عبد الرازق: “الحساب يجمع” الأبعد عن التنميط و”أرض جو” يعيد ما رسخته السينما عن المضيفات

كامل: تكرار نفس النمط من الشخصيات الدرامية “استسهال”

دخل شهر رمضان بسماته وروحه وطقوسه الخاصة، وعلى رأسها المسلسلات التلفزيونية التي يلتف حولها المصريون من مختلف الفئات العمرية والاجتماعية والثقافية، فشهر رمضان يعد موسمًا للدراما، يجتذب المشاهدين على مدار اليوم دون فاصل، بل قد يشاهد البعض مسلسلين في نفس الساعة، مستغلين الفواصل الإعلانية الطويلة بين كل مقطع، ونظرًا لاكتظاظ الشهر بعشرات المسلسلات.

يشهد هذا العام غزارة في الإنتاج الدرامي “الرمضاني”، فقد بلغ عدد المسلسلات المصرية 34، فضلًا عن مسلسل ديني يحمل اسم “قضاة عظماء”، ولعل أبرز ما يميز هذا الموسم هو الحضور النسائي الطاغي على الشاشة، فأغلب النجمات يتنافسن على الشاشات في السباق الممتد لثلاثين يومًا، ومنهن؛ هند صبري، ومنة شلبي، ونيللي كريم، وروبي، وزينة، ويسرا، وأمينة خليل، وهيفاء وهبي، وياسمين صبري، وشيري عادل، وأروى جودة، وغيرهن.

ويسعى النجوم والنجمات إلى تقديم موضوعات متباينة ومختلفة تحفظ لهم النجاح والبقاء في الصفوف الأمامية، مما يطيل أمد نجوميتهم وحضورهم على الشاشات لسنوات مقبلة، لكن هناك من النجوم من يسلك الطريق نفسه في كل موسم، ظنًا بأن ذلك يضمن القاعدة الجماهيرية التي تحققت عبر النمط الذي سبق وقدموه، ومن بين هؤلاء يحتل الفنان “مصطفى شعبان” المرتبة الأولى بلا منازع  في التمسك بشخصية الرجل الذي تلاحقه النساء ويلاحقهن، “الدنجوان” المحاط بالنساء طيلة الثلاثين حلقة، وذلك بدءًا من مسلسل العار الذي عرض في رمضان 2010، وتبعه الزوجة الرابعة، ومن بعده مزاج الخير، ثم دكتور أمراض نساء، ثم  مولانا العاشق، وأبو البنات وأخيرًا اللهم إني صائم المعروض حاليًا.

الفنانة “غادة عبد الرازق” اعتادت أيضًا على تقديم نفس النمط، وهو شخصية المرأة التي تتكالب عليها الظروف وتشعر بالاضطهاد، ويرغب فيها الرجال طمعًا أو شهوةً، ومهما غالبتها أمواج الحياة، عبر قسوة الظروف ومكر الرجال، تستطيع في النهاية الانتقام والانتصار بدهاء الأنثى، مستغلة جمالها الذي يؤسر الرجال شتى، وذلك بدءًا من مسلسل “زهرة وأزواجها الخمسة” في رمضان عام 2010 ، ثم “سمارة” و”سبق الإصرار” و”حكاية حياة”، و”السيدة الأولى”  ومسلسل “الخانكة” ويستثنى “الكابوس” من هذه القائمة، لكن يبقى المسلسل المعروض حاليًا “أرض جو” في الإطار نفسه.

من جانبها تقول الدكتورة “عزة كامل” الكاتبة والناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، إن الوقت مازال مبكرًا للحكم على الأعمال الدرامية المعروضة خاصة أن العدد المعروض كبير للغاية، لكنها ترى أن بعض الفنانين مثل غادة عبد الرازق، ومصطفى شعبان يخشون المغامرة ويلجأون إلى شخصيات لاقت قبولًا لدى الجمهور، بدلاً  من التنويع في  أنماط الشخصيات، وهو ما يعد شكلًا من أشكال “الاستسهال” على حد تعبيرها.

ومن الناحية الفنية يقول الناقد “رامي عبد الرازق”، أن  السبب الرئيس وراء النمطية التي يغرق فيها “شعبان” هو الكاتب  “أحمد عبد الفتاح”  الذي يتعاون معه منذ خمس سنوات، منذ مسلسل “مزاج الخير”، معتبرًا أنه “مؤلف ملاكي” على حد وصفه.

مشهد من مسلسل “اللهم إني صائم”

ويرى “عبد الرازق” أن الأمر يعكس رغبة “مصطفى شعبان” في الظهور على هذه التيمات وهو أسوأ ما يمكن أن يحدث، وبالتالي فهو يدور في حلقة مفرعة لأكثر من خمس سنوات، ويشير الناقد الفني إلى أن هذه الأعمال لا تحقق نجاحًا، بدليل أنها لم تلق قبولًا سواء على المستوى النقدي أو الجماهيري، باستثناء مسلسل  “الزوجة الرابعة” لاعتماده بشكل أساسي على نوستالجيا مسلسل “الحاج متولي” من بطولة الفنان الراحل نور الشريف الذي عرض في رمضان 2001.

ويؤكد “عبد الرازق” أن هذه الدائرة لن تنكسر إلا بتغيير المؤلف، والاستعانة باَخر لديه أفكار أخرى.

