استكمالًا لما بدأناه من قراءة في الأفيش السينمائي المصري، لاستقراء وضعية المرأة فيه، نتطرق في الحلقة الثانية من سلسلتنا، إلى مرحلة تحول كبيرة في التاريخ السينمائي، وفي الأفيش كفن وثيق الصلة بــ«السينما»، وهي مرحلة الإزدهار  خلال ستينيات القرن الماضي، التي بقي فيها الأفيش المرسوم باليد هو السائد، مع ظهور محدود للأفيش المعتمد على الصور الفتوغرافية، وفي نهاية هذه الفترة بدأ التمهيد لذلك المعتمد على الإثارة الذي سيطر خلال فترة السبعينيات، وقد تحول خلالها جسد المرأة إلى سلعة تستخدم للترويج للأفلام، واستقطاب نوع بعينه من الجمهور.

ملحوظة: مصدر أغلب الأفيشات الواردة في هذه الحلقة، هو مجموعة الناقد سامح فتحي (الأفيش الذهبي في السينما المصرية – فن الأفيش في السينما المصرية) ويُنصًح بمطالعة هذه المجموعة.

الستينيات تعتبر بالنسبة للأفيش، مرحلة تعبر عن مزيد من التمكن للرسامين، وبراعة أكثر في تجسيد التفاصيل، وبوادر جرأة،  لكن السيطرة النسائية على الأفيش التي تجلت مع عزيزة أمير، أو أم كلثوم، وفاتن حمامة، تبدو أقل مع نجمات هذه الفترة، مثل سعاد حسني، ومريم فخر الدين، وهند رستم، وشادية، وصباح، مع استثناء خاص لـ”فاتن حمامة” التي مازالت تتربع على عرش الأفيش السينمائي، ومن بعدها ماجدة ونادية لطفي.

أيضـــــًا.. الحلقة (1) – قراءة في وضعية المرأة في الأفيش السينمائي: قوة مفرطة واستحواذ بتوقيع الرائدات

1960 – 1970 .. الشخصيات السينمائية تفرض حضورها على الأفيش أكثر من أصحابها.. “ماجدة” و”نادية لطفي” يلحقان بــ”فاتن حمامة” في تصدر الأفيش.. و”نجوى فؤاد” و”سهير زكي” خليفتا “كاريوكا” و”سامية”

بعكس السبعينيات، لم تُستغَل أجساد النساء على الأفيش السينمائي لغرض تجاري، ولم تُغلب طبيعة أو شخصية النجمة نفسها على حساب ملامح الشخصية السينمائية كما انتشر في الثلاثينيات والأربعينيات تحديدًا، وإنما كان الرسامون يطوعون صور النجمات لتتواءم مع طبيعة الشخصية السينمائية وبما يخدم التعبير عن فكرة الفيلم الرئيسة، أو وجهة نظر المخرج التي يريد أن يجذب من خلالها الجمهور.

وبالنظر إلى أفيش فيلم “أنا وأمي” للمخرج عباس كامل والمنتج في 1960، من بطولة “تحية كاريوكا” و “رشدي أباظة” و “عواطف يوسف”، تتجلى الدقة في تجسيد ملامح “كاريوكا” وفق شخصيتها بالفيلم، عكس أفيشات الفترة السابقة التي كانت لا تقدم تفاصيلًا بهذه الدقة، وتركز على تقديم هيئتها كراقصة ترمز للبهجة بخفة ظلها المعلومة، وعادة ما كان المصممون يرسمونها مرتدية بدلة رقص أو ملائة لف، لكن هذا الأفيش  يعكس تحولًا في الاهتمام بالشخصية “التمثيلية” على حساب الاهتمام بشخصية وروح البطلة نفسها. على هذا الأفيش لم تظهر “كاريوكا” بكامل جسدها، ولا ببدلة رقص، وإنما بوجه متجهم، ملامح القلق والخوف تكتسيه، محتضنة “عواطف يوسف”. بينما يظهر “رشدي أباظة” بحجم صغير في وسط الأفيش، وهو يخرج من باب، وبدا يبحث عن شيء ما، وتصدر الأفيش اسم الفيلم باللون الأبيض مع خلفية حمراء تجذب الانتباه، ويكشف الأفيش في تصميمه تراجعًا لقوة “كاريوكا” في السيطرة عليه، بعكس عدد من الأفيشات في المرحلة السابقة لأفلام مثل “سمارة” أو ” المعلمة”.

