مع تفاقم أزمة اقتحام نقابة الصحافيين من قبل قوات الأمن مساء يوم 2 مايو الماضي، برز دور الصحافيات منذ اللحظات الأولى، خاصة بعد ظهور عدد منهن على سلم النقابة عقب الحادثة مباشرة يهتفن احتجاجًا على ما حدث، ومن ثم حضورهن القوي يوم اجتماع أعضاء الجمعية العمومية الذي عُقِد يوم الأربعاء الموافق 4 مايو، على الرغم من كل المعوقات، وكان الاجتماع المذكور قد خرج بعدد من التوصيات على رأسها التأكيد على ضرورة استقالة وزير الداخلية وتقديم الرئاسة ومجلس الوزراء اعتذارًا عن عملية الاقتحام.

دفعت الصحافيات ثمن الأزمة مضاعفًا، بعد التعرض لهن بالتحرش والاعتداء لفظيًا وجسديًا في محيط نقابة الصحافيين يوم الاجتماع، سواء من قبل رجالات الأمن أو من قبل من يسمون أنفسهم “المواطنين الشرفاء”.

بالشهادات .. اعتداء وتحرش في محيط النقابة

وفي هذا السياق تبرز واقعتين على وجه التهديد هما اللتين وثقت صاحبتيهما حقيقة ما تعرضتا له عبر الفضاء الإلكتروني والصحافة،  إذ ظهرت صحافية في فيديو لأحد المواقع الإخبارية، تروي فيه اعتداء ضابط شرطة عليها، وبحسب شهادتها فإن الضابط قد أطفأ السجائر بيدها أثناء محاولتها الوصول إلى مقر النقابة، بعد أن نهرها ومنعها من المرور.

الواقعة الثانية للصحافية بمجلة روز اليوسف “هاجر عثمان”، التي روت عبر حسابها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ما تعرضت له من اعتداء من قبل النسوة اللواتي أحطن النقابة تحت مسمى “المواطنين الشرفاء”، وقالت في جزء من شهادتها: “كل اللي حصل أني أخذت  علقة كويسة من الستات أنا وداخلة لنقابتي من شارع رمسيس، ولمجرد أني رفضت أني معديش وسط اثنين من البلطجية الرجالة اللي واقفين وعايزين يجبروني أعدي من وسطهم عشان أوصل للحاجز الأمني ومنه للنقابة، وهنا قالي لي أحد الموجودين “ايه يا بت اسكتي بدل ما اديكي على وشك” وفضلًا عن ألفاظ مسئية للأم، وبعدها تبع الأمر هجوم من ستات كده من عينة “خالتي فرنسا”، كل ده والضباط واقفين على بعد خطوات بعد الحاجز ، وانا باصه في عيون الضباط وبقولهم برافو سايبنهم يضربوني كده عادي وانتو واقفين، وبعدها ضابطة الشرطة النسائية شدتني من وسطهم، وبتقولي معلش خلاص.”

وتابعت “عثمان”: حقيقي موقف مهين والضرب وجعني جدًا والستات جامدين جدًا، حقيقي الدولة اللي دوشانا ليل نهار بمحاربة الإرهاب أصبح لدينا إرهاب السلطة.”

slide_488384_6725838_compressed

الصحافيات بمحيط النقابة

في اليوم نفسه، تعرض عدد من الصحافيات للتحرش الجنسي من قبل من أطلقوا على أنفسهم المواطنون الشرفاء ومن رجال الأمن أيضًا بحسب شهادات عدة أبرزها ما جاء بمقال الكاتب ورئيس تحرير جريدة المقال “إبراهيم عيسى” ، الذي قال في مقاله المنشور بعدد الأربعاء 4 مايو : “البلطجية المتخفيين تحت ثياب الشرف، والذين يتم استدعاؤهم للاحتكاك والتحرش بالصحفيين والصحفيات أمور تعودنا عليها منذ عام 2005، واليوم عادوا وبعمق.”
فضلا عن تصريح الكاتبة الصحافية “نور الهدى زكي” خلال حلقة ببرنامج العاشرة مساءً لمقدمه وائل الإبراشي، أكدت فيه أن عددًا من رجال الأمن تعمدوا التحرش بالصحافيات لجرهن إلى خلافات جانبية.

صورة تعيد إلى الأذهان «الأربعاء الأسود»

هذه الصور تعيد إلى الأذهان ذكرى الأربعاء الأسود الذي مر قاتمًا على النساء والصحافيات خصوصًا في 25 مايو من العام 2005،  الذي وافق أيضًا وقتذاك يوم الأربعاء، وقد اعتدت قوات الأمن يومها على الصحافيين والناشطين المحتجين على سلم نقابة الصحافيين ضد تعديلات دستور 1971، وتعرضت الصحافيات للتحرش الجنسي من قبل رجالات الحزب الوطني، على مرأى ومسمع من الأجهزة الأمنية.

