في عام 2015، أعلنت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، أن عدد الفارين من الحرب الدامية في سوريا إلى دول الجوار، تخطى الأربعة ملايين، وقد قصدوا كلًا من لبنان وتركيا والأردن والعراق، بالإضافة إلى مصر، ويشكل النساء والأطفال من هؤلاء، أربعة من كل خمسة أشخاص تقريبًا، بحسب تقرير المفوضية لعام 2014.

الحرب وتبعاتها أجبرت كثير من النساء السوريات على تولي مسؤولية أسرهن، بعد أن فقدن ذويهن من الرجال، وكشفت المفوضية في يوليو من العام 2014، أن هناك أكثر من 145,000 عائلة سورية لاجئة في مصر، ولبنان، والعراق والأردن وعائلة من بين أربع ترأسها نساء، يتحملن بمفردهن مشقة وعناء إعالة الأسرة، ومع ارتفاع وتيرة القصف والقتل والدمار، اضطر عدد كبير منهن إلى الهروب من الموت المحتم، والتوجه إلى الدول الأقرب، وهناك تعرضن لمتاعب وانتهاكات، لم يتوقعنها ما بين تحرش جنسي، واغتصاب، وزواج متعة وزواج مبكر، وزواج موسمي، وصل إلى الترويج له عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مقابل المال، فضلًا عن استغلال مافيا الدعارة لهن. كل هذا تتعرض له اللاجئات السوريات في البلدان، التي لجأن إليها في ظل غياب تحركات رسمية من قبل حكومات هذه الدول.

اللاجئات في مصر .. الزواج مقابل العيش

بعد أن فقدت الاحتجاجات في سوريا الصفة السلمية في  مارس 2011 وتحولت إلى العنف ومن ثم الاقتتال والحرب الأهلية، أدرك المدنيون أن حياتهم وذويهم في خطر، فبادر جانب كبير وقتها بالرحيل إلى الدول العربية الأكثر استقرارًا،  اَملين في حياة كريمة اَمنة، وجاءت مصر في قائمة الدول التي سارع السوريون بالانتقال إليها، وفي ذلك العام استقبلت مصر نحو 20,265 شخصًا وفق مكتب المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مصر.

في  يوليو من العام 2013 م، نظرًا للظروف السياسية التي مرت بها مصر اَنذاك، جرى إستصدار قرار يفرض على السوريين الحصول على تأشيرة وموافقة أمنية قبل دخولهم إلى مصر، إلا أن هذا القرار أثر سلبًا على اللاجئين عامة، واللاجئات المعيلات خاصة، فقد أرغمهن هذا التضييق إلى اللجوء إلى الزواج بمصريين لمواجهة مشاكل الإقامة والتمييز، ومع ذلك لم يكن حلًا قط، بل كان بداية لانتهاكات بالجملة في حق اللاجئات، وسرعان ما انتشرت هذه الظاهرة إلى حد ما يسمى “سماسرة الزواج”، الذين أصبحوا يخططون للسوريات حياتهن المستقبلية ويحددون بمن يتزوجن، وهذا ما أوضحه أحد العاملين في مكتب زواج خلال حوار مع القناة الألمانية DW موضحًا “المكتب لا يخالف القانون نهائيًا ومرخص ولا يعمل فقط في تزويج السوريات بل المصريات أيضًا، لكن الطلب على الزواج من سوريات أكثر، وببساطة يأتي رجل إلينا ويطلب منا البحث له عن بنت سورية بمواصفات معينة ويكتب شروطه التي عادة ما تكون عدم دفع مهر أو مؤخر، كما يكون في كثير من الأحيان متزوجًا ويبحث عن زوجة ثانية، وفي المقابل تأتي لنا السوريات للبحث عن زوج مصري، وهكذا نعرض السوريات اللاتي يناسبن شروط الرجل عليه، وهو يختار من يريد الزواج بها، وهنا تنتهي مهمة المكتب.”