الدقة والتخلي عن تقديم صورة مؤدية الشخصية على حساب الشخصية السينمائية نفسها، يتضح أيضًا من خلال أفيش فيلم “أبو الليل” المنتج في العام نفسه، من بطولة سامية جمال وأحمد رمزي ومحمود المليجي، وكانت “جمال” في نفس خندق “كاريوكا” خلال الخمسينيات، اعتاد المصممون على تقديمها كراقصة على الأفيش ببدلة الرقص، والابتسامة ترتسم على وجهها عريضة، تشع بهجةً وتفيض سرورًا، لكن في هذا الأفيش الشخصية وملامحها فرضت نفسها، وتمكن المصمم من تجسيد ملامحها بدرجة عالية من الإتقان، وظهرت بوجه شارد، وقد غطت شعرها بمنديل رأس، وهو ما تظهر عليه في الفيلم فعليًا؛ لكن ذلك لا يعني أن مصممي الأفيش استغنوا عن صورة الراقصة، صاحبة الابتسامة الاَخاذة والجسد الممشوق، المطوق ببدلة رقص مثيرة، فقد حلت أسماء أخرى بديلة للاسمين السابقين مثل  “نجوى فؤاد” التي ظهرت على هذا النحو في عدد من الأفلام، بداية من 1959 مثل؛ “مفتش المباحث” الذي أنتج في هذه السنة، ثم “الأزواج والصيف” في عام 1961، و”لماذا أعيش” المنتج في العام نفسه، وسهير زكي على أفيش فيلم “مطلوب زوجة فورًا” إنتاج عام 1964.

“ماجدة ونادية لطفي”.. حضور طاغ على الأفيش

“سعاد حسني”.. نجومية سينمائية لم تستغل الأفيش لصالحها

ومازالت “فاتن حمامة” سيدة الأفيش السينمائي بلا منازع

دقة الملامح المرسومة تظهر أيضًا في أفيش “إشاعة حب” من إنتاج عام 1961، لكن الأفيش في حد ذاته، بدا أكثر من عادي لم يعبر لا عن فكرة الفيلم، ولا أفصح عن نجومية أحد عن الاَخر بين سعاد حسني وعمر الشريف، وقد اكتفى المصمم بهما وحدهما على الأفيش، وحتى دون وصل بينهما، ولم تختلف كثيرًا أحجام صورتي الشخصيتين عن بعضهما. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه على الرغم من النجومية الطاغية لــ”سعاد حسني”، إلا أن حضورها على الأفيش لم يكن بذات القوة التي كانت لـ”فاتن حمامة” ومن بعدها “ماجدة” خلال هذه الحقبة الزمنية، أو حتى “نادية لطفي”.

“ماجدة” كان لها خلال هذه الفترة، حضور خاص وبراق على الساحة السينمائية، وحافظت بالمثل على حضورها على الأفيش، لتصنع نجومية موازية على الملصقات الدعائية للأفلام.