وتعود وقائع “الأربعاء الأسود” إلى دعوة خرجت من المنظمة المصرية للتغيير “كفاية” للتظاهر اعتراضًا على التعديلات الدستورية التي أقرها نظام مبارك فيما عرف اعلاميًا “بمواد  التوريث”، ليكون يومًا أسودًا في تاريخ الصحافة، بعد اعتداء من قبل قوات الأمن واحتكاك بالمشاركين في التظاهرة، وتطوير أسلوب القمع باستخدام التحرش الجنسي سلاحًا، إذ أقدم عدد من رجال الحزب الوطني على التحرش بعدد من المتواجدات فى محيط وعلى سلم النقابة، وأبرزهن “نوال علي ” و”شيماء أبو الخير” و”عبير العسكري” و”إيمان طه”.

الصحافية "نوال علي"

الصحافية “نوال علي”

وكانت الصحافية الراحلة “نوال علي” هي أيقونة اليوم بعد أن تعرضت للتعرية وأصابتها جروح وكدمات في أنحاء جسدها، ومع ذلك تمسكت بحقها القانوني في وجه رجالات نظام جائر.

فيما تعرضت كل من عبير العسكري وشيماء أبو الخير، للصفع والضرب والركل حين حاولتا الهرب من التعدي الجسدي اللاحق بهن من قبل رئيس وحدة مباحث قسم بولاق آنذاك.

أما الصحافية إيمان طه تعرضت للركل بمنطقة أسفل البطن وتمزيق ملابسها، وعقب التعدي عليها رفض رجال الأمن دخولها لمبنى النقابة للاحتماء”.

أضحت الحادثة قضية رأي عام، لكن النيابة حفظت التحقيقات في الـ27 من ديسمبر في العام ذاته، والسبب كما جاء فى قرار المحامى العام لنيابة استئناف القاهرة حينذاك كان “عدم معرفة الفاعل” على الرغم من أن شهادات الشهود أثبتت الفاعل والمحرض.

عقب إغلاق تحقيقات النيابة المصرية، لجأت “نوال” وبقية الناجيات إلى المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي قدمت شكوى إلى اللجنة الأفريقية في 18 مايو 2006 في بانجول حيث مقر اجتماع اللجنة والتي استمرت التحقيقات فيها إلى سبع سنوات، ورحلت “نوال” بعد صراع مع مرض السرطان، قبل أن تشهد إدانة الدولة المصرية وإلزامها بإعادة فتح التحقيقات في الوقائع ومحاكمة المتهمين وتعويضها والشاكيات عن الأضرار النفسية والجسدية، وهو ما لم تعيره الدولة المصرية أي اهتمام بل ولم تعلق عليه مطلقًا على الرغم من أن القرار جاء بعد قيام ثورة الــ25 من يناير وسقوط ذلك النظام.

هل ستكون وقائع الاعتداء أمام النقابة حالات فردية «وراحت لحالها»؟

تكرر المشهد منذ أيام قليلة، بدرجة أقل في البشاعة، إلا أن الاعتداء موجود، وهدفه كما كان قبل 11 سنة هو كسر شوكة النساء وإرهابهن وإثنائهن عن المشاركة في أي حراك.

وعلى الرغم من وجود شهادات تثبت وقوع انتهاكات، إلا أنه حتى الاَن أي من المنظمات النسوية لم يصدر بيانًا أو أعلن عن توثيق وقائع من هذا النوع أو تحرك رسميًا في هذا الصدد.

لكننا علمنا من “مزن حسن” مؤسسة ومديرة مؤسسة نظرة للدراسات النسوية إحدى أهم الجهات الحقوقية النسوية وأكثرها نشاطًا، أن المؤسسة عادة ما ترصد هذه الوقائع ضمن تقاريرها الدورية موثقة بشهادات الناجيات من العنف، وهذا ما سيُطبَق مع وقائع نقابة الصحافيين.

وعن التحرك من قبل النقابة، يقول “محمود كامل” عضو مجلس نقابة الصحافيين، أن المجلس لم يتلق أي شكاوى من الصحافيات اللاتي تعرضن للاعتداء أمام النقابة من قبل “المواطنين الشرفاء” تحت رعاية الأمن.

ويتابع “كامل” في تصريحاته لــ “ولها وجوه أخرى” قائلًا “هناك بين من تعرضن  للاعتداء سواء لفظي أو جسدي، صحافيات لسن عضوات بالنقابة وربما يكون هذا السبب وراء عدم تقديم بلاغ بشكل رسمي رغم أن النقابة ومجلسها لم يتوان في مساعدة أيًا من الصحفايين النقابين و غير النقابين.”

ويشير “كامل” إلى أن الصحافيات روين ما حدث لهن أمام مبني النقابة خلال مؤتمر صحافي عقدته النقابة، وكن يرددن بأن الأزمة التي تشهدها النقابة دفعت بعضهن إلى الامتناع عن تقديم شكاوى، لافتًا إلى أن النقابة قد أصدرت بيانًا أدانت فيه التعرض إلى الصحافيين والصحافيات من قبل المواطنين.