مثل هذه المكاتب تتعامل مع السوريات كسلعة تُعرض للبيع أو تُطلب للشراء، ووصلت حالات الزواج بهذه الطريقة المهينة إلى 12 ألف حالة زواج خلال عام 2013م، ومن المؤسف أن هناك من المصريين من يرون ذلك حماية للسوريات من مخاطر محتمة وعلى رأسها العنف الجنسي، لكن هؤلاء لم ينظروا أو يكترثوا للأحكام الشرعية ما بين مهر ومؤخر صداق وحتى الإشهار، مستغلين بذلك الظروف المعيشية المجحفة.

ومع تزايد الانتهاكات بحق هؤلاء النسوة، أعلن المجلس القومي للمرأة في نهاية عام 2013م في بيان رسمي، أن تلك الزيجات تمثل حالات إتجار بالبشر، وأوضح أنه أرسل خطابين إلى وزيري العدل والداخلية آنذاك للمطالبة بالمساندة لوقف ظاهرة زواج المصريين من اللاجئات والحد من استغلال ظروفهن المعيشية الصعبة التي فرضتها الحرب المندلعة في سوريا؛ وفي الوقت ذاته تقدم الإتحاد العالمي للمرأة المصرية في أوروبا بمذكرة إلى رئيس الجمهورية وقتذاك “محمد مرسي”، مطالبًا بسرعة التدخل لوقف زواج السوريات الموجودات كضيوف في مصر من الشباب المصري مقابل 500 جنيه، بالأخص في مناطق؛ 6 أكتوبر، والقاهرة الجديدة، والعاشر من رمضان، وفي محافظات الإسكندرية، الدقهلية، الغربية، وقنا، وعلى الرغم من التنديدات بهذا الوضع المشين إلا أن الحكومة المصرية، لم تقم بأي برد فعل لتقنين هذه الظاهرة، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الأزهر كان قد أكد من قبل أن زواج المصريين بالسوريات ليس فيه مشكلة شرعية، وهو ما ساهم في حالة الركود وغياب إتخاذ إجراءات رادعة وحاسمة لمواجهة الظاهرة.

اللاجئات في لبنان.. تحرش جنسي وزواج قاصرات «ترتفع وتيرتهما» بسبب الخوف من الإبلاغ

في لبنان التي تعد من أكثر الدول التي استقبلت اللاجئين للسوريين، إذ تستضيف في مخيماتها ما يقرب من 823 ألف لاجئ سوري، وأكثر من ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال، حسب أرقام مفوضية الأمم المتحدة، فقد تعرضت اللاجئات السوريات فيها للتحرش الجنسي من جانب موظفين وأصحاب منازل، ولم يبلغن السلطات بهذه الحوادث، خوفًا من الانتقام من جانب المنتهكين أو خشية الاعتقال، لأنهن لا يمتلكن الوثائق المطلوبة؛ وقد نشرت منظمة هيومن رايتس وتش، تقارير تشتمل على حوارات مع لاجئات سوريات، منهن “هالة” التي تتواجد في لبنان، وقد ذكرت أنها تعرضت للتحرش الجنسي، في 9 منازل من أصل 10، عملت فيها، بغية الإنفاق على نفسها وأطفالها الأربعة.

في عام 2016، أصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا أوضحت فيه أن اللاجئات السوريات تتعرضن للاستغلال والتحرش الجنسي في لبنان، وربطت ذلك بتراجع المساعدات والقيود المشددة التي تفرضها السلطات اللبنانية، وتحديدًا فيما يتعلق بتجديد تصاريح الإقامة مما جعل الكثير من اللاجئين غير قادرين على تجديدها، وبالتالي فهم وخاصة النساء يفضلون عدم إبلاغ الشرطة عما يتعرضون له من انتهاكات، تجنبًا لتوقيفهم، وأشار التقرير إلى أنه بذلك فنحو 70 في المئة من أسر اللاجئين السوريين في لبنان، يعيشون في ظل مستويات معيشية تقل كثيرًا عن خط الفقر المعتمد رسميًا هناك.

