بطلات بارالمبياد ريو 2016.. مصريات يتحدين إعاقة المجتمع ويبهرن العالم بـ«قدراتهن الخاصة»
لم تلق دورة الألعاب البارليمبية الصيفية في نسختها الأخيرة، ذات الاهتمام والمتابعة التي عرفتها دورة الألعاب الأوليمبية التي سبقتها بأيام معدودة، وذلك على الرغم من كونها الحدث الدولي الأهم للرياضين من ذوي القدرات الخاصة.
على وجه التحديد، فالإعلام المصري لم يعر هذه الدورة التي انعقدت في ريو دي جانيرو بالبرازيل في الفترة من 7 سبتمبر وحتى 18 من الشهر نفسه تغطيةً لائقة، ولم يفرد مساحات للتعريف بالبطلات والأبطال المصريين المشاركين فيها، على الرغم من كونها ثاني أكبر حدث دولي متعدد الرياضات بعد الألعاب الأوليمبية، ويشارك فيها عدد كبير من رياضيين ورياضيات بدرجات إعاقة متفاوتة منها ضعف القوى العضلية، واختلال في الحركة نتيجة عجز في الأطراف، وكذلك قصر القامة والتوتر العضلي والرنح وضعف البصر وإعاقة النمو.
مشاركات الرياضيات والرياضيين المصريين وعددهم 44، لم يخصص لها المسؤولين في ماسبيرو، مساحات لتغطيتها، على عكس ما جرى مع المشاركين في منافسات الألعاب الأوليمبية، وهو أداء يعكس حالة التجاهل المتعمدة من قبل الجهات المعنية عمومًا بذوي القدرات الخاصة.
كيف بدأت الألعاب البارليمبية؟
بدأت كتجمع صغير على يد البريطاني “لوديج جوتمان” يوم افتتاح دورة الألعاب الأولمبية بلندن كمسابقات رياضية صغيرة للجنود البريطانيين القدامى المشاركين في الحرب العالمية الثانية والمصابين بإعاقات جراء الحرب العالمية الثانية في عام 1948، لتصبح فيما بعد واحدة من أكبر المناسبات الرياضية الدولية في مطلع القرن الـ21، ثم في عام 1960 انطلقت رسميًا في إيطاليا مقتصرة على مستخدمي الكراسي المتحركة واستمر الوضع على هذا النحو حتى عام 1976، ثم توسعت لتستوعب الرياضيين من ذوي الاحتياجات الخاصة الأخرى، تباعًا اعتُمِد مصطلح “بارالمبياد” كاسم رسمي للألعاب، وتبنت الألعاب البارالمبية شعار”الروح في الحركة”.
الحصاد المصري في دورة “بارالمبياد” ريو 2016
في الوقت الذي حققت فيه مصر ثلاث ميداليات برونزية فقط في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016، تمكن أبطال مصر من ذوي القدرات الخاصة، من حصد 12 ميدالية في دورة الألعاب البارالمبية التي أعقبتها، واشتملت المجموعة على ثلاث ذهبيات وخمس فضيات وأربع برونزيات، ليرتفع ترتيب مصر إلى رقم 30 عالميًا والثالثة عربيًا، من بين 71 مرتبة ومن بين الــ12 ميدالية، ذهبت 5 منها لنساء أظهرن قدراتهن الفائقة في تحدي الصعاب، ليثبتن أنهن لا يختلفن عن الأسوياء بل ربما لديهن قدرات تفوقهن.
بطلات “مصر” في البارلمبياد .. ذوات قدرات خاصة في مواجهة التحديات وإحراز التفوق
في ظل ضعف إمكانيات من ناحية، وتردي اهتمام الدولة من ناحية أخرى، بالإضافة إلى تمييز يستهدفهن لكونهن “إناث” أولًا ثم بسبب حالتهن الخاصة ثانيًا، إلا أنهن نجحن في أن يجتزن العقبات ويذللن الصعاب، ليحققن إنجازات تشهد بأن لا حاجز يقف حائلًا أمام طموحات النساء، لا سلطة أبوية ولا مجتمع عنصري.
ومن بين هؤلاء البطلات:
“راندا تاج الدين”، التي تبلغ من العمر 28 سنةً، وتمكنت من الفوز بالميدالية الذهبية، في منافسات رفع الأثقال لوزن 87 كجم نساء، وجاءت في المركز الأول في المنافسات بعد رفعها وزن قدره 130 كجم، بفارق 10.5 كجم عن منافستها الأردنية التي جاءت في المركز الثاني، حياتها تعد سلسلة من النجاحات والإنجازات، فعندما بلغت من العمر التاسعة عشرة، انضمت للمنتخب القومي لرفع الأثقال للمشاركة في بطولة العالم بكوريا عام 2006، وحققت ذهبية منافسات الناشئات وفضية منافسات العمومي، وفي 2008 شاركت ضمن المنتخب في دورة بكين البارالمبية وأحرزت الميدالية الفضية فى وزن 75 كيلو، ولتفوقها الرياضي، عُينَت بالشركة المصرية للاتصالات عام 2009، وانضمت لنادي المصرية للاتصالات، ثم في 2010 شاركت في بطولة العالم بماليزيا وحققت ميدالية فضية لنجدها بعد ذلك في 2012 تحقق فضية أخرى في دورة الألعاب البارالمبية في لندن، وبعد ذلك بسنتين، شاركت في بطولة العالم بالإمارات وفازت بالميدالية الذهبية بكل جدارة، ثم يأتي عام 2015 وتشارك في دورة الألعاب الافريقية بالكونغو لتحقق ميدالية ذهبية، وهو ما أهلها للمشاركة في بارالمبياد ريو 2016.
