الحلقة (1) – قراءة في وضعية المرأة في الأفيش السينمائي: قوة مفرطة واستحواذ بتوقيع الرائدات
الأفيش أو بوستر الفيلم أو الملصق الدعائي، كلها أسماء لنوع واحد من الدعاية للأفلام السينمائية، عرفته السينما منذ عام 1902 مع فيلم “رحلة إلى القمر” من تأليف وإخراج جورجس ميليس، والمستوحى من روايتين هما “من الأرض إلى القمر” و”أول رجال على سطح القمر”.
- سيطرة نسائية في البدايات.. عزيزة أمير واَسيا وأم كلثوم مثالًا
- الانهزامية والخضوع تفترش الأفيشات
- السمات الشخصية للنجمة تتغلب على سمات الشخصية السينمائية
- “فاتن حمامة” سيدة الأفيش المصري بامتياز
- المرأة اللعوب تهمة ألصقها الأفيش بــ”هدى سلطان”
بدأ الأفيش السينمائي معتمدًا على الرسومات باليد، وفنون الخطوط، ولعب الخيال خلال تلك المرحلة دورًا أساسيًا في تشكيله، ولذا كان للأفيش تأثيرًا نفسيًا أقوى وأبقى مما جاء بعد تنامي التكنولوجيا وتدخلها فيه، فبعد أن كانت الريشة والقلم والألوان تخلق حالة خاصة بين المشاهد والفيلم، أصبحت برامج الفتوشوب تأخذ من الفيلم لقطة أو تجمع صورًا لأبطاله، ثم تلصق عليها اسم الفيلم وأسماء صناعه، مما أفقد أغلب الأفيشات الروح التي تمتعت بها خلال مرحلة الرسم.
ملحوظة: مصدر الأفيشات الواردة في هذه الحلقة: مجموعة الناقد سامح فتحي (الأفيش الذهبي في السينما المصرية – فن الأفيش في السينما المصرية) ويُنصَح بمطالعة هذه المجموعة.
بدأ فن الأفيش كصورة من صور الفن التشكيلي، يظهر فيه إبداع الرسام ومهارة الخطاط، والفكرة التي اختارها صناع العمل، مما يجعله عملًا فنيًا مستقلًا في حد ذاته، وليس عنصرًا مكملًا.
بحسب الباحث سامح فتحي في كتابه “فن الأفيش في السينما المصرية”، فإن مراحل تطور الأفيش السينمائي في مصر، تنقسم إلى أربع؛ الأولى بداية الأفيش، التي حددها بفترة عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ثم تأتي مرحلة تطور الأفيش في الأربعينيات والخمسينيات، أما الستينيات والسبعينيات، يعتبرها “فتحي” مرحلة إزدهار الأفيش، ثم تأتي مرحلة التكنولوجيا والتقنيات الحديثة بداية من الثمانينيات.
والسينما بكل مكوناتها بما فيها الأفيش، ما هي إلا انعكاس للواقع الذي نشأت فيه، ففن الأفيش في مصر لم يعرف رسامات إلا فيما ندر مثل الفنانة سارة عبد المنعم والتي يأتي بين أشهر تصاميمها، أفيش فيلم “في شقة مصر الجديدة” من إنتاج عام 2007 ، وفيلم “هي فوضى”، أُنتِج في العام نفسه، وفنانة الجرافيتي “اَية طارق” التي قدمت أفيش فيلم “اعمل كده” وهو فيلم قصير للمخرج مارك لطفي، إنتاج 2014، التي اختيرت إحدى رسومها في إطار أحداث الفيلم، لتكون إحدى نسخ أفيش فيلم “ميكروفون ” للمخرج أحمد عبد السيد الذي أنتج في عام 2010؛ لتؤكد حالة الندرة هذه، ضعف التمكين النسائي في المهن الإبداعية خاصة في مجال السينما.
أما صورة المرأة على الأفيش، فقد تباينت من حقبة زمنية لأخرى، بحكم التغيرات التي تطرأ على المجتمع ونظرته للمرأة ومدى تمكينها في هذا الوسط.
نحاول قراءة وضعية المرأة في الأفيش السينمائي المصري منذ ثلاثينيات القرن الماضي، الفترة التي بدأت فيها السينما الناطقة في مصر «أول فيلم مصري ناطق كان “أولاد الذوات” ليوسف وهبي وأمينة رزق» وحتى عام 2015.
