حوار – مخرجة عرض «كرباج»: تحملت 100 جلدة بغية تغيير نظرة المجتمع تجاه العنف ضد المرأة
عمل فني مختلف، نصف ساعة من الضرب المتواصل بالسوط أو الكرباج يتلقاه جسد فتاة تم صلبها على لوح خشبي، ليس تمثيلًا بل ضربات حقيقية موجعة أمام المشاهدين، في صمت لا يسكره سوى تأوه وتاَلم بطلة العرض ومخرجته “سماح حمدي” الفنانة التشكيلية، التي تكشف عن مزيد من تفاصيل هذا العرض اللافت في حوارها لــ«ولها وجوه أخرى».
- العرض يجسد العنف النفسي والجسدي الذي تعاني منه النساء
- المرأة في المجتمعات الشرقية الذكورية أصبحت بمثابة مسيح العصر
- اخترت عدد 100 جلدة رفضًا لحد الزنا الذي يطبق على النساء دون الرجال
«كرباج» .. أي شكل فني ينتمي له هذا العرض؟
هو ليس عرض مسرحي وإنما هو شكل يعرف باسم المشهد الأدائي Filming performance، وهو نوع من الفنون معروف في أوروبا، وجميع مكونات العرض تكون حقيقية، وبالفعل الضرب الذي تتعرض له الشخصية وتعنيفها كان حقيقيًا، لا يوجد شيء زائف أو غير حقيقي، فالقضية نفسها واقعية.
ما قضيتك التي تقدمينها فى «كرباج»؟
قضيتي هي تجسيد العنف الجسدي والنفسي ضد النساء، مشمولًا بكل صور العنف التي تُرتَكب بحقهن، بشكل تلقائي وبديهي وكأنها من المسلمات غير المؤذية، بداية من الطفولة وقهرها ومعاملتها كمخلوق درجة ثانية وممارسة التمييز ضدها لصالح أخيها، تحت شعار يقضي بأن ذلك التمييز فيه صلاح وتقويم الفتاة، وصولًا إلى أسوأ صور العنف ضد الفتيات مثل الاغتصاب، والتحرش الجنسي الذى يبرره البعض بأن البنت نفسها سعيدة به، وكل يوم تُرسم على أجساد النساء بقع زرقاء وحمراء نتيجة الضرب المبرح بيد أقرب الرجال لهن، كل هذا نعرفه وفي الغالب نغض الطرف عنه؛ من منطلق يستوجب ألا نخدش صورة المجتمع المستند للدين، كما لا يجوز الإفصاح أو التصدي لعنف الرجال الجنسي، وهكذا يستمر الصمت، والأدهى من ذلك، أن المرأة أصبحت بمثابة مسيح العصر، إذ يُلقي عليها المجتمع الشرقي الذكوري اللوم ومسؤولية العنف الذي تتعرض له مما يجعلهم يستمرون في ارتكاب خطاياهم دون الشعور بالذنب.
وبناءً على ذلك، فالعمل الفني المقدم يجسد ذلك الأثر النفسي الذي تعانيه المرأة، إثر كل إهانة أو تمييز أو اعتداء جسدي أو جنسي أو حرمان من التعليم، من خلال هذه الضربات والجروح والدماء التى يترك أثرها الكرباج على الجسد، وهذا ما يريد تقديمه العرض، في مئة جلدة.
100 جلدة .. كيف تحملتِ هذا الكم الهائل من الضربات؟
هو خطر بكل تأكيد، لأن الضرب بكرابيج حقيقية وينتج عنه اَلام شديدة، ولكنها محاولة لتوصيل الرسالة للمتلقي، عن مدى الوجع الذي يصيب الجسد والعنف الواقع على النساء، واختياري للرقم 100 نابع من رفضي لحد الزنا الذي تتعرض له النساء بواقع 100 جلدة، وليس قصدي هجوم على أي معتقد ديني، وإنما غضبي من التطبيق الذى يشمل تمييزًا ضد المرأة دون الرجل.
لأول مرة نرى عرضًا يُقدم على يومين، والمضمون مختلف فيهما؟
العمل يجمع بين عمليتين أدائيتين، فهو تصوير فيلم لمشهد أدائي له طبيعة خاصة يتم على مرحلتين، في الأولى يحاول ترجمة مشاعر النساء إثر كل اعتداء يمكن رؤيته بمعنى “ماذا لو كان لتلك الاعتداءات-نفسية أو جسدية- أثر على الجسد؟”
أما المرحلة الثانية، فيتحول الجاني إلى الضحية بمعنى “ماذا لو” كنت مكاني؟ هل بإمكانك تحمل نفس الاَلم، الذي نتحمله من أفعالك؟
اليوم الأول مختلف عن الثاني، يتضمن جلد الفتاة مقدمة العرض بمئة جلدة من شابين أحدهما يضرب بعنف والاَخر بعدد أكثر من ضربات بالكرباج، واليوم الثاني يحدث العكس “ماذا لو كان الجلاد مكان الفتاة؟”، وهنا اتقاسم ضربه مع ممثلة أخرى بالعرض، وهى محاولة تكسر التنميط الذى يكرسه المسرح أو الفن عامة في عيون المشاهدين ويصب غالبًا في صالح الرجل الشرقى الأبيض عمومًا، ومحاولة معرفة رد فعل الجمهور كيف سينظر لفتيات تضرب ذكر بالكرباج وقراءتهم لهذه الإهانة، بالمقارنة بنظرتهم لليوم الأول وضرب الفتاة 100 جلدة بالكرباج.
كيف كانت ظروف الإعداد للعرض وكم استغرق من الوقت؟
ظروف العرض كانت صعبة، فعدد من أفراد فريق العمل انسحبوا، وتم التحضير خلال شهر ما بين بروفات وتمارين، ولم نصل إلى 100 جلدة فى التمارين، فقط وصلنا إلى 50 جلدة وتركنا النتيجة للعرض نفسه.
ماذا عن التحديات التى واجهتك فى عرض يتسم بهذه الصعوبة؟
العرض آلمنى نفسيًا أكثر من الاَلم الجسدى، فضلًا عن حالات الإعياء التى كانت تصيبني بسبب الحبال التي يتم صلبي باستخدامها، وتأثر فريق العمل بكل تأكيد من هذا العنف والجلد بكرباج بشكل حقيقي، الأمر صعب لدرجة لن تجعلني أتمكن من تكرار العرض مرة أخرى إلا بعد 6 أشهر على الأقل حتى أتعافى نفسيًا، فلم أعد اتحمل الضرر النفسي الذي لحق بي بسببه.
هناك اَراء اعترضت على هذا العنف القاسي والضرب، فكيف تعلقين عليها؟
يتخيل البعض أنني مستمعة بالعنف وهذه الحالة السادية، لكن على العكس تمامًا، فهناك مخاطر شديدة يمكن أن أتعرض لها، إلا أن الفكرة تشجعني على الاستمرار، ومدى امكانية التغيير من خلالها والتأثير فى عقول الكثيرين، لذا فأنا على استعداد للتضحية بصحتي من أجل تغيير المفاهيم الخاطئة، وهذا بالنسبة لي قمة النجاح.