لبنان لا يختلف كثيرًا عن مصر، في قضية الزواج من السوريات، وإنما أسوأ، حيث تُنتهك الطفولة، ويتم تزويج قاصرات كوسيلة للتحصل على المال، وكان رئيس محكمة جبل لبنان ويدعى “محمد هاني” مؤخرًا أنه من الصعب إحصاء عدد حالات جواز اللبنانيين من سوريات، إلا انها تضاعفت كثيرًا في الفترة الأخيرة، ومعظمهن من القاصرات.

اللاجئات في الأردن.. مخيم الزعتري حيث يجد العنف الجنسي ملاذه

تعد الأردن من أكثر الدول العربية المستقبلة للاجئين، وذلك حسبما ورد في نتائج تعداد السكان في الأردن لعام 2015م، فقد بلغ عددهم 1.305.350 لاجئًا ووفق تقرير أصدرته جمعية معهد تضامن للنساء، ويكشف التقرير أن عدد اللاجئات السوريات بلغ 482893 لاجئة، مشيرًا إإلى أن 43.2 في المئة، منهن دون الــ14 عامًا، فضلًا عن أن 415 لاجئةً تزوجن قبل بلوغهن 15 عامًا، و18763 تزوجن وأعمارهن بين 15-19 عامًا، وبالنظر لمؤشرات هذا التقرير، تظهر حقيقة فائقة في بشاعتها، وهي أن العائلات السورية واجهت ويلات الفوضى والوحشية، مما اضطرها الى اللجوء إلى الأردن للحماية من الموت المحتم، ولكن ما حدث هو النقيض فقد لاقت في الأردن، وبالأخص في مخيم الزعتري الذي يضم 150 ألف لاجئًا، الذي يعاني المقيمين فيه من الفقر والجوع، وهو ما دفع أسر من قاطنيه إلى بيع بناتهم القاصرات لأثرياء تحت مسمى “الزواج والسترة”، على الرغم من أن القانون الأردني يرفض تزويج الفتاة إلا بعد تجاوزها الـ 18 من العمر.

تُعرض الفتيات للبيع عن طريق البغاء أو الزواج القسري لبضعة أيام أو لبضع ساعات من قبل سماسرة الزواج المنتشرين داخل المخيم باختيار الفتيات الأجمل والأصغر لأثرياء معظمهم متزوّج أو متقدّم في السن، مقابل مبلغ من المال بزعم أنه “المهر”، وهو انتهاك اَخر من انتهاكات أخرى جسام، تُرتكب بحق اللاجئات وحتي بعد انتهاء الزواج يتعرضن للخداع، فكثيرًا ما تكتشف اللاجئة أن الزوج مزق وثيقة الزواج بعد فترة قصيرة لا تتعدى أيام، ووفق بيانات مديرية الإصلاح والتوفيق الأسرى تبين أن نسبة الزواج المبكر بين اللاجئات السوريات لهذا العام بلغت 35 في المئة، من إجمالي زيجات السوريين في الأردن.

التحرش الجنسي أيضًا ينتشر في المخيمات، فهناك من العاملين بالمخيمات من يتحرش بالنساء جنسيًا، وفي مخيم الزعتري تحديدًا تخشى النساء الذهاب إلى المراحيض ليلاً خوفًا من التحرش الجنسي بهن، ونتيجة لذلك أكد أطباء تابعون لمنظمة العفو الدولية أن النساء في المخيم أُصبن بالتهابات بولية على نحو متزايد نتيجة منع أنفسهن من استخدام المراحيض بشكل متكرر ولفترات طويلة.

