريع الدينى فى هذه المسألة مازال غير قطعي، إذ يبقى الجدل بين الشيوخ هناك فيما إن كان الإجهاض حق مشروع للمغتصبة على يد مثل هذه الميليشيات أو حتى القوات النظامية أم قتل لنفس لا نقاش فى حرمانيته.