محمد أبو الشباب يكتـــب: الوضع الاستلابي للمرأة وعلاقته بالتحرش
ناشط في مجال الدفاع عن حقوق النساء
وعضو لجنة خبراء بمؤسسة خريطة التحرش الجنسي
تعاني المرأة العربية من ثلاث منظومات من القهر والاستلاب وهي : الاستلاب الجنسي، والاستلاب الاقتصادي والاستلاب العقائدي، أولها، الجنسي، كأن ينظر الرجل للمرأة كونها مجرد كيان جسدي يلبي رغباته الجسدية، بمعنى اختزالها في حدود جسدها وتصبح بمثابة وعاء للمتعة.
ثانيها، الاستلاب الاقتصادي، وهو استغلال طاقة عمل المرأة في سوق العمل “كعمالة رخيصة” أو في عمل غير مأجور أو الأعمال الثانوية أو الهامشية أو الرتيبة، التي تخلو من أي إبداع وينتهي المطاف بالاستلاب العقائدي، وتُحاصر المرأة في دائرة سوداء من الرؤى العقائدية الاستلابية التي تضعها في مراتب الدونية والمذلة.
الاستلاب يعني التلاعب باللا وعي وأنواعه ثلاثة كما ذكرناها؛ الاستلاب الجنسي والاستلاب الاقتصادى والاستلاب العقائدى.
نركز شوية في الاستلاب العقائدي، وهو أن المرأة تقتنع بدونيتها تجاه الرجل ” يعنى متفكرش في منافسة الرجل وأنها تبقى عارفة وحاسة إحساس مسبق بعدم كفائتها وبتعتقد وهي جازمة بتفوقه وبالتالي سيطرته عليها وتبعيتها ليه، دي المرحلة الأولى، المرحلة التانية بقى أن اللا وعي عندها يتقبل المرحلة السابقة لدرجة تصل إلى حد اليقين يعني المرأة بتبقى متيقنة تمامًا أنها كائن قاصر جاهل، ثرثار، عاطفي، ميقدرش يتحمل مسؤولية، وبالتالي لا تستطيع الاستقلال وبناء كيان ذاتي خاص بيها.
المرحلة الثالثة والأخيرة، هي أن المرأة تعتقد أن عالمها هو البيت، وأن الزوج والأولاد والأسرة هم كيانها، ودا بيأكد على تنمية قدراتها وإمكانيتها وتأهيلها من قبل الزواج علشان تبقى أم وخادمة فى البيت وطمس ومحو أي حاجة تطلعها برا السياق دا.
السؤال ليه الاستلاب العقائدى أخطر الثلاثة، لأن المرأة بسببه تتبنى عقيدة استعبادها وبتعتبره جزء من طبيعتها الأنثوية.
وهنا سؤال “الاستلاب دا بيحصل إزاي؟”
(1)
عن طريق أي إكراهات حتى لو كانت رمزية بشرط أن الإكراهات دي تكون بتتصف بطابع الديمومة والاستمرار و بكدا هتترسخ في عقول الناس وهتبقى في نفس قوة وثبات العقيدة يعنى ببساطة شديدة أي حاجة حتى لو بسيطة فيها طابع الاستدامة والاستمرار والتكرار بتثبت في عقول الناس وميقدروش يتخلوا عنها، زيها زي العقيدة بالظبط، في القياس بصعوبة الاقتناع بتغير العقيدة، مثال يعنى سي السيد اللي كان بيشخط في أمينة وطلع واحد قلده والناس كلها عملت زيه فى الحتة، بس مجرد أنه يشخط وينطر ويبقى هو الاَمر الناهي الحتة الصغيرة دي استدامتها واستمرارها كفيلة أنها تبقى زي العقيدة في نفوس الرجال وفى نفس الوقت مقبولة عند السواد الأعظم من النساء بحكم التكرار ويبقى الغريب والشاذ عن العادة أن حد يخرج برا سياق “الاستلاب العقائدي” اللي اترسخ في اللاوعى عند الناس ويبقى غريب إزاي راجل وصوتك واطي؟ أو يتقاله أنت إزاي بتطلب من مراتك حاجة أنت المفروض تأمرها وهي تنفذ؟ إزاي تاخد رأي مراتك أصلًا ؟ أنت إزاي بتساعدها في حاجة فى البيت؟!
كل دي فرعيات طلعت من سلوك واحد بس اترسخ فى عقول الناس وبقى الخروج عن العادات دي أشبه في القياس بالخروج عن العقيدة وأنه لازم على السيدات السير على نفس مناهج من سبقوهم والرجال برضه يمشوا على نفس المنوال ولو حصل واتفق الطرفين على كسر الفكرة دي هيتم مواجهتهم من العامة من المواطنين المؤمنين والمترسخ في عقولهم “الاستلاب العقائدى “.
(2)
تُبتز المرأة وتُستَغل، لكن الاستغلال دا بيتطلب تبرير يخليه ممكن وفي نفس الوقت بيحتاج لطمس وإخفاء طابعه الاستغلالي ودا بيحصل من خلال إحاطة المرأة بمجموعة من الأساطير تخلي السلوك يبدو كأنه شيء مشروع وكمان طبيعي وعلشان كدا بتتعرض المرأة لمجموعة من الاختزالات لكيانها ومن خلالها تتحول المرأة إلى أداة لخدمة أغراض متنوعة تصب كلها في مصلحة الرجل ودا بيأدى لتنوع وتعدد مظاهر العنف والقهر للمرأة لأن الاستلاب بيطمس الرغبة في التغيير ويطمس أي قدرة على التحرر من الأفكار وكمان بيفتح أبواب استغلال المرأة على مصراعيها لغاية ما تصبح المرأة نفسها شريكة ” أحيانًا” ضد مصالحها الحقيقية.
من هذا المنطلق يتبين الترابط بين الاستلاب العقائدى والتحرش، وبيظهر دا على سبيل المثال في وجود نساء بيقفوا في صف الجاني “المتحرش” ضد الناجية المعتدى عليها وبيكونوا بمثابة محامي الدفاع عنه في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى بيسعوا لإبعاد الضحية بدعوى “الخوف من الفضيحة واستري نفسك والحمد لله إنها جت على قد كدا.”
الوضع الاستلابي للمرأة سببه الأول والأخير السلطة الأبوية والذكورية، النساء لسن طرفًا في المعادلة، هن المظلومات لكن يتم التلاعب بالحقائق ليظهرن بمظهر الشركاء في ممارسة العنف أو تبريره، المجتمع بأكمله يتم التلاعب به.. لكن ما يحدث للمرأة بالتحديد الأكبر أثرًا والأكثر عنفًا.. ألا لعنة الله على من جعلونا مسيرين لا مخيرين!