في حضرة اليوم العالمي للمرأة والذكرى «98» لثورة 1919.. نتذكر الثائرات على القمع أيًا كان مصدره
تفوح هذه الأيام بذكرى واحدة من أعظم الثورات الشعبية التي عرفتها مصر، انتفض الشعب بمختلف طبقاته الاجتماعية والثقافية، وأطلق الشرارة الأولى طلاب جامعة القاهرة، ومن بعدهم طلاب الازهر، ثم انضم إليهم بقية فئات الشعب، وشهدت هذه الثورة خروج النساء للتظاهر وقد عقدن العزم على كسر القيود المفروضة عليهن، تنحيهن عن المشهد السياسي في البلد.
لم تخرج النساء اَنذاك لتحتج على الأوضاع المزرية التي يفرضها الاحتلال الإنجليزي خاصة خلال الحرب العالمية الأولى وماتلاها فحسب، ولكن خرجن لإعلان الغضب والاحتجاج من كل سلطة قمعية، تقتل الحرية بين شقي الرحى.
كانت النساء قبل ثورة 1919، تقيدهن العادات والتقاليد البالية، التي تنال من حقوقهن، وتحبسهن خلف البرقع الأسود.
مشاهد خروج النساء في ثورة 1919، وقيادة “هدى شعراوي” الملقبة بـ رائدة الحركة النسوية المصرية أول مظاهرة نسائية، وسقوط شهيدات إثر استهداف قوات الاحتلال لهن بالرصاص، أثار الشاعر “حافظ إبراهيم”، وكتب هذه الأبيات تعبر عن رؤيته للمشهد المهيب
خَرَجَ الغوانى يحتججـن ورحت أرقب جمعهنــــــــه
فإذا بهن تخذن مـــــــن سود الثياب شعارهنــــــــه
وأخذن يجتزن الطــــريـ ـقَ، ودار سعد قصدهنـــــه
يمشين فى كنف الوقــار وقد أبَنَّ شعورهنــــــــــــــه
وإذا بجيش مقبـــــــــــل والخيلُ مطلقة الأعنـــــــــــه
وإذا الجنود سيوفُهــــــا قد صُوّبتْ لنحورهنـــــــــــه
وإذا المدافع والبنـــــــاد قُ والصوارمُ والأسنــــــــــّه
والخيلُ والفرسانُ قـــــد ضَرَبَت نطاقا حولهــــــــــنه
والوردُ والريحانُ فــــــى ذاك النهار سلاحهنــــــــــه
كثيرات شاركن في هذه الثورة الجليلة من مختلف الطبقات والأعمار، لكن منهن من حمل على عاتقه مسؤولية قيادة تلك المظاهرات، وتقدم صفوفها، دون خوف أو قلق.
لم ترهبهن أسلحة، ولم يفزعهن صوت الرصاص، في السطور التالية نمر سريعًا على محطات في حياة بعض الثائرات في 1919، خلال الثورة وتوابعها، وهذه السطور لا تعبر إطلاقًا عن حجم البصمات والإنجازات الذي حققنه.
صفية زغلول
صفية مصطفى فهمي، زوجة “سعد زغلول” زعيم الثورة، خرجت على رأس المظاهرات النسائية للمطالبة بالاستقلال خلال ثورة 1919.
عندما نُفي زوجها إلى جزيرة سيشل، طالبت المندوب البريطاني أن يرسلها للمنفى معه، إلا أن المندوب رفض ذلك، حتى وجدها قد حملت لواء الثورة من بعده، واكتشف أن خطورتها تماثل خطورة زوجها، فقرر الموافقة على إرسالها إلى المنفى مع زوجها، لكن مثلما تغير رأي المندوب السامي، تغير تقديرها للأمر، وشعرت أن واجبها تجاه وطنها أكبر وأعظم من البقاء في المنفى في هذا الوقت العصيب، وقررت أن تمضي في الطريق الذي بدأه “زغلول” في مصر.