ويمكن قراءة ذلك من خلال أفيشات لأفلام، مثل “المراهقات” المنتج عام 1960 للمخرج أحمد ضياء الدين،  وقد رسمها المصمم “خليل” من زاوية جانبية، في مساحة تقارب ثلثي الأفيش، وهي تثني ساقيها، مرتدية فستان أخضر اللون خيوط زرقاء رقيقة تذوب في الأخضر، لينقلا شعورًا بحب الحياة والأمل والنظر إلى الغد، وقد تدلى ذيله، ليكشف عن ساقيها، وهي تنظر بابتسامة مباشرة إلى المتلقي مفعمة بالحيوية في حالة تتوافق مع اسم الفيلم، وفي الجانب الأيسر عامود أسود ضئيل الحجم، كُتِبَ فيه الأسماء، وتفوق اسمها على اسم رشدي أباظة البطل أمامها، وتوسط العامود صورة للبطل (الطيار) وهو يقبل فتاة (البطلة).

في عام 1961، ظهرت “ماجدة” وحيدةً على أفيش “هذا الرجل أحبه” للمخرج حسين حلمي المهندس، وتتبين دقة المصمم “خليل” في تجسيد ملامحها، التي رسمها حتى كتفيها فقط، مع خلفية بلا تفاصيل سوى أعمدة بألوان الأسود والأزرق والوردي الغامق.

في عام 1962، شاركت رشدي أباظة بطولة فيلم “دنيا البنات” من تأليف وإخراج سعد عرفة، وقد احتلت المساحة الأكبر من الأفيش بوجهها هادئ الملامح ، فيما اكتفى المصمم “عبد العزيز”بوضع صورة صغيرة لــ”رشدي أباظة” في أسفل الأفيش بخلفية زرقاء، و مزج على بقية مساحة الأفيش اللونين الأحمر والأصفر ليعكس حالة من الدفئ والعاطفة تتماشى مع طبيعة ملامحها كما جسدها المصمم.

أما أفيش فيلم “الحقيقة العارية” من إنتاج عام 1963، الذي رسمه خليل، فلم تنل فيه “ماجدة” ذات المساحات الكبيرة، فقد تجسد الأفيش في صورة مرسومة لإحدى لقطات الفيلم تجمع بين بطليه. وشاركها البطولة “إيهاب نافع” وهو أول فيلم يجمعهما سويًا، وقد تناصفا الأفيش، من خلال صورة تعبيرية من الفيلم نفسه، وطغى اللون الأصفر على الخلفية، التي تضم اَثارًا، للتدليل على النطاق الجغرافي الذي تقع فيه أحداث الفيلم، حيث أسوان وتحديدًا منطقة السد العالي، وقد بدت “ماجدة” في حالة ارتباك وعثرة، بينما يحتضنها “نافع” وقد هم لحمايتها من أحد الجرافات في منطقة العمل.

وقد فضل مصمم الأفيش، التعبير عن قصة الحب التي تنشأ بين البطلين، على حساب أحد أهم أساسات بناء الفيلم، وهي استقلالية الأنثى، ورفضها للمنظومة التشريعية المهترئة التي تمنح الرجل حق الطلاق دون تقييد.

ومن بين أكثر أفلام “ماجدة” إثارة للجدل، فيلم “حواء على الطريق” من تأليف وإخراج حسين حلمي، وقد أنتج في عام 1968،  وهو الفيلم الذي يدرجه البعض تحت مسمى “سينما المرأة”، لأنه تعرض لفكرة تحرر المرأة، ومعاناتها في ظل المجتمع الذكوري وسطوته، فيما راَه اَخرون مسيئًا للحركة النسوية في مصر، ومعاد للمدافعات عن حقوق المرأة، بل ورسخ لتنميط صورة غير واقعية عنهن.

على أفيش الفيلم “ماجدة” و”رشدي أباظة” وهو يطوقها من الخلف، وقد اختار المصمم رسم وضعية جلوسهما من الجانب، وظهرت مستسلمة له تمامًا، فيما اختار المصمم “عبد العزيز”، أن ينثر عبر الأفيش رسومات صغيرة الحجم لامرأة غير واضحة المعالم، تسير على الطريق، بثقة تارة، وفي موضع اَخر طريحة الأرض بعد سقوط،  ومتحفزة في مكان اَخر، ويظل اسم “ماجدة” الأول والأكبر بين كل الأسماء المكتوبة على الأفيش باستثناء اسم الفيلم.

