“نسرين حنة” هكذا يعرفها محيطها، شابة أسوانية بسيطة، تتفنن في رسم “الحنة” وتتخذها مصدر رزق لها، مثلها مثل كثيرين ممن يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي وسيلةً للدعاية لأشغالهم، لاجتذاب مزيد من المتعاملين معهم، لكن في ظل غياب الأمان الرقمي يسهل التزوير والاحتيال إلكترونيًا، وهي أحد هؤلاء المتضررين من الاستغلال والتزوير عبر الانترنت.

أصبحت “نسرين” في يوم على عملية انتحال لشخصيتها، عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لتبدأ مرحلة هي الأتعس في حياتها، بعد أن دشن شخص ما حسابًا إلكترونيًا باسمها “نسرين حنة” مستخدمًا نفس الصورة الشخصية وصورة الغلاف (Profile Picture and Cover Photo).

فوجئت “نسرين” بإحدى صديقاتها تسألها عما إذا كانت أنشأت حسابًا جديدًا على فيسبوك، لتجد نفسها أمام انتحال لشخصيتها من قبل شخص لا يمكنها تحديد هويته، يسارع لإضافة أصدقائها إلى قائمة الحساب المزور.

تستعيد “نسرين” القصة منذ أنشأت جروب على موقع فيسبوك، ليكون همزة تواصل بينها وبين عميلاتها، ولتنشر من خلاله صورًا لرسومات الحنة التي تقوم بها، كنوع من الدعاية لها، من هذا المنطلق، بدأ منتحل شخصيتها التعامل مع الفتيات، وطلب منهن إرسال صور للأماكن التي يردن رسم الحنة عليها بأجسادهن.

هناك من الفتيات من ارتاب في الأمر ولم يستجب للطلب الغريب، ولكن بينهن أيضًا من صدق أن المتحدث هو “نسرين”، وبادر بإرسال الصور الشخصية.

عكفت “نسرين” على التحذير والتأكيد عبر صفحتها الشخصية، أن هذا الحساب ليس حسابها وأن المتحدث ليس شخصها، فوصل التحذير للبعض ولم يصل لأخريات تعاملن معه مباشرة.

وتقول “لم أكتف بتحذير الفتيات فحسب، حاولت إغلاق الحساب “المزور” عبر خاصية الإبلاغ (report) على فيسبوك، لكن شيئًا لم يتغير، فتواصلت مع ضابط شرطة زوج إحدى صديقاتي، فأكد لي أنه يتعين علي الإبلاغ لدى الشرطة، ولكن حتى أقيم بلاغًا يتعلق بالجرائم الإلكترونية، يستوجب ذلك السفر إلى أسيوط أو القاهرة، وهو ما كان صعبًا علي.”

طيلة هذه الفترة، لم تكن “نسرين” قد تعرفت على هوية منتحل شخصيتها، وتواردت الكثير من الأفكار بخاطرها، وكان أغلب الظن أنها منافسة لها تريد صرف الفتيات عن التعامل معها، خاصة أن نصوص المحادثات التي أرسلتها بعض صديقاتها إليها، كشفت أن المتحدث يعلم جيدًا بواطن المهنة وتفاصيل لا تعلمها إلا عاملة بهذا المجال.

لم تتوقف المسألة عند إرسال الصور الشخصية وأماكن رسم الحنة، وفوجئت “نسرين” بهذا الشخص، يعلن عبر الحساب المزور، عن جلسات مساج يقدمها أخصائي مساچ قادم من سويسرا في إجازة قصيرة إلى أسوان، وأنه سيجري الجلسات في شقة بمنطقة الصداقة الجديدة وهي منطقة هادئة غير مأهولة سوى بقليل من السكان.

وتلفت “نسرين إلى أن المتحرش، أعطى الفتيات رقم هاتف نقال للتواصل مع “الأخصائي” للاتفاق مسبقًا بشأن مواعيد الجلسات، وأخبرهن أن المكان لم يُجهَز بعد والحجج من عينة؛ لم يمض وقت على مجيئه، زيارة قصيرة، عدم الإقامة بأسوان.

