تصبح وتمسي على وصفها بــ«العاقر»، مرغمة على تحمل إهانات زوج يرجمها بكلماته الحادة في كل ساعة، وتتعايش مع جرح غائر تسبب فيه احتقار أهله لها.

ما أتعس الحياة مع رجل لا يكف عن معايرة زوجته، بأنها لا تنجب، ويذكرها من حين لاَخر بأحقيته في الزواج عليها ثانيةً، نادبًا حظه العاثر الذي جمعه بها فأحبها، وهذا ما يمنعه من الزواج مجددًا.

“منال” امرأة صعيدية، بلغت الـثلاثين من العمر، تزوجت قبل 9 سنوات وعاشت مع زوجها الذي يعمل مهندسًا، في قرية في قلب الصعيد، حيث تقيدها التقاليد والمحاذير، ويقع عليها إكراهات لا حصر لها.

يمر الشهر الأول من الزواج، وتلاحق “منال” الأسئلة المعهودة في مجتمعنا عن “الحاجة الحلوة اللي جاية في السكة” و”الأخبار السعيدة المنتظرة”، تزداد وطأة الضغوط يومًا بعد الاَخر، فتضطر أن تسارع لإجراء فحوصات طبية وكأنها تسعى إلى رفع تهمة عنها.

وفقًا لأعراف المجتمع الذي تنتمي إليه “منال”، كان لا بد أن يرافقها زوجها عندما أجرت التحاليل والفحوصات، ويتسلم نيابة عنها الأوراق، ويتحدث وحده إلى الأطباء.

زوج “منال” هو من أخبرها بأنها لن تستطيع الإنجاب، ونبرته يحفها التوبيخ والاستهزاء، وعايرها أمام أسرة كل منهما، والمرأة التي لا تنجب في الصعيد لها نصيب وافر من العنف النفسي.

الإهانات المستمرة ولدت خلافات بينها وبين زوجها، لم تفضِ إلى شيء وظلت حياتها على حالها موجعة ومؤلمة، حتى حدث التحول عندما فوجئت باتخاذ حماتها قرارًا بتزويج ابنها ثانيةً، عندها لم تملك شيئًا لتفعله سوى أن تعود إلى بيت أسرتها، الذين لم يدعموا ابنتهم على الأقل معنويًا، وأيدوا ما يحدث، معتبرين أن الزوج له كامل الحق في الزواج ثانية، خاصة بعد أن تبين أنها عاقر.

لم تستسلم “منال” لشعورها بالظلم وترضخ له، وقررت أن تخوض حربًا ضد هذا المجتمع الذي يريد لها أن تُسلم إلى الموت حيةً، فأقامت دعوى خلع ضد زوجها.

الأسوأ لم يكن رد فعل زوجها وإنما أسرتها، فقد إنهالوا عليها ضربًا وطردوها من البيت، فهربت من الصعيد بأكمله، وانتقلت إلى القاهرة، حيث استطاعت أن تجد عملًا، واستقرت حياتها بمرور الوقت، فتزوجت مجددًا، وبدأ الأمل يشق طريقه إليها، لتحدث المفاجأة وتجد نفسها حاملًا، وتكتشف أنها تستطيع أن تنجب، ولا تعاني من أي مشاكل تعوق ذلك، وأبدًا لم تكن عاقرًا.

وضعت “منال” مولودها في القاهرة مع زوجها، لكن تولدت داخلها رغبة عميقة بعد ذلك في أن تعود إلى أهلها في الصعيد، لتعلمهم بالحقيقة التي لا يعرفونها وليروا صغيرها، بغض النظر عن النتائج ومهما كان رد الفعل.

على عكس ما توقعت “منال”، قوبلت بترحاب غير عادي من أهلها، وأظهروا ندمًا على ما اقترفوه بحقها، لا سيما أن زوجها الأول قد انكشف كذبه وتبين أنه العقيم، وقد استبدل تحاليله بتلك الخاصة بها، ليحفظ ذكورته أمام من حوله، ويوهم الجميع بأنه باق معها تعطفًا وشفقة، ولولا إصرار أمه على الزواج ثانية، لكانت “منال” مازالت في سجنه، تعيش وقد حٌكِم عليها بالتعاسة الأبدية والشعور بالدونية، مجبرة على تحمل الإهانة والسب والضرب.

والسؤال الذي يبحث عن إجابة في هذه القصة، هل لو كانت “منال” علمت بعقم زوجها، كان مجتمعها سيقبل طلاقها منه أم سيلصق بها التهم والوصم، ويحيطها بالشكوك، وهل كانوا سيتعبرنه حقًا لها كما اعتبروه حقًا له؟

الإجابة تحكيها قصص أخرى كثيرة يعج بها المجتمع الذي تعود على قهر النساء.