رحلن في «2016».. عام ودعنا فيه «الطفلة المعجزة» و«عروس النيل» و«أم الفلاحين» و«صاحبة أجمل عيون» عرفتها السينما العربية
هكذا هو الزمان يهب للعالم عطاياه بمواليد سيحققون إنجازات في سنة من سنواته، وفي الوقت نفسه ينتزع من بيننا عظماء في كل عام من أعوامه، وفي “2016” فقدنا العديد من الرموز التي أثرت تاريخنا وتركت بصمات غائرة في مجالات عديدة، بينهن نساء رافقهن النجاح طويلًا، ولم تغب سيرتهن العطرة عن الألسنة حتى في الغياب، ومنجزاتهن عاشت معهن وستعيش وتبقى بعدهن. في نهاية عام ومع بداية اَخر، نتذكر هؤلاء النسوة اللاتي ودعناهن خلاله
فيروز الصغيرة “الطفلة المعجزة”
ولدت ” بيروز أرتين كالفايان” التي عرفها الملايين باسم “فيروز” فى يوم 15 مارس من العام 1943 في القاهرة لأسرة أرمنية من مدينة حلب بسوريا، وهي شقيقة الفنانة نيللي، وابنة عمة الفنانة لبلبة، وتميزت منذ صغرها بقدراتها المتميزة في الرقص والاستعراض.
اكتشفها الفنان “أنور وجدي” مبكرًا وهي في الــعاشرة، ووقع مع والدها عقد احتكار تتقاضى عنه ابنته ألف جنيه عن كل فيلم، واختار لها “وجدي” اسم “فيروز”، وتبناها فنيًا، فمثلت أمامه أشهر أفلامها التي مازال يشاهدها الجمهور العربي حتى يومنا هذا، ومن أشهر أدوارها السينمائية “فيروز هانم” و”دهب”.
بعد وفاة “وجدي” عملت مع عدد من المخرجين، لكنها لم تحقق نفس النجاح، ومن بين هذه الأفلام؛ “عصافير الجنة” مع شقيقتها نيللى وفيلم “إسماعيل ياسين للبيع” و”بفكر فى اللى ناسينى” الذى قررت بعده الاعتزال وهي فى السادسة عشر من عمرها، حتى تظل في ذاكرة الجمهور “الطفلة المعجزة” كما لقبها المصريون، لم تظهر تقريبًا بعدها في محفل جماهيري سوى في برنامج خليك بالبيت مع الإعلامي “زاهي وهبي” على قناة المستقبل اللبنانية، وفي حفل افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي في عام 2001 عندما اختيرت للتكريم في تلك الدورة. توفيت “فيروز الصغيرة” أو “الطفلة المعجزة” بعد صراع مع المرض فى 30 يناير الماضي، عن عمر يناهز 73 عامًا.
https://youtu.be/75DD4utoFFE
شاهندة مقلد “أم الفلاحين”
لم يمكن أن تصفها بشيء غير “النضال”، لأنها قضت حياتها تناضل من أجل الحقوق، بداية من حقوق الفلاحين، حقوق المواطن عمومًا، حقوق المرأة خصوصًا، حقوق الإنسان أيما كان، حقوق الشباب الذي ثار ضد الفساد في يناير 2011، هي ابنة قرية “كمشيش” بالمنوفية، في المدرسة التقت بمدرسة تدعى “وداد متري”، هي من أنشط رائدات الحركة الشيوعية، تفيض حماسًا وحيوية، فأحبتها “شاهندة” وتعلقت بها وزاد شغفها بالفكر الشيوعي، الذي أضحى سببًا في التقريب بينها وبين ابن عمتها “صلاح حسين” الذي تزوجته فيما بعد.
اُغتيل زوجها في عام 1966 على خلفية نضاله المستمر من أجل الفلاحين، ولكن هذه الواقعة المأساوية لم تثنها عن مواصلة نضالها من أجل قضية الفلاحين ومحاربة الإقطاع، مستلهمةً روح التضحية والشجاعة التي عرفتها من زوجها الراحل، خاصةً بعد استلام السادات السلطة ووقوفه إلى جانب الإقطاع.
التقت “مقلد” بأعظم شخصيات في التاريخ و أولهم “تشى جيفارا” أشهر مناضل ثوري والفيلسوف “سارتر”، الذي جاء ليعلن تضامنه مع قرية كشميش.
عانت من الفقد كثيرًا في حياتها، فبعد وفاة زوجها، استشهد شقيقها في حرب الاستنزاف، وتوفي ابنها منذ سنوات في حادث، بالعاصمة الروسية موسكو، ومع ذلك لم تنزو “مقلد” أو يتوقف نشاطها من أجل الدفاع عن الحقوق.
