عندما قامت ثورة يناير، على عاتق الشباب بشكل رئيس، يتبنون دعوات الحرية والعدالة، ضمرت دعواتهم رياح تغيير على مستويات عدة ولم تكن السياسية فحسب، فوصلت إلى الحركة النسوية، فيما يماثل ما جرى مع الثورة الشعبية في 1919، التي كان لها عظيم الأثر على حركة النسويات الثائرات وعلى رأسهن “هدى شعراوي”.

حالة عودة الروح التي تشبعت بها الحركة النسوية في مصر بعد الثورة، تجلت مع ظهور مبادرات ومجموعات نسوية جديدة في مختلف الأرجاء المصرية، وليس القاهرة وحدها، ومنها ما نشأ في قلب ميدان التحرير نفسه، وظلت الحركة متصلة بالشارع وما يجري فيه، ولم تنفصل عن الثورة ومجرياتها وأحداثها حتى عام 2013.

مع هذا الجيل، ارتفع سقف الخطاب، واتسم بثورية تتماهى مع الحالة العامة للبلاد، وقاد أغلب هذه المجموعات فتيات، ومن ثم انضم إليهن شباب.

ومع ما عصف بالثورة من انكسارات وهزائم، انحسر البعض من هؤلاء إما طواعية أو رغمًا عنه، واَخرون مازالوا يعاندون الظروف المعادية ويحاولون البقاء والعمل من أجل تحقيق حلم “الواقع الأفضل للنساء.”

في الذكرى السادسة لثورة يناير.. «ولها وجوه أخرى» تفتح صفحاتها إلى عينة من قادة هذه المجموعات والمبادرات، ليتحدثوا عن تأثير ثورة يناير على الحركة النسوية.

عودة الاتحاد النسائي

عمر أحمد مع نوال السعداوي

«عمر أحمد» أحد مؤسسي الاتحاد النسائي، أكد لنا أن وعيه بقضايا حقوق المرأة، والتمييز ضد النساء، تشكل مبكرًا وتحديدًا خلال فترة الدراسة، لكنه لم يكن يدرك وقتها سبل تغيير هذه الثقافة السلبية، ويقول “الوعي كان حاضرًا لكن اَليات وأدوات التغيير كانت غائبة، ومع اندلاع ثورة يناير، شاركت في مظاهراتها واحتجاجتها وكنت حينها في الـ20 من عمري، أتطلع لأن أرى مطالب العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية التي رفعها المصريون حقيقة، وأدركت وقتذاك أنه لابد من تغيير الوضع، خاصة أن نصف المتظاهرين في ميدان التحرير كانوا من النساء من مختلف الفئات العمرية، وخلال الـ18 يومًا الأولى من الثورة، بدأت تتشكل الأحزاب والمبادرات، ولاحظت حينها أن تهميش المرأة وتمثيلها شبه معدوم، رغم ما قدمته خلال الثورة.”

يتابع «أحمد» “التقيت بعدد من الأصدقاء في الميدان، وجمعت بيننا أفكار متشابهة، فقررنا تدشين الاتحاد النسائي المصري في مارس عام 2011، وفي يوم 8 مارس عندما خرج الاتحاد بتظاهرة رفعت مطالب ثورية، لم تتعرض لتحرش جنسي أو لفظي فحسب، وإنما اعتداءات بالاَلات حادة.”

ويوضح مؤسس الإتحاد النسائي أن هدي شعراوي قد دشنت الإتحاد النسائي في أعقاب ثورة 1919، واستمر نشاطه حتى تم حله في 1959 عندما أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بحل جميع الأحزاب والحركات والجميعات الأهلية، وكان الاتحاد المنحل قد رفع مطالب تعتبر حداثية وثورية في وقتها ومنها؛ تمثيل المرأة في المؤتمرات الدولية، ورفع سن الجواز، وحق المرأة في التصويت وخلافه.

وعن أوجه التشابه بين ثورتي 1919 و25 يناير يقول “هناك سلبيات وإيجابيات في الحدثين، فالأجيال التي حملت مطالب المرأة مختلفة، فالجيل الأول هو جيل هدي شعراوي وصفية زغلول وصديقاتهن، والثاني تمثله نوال السعداوي وهدى بدران، والثالث جيل منظمات المجتمع المدني ومنهن عزة كامل وعزة سليمان، بينما الجيل الرابع الذي خرج من رحم ثورة يناير، وهو يختلف من ناحية الفئة العمرية، كما أن ممثلين الحركة النسوية المحسوبين على ثورة  يناير أو الجيل الرابع إذا صح التعبير لم يكونوا أكاديمين أو منظرين،  بالإضافة إلى أنهم خرجوا بالحركة النسوية من الغرف المغلقة، بينما تتميز الأجيال السابقة بأنها أكثر نضجًا.”

وعن مستقبل الحركات النسوية، يقول «عمر أحمد» أن ثمة أخطاء كثيرة ارتكبها القائمين أو المهتمين بالشأن النسوي وأولها هو عدم وجود مظلة لهذه الحركات، وغياب التنظيم فيما بينها، فضلًا عن تنازلها عن عدد من المطالب الأساسية المتعلقة بالمساواة والقضاء على العنف، من خلال قوانين واضحة في في ظل ما كنت تمر به مصر من أوضاع سياسية مضطربة.