تجدر الإشارة إلى أن الأفيشات حتى نهاية التسعينيات تقريبًا، كانت نوعين: درجة أولى ودرجة ثانية؛ أفيش الدرجة الأولى هو المصمم من قبل الشركة المنتجة وعليه توقيع الفنان صاحب التصميم أو اسم الورشة أو المطبعة، أما أفيش الدرجة الثانية فهو الذي يُستَخدم للدعاية في سينمات الترسو، واختفت هذه الفكرة مع اختفاء سينمات الدرجة الثانية والثالثة، وصعود سينمات المتاجر الكبرى “المولات” مع نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، وأضحى الفيلم الواحد مصحوبًا بأكثر من أفيش، يمكن رؤيتها جميعها في نفس المكان، داخل “المول”.
المرحلة الأولى (1930 – 1950)
استحواذ وقوة على الأفيش في مقابل ضعف ووهن في القصة
البداية مع “عزيزة أمير” أول مخرجة ومنتجة في السينما العالمية وليس المصرية فحسب، إلى جانب كونها من نجمات التمثيل الأوائل، عندما ظهرت على أفيش فيلم “كفري عن خطيئتك” الذي أنتجته وأخرجته عام 1937 وقامت ببطولته أيضًا.
وهنا تظهر قوتها في فرض حضورها وحيدةً على الأفيش، حيث رسمها المصمم جالسة على مسند خشبي تستحوذ على مساحة الأفيش كلها تقريبًا، حتى أنه لم يتضمن كلامًا مكتوبًا سوى اسمها وقد سبقه لقب “السيدة” واسم الفيلم، واسم مصمم الأفيش “فرجابيديان”.
أما عن وضعية الشخصية نفسها، فبدت امرأة مغلوب على أمرها، وجهها منكسر وعينيها منهزمتين، وسيطر اللون الأصفر على الأفيش ليعكس دلالته السلبية بالخوف والضعف والشحوب.
الهيئة التي ظهرت عليها الشخصية هي لامرأة هندية، وقد أبدع المصمم في تقديم التفاصيل التي تثبت ذلك.
وهنا ينجلي التناقض بين حالة عزيزة أمير نفسها كامرأة تبسط نفوذها على فيلم في بدايات انطلاق فن السينما، وبين البطلة التي لا تملك القدرة على توجيه دفة حياتها في ظل سلطة الأب والأخ، ويمكن تلخيص الأمر في “حضور قوي على الأفيش، واستسلام ورضوخ في أحداث الفيلم.”
في هذه الفترة كانت الرموز النسائية المتصدرة في الفن أكثر قوة من المرحلة اللاحقة، وكانت أسماؤهن وصورهن تكفي لجذب الجمهور دون تقديم الكثير من التفاصيل عن الفيلم أو أبطاله أو حتى وضع البطلة فيه، وتتجلى تلك الحالة مع “أم كلثوم”، وعلى سبيل المثال فيلم “منيت شبابي” عن قصة “نشيد الأمل”، للمخرج أحمد بدرخان، والذي تم إنتاجه في عام 1937، إذ استحوذت صورة أم كلثوم المرسومة واسمها ولقب “سيدة الغناء العربي في الشرق” على المساحة العظمى من الأفيش في مقابل صورة صغيرة لمن يرمز لقوة الشر التي تواجهها طوال الفيلم يحمل سلاحًا، فيما يغلب اللون الأحمر على الأفيش، ليعكس قوة تتلاءم مع تصميم استحوذت عليه سيدة بحجم “أم كلثوم”، التي يظهر أسفل صورتها كتيب لنوتة موسيقية لتكتمل الحالة الخاصة بــ”الست” أمام جمهورها، كما ينبأ الأحمر الطاغي مع المسدس الموجه صوب المشاهد، بأن الأحداث محفوفة بالإثارة، وقد نجح المصمم “عبد الرحمن” في توصيل هذه الحالة، حتى إن كانت التفاصيل تفتقد للدقة.
أما فيلم “دنانير” الذي قدمته عام 1940 مع نفس المخرج أحمد بدرخان، فقد أفرد المصمم “راغب” المساحة كاملة لها وحدها، فلم يظهر على الأفيش سوى صورة لها تجسد وجهها الشارد، وتمازج في الأفيش اللونين الأسود والأحمر، ليبقى التصميم غامضًا لا يشي بأي تفاصيل تخص الفيلم.
الحالة نفسها تجسدت في أفيش فيلم “فاطمة”، الذي قدمته “أم كلثوم” عام 1947 مع بدرخان أيضًا، وهنا لم يظهر على الأفيش سوى وجهها مضيئًا وسط عتمة، وقد أبرز المصمم ملامح القوة والكبرياء ونظرة الترفع، وباللون الأصفر وبخط عريض كتب اسم “أم كلثوم” وسط الأفيش، وأسفله مباشرة، بخط أقل حجمًا، وباللون الأحمر كتب اسم الفيلم.