ويتفق “عبد الرازق” مع الكاتبة “عزة كامل”، في كون ذلك نوع من أنواع الاستسهال واستغلال نجاح الشخصية وقلة إبداع وتواضع موهبة، ومحاولة للعب في المضمون من خلال مغازلة شريحة معينة ترغب في ظهور “مصطفى شعبان” على هذا النحو،  لافتًا إلى أن هذه قراءة خاطئة للجمهور، فهي شريحة متغيرة، وليس ثابتة.

ويضيف ” النجمة “غادة عبد الرازق” منذ مسلسل زهرة وأزواجها الخمسة تعيد إنتاج الشخصيات إلا أنها تختلف عن “مصطفى شعبان”، لأنها قدمت أعمالًا أخرى مثل؛ الكابوس وحكاية حياة، وهما مختلفين، لكن  فشلت فيهما بسبب المبالغة الشديدة  في الميلودراما.”

أيضــــــــًا..دراما رمضان 2017.. زيادة في العدد عن الموسم الفائت يقابلها تراجع في البطولات النسائية المطلقة.. وورش الكتابة تفسح المجال لكاتبات جدد

ويكشف “عبد الرازق” أن تدخل الفنانين ومشاركتهم في الإنتاج هو السبب الأساسي في استمرار ظهور هذا النوع من الأعمال المكررة، مشددًا على أن الحل هو أن يقود المؤلفون والمخرجون العمل وليس الفنان، ويقول “من المقبول أن يدلي الفنان برأيه في العمل والشخصية ، ولكن تدخله في السياقات الدرامية ليس من شأنه وهو سبب التكرار مع فنانين مثل عادل إمام، وغادة عبد الرازق، ومصطفى شعبان.”

في سياق متصل، شن عدد من المضيفات بشركة مصر للطيران هجومًا حادًا الممثلة “غادة عبد الرازق” بعد إذاعة الحلقات الأولى من مسلسل أرض جو، متهمات إياها بالترسيخ للصورة الذهنية السلبية عن المضيفات، وقد استنكرن الطريقة التي عرضت أسلوب حياتهن بصورة بعيدة تمامًا عن الواقع، وهو الأمر الذي دفع النقابة العامة للضيافة الجوية لإصدار بيان تدين فيه العمل، الذي يعرض التزامن مع الذكرى الأولى لشهداء الضيافة الجوية على رحلة باريس، واحتفظت النقابة بحقها في إتخاذ الإجراءات القانونية للحفاظ على حقوق أعضائها وعضواتها.

في هذا الصدد، تقول “كامل” إن الفن من الممكن أن يرسخ الصور الذهينة أو ينفيها ولكن السؤال الأهم هو مدى اقتناع صناع العمل بأمور أكثر أهمية مثل العنف ضد النساء، ومدى اعترافهم بهذا الأمر وموقفهم منه، لكنها في الوقت نفسه تشدد على رفضها لمقاضاة المبدعين والفنانين على مايقدمونه من أعمال درامية، لافتةً إلى أن العمل الفني يحكمه حبكة درامية، والفن له مساحة للتعبير بحرية.

هذا النوع من التنميط يقابله نوع اَخر من تنميط الأفكار والعادات وترسيخ لصور ذهنية عن فئات معينة من الشعب المصري،  فعلى سبيل المثال، في الحلقات الأولى من مسلسلي الحرباية وعفاريت عدلي علام، جرى تنميط نساء ما يُعرف بــ«الحارة» أو الأحياء شديدة الفقر، وقولبتهن في الصورة التي اعتادت الدراما تقديمها عن نساء تهوى افتعال المشكلات، وتبادل الألفاظ النابية، والاعتداء لفظيًا وجسديًا على بعضهن البعض.

“فيما يتعلق بتدخل الممثلين في الأعمال، الأزمة تكمن في غياب دراسة البيئة في الدراما، وهذه الدراسة تعني أن الكاتب عندما يختار الفكرة يدرس البيئة التي تتواجد فيها هذه الشخصيات، هذه الدراسة من شأنها أن تجعل الكاتب على تماس مع الواقع بشكل كبير” يقول الناقد “رامي عبد الرازق”.

ويردف “الكتاب يستقون البيئات من الأفلام القديمة، ولذا نرى في بعض الأعمال مفهوم الحارة  هو الحاضر، رغم أن الواقع يقول أن الحارة اختفت من مصر، الاَن هناك مناطق عشوائية، وحتى اسم الحارة لم يعد موجودًا، هناك الشارع، أوالحتة أو المنطقة.”

ويعتقد الناقد “رامي عبد الرازق” أن استهجان عدد من المشاهدين واستنكارهم للدراما سبب أساسي فيه غياب دراسة البيئة والشخصيات، مشيرًا إلى أن مسلسل “أرض جو “يبين أن المؤلف لم ير، ولم يجلس مع مضيفات أثناء كتابة العمل، بل استمد أفكاره، مما هو معروض في أفلام قديمة مثل أفلام الفنانة مديحة كامل.

وفي المقابل يرى “عبد الرازق” أن القائمين على مسلسل “الحساب يجمع” من بطولة الفنانة يسرا حرصوا على هذه الدراسة،  فجاءت شخصيات العاملات في المنازل بالشكل العصري الذي يناسب عام 2017، بعيدًا عن الصور النمطية التي قُدِمَت في الأفلام القديمة.