متى حملت لقب «أم المصريين»؟
عقب نفي سعد زغلول أصدرت بيانًا قالت فيه: “إن كانت السلطة الإنجليزية الغاشمة قد اعتقلت سعد، فإن شريكة حياته السيدة صفية زغلول تشهد الله والوطن على أن تضع نفسها في نفس المكان الذي وضع زوجها العظيم نفسه فيه من التضحية والجهاد من أجل الوطن، وأن السيدة صفية في هذا الموقع تعتبر نفسها أمًا لكل أولئك الأبناء الذين خرجوا يواجهون الرصاص من أجل الحرية.”
وبعد أن ألقت سكرتيرة صفية زغلول هذا البيان على المتظاهرين هتف أحد قادة المظاهرة: “تحيا أم المصريين”، ومن يومها أصبح لقبها.
فتحت “زغلول” بيتها للكثير من المناضلين والمفكرين السياسيين والكُتاب أمثال علي أمين ومصطفى أمين، فاعتبرته الأمة في ذلك الوقت ملتقى ومنارة للثقافة والوعي والنضال، وحتى بعد رحيل “زغلول” في 1927، عاشت 20 سنةً لم تعتزل العمل السياسي.
التحرر من «النقاب» ثم «الحجاب»
في عام 1921، وعند وصولها مع زوجها سعد زغلول إلى الإسكندرية، ظهرت إلى جواره، وقد خلعت النقاب عن وجهها، ولحقها العديد في هذه الخطوة، أولهن هدى شعراوي وسيزا نبراوي، ومن ثم خلعت الحجاب، لتكون والرعيل الأول من النسويات، أول من رفع الحجاب المرتبط بالعادات والتقاليد التي تقيد العقل وتكبت الروح.
تحرير المرأة
في 9 مارس 1920، استقبلت “أم المصريين” في بيتها اجتماعًا أعلن فيه عن عدد من المطالب الخاصة بحقوق المرأة، على رأسها تعليم المرأة حتى مرحلة الجامعة، والسماح لها بالانخراط فى العمل السياسى، وتكوين الأحزاب.
هدى شعراوي
نور الهدى محمد سلطان، وعرفت باسم هدى شعراوي بعد أن حملت لقب زوجها “علي شعراوي”، الذي كان أحد أبرز وجوه ثورة 1919، ولُقِبت حتى الاَن برائدة الحركة النسوية المصرية، هي التي قادت المظاهرة النسائية الأولى في ثورة 1919، في 20 مارس، وأسست لجنة الوفد المركزية للنساء، وانتخبت رئيسة لها.
لــ”شعراوي” تاريخ من النضال قبل 1919، لكن ما أحدثته الثورة من هزة في المجتمع مهدت الكثير في طريقها، وهو ما جعل الإنجازات الأبرز في مسيرتها تحل بعد ثورة 1919.
بعد الثورة فى عام 1921، أثناء استقبال المصريين لسعد زغلول، خلعت البرقع علانية مع صديقتها ورفيقة دربها “سيزا نبراوي”، وكتبت في مذكراتها “ورفعنا النقاب أنا و”سيزا نبراوى” وقرأنا الفاتحة ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه.”
في عام 1923، أسست أول إتحاد نسائى مصري، وترأست وفد مصر المشارك في مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي فى روما فى نفس العام، فأكدت وجود المرأة على ساحة الحركة النسائية العالمية، ودفعت الاتحاد إلى تبني قضية استقلال مصر ضمن القضايا التى يساندها.
وظل الإتحاد قائمًا حتى بعد وفاتها، إلا أن قرارًا جمهوريًا صدر برقم 384 نص على إلغاء المواد من 54 إلى 80 التي تضمنها القانون المدني فيما يخص الجمعيات الأهلية، كتب نهاية المجتمع المدني حينذاك، وكتبت نهاية الإتحاد النسائي المصري.
سيزا نبراوي
زينب محمد مراد، تحولت إلى “سيزا نبراوي” بعد الشهر العاشر من عمرها عندما انفصل والديها، وكفلتها إحدى قريباتها وهي “عديلة هانم نبراوي” وأسمتها “سيزا” وأعطتها لقب أسرتها.