وتجدر الإشارة إلى أن العديد من أفلام “ماجدة” كانت من إنتاجها وتوزيعها وهناك ما أكتفت بتوزيعه، ولذا فقد تكون الهيمنة ليس مختارة بقدر ما هي مفروضة، وهي حالات عرفتها السينما في بدايتها مثلما كان الوضع مع “عزيزة أمير”، لكنها تختلف عن حالة “فاتن حمامة” التي بسطت سيطرتها على الأفيش في أفلامها بغض النظر عن منتجها.

حالة القوة على الأفيش التي تمتعت بها “ماجدة” فيما سبق الإشارة إليه، تكاد تنعدم في أفيش فيلم “إجازة نص السنة”، الذي كان يحتفي بفرقة رضا بالأساس، باعتباره أول ظهور للفرقة على الشاشة، واعتمد  الأفيش على المزج بين التصوير والرسم، فظهرت “ماجدة” بصورة فتوغرافية عن قرب منفصلة عن سياق الأفيش نفسه، وتوازي في الحجم صورة لــ”محمود رضا” لم تكن ضمن محتوى الأفيش الأساسي كذلك، بينما توسطت الأفيش الراقصة “فريدة فهمي”  بملابس “فلاحة”، وكأن الصورة التقطت لها أثناء تراقصها، في ظل خلفية السماء الزرقاء، وخضرة الأرض الواقفة عليها.

“نادية لطفي”، ربما لم تحصل على نفس الخصوصية على الأفيش التي حازت عليها أولًا “فاتن حمامة” ولم تفقدها، واقتربت منها “ماجدة”، لكن كان لها حضور بارز وقوي على الأفيش السينمائي المصري خاصة خلال الستينيات، مثل صورتها على أفيش فيلم “المستحيل” للمخرج حسين كمال، المنتج العام 1965، الذي ظهرت عليه بصورة فتوغرافية التقطت لها وهي تصرخ، ولم يظهر على الأفيش الذي غلب عليه اللون الأبيض أي ممثل أو حتى رسم لصورة تعبيرية إلى جوارها.

وهذا الأفيش يتشابه مع أفيش فيلم “الحاجز” الذي ظهرت عليه وحيدة بصورة فتوغرافية، تجسدها واقفة من زاوية جانبية، متكئة على عامود أو حائط، وقد أغمضت عينيها، والخلفية من ورائها حمراء، فيما خصصت مساحة بيضاء بالأسفل، كُتِب عليه الأسماء، وهو من الأفلام المنتجة في بداية السبعينيات.

اقتصر عليها وحدها أيضًا أفيش فيلم “النظارة السوداء” المنتج عام 1963، إذ رسمها المصمم “مارسيل” بتفاصيل تجسد الشخصية السينمائية تمامًا، متماهية مع اسم الفيلم الذي ينقل للمتلقي حالة غموض تكتنف هذه المرأة، التي تخفي عينيها بنظارة شمسية سوداء، وفي فمها سيجارة مشتعلة، ترتدي فستانًا بلون الأزرق الداكن، تتدلى إحدى حمالتيه على كتفها، ويطوق رقبتها عقد ثمين، وتنقل هيئة الشخصية المرسومة، حالة استهتار ولا مبالاة، وهي بالفعل الوضعية التي عليها البطلة.