عندها توجهت إلى مديرية الأمن بأسوان، للإبلاغ عن هذا الشخص حتى لا تقع فتيات ضحية هذا الكذب، وحتى لا تتحمل مسؤولية أي أمر غير متوقع قد يفعله هذا المتحرش.

هناك حررت محضرًا ضده، وأفادها أحد الضباط بإمكانية استدراجه وإبلاغ الشرطة حينها لإلقاء القبض عليه متلبسًا، وهو ما فعلته.

تروي “نسرين” تفاصيل استدراجه قائلة “حددت معه موعدًا للذهاب إليه باعتباره أخصائي مساچ كما يدعى، فجاء في الموعد المتفق عليه، وبمجرد صعوده إلى الشقة – الخاوية تقريبًا من أي قطع أثاث – تبعته ومعي شخصين من أقاربي لحمايتي، وتمكنا من حبسه مؤقتًا لحين حضور قوات الشرطة بعد إبلاغها، لكنها تأخرت فلاذ بالهروب.”

توجهت “نسرين” إلى مديرية الأمن مجددًا لتحرير محضر تحرش، وعندها علمت لأول مرة هوية هذا الشخص، واكتشفت أنه “أمين شرطة”، ومع ذلك لم تتراجع عن المضي قدمًا في استرداد حقها وردعه قانونيًا.

تحولت القضية إلى محكمة جنح أسوان، ويتم حاليًا نظرها، وتبدي “نسرين” تخوفها من تأخر إرسال تحريات مباحث الإنترنت، التي تعتبرها الأساس لإثبات حقها.

المشكلة الكبرى بالنسبة لــ “نسرين” هي «الخوف» الذي يقبع داخل نفوس الفتيات، اللواتي خدعهن هذا الشخص وتضررن من احتياله، فهؤلاء يحول الخوف دون إفصاحهن عما جرى، ويمنعهن من الذهاب إلى المحكمة للإدلاء بشهاداتهن، يلتزمن الصمت رغم الانتهاك، خشية عقاب الأهل الذي سيطالهن قبل أن يطال مرتكب الجرم، وتجنبًا لفضيحة ستنال منهن قبل أن تلحق بمن يستحقها، مخاوف عديدة يفرضها مجتمع منغلق على نفسه يتعامل مع المرأة بنفس عقلية تعامل أسر كثيرة مع أبنائها من مرضى الإيدز، يخفون المرض مهما اشتدت اَلامه حتى يموت المريض في هدوء، دون أن يعلم أحد بحقيقة مرضه خوفًا من ظنون الناس ونظراتهم وأحاديثهم واتهاماتهم.

ثقافة المجتمع هي حائط الصد الأكبر في وجه “نسرين” منذ البداية، والتي تقول عنها “الفتيات هنا في أسوان والصعيد عمومًا، يخفن الإفصاح عن أي انتهاك تعرضن له مهما كانت درجته، فقد يكون هذا الشخص تمكن بالفعل من استدراج فتيات إلى المكان المهجور إياه لكنهن لا يستطعن البوح بما جرى خوفًا من الفضيحة.”

وتقول: “عندما حرزنا الهاتف الخلوي الخاص بهذا الشخص، وجدنا صور خاصة لعدد من الفتيات اللواتي كن يتعاملن معي، وعندما أخبرتهن بأمر القضية حتى يأتين كشاهدات، لم تأت ردود الأفعال المنطقية، وفوجئت بمن تقول لي “أنتِ هتخربي بيتي”، ومن تهربت مني وأغلقت هاتفها، وهناك من اتهمني بالإساءة إلى بنات الصعيد مثل “تيمور السبكي”.”

تستطرد “نسرين”: “المشكلة الأساسية تكمن في المجتمع الصعيدي وأفكاره، أعلم أنني لو كنت بالقاهرة وحدثت هذه الجريمة، لوجدت الدعم الكافي، ولكانت الفتيات اللاتي خضعن لهذا النصب، صممن على فضح هذا المتحرش.”

وتختتم بالقول “بعد هذه الحادثة، أضحى السؤال الذي أعيده على نفسي مرارًا، هو هل الصحيح أن أربي ابنتي على السكوت دائمًا والتنازل عن حقها حتى تعيش اَمنة في هذا المجتمع؟ هل بات الخوف هو الحل؟”