اسم اَخر من أهم الأسماء التي عرفتها السينما المصرية، وهو “اَسيا” خاصة كمنتجة لها بصمتها، لكنها أيضًا ممثلة ذات حضور، فرضت قواعدها على الأعمال التي شاركت فيها، ويأتي فيلم “المتهمة” من إنتاج 1942، دليلًا بازغًا على ذلك، إذ خصص لها المصمم أكثر من ثلثي الأفيش؛ من خلال صورة مرسومة لـها خلف القضبان، ونظراتها تفيض حسرة واَلمًا، وفي مساحة صغيرة في الأسفل، ظهرت مرة أخرى راكعة أمام زكي رستم تتوسل إليه، وهو ترجمة لسياق الفيلم الذي يقدم نموذج امرأة اتُهِمت بالخيانة من قبل زوجها.
وتجدر الإشارة إلى أنه في أغلب ما سبق ذكره من أفلام، المرأة داخل الفيلم الحلقة الأضعف، تقودها الظروف تارة، والرجال تارة أخرى، مصيرها تتحكم فيه العوامل الخارجية، فهي دائمًا رد فعل وليست فاعل، وتبقى حالة القوة قاصرة على حجم الصورة والاسم على الأفيش، والدور داخل الفيلم، بينما الشخصية وملامحها، الوهن هو الطاغي عليها.
سيطرة البطلة على الأفيش كانت بازغة خلال هذه الفترة الزمنية حتى مع أسماء لم تترك أثرًا عميقًا في التاريخ السينمائي، مثل المطربة رجاء عبده التي تصدرت صورتها (مرسومة) أفيش فيلم “بياعة اليانصيب” من إنتاج 1947، وظهرت بحجم متوسط، في هيئة فتاة ريفية بريئة الملامح تمسك بورقة اليانصيب، ويأتي اللونين الأخضر والبرتقالي ليترجما حالة الطهر والدفئ.
المرحلة الثانية (1950 – 1960)
تراجع مساحة الاستحواذ
المطربة “ليلى مراد” هي الأخرى إما سيطرت كليًا على الأفيش أو ناصفته مع الممثل الذي يشاركها البطولة، وكان الأبرز رفيقها السينمائي “أنور وجدي”، وعلى عكس ملامح الانكسار والانهزام، ظهرت “ليلى مراد” في عدد من الأفيشات كاملة الهيئة، ترتدي فستانًا يجسد أنوثتها وإمارات جمال وعذوبة هذا العصر، وعلى الأغلب ترتسم على وجهها ابتسامة تضفي حالة من البهجة الوقار معًا، كما هو الحال في أفيش “سيدة القطار” مثالًا، وهو فيلم من إنتاج 1952 وللمخرج الكبير يوسف شاهين، لكن في هذا الفيلم لم يستخدم المصمم “عدلي” الفرشاة لرسم صورتها وإنما استخدم صورة فتوغرافية، وقد ظهرت وحدها على الأفيش ترتدي فستان زفاف أبيض، تقف متكئة على عامود كهرباء يتدلى منه مصباح يشع نورًا، ليضيء الجانب الذي تقف فيه “ليلى مراد” وسط الظلام، واللافت أن اسمها لم يُكتب بحجم أكبر من أسماء البطلين الاَخرين وهما “يحيى شاهين” و”عماد حمدي”، فقط تقدم على اسميهما بنفس الحجم.
وعلى نفس الهيئة الملكية، رسمها المصمم “جسور” على أفيش فيلم “بنت الأكابر”، ولكن بعينين سارحتين في المدى، تكتسيها حالة تيه، وترتدي فستانًا طويلًا منفوشًا، تكاثف عليه اللون الاخضر متداخلًا مع الأبيض، تسند بيدها المغطاة بقفازات على إحدى قطع الأثاث الكلاسيكية، حتى تبدو الصورة مكتملة لليلى بنت الأكابر، التي رغم هذا الثراء تغيب عن وجهها الابتسامة، علاوة على حالة النقاء الإنساني التي ظهرت عليها البطلة، التي يمكن الاستدلال عليها من خلال اللون الأخضر المسيطر على الأفيش.
