كثير من النساء يواجهن العنف يوميًا خاصة الأسري، على يد الأب أو الأخ أو الزوج، فالمرأة العربية تتعرض للعنف اللفظي والجسدي داخل المنزل، وتسكت عنه لأنها لا تعلم ماذا تفعل، أو لأن قبوله مفروض عليها، لو تألمت منه فلا تدري إلى أين تذهب، لحماية نفسها من التعذيب والتنكيل.

وفي كثير من الأحيان لا تجد من يقدم لها المساعدة، فبعض الجهات الرسمية والمعنية بالحماية وتطبيق القانون تجهل كيفية التعامل مع المرأة المعنفة، فقضايا العنف المنزلي مازالت تعالج في مجتمعاتنا بميل للتسامح مع المعتدي خاصة لو كان أحد أفراد الأسرة من الذكور، وهذا بناءً على ثقافة مجتمعية تمنح الرجل الأعذار ليمارس العنف ضد المرأة.

العنف المنزلي مازال يُنظر له كونه شأنًا داخليًا يعني الأسرة فقط، ويجب حلها بين أفرادها وحسب، وتفرض الأسرة والمجتمع على المرأة “الصبر” على الاعتداء خاصة لو من الأب لأنه بربي ابنته، أو من الزوج لأن الضرب حق مكفول له بالدين.

تبليغ المرأة عن ضرب زوجها أو أحد أفراد أسرتها في نظر كثيرين دليل على التمرد وعدم الحرص على سمعتها وسمعة أسرتها وربما عائلتها ككل، فعلى المرأة أن تتحمل ولا تستغيث أو تشكو من سياط زوجها أو أحد أفراد أسرتها حفاظًا على تماسك الأسرة حتى لو كان الثمن موتها على يد جلادها.

تعيش النساء المعنفات في قوقعة تزيد الخناق عليهن، مجبورات على الصمت وقبول وضع سوداوي، داخل ذلك النظام الأبوي الذي شاخ وتشيخ معه النفوس، لكن هؤلاء مازال أمامهن فرصة للنجاة، من خلال ما يسمى بالبيوت الاَمنة أو مراكز إيواء المعنفات.

ما البيوت الاَمنة أو مراكز إيواء الناجيات من العنف؟

تعد البيوت الاَمنة أحد أهم وسائل حماية الناجيات من العنف، لمنع تكرار العنف الذي يرتكب بحقهن، ومن خلالها يتلقين خدمات متكاملة صحية وقانونية ونفسية وتأهيلية، وهناك ثلاثة أنواع من البيوت الآمنة؛ بيوت الطوارئ،  والبيوت قصيرة المدى، والبيوت طويلة المدى.

وقد ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية في أربعينيات القرن الماضي، ومع بداية القرن الحالي وصل عدد البيوت الاَمنة هناك إلى  2000 بيتًا، أما في أوروبا أنشئ أول بيت اَمن في السبعينيات، ومع ذلك يبقى حتى الاَن عددها محدودًا مقارنة بعدد السكان، فضلًا عن افتقاد أغلبها للمعايير الدولية باستثناء تلك الموجودة في 8 دولة أوروبية فقط، فيما ظهرت مراكز إيواء الناجيات من العنف في قارة اَسيا خلال التسعينيات.

وبحسب ورقة بحثية أعدتها منظمة نظرة للدراسات النسوية، فإن الدنمارك تأتي ضمن قائمة الدول التي قطعت شوطًا أكبر في تمكين النساء ومناهضة العنف ضدهن، حيث يوجد منظمة وطنية للبيوت الآمنة للنساء تربط بين الـــ41 بيتًا الموجودين في الدنمارك وذلك لتنسيق الجهود بينهم وتبادل الخبرات والمعلومات. وهذه المنظمة الوطنية منوط بها تدريب العاملين بالبيوت الآمنة وتنظيم حملات ودورات لتحسين مستوى الخدمة المقدمة في البيوت الآمنة.

