استخدام التكنولوجيا في مجال الدفاع عن حقوق النساء ومواجهة العنف الموجه ضدهن، لابد ألا يقتصر على مخاطبة العامة أو المهتمين بالقضية على الفضاء الإلكتروني، ولكن لابد أن تُستَغل هذه التكنولوجيا للتقريب بين الجهات العاملة في هذا الصدد، هذا هو أول ما يمكن استخلاصه من إطلاق خريطة مشروعات العنف القائم على النوع الاجتماعي في مصر، التي أُعلِنَ إصدارها رسميًا خلال مؤتمر صحافي عقدته مؤسسة “تدوين” لدراسات النوع الاجتماعي، بفندق سفير بمنطقة الدقي.

وقد أفادت “أمل فهمي” مدير مؤسسة “تدوين” في كلمتها خلال المؤتمر بأن الدافع الرئيس وراء إطلاق خريطة مشروعات العنف القائم على النوع الاجتماعي، هو التنسيق بين الجمعيات المنفذة لمشروعات قائمة على العنف، لتفادي تكرار المشروعات والأماكن المستهدفة وتكامل الجهود التي ترمي إلى القضاء على العنف ضد المرأة.

هالة عبد القادر: ممارسة الرجل للعنف كــ”حق شرعي” تطيل عمره وغياب توعية النساء بحقوقهن يدفعهن للتعايش معه

عزة كامل: عدم الاستسلام “ضرورة” لتغيير الأفكار في مواجهة الثقافة المجتمعية الداعمة للعنف ضد النساء مهما كانت العوائق

رضا شكري: النساء هن الأكثر تضررًا من غياب الخدمات الأساسية من كهرباء، ومياه، وصرف صحي 

وقد شملت الخريطة 25 جمعية في أربع محافظات هي؛ القاهرة، والجيزة، وبني سويف، والمنيا، احتكرت العاصمة النصيب الأكبر من هذه الجمعيات بنسبة 48 بالمئة، فيما جاءت المنيا بالمركز الثاني حيث ضمت 20 بالمئة منها، فيما تساوت النسبة في كل من الجيزة وبني سويف بواقع 16 بالمئة.

في الجلسة الرئيسة خلال المؤتمر، التي أعقبت الجلسة التعريفية بالخريطة، تحدثت “هالة عبد القادر” المدير التنفيذي للجمعية المصرية لتنمية الأسرة، واستفاضت في شرح مشروع الجمعية بمنطقة إمبابة، مؤكدة أن ما يطيل أمد العنف ضد النساء في المناطق الفقيرة، هو ممارسة الرجل العنف ضد المرأة استنادًا لــ”الحق الشرعي”، وهو ما تقبله النساء ظنًا منهن أنهن يرضين الله، ومنهن من ترى أنه في حال تذمرت فإنها ستبيت ليلتها والملائكة غاضبة عليها لأنها اعترضت على حق مكفول دينيًا للزوج، موضحة أن الجمعية عكفت على تأكيد وإثبات عدم صحة هذه الأقاويل.

وأوضحت “عبد القادر”، أن الداعيات الموجودات بمنطقة إمبابة يلعبن دورًا مهمًا في تشكيل وجدان النسوة هناك، وأنهن يركزن في توجيههن على الأمور الشكلية أكثر من المضمون المتعلق بفقه المرأة، ويقنعن النساء أنهن مهما فعلًا، هن أكثر قربًا من جهنم.

وشددت على أن هؤلاء الداعيات تأثيرهن أقوى وأسرع في المجتمعات الفقيرة من تأثير منظمات المجتمع المدني، لافتة إلى أن الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، تزايد فيها الترويج لكون حقوق المرأة ليست من الدين في شيء.

فيما أكدت الدكتورة “عزة كامل” مدير مركز وسائل الإتصال الملائمة من أجل التنمية (ACT)، أن عدم الاستسلام أو فقدان الأمل “ضرورة” لتغيير الأفكار في مواجهة الثقافة المجتمعية الداعمة للعنف ضد النساء، مهما كانت العوائق أو طال الزمن، مستشهدةً بقصص عايشتها خلال عملها في المجال العام عبر سنوات.

وأشارت “كامل” إلى عدد من أنشطة مركز ACT، في الفترة الأخيرة، وأبرزها مهرجان سينما الموبايل لمناهضة العنف ضد المرأة والذي انطلق في دورته الأولى العام الفارط 2015، وإطلاق مسابقة للصحافيين بشأن التحقيقات المتميزة عن قضايا النساء، بالإضافة إلى تخصيص جائزة لأفضل فيلم مقدم عن قضايا النساء، بمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة.

وأوضحت أن المركز يولي اهتمامًا لمواجهة الإتجار في البنات، وتحديدًا زواج “الطفلات” في مناطق البدرشين والحوامدية، إلى جانب الاهتمام بصورة المرأة في الإعلام بمختلف أشكاله من خلال شراكته في الشبكة العربية لرصد صورة المرأة في الإعلام.