من بين المشاركات أيضًا، “رحاب أحمد” التي تبلغ من العمر 25 عامًا، وفازت بالميدالية الفضية في رفع الأثقال أيضًا، بعد أن تمكنت من رفع ثقل 104 كجم، مسجلة ثاني أفضل رقم عالمي وبارالمبي في هذا الوزن 50جم للسيدات، وبذلك تحقق “رحاب” أولى الميداليات البارلمبية في مسيرتها، بينما تباينت إنجازاتها السابقة بين المركز الأول فى بطولة فزاع الدولية بالإمارات عام 2013، والمركز الأول أيضًا فى بطولة فزاع الدولية لعامي 2015 و2016، والمركز الثالث في بطولة أوروبا المفتوحة بالمجر عام 2015.
أما “فاطمة عمر التابعي”، الملقبة بــ “الأسطورة النسائية”، نظرًا لكثرة إنجازاتها خلال مسيرة تصل إلى 20 سنةً، حصدت خلالها 4 ميداليات ذهبية بارالمبية وهي سيدني 2000 وأثينا 2004 وبكين 2008 ولندن 2012، ثم تأتي منافسات ريو 2016 وتحصد فيها ميدالية فضية، ووفقًا لما حققته فهي تعتبر أيقونة رفع الأثقال ليس على المستوي العربي والأفريقي فحسب، وإنما على مستوي العالم، فقد أحرزت الميدالية الفضية في دمج ميزاني 55 و65 كجم وحطمت رقمًا عالميًا جديدًا، وهو رقم ميزان 61 كجم مرتين بواقع 134 و141 لوزن الأثقال البارلمبية، بدورة الألعاب الأفريقية بالكونغو 2015، وحصلت على ميداليتها في وزن 69 كجم، ورفعت 144 كجم، وكانت “التابعي” قد نجحت في الفوز بالميدالية الذهبية لوزن تحت 61 كجم في بطولة كأس العالم لرفع الأثقال الباراليمبي بماليزيا.
واجهت “فاطمة” اتهامًا بتعاطيها المنشطات، بناءً على علاج خاطئ للسيدات تناولته أثناء المشاركة في إحدى البطولات لعام 2014، وأجري حينها تحقيق من قبل اللجنة البارالمبية الدولية، التي قررت إيقافها لمدة سنة، حتى تدخلت وزارة الشباب والرياضة مقدمة تظلم ضد هذا الاتهام، وتم تكليف أحد المحامين بمتابعة الملف والمرافعة عن اللاعبة لرفع العقوبة، وبالفعل أنصفتها المحكمة الرياضية، وتمكنت من المشاركة في دورة ريو 2016، لتحل بالمركز الثاني بعد رفعها لوزن قدره 140 كجم وتحرز بذلك ميدالية فضية، وتجدر الإشارة إلى أن تفوقها على المستوى الرياضي، لم يعيق نجاحها في إدارة بيتها وأسرتها، فهي أم لطفلتين.
نصل إلى الرباعة “اَمال محمود”، التي تمكنت من إحراز الميدالية البرونزية، في منافسات رفع الأثقال لوزن 67 كجم نساء، وجاءت في المركز الثالث في المنافسات، وعن تاريخها الرياضي فهذه هي الميدالية البارالمبية الثالثة لها، فقد فازت من قبل بميدالية فضية في دورة بكين 2008، وكذلك برونزية في دورة لندن 2012 والتي استحقت بموجبها الحصول على وسام الجمهورية للرياضة من الطبقة الثانية.
أخيرًا “أماني الدسوقي“، التي وضعتها الظروف في اختبار قاسٍ، بعد أن توفي والدها قبيل أيام من البطولة، ورغم الاَلم النفسي الغائر، استطاعت إحراز الميدالية البرونزية في منافسات رفع الأثقال لوزن 73 كجم نساء، ولم تكن هذه هي الميدالية الأولى لأماني، فقد حصدت من قبل ما يقرب من عشر ميداليات ما بين 2004 وحتى 2016.
البحث عن «المساواة»
لعل ما يسعى اليه البارالمبيون ليس في مصر فقط، ولكن في جميع الدول هو التساوي مع الأولمبيين “الأسوياء”، حيث توجد فجوة تمويلية كبيرة بين رياضيي الأولمبياد والبارالمبياد.
وفي مصر فضلًا عن التقصير على المستوى المادي، على المستوي المعنوي لم يلق الرياضيين والرياضيات البارلمبيين بعد عودتهم استقبالًا رسميًا، ولم يحظوا بمتابعة إعلامية سواء لهم أو للدورة عمومًا، فضلًا عن الموقع الرسمي للجنة البارالمبية فإنه من أضعف ما يكون، فلا يقدم ما يستحقه اللاعبين، فقط يذكر تاريخًا مصغرًا عن بطولتهم، ولا يهتم بسرد قصص كفاحهم، والتركيز على المتاعب التي واجهتهم في ظل مجتمع تكاد تنعدم فيه ثقافة احترام حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة.
وفيما يخص الرياضيات البارالمبيات تحديدًا، لم يحتف بهن سوى المجلس القومي للمرأة الذي أشاد بما حققنه لكنه لم يكرم أحدًا من هؤلاء النسوة اللواتي يعتبرن نماذج يحتذى بها، وقد أثبتن أنهن لسن معاقات وإنما نظرة المجتمع لهن هي التي تحمل الإعاقة.