في فيلم “الخائنة”، المنتج في عام 1965، ومن إخراج كمال الشيخ وشاركها بطولته محمود مرسي، ظهر وجهها مرسومًا بملامح متجهمة، بينما في الخلفية رجل يدير ظهره، و في الجانب السفلي من الأفيش، رسم تعبيري صغير الحجم لرجل وامرأة غير واضحي المعالم، في وضعية تشي بالخيانة، أيضًا في أفيش فيلم “قصر الشوق” وهو الجزء الثاني في ثلاثية الأديب العالمي “نحيب محفوظ”، ومن إخراج حسن الإمام، وأُنتِج في عام 1967، استحوذت على المساحة الكبرى من الأفيش، بهيئتها في الفيلم بشخصية الراقصة “زنوبة”، بينما غاب أبطال الفيلم عنه، واكتفى الرسام “مارسيل” برسم تعبيري في الجانب السفلي لحياة المجون التي تعيشها شخصية “أحمد عبد الجواد”، وابنه “ياسين”، وبينهما رسم لــ”زنوبة” وهي تغسل ملابس في صحن كبير، وهو تجسيد لمشهد من أشهر مشاهد الفيلم، تظهر فيه وهي تغني وتتمايل بخفة وتردد “بس قولوا لأمى.. طب وأنا مالى.. طيب يا غزالى”.

أما أفيش فيلم “غراميات مجنون” من إنتاج 1967 أيضًا، وعلى الرغم من أن وجه كل من فريد شوقي ويوسف شعبان، ظهر على الأفيش، إلا أن  “نادية لطفي” ظهرت مرتين على الأفيش لتكون أغلب المساحة لها، وقد رسمها الفنان “جسور” في الصورة الأولى بكامل هيئتها في الفيلم كراقصة، ترتدي فستانًا أحمر اللون طويل، بفتحة في الجانب تبدي إحدى ساقيها، وتمسك بالعصا وقد طوق وسطها رباط أبيض، والثانية لوجهها وهى ترتدي طرحة عروس ويقبل إحدى وجنتيها “فريد شوقي” في هيئة عريس، بينما تظهر صورة “يوسف شعبان” بالأسفل صغيرة الحجم ومنفصلة عن بقية السياق.

لكنها تناصفت الأفيش مع “رشدي أباظة” في عدد من الأفلام خلال هذه الفترة مثل؛ “الباحثة عن الحب” إنتاج عام 1965، و”عدو المرأة” عام 1965،  و”عندما نحب” إنتاج عام 1967، وربما يعود الأمر هنا للنجومية البازغة لـ”رشدي أباظة” في ذلك الحين، وهو ما جعله بطلًا محفوظ المقام والوجود على أغلب أفيشات الأفلام التي شارك فيها خلال هذه الفترة الزمنية، بما فيها أفيش فيلم “لا وقت للحب”،  الذي شارك فيه مع سيدة الشاشة “فاتن حمامة” في عام 1963، التي سبق وأشرنا في الحلقة السابقة إلى مدى قوة حضورها على الأفيش واستئثارها به في أغلب الأحيان.

وقد ظهر مع “حمامة” على الأفيش في لقطة تعبيرية مرسومة بريشة الفنان “عبده محمد”، وهو يحملها بين ذراعيه، والحال نفسه مع “ماجدة” في عدد من الأفلام كالتي أشرنا إليها، حتى أنه نال مساحة أكبر من الحضور معها في أفيش فيلم “القبلة الأخيرة” من إنتاج عام 1967، الذي ظهرت فيه تستلقي على صدره، فيما بدا هو العنصر الأكبر حجمًا والأكثر جذبًا للنظر.

أيضـــــــــــًا.. فاتن حمامة.. سيدة الأفيش المصري

“سعاد حسني” لم يكن لها بصمة استثنائية على الأفيش مثلما كانت نجوميتها وشهرتها في عالم السينما، بل إنها ظهرت على كثير من الأفيشات مجرد عنصر من عناصر الفيلم، وقلما استحوذت على أفيش بالكامل وحدها خلال هذه الفترة الزمنية، لكن الأمور اختلفت إلى حد ما في السبعينيات.