3

في الجلسة نفسها، تحدثت “رضا شكري” مدير مؤسسة الشهاب للتطوير والتنمية الشاملة التى تعمل في منطقة “عزبة الهجانة”، التي يسكنها أكثر مليون مواطنة ومواطنة، وأوضحت أن نسبة النساء اللواتي يعلن أسرهن داخل هذه المنطقة 46 بالمئة.

وكشفت “شكري” أن المشاكل الرئيسة في هذه المنطقة، هي غياب الخدمات الأساسية من المياه والكهرباء والصرف الصحي، مؤكدةً أن الأكثر تضررًا منها هن النساء، إذ يخرج الرجال يوميًا لأعمالهن، بينما تتحمل النساء هذه المعاناة وحدهن، وبسبب عدم وصول المياه تتسرب الفتيات من المدرسة للذهاب لملــء جراكن المياه، ولعدم وجود حمامات خاصة، يتعرضن لانتهاكات عدة أبرزها التحرش الجنسي.

وأضافت “شكري” أن مؤسسة الشهاب تواصلت مع المسؤولين لحل تلك المشكلات الملحة، ثم بدأ عملهن على تحسين أوضاع العاملات بالمنازل من خلال رصد الانتهاكات التي يتعرضن لها؛ مثل التحرش، الطرد، الحبس داخل المنازل، العمل العشوائي غير المضمون بعقود عمل لحفظ حقوقهن، أو تأمين اجتماعي، موضحة أن المؤسسة تواصلت مع وزارة القوى العاملة لمواجهة تلك الانتهاكات بصور رسمية، بغية وضع معايير تضبط عمل هذه الفئة.

أما “راندة فخر الدين” ممثلة إئتلاف الجمعيات الأهلية لمناهضة ختان الإناث فقدمت عرضًا لتطور عمل الائتلاف ومشروعاته لمناهضة العنف ضد النساء، وعلى رأسها حملة كاملة لمناهضة ختان الإناث، وحملة تجديد الخطاب الديني، ووضع الاستراتيجية القومية للسكان والتنمية، ونموذج المدارس لتعزيز التغيير الاجتماعي ومناقشة الجهات المعنية لتنمية القدرات.

واستطردت “فخر الدين” موضحة أن الغاية من الائتلاف هي الدعوة لمناهضة العنف القائم على النوع والممارسات الضارة المترسخة مثل ختان الإناث، وزواج القاصرات، كما أكدت أن الائتلاف يعد فرصة لضم مجموعة من الجمعيات التي لديها برامج وأنشطة لمناهضة هذه الممارسات، والتنسيق بينهم.

take

على هامش المؤتمر تحدثنا إلى “أحمد بدر” الباحث الرئيس في مشروع “خريطة مشروعات العنف القائم على النوع الاجتماعي في مصر”، وأخبرنا أن إطلاق الخريطة كان بهدف خلق مصدر بيانات مفتوح للناس عامة، يجمع الجمعيات العاملة بمجال مناهضة العنف القائم على النوع، موضحًا أن الخريطة تشمل 4 محافظات في الوقت الحالي ولكنها قابلة للإضافة والتجديد.

وأردف قائلًا “إضافة مزيد من الجمعيات للخريطة يتوقف على المعايير المحددة، وهي؛ عمل هذه الجمعيات فعليًا على مشروعات لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وأن تكون هذه الجهات فاعلة وتنفذ مشروعات منذ فترة وليست حديثة العهد أو تحت التأسيس”

ونفى “بدر” شمول الخريطة على أي مبادرات مستقلة مؤكدًا أنه من بين شروط الخريطة، أن تكون الجهات مشهرة وتخضع لرقابة وزارة التضامن الاجتماعي.”

وأوضح أن المعوق الرئيس والمشترك بين الجمعيات المشمولة في الخريطة، هو الثقافة المجتمعية التي تناصر العنف ضد النساء وتدعم الظواهر السلبية بحقهن.

الخريطة لم تشمل فقط عرضًا وافيًا للمشروعات الحديثة، بل تضم مشروعات ترجع إلى عام 1990 بحسب قول الباحث “أحمد بدر”.

ولفت الباحث إلى أن الخريطة لا تعد تقييمًا للمشروعات، وإنما رصد وتوثيق فحسب، بهدف نشرها على نطاقات أوسع، ولتعريف الجهات العاملة بهذا الصدد على مشروعات بعضها البعض، لإحداث مزيد من التشبيك فيما بينها.

أبرز المشروعات المعروضة على الخريطة:

  • تعزيز مشاركة الرجال في مناهضة العنف ضد المرأة وينفذه مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (ACT)
  • عدالة الأسرة وتنفذه مؤسسة حواء المستقبل
  • ملتقى المبادرات وتنفذه مؤسسة نظرة للدراسات النسوية
  • مناهضة الاتجار بالبشر عمومًا والنساء والأطفال خاصة وتنفذه مؤسسة قضايا المرأة المصرية
  • مناهضة العنف الأسري وتنفذه المؤسسة المصرية لتنمية الأسرة
  • مشروع منع الممارسات الضارة للنساء (الزواج المبكر، الختان) وتمكين النساء وتنفذه مؤسسة بلان انترناشونال – مصر
  • المشروع القومى لتمكين الأسرة ومناهضة ختان الإناث وينفذه المركز القبطي للتدريب والتنمية