خلال الأيام القليلة السابقة، ذاع وسم #حاكموا_ياسين_لاشين عبر موقعي التواصل الاجتماعي، فيسبوك وتويتر، ومن خلاله انتشر مقطع صوتي يوثق واقعة ابتزاز جنسي لفتاة على يد أحد أعضاء هيئة التدريس في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، ويدعى “ياسين لاشين”، المقطع يعرض صوتيًا إجباره لإحدى الفتيات – يُرَجح أن تكون طالبة في الكلية – على التصوير عاريةً تحت تهديد السلاح.

هذه الواقعة ليست الأولى في قائمة وقائع التحرش والابتزاز الجنسي التي يرتكبها أساتذة جامعيين، فقد سبق وتناول الإعلام العديد من القضايا المماثلة خلال السنوات الثلاث الأخيرة تحديدًا، مثل التي كشفتها إحدى طالبات كلية العلوم في جامعة الإسكندرية وتخص أحد أساتذتها الذي اتهمته بالتحرش بها ومساومتها جنسيًا، ووقائع أخرى مشابهة في جامعة عين الشمس، تقرر على إثرها عزل 3 أساتذة في يناير من العام 2014، وفي جامعة القاهرة، قرر الدكتور “جابر جاد نصار” الرئيس السابق للجامعة، في يناير الماضي، إحالة أستاذ متفرغ بقسم الاجتماع الريفي في كلية الزراعة إلى التحقيق وتنحيته عن أعمال الامتحانات التحريرية والشفوية والعملية لاتهامه بالتحرش بإحدى الطالبات.

فور انتشار  المقطع الصوتي، تفاعل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي مع الواقعة، مطالبين بفتح ملف العنف الجنسي بحق الطالبات داخل الجامعات المصرية، وشمل التفاعل أعضاء هيئة التدريس في كلية الكلية الإعلام نفسها، وكتب الدكتور “محمد الباز” رئيس تحرير جريدة الدستور والأستاذ في كلية الإعلام في تدوينة له يطالب بالتبرؤ من الدكتور “ياسين لاشين”، وقال نصًا “كلية الإعلام تطهر نفسها .. وهذه دعوة لكل من ينتمي إليها للتبرؤ من الأستاذ الذي أساء لمسيرتها ودورها.. فهو لايمثل إلا نفسه.”

وفي السياق نفسه، نظم طلاب كلية الإعلام وقفة احتجاجية أمام باب الجامعة للمطالبة بمحاكمة الأستاذ المذكور، لا سيما أن هذه الحادثة أعادت للأذهان وقائع أخرى مشينة تورط فيها سابقًا.

في شهر إبريل الماضي اتهمه عدد من طلاب كلية الإعلام، بتلقي هدايا مقابل إنجاحهم في المواد التي يدرسها لهم، ونفى الأستاذ الجامعي وقتها هذه الاتهامات، قبل أن يتقدم الطلاب بشكوى رسمية ضده، ويتقرر وقفه عن العمل لحين انتهاء التحقيقات.

بعد مرور ساعات على انتشار المقطع الصوتي وتفشي الغضب على الفضاء الإلكتروني والإعلام المرئي، بادرت الدكتورة “جيهان يسري” عميدة كلية الإعلام في جامعة القاهرة، بالإعلان عن اتخاذ السبل القانونية لتقديم “لاشين” للمسائلة أمام مجلس التأديب التابع للجامعة، وذلك من خلال إعداد مذكرة رسمية تتهم الأستاذ الجامعي بالإساءة لسمعة الكلية والتشهير بها.

فيما نفى “لاشين” جميع الاتهامات الموجهة إليه، وقال إن التسجيل المتداول مفبرك واستكمال لحملة تشويه متعمدة ضده، لن تتوقف، مؤكدًا أنه يعلم سببها ولكن يستحيل أن يفصح عنه، كما كلف “لاشين” المحامي “محمد حمودة” بالدفاع عنه، الذي أكد بدوره أن التسجيلات المسربة غير قانونية، وبحكم القانون يجب حبس من سربها وسجلها، لأنها تمثل انتهاكًا لحرمة الغير وجنحة مشددة يعاقب مُرتكبها بالسجن المشدد خمس سنوات.