تعرف بكونها الصديقة الأقرب لــ”هدى شعراوي”، وشاهدة على كل خطواتها في الحراك السياسي والنسوي.
اشتركت في تنظيم أول تظاهرة نسائية عام 1919 ضد سلطات الاحتلال الانجليزي، شاركت “شعراوي” تأسيس الإتحاد النسائي المصري، وبعد سنتين تولت رئاسة تحرير مجلة المرأة المصرية الصادرة عن الاتحاد النسائي باللغة الفرنسية.
حافظت على الاتحاد بعد وفاة هدى شعراوي، وأدارته باستراتيجية مشابهة، فاستطاعت أن تحقق الكثير من أحلام وتطلعات صديقتها الراحلة هدى شعراوي، وخلال رئاستها، تحققت عدة مطالب رفعها الاتحاد منذ التأسيس، وهي؛ رفع سن الزواج للفتيات ليصبح 16 سنةً، والتأكيد على حق الفتاة في التعليم، ومن ثم السماح للنساء بالترشح للبرلمان والمناصب القيادية.
شفيقة محمد
شهدت أحداث ثورة 1919، سقوط عدد من الشهيدات برصاص قوات الاحتلال البريطاني، وكانت أولهن “شفيقة محمد” التي قالت عنها “هدى شعراوي” في مذكراتها “لن أنسى الأثر المحزن الذى أحدثه ضرب أول شهيدة مصرية وهى السيدة شفيقة بنت محمد فى نفوس الشعب عامة.”
قتلت “محمد” أثناء مشاركتها فى مظاهرة نسائية فى الــ10 من إبريل 1919، انطلقت باتجاه مقر المعتمد البريطانى لتهتف مطالبة بالاستقلال التام، وقتها فوجئ المعتمد الذى لم يكن يتصور النساء المصريات سوى أشباحًا خلف البراقع ولا علاقة لهن بشيء سوى بيوتهن وأطفالهن، لم يصدق الرجل نفسه، ووقف يراقبهن غاضبًا، حتى تقدمت الشهيدة نحوه، تحمل العلم المصري في يد وبيان الاحتجاج في الأخرى، وبعد تسلمه البيان، وقبل أن تعود إلى صفوف التظاهرة، اخترق الرصاص جسدها، لتسقط أول شهيدة في ثورة 1919، وكانت جنازتها بمثابة مظاهرة شعبية تعلن أن “شفيقة” لن تكون اَخر شهيدات الحرية والاستقلال، ولحق بها عدد من الشهيدات؛ حميدة خليل، وسيدة حسن، وعائشة عمر، وفهيمة رياض، وعائشة محمد، ونعيمة عبدالحميد، وفهيمة دهمان، وسيدة بدران، وأم محمد، ويمن بنت صبح ووحيدة سليمان، وفائقة عبدالله الشامي، وشقيقتها بخيتة.
إستر ويصا
“إستر فانوس”، واحدة من القيادات النسائية التي أنتجتها ثورة 1919،
تظاهرت وتقدمت الصفوف في المظاهرة النسائية الأولى إلى جانب هدى شعراوي، خلال ثورة 1919، وعندما جرى انتخاب اللجنة التنفيذية للنساء الوفديات” برئاسة “هدى شعراوي”، اختيرت هي نائبة لرئيسة اللجنة.”
كانت من الثلاث صاحبات المبادرة لإرسال خطاب إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ويلسون قائلة بعد نفي سعد زغلول إلى مالطة، إلى جانب صفية زغلول وهدى شعراوي.
ساهمت في إنشاء الاتحاد النسائي المصري بصحبة هدى شعراوي عام 1923، وأسست جمعية العمل من أجل مصر في عام 1924، بهدف مساعدة النساء الفقيرات، وتعليمهن التمريض والمهارات المنزلية ليعتمدن على أنفسهن، ويتجاوزن ظروف الفقر والمعاناة.