عن الكاتبة:

باحثة في الشأن النسوي وإحدى عضوات فريق “ولها وجوه أخرى”

شاهدت حلقة من برنامج المقالب “رامز تحت الأرض”  مع عدد من زملاء العمل، وكانت ضيفتها المخرجة “إيناس الدغيدي”؛ وطبيعة برامج المقالب تعتمد بشكل أساسي على المفارقة، والمقصود بالمفارقة أنك كمشاهد تعلم حقيقة ما يحدث ويدور بينما الضحية لا تعلم شيئًا، وهنا منطلق الضحك، قبل أن يتطور الأمر للحرق والغرق والدفن كالتي نراها حقيقة في فيديوهات تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا باسم “داعش”.

لن أحدثكم عن التعليقات التي يقولها مقدم البرنامج “رامز جلال” لينتزع الضحك من أفواه  المشاهدين، التي غالبًا ما يكون أساسها الإيحاءات الجنسية، والعنصرية، والسخرية سواء من طريقة كلام الضيف أو ملبسه، ولكنني سأنقل لكم التعليقات التي سمعتها من الزملاء، وما تكشفه من طريقة تفكير، قد لا تبدو بالنسبة لكثيرين صادقة إن خرجت إحدى النسويات عبر منصة إعلامية لتقولها، وقديقولوا نسوية متمردة ولا أرى في ذلك عيبًا!

يعلم كثيرون “إيناس الدغيدي”،  هي المخرجة التي تحل ضيفةً على البرامج الحوارية، إذا أراد القائمون عليها رفع نسب المشاهدة، فلم ولن يكف الكثير من مقدمي البرامج الحوارية في  مصر عن توجيه أسئلة تافهة ساذجة لهذه المخرجة، عن الجنس والعلاقة بين الرجل والمرأة، باعتبارها السيدة التي لا تخشى أن تعبر عن اَرائها بحرية على عكس كثيرين، ممن يتقصمون شخصيات أخرى.

بدأ المقلب الذي جرى تصويره في دولة الإمارات العربية وتحديدًا في إمارة أبو ظبي، ويعتمد على دفن الضيف في الرمال المتحركة ثم يخرج مقدم البرنامج وهو متخفي في كائن حي “سحلية”  كبيرة الحجم، قبل أن يعلن عن نفسه للضيف بعد أن يكون قد أطلق وابل من الشتائم أو فقد القدرة على النطق من هول الموقف.

صرخت “إيناس الدغيدي” كغيرها من الضيوف، وزملاء العمل ينظرون لبعضهم البعض خلسة ويضحكون، أعلم  هذه النظرات والضحكات جيدًا، وعندما تنطق “الدغيدي” الشهادة وتردد بعض الأدعية، يرد أحدهم قائلًا “دلوقتي بس عرفتِ ربنا يابنت الجزمة”، ويرد اَخر” أخيرًا تابت”، ويتابع اَخر “والله رامز لو مافيش حاجة عدلة في حياته، اللي عمله فيها يشفع له”، هكذا هم يرون أي امرأة تعبر عن رأيها بحرية؛ لن نقيم في هذا المقال الأفلام التي أخرجتها “الدغيدي”، ولن نتحدث أيضًا عن كونها واحدة من قليلات اقتحمن مجال الإخراج بعد فترة انقطاع من قبل المخرجات، وربما لا يعلم هؤلاء الصحافيون –المفترض أنهم منفتحون على كافة الاَراء ليس بالضرورة يقبلونها ولكن لا يهاجمونها –كم  عدد الأفلام التي أخرجتها، لكنهم كغيرهم من الجمهور عرفوها من لقاءاتها في البرامج،  وتصريحاتها المتمردة والجريئة المتحررة، ترفض أن يتميز الرجل على حسابها، أو أن تكون في مرتبة ثانية لكونها امراة، رفضت الحجاب، رفضت أن تساير المجتمع وتسير مع القطيع وهنا سبب الكراهية، هل يدري هؤلاء أن كثيرات يقولن ويرددن ما تقوله في العلن، لكن في سرهن، ويريدن أن ينطلقن ويعيشن الحياة قبل الممات.

“الدغيدي” رفضت أن يتم تجاهل المرأة في عملها على حساب الرجل، أي رفضت أن يُنظَر للمرأة كإنسان درجة ثانية ، فالثقافة التي ورثها هؤلاء وزُرِعَت في أذهانهم هي كره المرأة وتحقيرها منذ ولادتها، وتظهر اَثارها جلية في عادة الختان ثم حرمانها من استكمال دراستها، حتى من يسمح لهن باتمام دراستهن  هدفه الأول من الأمر هو الإيقاع بعريس مناسب، ثم تحجيبها وإنكار دورها تمامًا، هذه هي الحقيقة.

هذه الثقافة تحتم عليهم محاربة تلك التي تخرج عن الخطوط التي رُسِمَت لها، فهم يكرهون “الدغيدي” وغيرها، ولو استطاعوا لدفنوها حية، كما كان يفعل أجدادهم.