لكن «أحمد» أكد أن هذه المجموعات سواء من استطاع أن يستمر منها أو اضطر للانسحاب بسبب ما اَلت إليه الظروف، اتسمت بوعي متزايد، ونجحت في أن توجد رواد يقودون الحركة النسوية سواء من إناث أو ذكور.

محاولات إسكات صوت الحركة النسوية

مزن حسن (مديرة مؤسسة نظرة) في إحدى جلسات محاكمتها

“المبادرات والحركات التي ظهرت في أعقاب ثورة يناير، لم يكن ضروريًا أن يكون لها مظلة واحدة، فالتنوع  والتعدد أمر مطلوب حيث ينطوي على طلبات مختلفة وأفكار متباينة، وبالفعل قد حققت هذه المجموعات ذلك” تقول «ندى نشأت» العضوة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية.

وتضيف “نشأت” “المبادرات التي تشكلت بعد الثورة كان لها مطالب واضحة وصريحة ومنها قانون مكافحة التحرش الجنسي ولولا جهودها ما كان القانون صدر في عام 2014.”

وتوضح «نشأت» أن قوانين أخرى لا تزال قيد المناقشة مثل قانون تجريم العنف الجنسي ضد النساء، واخرى لم تخضع للنقاش حتى الاَن، لافتةً إلى أن مؤسسة قضايا المرأة تحاول أن تثير جدلاً في أمور ذات أهمية خاصة مثل قانون مدني موحد لكل المصريين، وتؤكد أن كل هذا بفضل ثورة 25 يناير.

وتتابع قائلة “الحركة النسوية لا تشهد تراجعًا، ولكن هناك محاولات لإسكات صوت الحركة النسوية على أيدي جميع الأنظمة التي أعقبت الثورة سواء كانت مرجعيتها دينية أو عسكرية، بالإضافة إلى كيل الاتهامات للحركة النسوية، بإدعاءات من عينة أنها تحاول تغريب القيم والعادات، وهو أمر غير حقيقي بالمرة، فمطالب المرأة تتخلص في تحقيق المساواة لها في العمل، وألا تتعامل كونها مواطن درجة ثانية، وألا يجري تأجيل قضايا المرأة تحت دعاوى أن الوقت لم يحن بعد لذلك.”

وتستطرد «نشأت» قائلة “كل المطالب منذ ثورة الــ25 من يناير وحتى الاَن، تتلخص في تطبيق وتفعيل مواد الدستور، فضلًا عن تعديل القوانين التي عفا عليها الزمن، لكن ما يحدث هو محاولات للترقيع وليس التعديل لقوانين منذ عام 1920، خاصة المتعلقة بقضايا الاحوال الشخصية.”

رياح الثورة النسوية وصلت إلى الصعيد

فعالية لمجموعة “دورك”

الثورة بدأت في التحرير، وامتدت إلى كل أنحاء الجمهورية، شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، وقلب الصعيد حيث محافظة قنا، قررت “سما باسل” واثنين من صديقاتها تأسيس مبادرة نسوية تحمل اسم ” دورِك” في أعقاب ثورة يناير، والهدف هو التغيير، ومناهضة العنف ضد المرأة في المجتمع القناوي.

“سما الباسل” تتحدث إلينا عن تأثير ثورة يناير عليها كإحدى النشاطات النسويات في الصعيد، وتقول “لولا ثورة يناير لما تشكل لدي الوعي بالحقوق المهدرة للنساء، وقد بدأت بعد الثورة بوضع أطر عامة لقضايا المرأة في الصعيد أنا وصديقتي، وتلقينا تدريبات في عدد من المؤسسات المعنية بقضايا المرأة ومنها المرأة الجديدة، ونظرة، حتى خرجت مبادرتنا إلى النور في عام  2014، وبدأنا بالعمل عبر الإنترنت لمدة سنة ونصفن ومن ثم قررنا النزول إلى النساء والتوعية بالعنف ضدهن.

وعن القضايا التي تضعها “دورِك” على رأس أولياتها تقول “باسل”، إن كل شئ كان قابلًا للطرح والمناقشة، حتى تم تحديد مشكلات بعينها بشكل أكثر دقة، ومنها الطلاق والعنف الأسري، والاستقلال المادي، والزواج وذلك من خلال استراتيجية واضحة وضعتها بالتعاون مع شريكاتي بالمبادرة.

وعن تأثير ثورة يناير على الصعيد عمومًا، تكشف “باسل” أن شباب ثورة يناير  تمكنوا من إحداث حالة من الحراك في الصعيد والأماكن النائية، التي لم تكن تعرف التيارات السياسية المختلفة مثل الأحزاب اليسارية والليبرالية، إذ لم تكن تضم مقرات حزبية سوى للحزب الوطني المنحل (الحاكم في عهد مبارك)، ولم تكن هذه الأماكن تعرف إلا الصوت الواحد.