على الرغم من أن العنف ضد المرأة ظاهرة عالمية ولا يقتصر على منطقة دون أخرى أو قارة دون سواها، إلا أنه يرتع ويتمدد بشراسة في القارة الإفريقية أكثر من أي نطاق جغرافي اَخر، وتتعدد صوره التي لا تظهر في أي مكان خارج هذه القارة، ما بين “كي الثدي” وتقليد “الضبع” و”العزل أثناء الدورة الشهرية”، و”ختان الإناث” وغير ذلك الكثير من الممارسات البغيضة التي تتشبث بها غالبية الدول الإفريقية، وتتباين الدوافع وراء تلك النوائب الي تعاني منها نساء القارة السمراء، ولكن تبقى الموروثات الاجتماعية والتقاليد القبلية على رأس القائمة التي تطيل من عمر المقاساة.

العنف الذي يُمارس بحق الإفريقيات، يعد أمر اعتياديًا، لكن لا يتحرك لبشاعته التي باتت معلومة للمجتمع الدولي بأسره بفضل الصحافة والمنظمات الحقوقية الدولية وحتى المحلية وبالقطع مواقع التواصل الاجتماعي.

وتكشف الأرقــــــام التي تصدر عن منظمات دولية أو إقليمية ومحلية، أن وضعًا كارثيًا تعيشه الإفريقيات منذ عقود، ومنها ما أفصحت عنه منظمة الصحة العالمية (WHO) في عام 2005، عندما أقرت بأن النساء هناك الأكثر تضررًا من ظاهرة العنف، ونحو 51 في المئة منهن يتعرضن للعنف، و21 في المئة منهن يتزوجن قبل سن 15 عامًا، و24 في المئة أخضعن لممارسة تشويه الأعضاء التناسلية المعروفة بـ”ختان الإناث”.

وتشير أرقام أوردتها منظمة العفو الدولية، أن جنوب إفريقيا، تشهد كل 6 ساعات، مقتل امرأة من قبل زوجها أو شريكها الحميم، وفي زمبابوي 6 من كل 10 حالات قتل نُظِرت أمام المحكمة في عام 1998، كانت نتيجة عنف منزلي.

وفي عام 1990، عالج إحدى المراكز الطبية في زيمبابوي أكثر من 900 فتاة أقل من سن 12 عامًا، من أمراض منقولة جنسيًا بما فيها الإيدز.

وفي نيجيريا، كشفت إحدى المنظمات المحلية في مدينة زاريا بشمال البلاد، أن 16 في المئة، من المرضى بالأمراض المنقولة جنسيًا، من الفتيات أقل من 5 سنوات مما يشير بوضوح إلى تعرضهن لاعتداءات جنسية.

وقد سبق وأشارت مجلة “African Recovery” التي تصدر عن الأمم المتحدة إلى أن العنف ضد المرأة الإفريقية يتجاوز حدود العنف الأسري بصوره المعهودة، فمن الشائع أن يجري تزويج النساء بالإكراه وينتشر العنف المرتبط بالمهور والاغتصاب الزوجي وضرب الزوجة والتحرش الجنسي والتهديد في أماكن العمل والمؤسسات التعليمية، والإكراه على الحمل والإجهاض والتعقيم، والاتجار وممارسة الدعارة، وكثيرًا ما تنتهي هذه الممارسات بالموت.

تفشي ظاهرة العنف ضد المرأة في إفريقيا، يأتي رغم توقيع الـ53 دولة مستقلة التي تضمها القارة، على بروتوكول حقوق المرأة الإفريقية قبل نحو 22 سنةً، وهو ما يؤكد أن الثقافة المجتمعية صاحبة الصوت الأعلى، وأن القوانين لا تجد صدى لدى المجتمعات القبلية والتي تشيع فيها النزاعات ويغيب الاستقرار والأمن، والمفزع أن صورًا يصعب على العقل تقبل واقعيتها، تُجرَى يوميًا على هذه الأرض وعلى الرغم من الأنين لا يكترث لصوته أحد.

كشوف العذرية مقابل التعليم

في عام 2016، أعلنت إحدى المقاطعات في “كوازولو ناتال”، إحدى محافظات جنوب إفريقيا، توفير 16 منحة دراسية بالجامعات والمدارس العليا للفتيات، ولكن هؤلاء اللواتي يقبلن الخضوع لكشوف العذرية، لأن المنح لا تجوز إلا للعذروات فقط، والغريب أن غالبية المجتمع هناك لم تحتج على الأمر، باستثناء بعض الناشطات الحقوقيات اللواتي تظاهرن رافضين ربط التعليم بالعذرية، وقد اعتبرن ذلك انتهاكًا لحق المرأة في الدراسة وتعديًا سافرًا على جسدها، وهو ما نظر إليه قطاع من المجتمع كونه هجومًا على التقاليد الأصيلة، وهو ما عكس حينذاك أن هذا الإجراء ليس جديدًا أو مستحدثًا هناك.

 ليلة التعاسة التي تفصل بين نهار الطفولة وليل المراهقة الكاحل

تجبر الفتيات في عدد من المجتمعات الريفية في مالاوي، على قضاء ليلة غبراء، بعد أن تبلغهن الدورة الشهرية، معروفة باسم تقليد “Hyena” أو “الضبع”، في إشارة إلى رجل مسن في القرية التي تعيش فيها الفتاة، مهمته الأساسية ممارسة الجنس مع من تأتيها الدورة الشهرية، وذلك بناءً على اعتقاد راسخ لدى هذه المجتمعات بأن ذلك “تطهيرًا” يفتح الباب أمام انتقال طبيعي نحو مرحلة المراهقة.