المحامية “انتصار السعيد” مدير مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، أكدت لــ«ولها وجوه أخرى» فشل كل محاولاتها للتواصل مع الفتاة التي تعرضت للابتزاز الجنسي على يد الأستاذ المذكور، وبالتالي لن تتمكن المحامية أو مؤسستها من تقديم الدعم القانوني والمعنوي لها، وبحسب “السعيد” فإن الفتاة قد أغلقت كل وسائل التواصل معها بعد تسريب المقطع الصوتي.

واعتبرت المحامية الحقوقية أن التحرش داخل الجامعات، لايمكن بأي حال من الأحوال فصله عن التحرش المجتمعي “في حال ثبوت صحة الواقعة فهذا أمر مؤسف للغاية، خاصة أن الأستاذ المذكور يمثل الطرف الأقوى هنا، فهو لديه سلطة يمارسها على من هو أضعف.”

وناشدت “السعيد” وحدة مكافحة العنف داخل الجامعات أن تعمل على مواجهة مثل هذه الممارسات بشكل قوي وحازم، والا يقتصر دورها على ما تتعرض له الفتيات من تحرش واعتداءات من قبل زملائها، ولكن أن يمتد إلى التوعية بمختلف أشكال العنف والتحرش الجنسي، والتأكيد على أن الموصوم في هذه الحالات هو المعتدي وليس المُعتَدى عليه وتشجيعها على مواجهة هذه الجرائم.

وشددت “السعيد” على أنه في حال ثبوت الواقعة، فلابد من توقيع أشد عقوبة ممكنة على المتهم.

شهدت السنوات فيما بين 2011 و2014، أوج نشاط المجموعات التي عملت على التوعية بالتحرش الجنسي ومناهضته، فضلًا عن حملات الضغط التي أطلقتها من أجل تحفيز الفتيات على فضح المتحرشين، والتقدم ببلاغات ضدهم، وعلى الجانب الاَخر كثفت مطالبتها بتغليظ العقوبات على هذه الجريمة، وهو ما تحقق في يونيو 2014، عندما أصدر رئيس الجمهورية حينذاك تعديلات على قانون العقوبات المصري، لكن هذه المجموعات لم تعد موجودة على الساحة الاَن، وأغلبها جمد نشاطه كليًا وقليل قصر نشاطه على التدوين عن وقائع التحرش التي تنشرها الصحف وتتناولها القنوات التلفزيونية، واللافت أنه لم يصدر أي بيان إدانة أو استنكار للواقعة من جانب هذه المجموعات كما كان الحال قبل ثلاث سنوات.

عن هذه المسألة تحدثت «ولها وجوه أخرى» مع “فاطمة الشريف” مؤسسة مبادرة هيباتيا النسوية، التي شددت على أن المجتمع المدني لا يمكنه القيام بدوره في هذه القضية في ظل التضييق الذي يُمارس عليه في الوقت الحالي، واعتبرت أن زيادة الوقائع من هذا النوع في المجتمع، يأتي بسبب ضعف القوانين، وفي وجهة نظرها، فإن السلطة الحاكمة والمشرعين غير معنيين بقضايا النساء، ودليلها هو الافتقار إلى قانون لمناهضة العنف ضد النساء، وما يتعرضن له من اغتصاب وتحرش في المنزل والمدرسة والجامعات وغيره.”

ولفتت “الشريف” إلى أن القانون قد يجعل الفتاة المُعتدى عليها في حالة ثبوت الواقعة متهمة بانتهاك الغير، ومن ثم قد يصدر بحقها حكم بالحبس أو ما يعرف بـالحكم الرحيم، واختتمت “لو لم تتخذ الجهات المعنية موقفًا صارمًا وحاسمًا إزاء هذه الواقعة فهي بمثابة رسالة لكل الفتيات مفادها ادفن رؤوسكن في الرمال.”