فى إطار احتفالاتنا بـــ”شهر المرأة”، ننشر كلمة الصحافية “أمينة السعيد” رئيس تحرير مجلة “حواء الجديدة”، فى عددها الأول الصادر فى 14 يناير 1955.

جاءت كلمة الصحافية الملقبة برائدة صحافة المرأة بعنوان “نريد ثورة نسائية”، وفيها طرحت “السعيد” عددًا من الأسئلة بشأن وضعية المرأة وقتذاك، وتحدثت عن ضرورة توحد النساء من مختلف الطبقات والدرجات التعليمية، للثورة على الواقع بأسلوب سلمي لا يضر بالدولة المصرية.

Document-page-004

نص الكلمة: 

هل من يرضي عن العربية بأحوالها الراهنة؟

وهل من يلمس أثرها في حياة بلادها؟

وهل من يعتقد إنها المواطنة المنشودة تسعى إلى استيراد أمجادها مثلنا؟؟

إنها أسئلة صريحة أتوجه بها إلى الضمير العربي المخلص، وأنا أعرف الجواب عليها مقدمًا، فليس من العسير على كل ذي عقل وفهم، أن  يلمس عجز العربية عن أداء رسالة المرأة المتحضرة، وواضح كالشمس أن الفارق عظيم بينها وبين مثيلاتها في الدول المتقدمة..

وليس من العدل أن نفسر عجز العربية بضمور في قيمتها الذهنية، فالعقل البشري واحد في كل مكان، ولكنه يقوى أو يضعف بفعل الظروف  الاجتماعية المحيطة به، وقد أحاطت بالعربية ظروف مؤسفة، صنعتها أوضاع اجتماعية خاطئة، كان من أثرها أن شلت جهودها، وتوقف ذهنها عند درجة لا تلائم مطالب العصر الحديث.

والمرأة هي الأسرة، والأسرة وحدة رئيسية يتألف الشعب من مجموعها، فإذا أردنا أن نستعرض أحوال هذا العنصر الخطير في أثره على بلادنا، ونبحث في متاعبه بمنتهى الصراحة والاخلاص، نجد أمامنا صورة عامرة بألوان الظلم والأجحاف فالعربية بأوضاعها الراهنة مبعدة عن العوامل الضرورية في خلق الكرامة الإنسانية، فلا هي متعلمة، ولا هي قوية، ولا هي منصفة.. فضلًا عن أن القوانين المفروضة عليها، تهددها بالأخطار، وتحرمها حقها من الاستقرار العائلي، الذي لا تستقيم بغيره حياة الفرد والجماعة.

ولاشك أن عربيات كثيرات تعلمن وعملن وأثبتن جدارتهن الكاملة في مختلف الميادين وكن لبلادهن أثمن عون على التقدم. وأولئك جميعا رسل للخير، ومثل لما تستطيع المرأة أن تكونه إذا أعطيت الفرصة، ولكنهن على كثرتهن أقلية محدودة، تقابلها أغلبية ساحقة مازالت إلى يومنا هذا تتمرغ في أحضان الجهل والتأخر.. ولن تتحسن أحوال بلادنا بدرجة ملموسة، قبل أن تعدل أوضاع هذه الأغلبية، ويمكن أفرادها من أثبات وجودهن، وأظهار أثرهن في البيت والمجتمع.

وكثيرًا ما أسال نفسي، لماذا لم تتحسن أحوال المرأة في بلادنا، رغم حاجة العصر وإلحاح التطور؟؟ وأبحث عن  العلة، وأنقب خلفها، فلا أجد سببًا معقولًا إلا تقاعد النساء عن المطالبة بحقوقهن، اعتمادًا على جود الملصح وسخائه.. ولكن التجارب علمتنا مع الأسف أن المصلحين في بلادنا لم ينسوا يومًا أنهم رجال، فشرعوا لأنفسهم، وأصلحوا لجنسهم، وكانت مصالحهم غالبة في وضع القوانين.. وسيظل طابعهم، حتى يشتد الضغط عليهم، ويدوي صوت الحق عاليًا في آذانهم، فلا يجدون مفرًا من تلبية ندائه راضين أو مكرهين.

وسبيلنا إلى حياة أفضل واضح جلي، فالحقوق كالحريات تؤخذ ولا تمنح، والسكوت عن المطالبة بها دليل الرضا بالواقع.. ومما لا شك فيه أن نساءنا غير راضيات عن حالهن، ولكنهن لا يبذلن مجهودًا في سبيل تحقيق الإصلاح، والدعوة مقصورة على فئة محدودة، كفاحها فردي شكلي أكثر منه جماعي موضوعي.. واستمرار الحال على هذا المنوال يغذي أنانية المشروع، ويعطل ما نبغي من تغيرات ترد للأم كرامتها، وتحفظ للزوجة مكانتها، وتشبع الاستقرار، عماد الإنتاج والإتقان..

لن يتحقق لنا أمل، حتى تجتمع كلمة النساء على القيام بثورة شاملة تشترك فيها الجاهلة ونصف المتعلمة والمتعلمة، ولا تتخلف عن خوض معركتها مترفة أو كادحة.. فذلك فقط يتوافر الاتحاد قرين القوة، وتأخذ المطالبة بالإصلاح شكلًا عمليًا قويًا.

وأنا لست من أنصار الثورات المخلة بالنظم والقوانين، وعقيدتي أن الحركات العنيفة تسيء إلى بلادنا ولا تنفعها، فلماذا لا نختار لثورتنا أسلوبًا سلميًا يحقق الغرض، ولا يضر بمصالح الدولة؟!

لقد ابتكر غاندي سياسة المقاومة السلبية، التي تقوم على عدم التعاون، فنجحت هذه السياسة أعظم نجاح، وبفضلها نالت الهند حريتها بعد طول الذل والاستعمار..

وواجب العربية أن تقتدي بفليسوف الهند العظيم، فتكف عن التعاون في البيت والغيط والعمل والمدرسة، وتثابر على سياستها هذه بكل إيمان وإخلاص، ولا تحيد عنها قيد أنملة، حتى يتحقق الأمل المنشود.

وإذا أحسنت العربية التبشير بهذه الدعوة في طول البلاد وعرضها، وتوخت الدفة في تنظيم برنامجها، فلن تلبث الأوضاع النسائية أن تتغير، وتتبدل في أسرع وقت.

والله في عون المرء مادام المرء في عون نفسه.

رئيسة التحرير