ويمكن قراءة هذا من خلال أفيشات أفلام مثل؛ لماذا أعيش (1961)، السبع بنات(1961)،  الأشقياء الثلاثة (1961)، أعز الحبايب (1961)، موعد في البرج (1963)، عائلة زيزي (1963)، العريس يصل غدًا (1963)، حكاية جواز (1964)،  شقاوة رجالة (1966)، وبابا عايز كدا (1968).

لكنها احتلت المساحة الأكبر من أفيش فيلم “صغيرة على الحب” المنتج عام 1966، الذي رسمه الفنان جسور، وقد جسدها في صورتين تعكسا، الصورتين اللتين بدت عليهما في الفيلم، الأولى الطفلة الصغيرة “سميحة” ترتدي فستان أبيضًا بخطوط خضراء، لتجسيد حالة الطهر والبراءة، والمصاصة في يدها، أما الأخرى، فقد جسدها تعانق رشدي أباظة وهي في هيئة شخصية “كريمة”، الفتاة اليافعة الجميلة.

ومن بين أجمل الأفيشات التي ظهرت عليها “سعاد حسني”، يأتي أفيش فيلم “الزوجة الثانية” إنتاج عام 1967، ومن إخراج صلاح أبو سيف، فيه ظهر صلاح منصور «العمدة» وهو يركب حماره في المقدمة، بينما تظهر هي بأقل من نصف جسدها، لكن بحجم أكبر منه في الخلفية، ورغم العفوية والبساطة التي عمد الرسام إلى تجسيدها، لكن عظم حجم صورتها، يبعث شعورًا بأن الكفة ترجحها، وأن القوة لها والانتصار من حظها، حتى لو كان في أوج قوته وبطشه، وساد اللون الأحمر في الخلفية، مع قليل من التفاصيل التي تعكس الأجواء الريفية.

أما أفيش فيلم “شيء من العذاب” المنتج عام 1969، عن قصة الأديب الراحل نجيب محفوظ، اقتصر على صورة الشخصية التي تؤديها “سعاد حسني” في الوضعية التي اختارها لها البطل “يحيي شاهين” ليرسمها عليها خلال أحداث الفيلم، وقدم الرسام صورة امرأة ترتدي فستانًا أزرق اللون، تمتد زرقته في أنحاء متفرقة على الأفيش، وقد انزلق عن الجانب الأيسر من جسدها، لتظهر وهي تطوق نفسها بذراعيها، حتى لا يظهر ما كشف عنه الرداء، وهذه الحالة هي انعكاس لقصة الفيلم، التي تدور حول فتاة يحاول زوج أمها الاعتداء عليها، وحتى تحمي نفسها من انتهاكه، تضربه بيد الشمسية، فترديه قتيلًا، وتتحول من مجني عليه إلى جانٍ، وهنا تتجلى حالة الإزدواجية، بين مجتمع وقانون يقف ضدها من ناحية والواقع الفعلي الذي عايشته من ناحية أخرى، وكما قد يرى البعض صورة المرأة المجسدة على الأفيش، بزاوية تعمدها الكشف عن جسدها بهدف الغواية، وليس لأنها تحاول حماية نفسها ممن أراد انتهاك جسدها، يمكن أن ينظر البعض للفتاة باعتبارها مذنبة وقاتلة رغم أن المقتول عن غير عمد هو الجاني الحقيقي.

ومازالت “فاتن حمامة” سيدة الأفيش لا ينازعها أحد

لم تبرح مكانها متربعة على عرش الأفيش، ومازالت تسيطر بقوة على أغلب أفيشات أفلامها، أو يشاركها نجم أو نجمة، دون المساس بتقدم اسمها وسطوعه، ففي هذه الفترة تصدرت أفيش “الباب المفتوح”  عام 1963 للمخرج بركات، وتصميم الأفيش يتماشى مع قصة الفيلم، التي تقدمها نموذجًا للمرأة المتفردة في البحث عن الاستقلالية، والتمسك بطموحها.

وعلى الأفيش هي الواثقة من نفسها، بابتسامة المنتصرة، تتوسطه وصورتها الأكبر حجمًا، وكل ما حولها صغير.