كانت “شاهندة مقلد” من أشد المعارضين لنظام مبارك وشاركت في ثورة يناير 2011، وواجهت الإخوان وبطشهم فيما بعد، وكان صاحبة الصورة الأشهر خلال عام 2013، التي تجسد فيها بطشهم، وكان اَخر منصب شغلته، هو عضويتهت للمجلس القومي لحقوق الإنسان. فى 2 يونيو الماضي، توفيت مقلد عن عمر يناهز 78 عامًا بالمركز الطبي العالمي، بعد صراع من المرض.
نعمات أحمد فؤاد.. “عروس النيل”
ابنة مغاغة بمحافظة المنيا، ولدت في عام 1926، ودرست بكلية الآداب جامعة القاهرة وحصلت على الماجستير فى أدب المازنى، واختارت “النيل فى الأدب العربى” موضوعًا لرسالة الدكتوراة. وتعد من القامات الفكرية التي انشغلت بهموم المواطن المصري، وانخرطت في عدد من المعارك دفاعًا عن حقوقه، مثل دفن النفايات الذرية وقضية الدفاع عن الآثار الإسلامية وقضية استيلاء اسرائيل على الآثار المصرية أثناء احتلالهم لسيناء.
علاوة على ذلك، كان لها معركة كبيرة سميت بمعركة هضبة الأهرام، حينما أعلن الرئيس السادات إقامة مشروع سياحى لملاعب الجولف عند هضبة الهرم، فقررت الوقوف في وجه القرار الرئاسي، مهما كانت المخاطر التي ستتعرض لها، وأعلنت مسببات رفضها للمشروع داخل مصر وخارجها، وعلى رأسها الخوف من تأثير المياه والرطوبة على الآثار، وأقامت دعوى ضد رئيس الجمهورية، حتى انتهت الأمور لصالحها وتراجع عن قراره.
تركت المفكرة عددًا من المؤلفات الثمينة، مثل؛ “شخصية مصر” و “صناعة الجهل” و”أعيدوا كتابة التاريخ” و “أم كلثوم عصر من الفن”، ومن أقوالها المأثورة “شيء كبير أن يكون للإنسان قلم ولكن شيئا نفيسًا أن يكون للإنسان موقف.”
ترجمت هيئة يونسكو الدولية كتابها “إلي ابنتي” إلى اللغة الإنجليزية، ومن أهم المناصب التي شغلتها؛ مدير عام المجلس الأعلى للثقافة، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة حلوان لمادة فلسفة الحضارة. توفيت “عروس النيل” كما كان يطلق عليها، في أكتوبر الماضي.
زبيدة ثروت..
صاحبة أجمل عيون عرفتها السينما ولدت قبل 76 عامًا، في الإسكندرية وكان دخولها الوسط الفنى محض صدفة، وتعود القصة إلى نشر مجلة “الجيل” صورتها على غلافها بعد فوزها بمسابقة أجمل مراهقة التى أقامتها المجلة، فالتفتت إليها أنظار المنتجين والمخرجين، فشجعها والدها على دخول عالم السينما، بينما عارض جدها إلى حد تهديدها بالحرمان من ميراثه، وكانت المقايضة حتى يقبل بالتمثيل، استمرارها في دراسة المحاماة والعمل بها بالتوازي.
ظهرت لأول مرة فى فيلم “دليلة” إنتاج عام 1956 مع عبد الحليم حافظ وشادية واجتمعت مع “حليم” في أحد أهم أفلامها والأفلام التي أنتجتها السينما المصرية في الفترة الذهبية (الخمسينيات والستينيات)، وهو “يوم من عمرى” المنتج في عام 1961.
ومن أشهر الأفلام في مسيرتها الفنية “سلوى فى مهب الريح” و”الملاك الصغير” و”شمس لا تغيب” و”فى بيتنا رجل” الذى كرمها عليه الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على دورها فيه، كما قدمت عددًا من المسرحيات من بينها؛ “عائلة سعيدة جدًا”.
فى اَواخر السبعينيات قررت الاعتزال بعد فيلم “المذنبون” للمخرج سعيد مرزوق، ولم تظهر أمام الجمهور بعد ذلك إلا في برنامج “بوضوح” مع الإعلامي عمرو الليثي، في مايو من العام 2015، توفيت “ثروت” قبل أيام تحديدًا في 13 من ديسمبر، بعد صراع طويل مع مرض سرطان الرئة.