وفي هذا الفيلم أيضًا الذي أخرجه أنور وجدي، لم يتجاوز حجم اسمها البطلين وهو أحدهما، والاَخر كان اسماعيل ياسين، وتقدم عليهما في الترتيب ليس أكثر.
في عدد من الأفلام الأخرى التي جمعت “ليلى مراد” بــ”أنور وجدي”، ظهرت على الأفيش تناصفه المساحة المخصصة للرسم، مثل أفلام؛ “ليلى بنت الفقراء” و “الهوى والشباب”.
وعلى الرغم من النجومية الكبيرة لــ”ليلى مراد” إلا أن استحواذها على الأفيش لم يكن معتادًا أو أمرًا مسلمًا به، بعكس الحال مع نجمات أخريات.
الراقصات .. راقصات على الأفيش بغض النظر عن طبيعة أدوارهن
الراقصات كان لهن وضعية خاصة على الأفيش، هويتهن أطغى فيها من الأدوار التي يؤدينها أو صلب الفيلم نفسه، ومن أبرزهن في هذه الفترة؛ تحية كاريوكا وسامية جمال ونعيمة عاكف، اللواتي سيطرن ليس بصور تُظهر نصف الجسد أو الوجه فقط، بل أجسادهن كاملة، ويرجع ذلك على الأغلب لإظهار بدل الرقص أو الملاءات اللف أو الفساتين المثيرة، التي كان يتعمد المصممون رسمهن يرتدين إياها، تأكيدًا واستفادةً من هويتهن كراقصات.
يتجلى ذلك مع تحية كاريوكا في فيلم “سمارة”، إنتاج 1956، حيث ظهرت مرسومة بكامل هيئتها مرتدية ملاءة لف، تبعث بهجةً وأنوثة، وفي الوقت نفسه تشع جرأة وقوة، وذلك أقرب للصورة المكونة عن “كاريوكا” ذاتها، وعلى الرغم من الحضور القوي على الأفيش بصورتها، إلا أن اسمها لم يكتب بخط عريض وحجم كبير في منتصف الأفيش كما جرت العادة مع نجمات المرحلة السابقة، فقط تقدمت أسماء الأبطال وبحجم أكبر قليلًا لدرجة يمكن ألا يستشعرها البعض، لا يختلف ذلك كثيرًا عن ظهورها على أفيش فيلم “المعلمة” المنتج عام 1958، عندما جسدها المصمم كاملة الجسد مرتدية جلبابًا تكشف عن إحدى ساقيها وهي في كامل أنوثتها، تفيض بهجةً كما عرفها محبيها، وقد استبق اسمها اسم “يحيي شاهين”، ولكن دون أن يجاوزه في الحجم.
أما الفنانة سامية جمال، ففي أغلب الأفلام التي شاركت فيها، كان لابد أن تُرسَم على الأفيش كاملة الجسد ببدلة رقص تقليدية، مثل فيلم “تعال سلم” المنتج في عام 1951، للمخرج حلمي رفلة، وشاركها فيه البطولة المطرب فريد الأطرش، وعلى أفيش فيلم “متقولش لحد” مع فريد الأطرش أيضًا، ومن إخراج بركات، وإنتاج عام 1952، ومع تحية كاريوكا في فيلم “حبيبي الأسمر”، حيث قصر المصمم الأفيش على صورتهما معًا، تقفان متجاورتين، ببدلتي رقص، إحداهما زرقاء والأخرى خضراء مع خلفية صفراء، وغاب عن الأفيش كل الأبطال الرجال على أهميتهم، من يوسف وهبي وشكري سرحان ومحمود المليجي، وبالطبع تصدر اسميهما الأفيش.
فاتن حمامة.. سيدة الأفيش المصري
بمراجعة عدد من أفيشات الأفلام التي قامت ببطولتها “فاتن حمامة” يتبين أنها لم تكن فقط سيدة الشاشة بل سيدة الأفيش، فالحضور لم يقتصر على المساحة الكبرى المستحوذ عليها، إذ كانت الملامح وتعبيرات الوجه ذات أهمية خاصة، تعكس التماهي مع طبيعة الدراما المقدمة، وليس ملامح وتفاصيل تتسق مع النجمة نفسها مثلما كان الوضع مع تحية كاريوكا أو أم كلثوم كما أشرنا، علاوة على ذلك تمسكت فاتن حمامة بوضعية خاصة لها على الأفيش، على عكس نجمات أخريات مثل ليلى مراد التي على الرغم من تصنيفها نجمة أولى بين نجمات السينما، لم تكن على الأفيش بدرجة القوة والتفرد، وذلك وفق ما ذكرناه سلفًا.