في فيلم “الليلة الأخيرة” المنتج في العام نفسه، للمخرج كمال الشيخ، مزج المصمم “عبد العزيز” بين حالة الضعف والانكسار من ناحية، والتجهم والرغبة في الانتقام من ناحية أخرى، من خلال صورة كبيرة لها، وصورتين صغيرتين، الأولى، للبطل “محمود مرسي” يكمم فمها، والأخرى تظهر فيها مغشي عليها أمامه.

وقبل ذلك، في عام 1961، استحوذت على المساحة الأكبر من أفيش فيلم “لن اعترف”، فيما يظهر البطل “أحمد مظهر” بصورة مستطيلة شديدة الصغر، وقد عبأ الأفيش اللون الأحمر.

ثم في عام 1966، على أفيش فيلم “شيء في حياتي” من إنتاج عام 1966، للمخرج بركات، رسمها الفنان “عبد العزيز” تعانق بطل الفيلم “إيهاب نافع”، لكنه اختار الزاوية التي تكشف وجهها وحده، لتبقي هي محور الأفيش، وملامحها الهادئة وهي مغمضة العينين أهم تفاصيل فيه.

عبد الحليم.. فؤاد المهندس: أفيشات لا تقبل التفوق النسائي

بعكس عمر الشريف أو رشدي أباظة وأحمد مظهر وصلاح ذو الفقار، هناك نجوم في هذه الفترة، تمسكوا في الجانب الأكبر من أفلامهم بالسطوع، ولم تكن هناك مساحة لتفوق النسوة فيها، ولعل أبرز النماذج في هذا الصدد، الفنان “فؤاد المهندس، الذي على الرغم من أن أغلب أعماله رسخت في الأذهان باعتبارها نتاج الثنائية التي جمعته بــ”شويكار”، إلا أن المجموعة الأكبر من أفلامهما تصدر أفيشاتها، في مقابل تجسيد ضعيف لها.

أما حالة “عبد الحليم حافظ”، فهي امتداد لوضعه منذ الخمسينيات، فهو النجم الأكثر شعبية في مصر والعالم العربي، النجمات على الأفيش لا يوازينه في حضوره، وهن العنصر المكمل للحالة الرومانسية التي ينتظرها الجمهور لمشاهدة أداء “حليم” والاستماع إلى أغانيه.

أيضــــــــــــــــــــًا.. “عبد الحليم” النجم الأوحد والنساء ورود في عروة الأفيش

“فريد شوقي”.. غزارة في الأفلام يقابلها اتساع في السيطرة على الأفيش

الأمر يختلف قليلًا مع “فريد شوقي”، فعلى الرغم من الحضور القوي على عدد كبير من أفيشات أفلامه مثل “اَخر فرصة” في عام 1963، و”30 يوم في السجن” عام 1965، و”الرجل الثعلب” في 1962، و”بطل النهاية” في عام 1963، واستئثاره بها وحيدًا في أحيان كثيرة مثل؛ “الإمبراطور الأعظم” في عام 1964 “أنا الهارب” في عام 1963، و”أمير الدهاء” في عام 1964، و”الجاسوس” عام 1964.

إلا أنه في عدد من الأفلام تقبل استباق اسم البطلة لاسمه مثل فيلم “عنتر بن شداد” عندما تقدم اسم البطلة “كوكا” على اسمه، و”الزوج العازب”، إنتاج عام 1966، الذي تقدم على أفيشه اسم “هند رستم”، وأفيشات أخرى نالت البطلة فيها المساحة الأكبر، مثل؛ “غراميات مجنون” الذي أشرنا سلفًا إلى استيلاء “نادية لطفي” على المساحة الأكبر منه، و”ألف ليلة وليلة” مع “شادية” عام 1964، و”رابعة العدوية” مع “نبيلة عبيد” في عام 1964.