وعلى الرغم من أن أحد المسمين بــ”الضبع” أصيب بفيروس نقص المناعة “HIV”، إثر تلك الممارسات، وبادرت السلطات بإعتقاله، إلا أن ذلك لم يغير شيئًا في الثقافة التي تقبض على هذا الطقس بقوة.

لأجل الحماية من شر .. العلاج بشر أفدح منه!

هذه الظاهرة غير معلوم من أين بدأت ومتى، لكن الأرقام تكشف توغلها في عدد من البلدان مثل؛ الكاميرون التي يصل فيها عدد من خضعن لهذا الفعل إلى 50 في المئة، وتنتشر أيضًا في نيجيريا وتوغو وغينيا وكوت ديفوار وجنوب أفريقيا، وبحسب الأمم المتحدة فإن “كي الثدي” خضعت له 3.8 مليون امرأة حول العالم.

وتجري الأسر هذه الممارسة الدميمة، لمنع أو تأخير نمو الثدي، وتناقلت الأمهات عبر الأجيال هذا الإجراء باعتباره “حماية” للفتيات من الاغتصاب، وقد اعتدن القيام بذلك في المرحلة العمرية ما بين 11 و15 عامًا، باستخدام ملاعق كبيرة أو أحجار أو مدقات الهاون لتسطيح الثديين.

تُسخِن الأمهات هذه الأدوات أولًا، وعند ملامستها للجسد يصيبه الاحتراق، ثم تتبعه التهابات وتقيحات، قد يصحب ذلك عدوى جلدية وتشوه للأنسجة واختفاء الثديين تمامًا، فضلًا عن أن الفتيات اللواتي تعرضن يكن للكي أكثر عرضة للإصابة بسرطان الثدي.

يذكر أن 58 في المئة من الحالات التي تعرضت لــ”كي الثدي”، كانت على يد الأمهات للاعتقاد الراسخ بأن هذا التقليد وجوبي لحماية بناتهن من تعقب الرجال والتحرش والاغتصاب.

في الكاميرون، تقل هذه العادة الوحشية بين بنات الطبقات الأعلى، لكن ذلك لا يعني نجاتهم نهائيًا، فمنهن كثيرات يجبرن على ربط أحزمة عريضة على صدورهم لتأخير نمو الثدي، واللافت أن الأمهات مازلن يتمسكن بهذه الممارسة، على الرغم من أنها لم تمنع التحرش الجنسي والاغتصاب.

ختان الإناث .. العصي على الموت

هناك نحو ثلاثة ملايين فتاة يواجهن أخطار تشويه أعضائهن التناسلية كل عام في إفريقيا، وهناك نحو 155 مليون امرأة مختونة، و7000 امرأة يجري تختينهن يوميًا، وفق إحصاء لــمنظمة “يونيسيف” الدولية.

وطبقًا لأرقام يونسيف، فإن الصدارة في إفريقيا تحتكرها مصر بتعداد 27.2 مليون امرأة خضعن للختان،  وتصدر مصر قائمة الدول التيي تمارس هذا الجرم، يأتي في ظل صدور قانون منذ عام 2008، اعتبر أن ختان الإناث جريمة يعاقب عليها القانون، فضلًا عن أن حملات مناهضة الختان فى مصر بدأت فى عشرينات القرن الماضى على يد بعض الأطباء بشكل فردى ثم اتسعت للتبناها مجموعات، فمنظمات، فالحكومات المتعاقبة.

في مصر ينتقل “ختان الإناث” من جيل إلى جيل استنادًا إلى عادات متوارثة صبغها الزمن بالرداء الديني، لكن جميع المراجع التاريخية تشير إلى أنه تقليد انتشر بين النساء في مصر القديمة. وليست مصر وحدها الدولة التي سنت قانونًا ضد ممارسة “تشويه الأعضاء التناسلية”، لكن عددًا من الدول الإفريقية استصدر قوانين مماثلة مثل كينيا، أوغندا، وغينيا ونيجيريا وغامبيا.

ومع ذلك، ففي كينيا على سبيل المثال، ثلاثة فقط من إجمالي 63 مجموعة عرقية في البلاد لم تمارس أي من أشكال الختان، وأغلب الفتيات يخضعن له قبل الـ 15 من عمرهن.

“تشويه الأعضاء التناسلية” هو المسمى الأدق لهذه الممارسة غير الاَدمية، لكن الشعوب تستخدم مصطلحات أخرى في تسميتها، وكلها تعكس رؤيتهم والثقافة الشعبية المتجذرة تجاهها، ففي مصر كانت سابقًا يطلق عليها “الطهارة”، لكن بمرور الوقت وتزايد الوعي بخطورتها، أضحت معروفة باسم “ختان الإناث”، فيما تعرف في السودان باسم “الطُهر”، وفي مالي “غسيل الأيدي”.

وهذه الأسماء التي تطلقها المجتمعات لتربط بين الممارسة والعفة، تعكس الثقافة الحاضنة، رغم وجود قوانين ومراسم تجرمها، إذ أن 24 دولة من أصل 29 ينتشر فيها ختان الإناث، قد أصدرت مراسيم وسنت قوانين ضده، ومع ذلك يبقى حيًا متغلغلًا.