أما عن أشكال البيوت الاَمنة، وأولها “بيوت الطوارئ” فهي تختص بتقديم الخدمة السريعة والمباشرة، وتوفير حماية مؤقتة لا تتعدي الثلاثة أيام، أما الثانية وهي “البيوت الآمنة قصيرة المدى” يمكن للنساء البقاء فيها مدة لا تتجاوز العام في أغلب الأحيان، وتقوم بتأهيل النساء في هذه المدة  لتتمكن من الاستقلال أو اتخاذ القرار بالعودة إلى المنزل بعد المدة المحددة، وأحيانًا يتم تحويل الناجية من بيت آمن الطوارئ إلى بيت آمن قصير المدى.

أما البيوت الآمنة طويلة المدى، تسمح للنساء بالبقاء مدة أطول للعلاج الطبي النفسي والجسدي.

البيوت الاَمنة في مصر

في مصر تتبع هذه البيوت الحكومة وتحديدًا وزارة التضامن الاجتماعي أو المجتمع المدني وتخضع كذلك لإشراف وزارة التضامن.

وترمي الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة  التي أطلقها المجلس القومي للمرأة العام الماضي، إلى زيادة عدد هذه البيوت.

وبحسب بحث مؤسسة نظرة للدراسات النسوية، فإن الباكورة الأولى من البيوت الآمنة للنساء، ظهرت في مصر في عام 2003، بعد قرارين وزاريين صدرا في عام  2000، وبناءً عليهما انشأت وزارة التضامن الاجتماعي (وزارة الشؤون الاجتماعية وقتذاك) 7 بيوت آمنة للنساء وزاد عددهم فيما بعد.

ويوجد حاليًا 9 بيوت آمنة تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي في محافظات، القاهرة، والجيزة، والقليوبية، والاسكندرية، والدقهلية، وبني سويف، والفيوم، والمنيا.

وأوضحت الورقة الصادرة في شهر مايو الماضي، أن مجمل القدرة الاستيعابية لجميع البيوت الآمنة بحسب تقرير صدر في عام 2009،  هو 214 سريرًا، ومن الممكن تقدير القدرة الاستيعابية لكل البيوت الموجودة في حدود 225-235.

ويسمح باصطحاب الأطفال حتى سن 12 سنةً للذكور وأي سن للإناث.

وبالنسبة لقواعد البيوت، فمدة الإقامة بالبيوت التابعة لوزارة التضامن ثلاثة أشهر ويمكن تمديدها بحد أقصى تسعة أشهر، ولكن يتطلب ذلك موافقة من وزارة التضامن الاجتماعي، وفي أغلب الأحيان تترك النساء البيت الآمن بعد الفترة المحددة، إلا أن هناك بعض الاستثناءات في حالات محددة تستدعي ذلك.

في العالم العربي

ومن الدول التي أنشأت هذه المراكز في الوطن العربي فلسطين، والسعودية، وقطر، وسوريا، والأردن، بينما تطالب المنظمات الحقوقية والنسوية في دول أخرى بتوفير مراكز إيواء للمعنفات، ومنها؛ الجزائر، والعراق، والكويت.

وتظل البيوت الاَمنة عنصرًا مهمًا ورئيسًا في مواجهة العنف الموجه ضد النساء، بالتوازي مع القانون الرادع والمنصف، وبناء ثقافة مجتمعية رافضة لذلك النوع من العنف.

وتجدر الإشارة إلى أنه حتى الاَن لم تقر جميع الدول العربية القوانين التي تجرم العنف الأسري ضد النساء، ويبقى عدد الدول التي قامت بذلك قليلًا وأبرزها؛ الأردن، ولبنان، والجزائر، والبحرين، والسعودية، بينما تخصص دول مثل؛ الإمارات، واليمن بنودًا في قوانين العقوبات تتعرض إلى هذه المسألة.