اللاجئات في العراق.. النجاة من الاعتداءات الجنسية في إقليم كردستان أقرب للمحال

نزح ملايين السوريين عن بلادهم، وكانت العراق من الوجهات الأولى بالنسبة لهم، حيث إقليم كردستان الذي جاء إليه خلال الثلاث سنوات الأولى من الحرب، ما يقارب الربع مليون لاجئ سوري، وفق الإحصائيات الرسمية للإقليم، إلا أنه لم يكن مكانًا اَمنًا، لهؤلاء اللاجئين فقد كشف استطلاع قامت به هيئة الأمم المتحدة للمرأة عن تعرض 68 في المئة، من اللاجئات السوريات هناك، لمضايقات وتحرش جنسي داخل المخيمات وخارجها، وطالبت الهيئة حكومة كردستان بمتابعة الموضوع ومعاقبة المسؤولين عن التحرش الجنسي، وتقديم دعم أكثر للاجئين وتوفير الحماية للنساء منهم، والعمل على توفير بيئة اَمنة داخل المخيمات؛ وقد أجرت كل من المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة والمجلس النرويجي للاجئين بالتعاون مع مؤسسة وارفن وجامعة صلاح الدين في أربيل، دراسة بشأن حال اللاجئات السوريات في العراق خاصة في مخيمات إقليم كردستان، وتكشف الدراسة أن نحو 82 في المئة من اللاجئات بهذا الاقليم، تعرضن للاعتداءات الجنسية الجسدية واللفظية وقد بلغت حد الاغتصاب؛ وطالب المسؤولون عن الدراسة الحكومة العراقية بضرورة المحاسبة القانونية للمعتدين.

اللاجئات في تركيا.. مافيا الجنس تتاجر بالنساء

بلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين لدى الحكومة التركية في ديسمبر عام 2015، نحو مليونين و407 ألف لاجئًا موزعين على 25 مخيمًا، جزء منهم داخل المخيمات، والجزء والأكبر خارج المخيمات.

وكشفت الصحف التركية عن تعرض 400 فتاة سورية للاغتصاب في مخيمات اللاجئين التركية، وأن 250 منهن حوامل من سفاح، وتحت اسم الزواج مقابل المال أو الحماية، ووفق تقرير مؤسسة الإحصاء التركية، تزوج أكثر من 3500 لاجئة سورية من أتراك سنة 2015، وقد أشار أخصائين اجتماعين في تركيا أن “الزواج السوري التركي ليس ظاهرة جديدة، لكنه خرج من مساره الطبيعي المتجسد في الرضا والقبول، وبات مهددًا بالاستغلال، وتجدر الإشارة إلى ظهور ما أشبه بمافيات الإتجار بالمرأة السورية تنشط تحت غطاء تزويج السوريات بالأتراك، ومنهن القاصرات ممن دون الــ 18 عامًا.”

الوضع في تركيا قد يكون أسوأ على صعيد الاستغلال الجنسي، حيث تنتشر “مافيا الجنس” تتبرص باللاجئات في مدن حدودية واقعة ما بين حدود تركيا وسوريا، بهدف إيقاعهن في “مستنقع الدعارة” إذ يُدفع بهن للعمل بها مقابل 20 إلى 25 ليرة أي ما يعادل 6.5 إلى 8.5 دولار أو مساعدات مثل الطعام، وقد أعدت منظمة مظلوم دار الحقوقية التركية تقريرًا ميدانيًا بشأن استغلال هذه المافيا للاجئات تتراوح أعمارهن بين 15-20 سنة، موضحة أن هؤلاء التجار يخدعون الأسر السورية بوعود وهمية بالزواج والسكن، ويدفعون لهم مبالغ تراوح بين 650-1650 دولار، ويقنعون الصغيرات بالزواج، ثم يتم تسكينهن في منازل بمدينة كيليكس جنوب تركيا، ويُجبرون على مزاولة الدعارة، وإن رفضن، يتعرضن للعنف والتهديد.