«الأربعاء الأسود» ذكرى بائسة لن يمحوها الزمن .. وبعد 11 سنةً الإرهاب الجنسي مازال سلاحًا في مواجهة المعارضة
في مثل هذا اليوم قبل 11 سنةً، شهدت سلالم نقابة الصحافيين لأول مرة استخدام النظام الحاكم في مصر لسلاح الإرهاب الجنسي بحق المعارضات علنًا أمام العامة، وأمام كاميرات الصحافة، لم يخش رجالات الحزب الوطني من شيء ولا على شيء سوى الكراسي وتثبيت الأرضية التي يحكمون عليها.
وقد سبق واستخدم النظام المباركي الإرهاب الجنسي ضد المعارضات، خلال تظاهرات لحركة كفاية في ديسمبر من العام 2014، لكن الإعلام لم يرصدها أو يوثقها فلم يكن أثرها مثلما هو الحال مع 25 مايو 2005 الذي حكت عنه الصور أبشع حكايات الانتهاك في يوم لم يصلح له عنوان سوى اليوم الأسود .. الأربعاء الأسود.
فى الـ25 من مايو من العام 2005، أصبحت مصر على فضيحة جديدة من فضائح نظام مبارك التي كان يرتكبها بهدف كتم أصوات المعارضة، وهذه المرة استهدف النساء بهدف إثارة الرعب بقلوبهن وبنفوس ذويهن، في مجتمع التعرض للنساء فيه، انتهاك لما يسمى بــ “العرض” وهو أشد ما “يقسم الظهور”، وفي هذا اليوم صعد النظام من وحشيته ليكشف أجساد النساء وليس فحسب بل وينفي عن نفسه التهمة ويلصقها بإحدى المتضررات مدعيًا أنها من مزقت ملابسها لتشوه صورة النظام في كذبة هي الأحقر على الإطلاق.
“نوال علي” هي أيقونة اليوم، التي نالها الجانب الأكبر من الانتهاك بعد طرحها على سلالم النقابة وتمزيق ملابسها وتعرية جسدها من قبل بلطجية الحزب الوطني وقتذاك.
وتعود قصة هذا التاريخ إلى يوم يعد الأكثر بزوغًا وتدليلًا على تزوير النظام المخلوع بفضل ثورة يناير 2011 لإرادة الأمة بكل فجاجة، عبر استفتاء أُجري على تعديلات المادة 76 من دستور 1971 والمعروفة بمادة “التوريث” وعلى الرغم من أن اللجان لم تشهد إقبالًا ولم يشارك الشعب لا برفض أو قبول “مادي”، إلا أن السلطة لم تكن تتحمل حتى اعتراض العشرات بالهتاف ورفع اللافتات المناهضة للاستفتاء ومشروع التوريث.
تحول سلم نقابة الصحفيين حيث كانت تظاهرة حركة كفاية إلى مسرح لواحدة من أبشغ ما ارتكب النظام المخلوع من جرائم خلال فترة حكمه، بعد أن ظهر فى المشهد عدد من رجالات الحزب الوطنى فى المكان وعلى رأسهم؛ مجدى علام ومحمد حنفي ومحمد الديب، وبصحبتهم عدد من البلطجية أفسحت لهم قوات الأمن الطريق لاقتحام التظاهرة في مشهد غلبه الفوضى والعبث، وفي خلفيته صوت متعجرف “عشان تبطلوا تنزلوا مظاهرات تانى”.
وعلى الرغم من تعرض العديد من المتظاهرات والعابرات بالصدفة للاعتداء في ذلك اليوم إلا أن اسم “نوال علي” ظل الأكثر ارتباطًا بحوادث الإرهاب الجنسي التي وقعت حينذاك، وهذا لأسباب عديدة أبرزها؛ أنها كانت بطلة الصور التي طافت العالم من أقصاه إلى أدناه، إذ ظهرت فى عدد من الصور التي ترصد تعرضها للسحل وتمزيق الملابس بالكامل وسرقة حقيبتها، بالإضافة إلى إصرارها على المضي قدمًا بطريق استرداد حقها قانونيًا، إلا أن التحقيقات انتهت إلى “لا شيء” والسبب كما جاء فى قرار المحامى العام لنيابة استئناف القاهرة كان “عدم معرفة الفاعل” على الرغم من أن شهادات الشهود أثبتت الفاعل والمحرض.
تدخلت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في القضية، وأقامت دعوى أمام اللجنة الأفريقية فى مايو 2006 بالاشتراك مع المركز الدولي للحماية القانونية لحقوق الإنسان، نيابة عن “نوال علي” وثلاث صحافيات أخريات هن؛ شيماء أبو الخير وعبير العسكرى وإيمان طه، لكن قرار اللجنة لم يصدر إلا فى في 2013، بعد 8 سنوات على الحادثة و 4 سنوات على وفاة صاحبة القضية “نوال علي”، وقد جاء القرار يدين بوضوح الحكومة المصرية ويطالبها بالتحقيق مع المتهمين المذكورين وتعويض الشاكيات، كل منهن بـ 57 ألف جنيهًا وإلزامها بتقديم تقرير خلال 180 يوم بشأن تنفيذ الحكم إلا أن السلطات المصرية صمت أذنها عن ذلك القرار، على الرغم من سقوط النظام المتركب للجريمة وخضوعه لعدد من المحاكمات التي تدينه في جوانب عدة.
بعد 11 سنةً على ذلك التاريخ البائس، تكرر الأربعاء الأسود بصورة مشابهة ربما أقل قتامة لكنها تسجل أن الإرهاب الجنسي مازال سلاحًا محببًا في مواجهة المعارضة، إذ تعرض عدد من الصحافيات أمام نقابة الصحافيين للتحرش الجنسي والاعتداء لفظيًا وجسديًا يوم 9 مايو الجاري، أثناء محاولتهن حضور اجتماع أعضاء الجمعية العمومية بالنقابة احتجاجًا على اقتحام قوات الأمن لنقابة الحريات.