وبنظرة على بعض أفلام “فاتن حمامة” في هذه الفترة، نجد في أفيش “الملاك الظالم”، من إنتاج وإخراج حسن الإمام في عام 1953، أن المصمم “جسور” رسمها وحيدة بصورتين، الأولى لوجهها بملامح بريئة، والثانية بكامل جسدها ممسكة بمسدس في حالة تأهب للنيل من شخص ما، وهي في أوج الغضب، وقد تمكن “جسور” من التعبير عن الحالتين بدقة، وكتب اسمها أعلى الأفيش بخط لم يفقه في الحجم سوى اسم الفيلم.
أيضَا فيلم “حب ودموع” للمخرج كمال الشيخ، وهو من إنتاج 1955، ظهر وجهها على أفيش الفيلم وحيدًا تقريبًا مع بعض التفاصيل الصغيرة حوله مثل السفينة في إشارة إلى الحبيب الذي تأخذه الرحلات البحرية بعيدًا عنها وتعطل زواجه بها، لكن على الأفيش هذه المرة لم يتجاوز اسمها في حجمه أي اسم اَخر، مع الإشارة إلى أن الفيلم من إنتاجها عبر شركة “أفلام فاتن”.
غلب اللون الأزرق على الأفيش ربما لأن الفاصل بينها وبين الحبيب كان البحر، وهو الذي حول دفة قصتها إلى عكس ما كانت تأمل وتتمنى، لكنه أيضًا حالة الإخلاص والصفاء التي تتمتع بها الشخصية التي تؤديها “فاتن حمامة”.
في العام التالي، قدمت فيلم “القلب له أحكام”، من إخراج حلمي حليم، وكذلك لم يشاركها أحد الظهور على الأفيش، إذ ظهرت مستلقية أمام كتاب، ممسكة بقلم تكتب به رسالة، وتؤكد الحالة العامة من اللون الأحمر الذي غطى الأفيش كليًا، وملامحها المفعمة بالرومانسية، ويظل اسمها على قوته في أعلى الأفيش لا يوازيه اسم اَخر من أسماء الأبطال الاَخرين.
الحال لم يختلف كثيرًا في فيلم “طريق الأمل” للمخرج عز الدين ذو الفقار والمنتج عام 1957، ففي المساحة الأكبر يظهر وجهها وعليه إمارات الترفع والكبرياء، إلى جانب صورة تعبيرية لامرأة ترتدي فستان سهرة وبيدها مسدس تنظر باستعلاء لرجل مغشي عليه أمامها.
حتى الأفيشات التي شاركها الأبطال الظهور عليها، كانت المساحة الكبرى لها؛ مثل أفيشات أفلام؛ المنزل رقم 13، وسيدة القصر، وأرض السلام، وعائشة، والليلة الأخيرة.
إلى جانب قوة الحضور على الأفيش، فقد تميزت أفيشات أفلام فاتن حمامة بتقديم صورة رزينة، عاطفية، وقورة، على عكس نجمات أخريات، اختزلتهن الأفيشات خلال هذه الفترة في صورة المرأة اللعوب، ولم تكن “هند رستم” كما تذهب أغلب الظنون من هؤلاء فقد تنوعت صورتها على الأفيشات على الرغم من اعتبارها أيقونة الإغراء في السينما، وبمرور على عدد من الأفيشات التي ظهرت عليها “رستم” يتكشف التباين بين كل منها، أما باستطلاع مجموعة من أفيشات الأفلام التي شاركت فيها “هدى سلطان” فتكاد تكون الصور متشابهة وتصب في نفس الإتجاه.
“عبد الحليم” النجم الأوحد والنساء ورود في عروة الأفيش
هو البطل الأول، والنجم الذي لا يستطيع أي أحد لا امرأة ولا رجل أن يسرق من بريقه أقل القليل، هكذا هو “حليم” في مختلف ساحات الفن، وتنجلي تلك الحقيقة أكثر أمام من لم يشهد عصره.
أفيشات أفلام مثل “فتى أحلامي”، أو “بنات اليوم” أو “ليالي الحب، تعبر بوضوح عن النجم الأول الذي تحيطه النساء كتوابع أو مكملات ضرورية للحالة الرومانسية التي ارتبطت في الأذهان بالمطرب الملقب بالعندليب، الذي لابد أن يكون حبيبًا ومحبوبًا، يغني لمعشوقته، ويغدق عليها بالحب ويحيطها بالأشواق.
الحلقة (2): قراءة في وضعية المرأة في الأفيش السينمائي في الستينيات