معلوم للكافة أن المفاهيم والقيم البدوية مازالت حتى اللحظة تتجذر فى مجتمعاتنا العربية، ومن بين القواعد الراسخة منذ زمن وحتى الاَن، النظام الأبوي أو البطريركي، الذى تعود نشأته فى محيطنا إلى النظام القبلي، حيث كانت العصبية القبلية تحكم، والعلاقة الهرمية توجه البنية الاجتماعية المتمثلة فى “العائلة” أو “القبيلة” وقتذاك، والذى كان فيه “الأب” هو الحاكم والمسيطر وصاحب السلطة العليا، وظلت هذه البنية قائمة ولكن مع بعض التطور، فبقي النظام الأبوي متحكمًا فينا حتى الاَن.

بدأت “الأبوية” بمفهومها السلطوي، من خلال ترسيخ ضرورة قيام الابن على خدمة لأبيه، والانصياع لأمره، وفى حلقات متصلة داخل النظام القبلي أو العشائري، أصبح احترام الابن للأب يحتم عليه احترام شيخ القبيلة، ففى شخصه احترام القبيلة ككل.

يُطلَق أيضًا على النظام الأبوي مصطلح “النظام البطريركي”، والذى يعود إلى “البطريرك” وهى كلمة يونانية تعني أب، ولذلك فإن النظام المعتمد على سلطة الأب هو “نظام بطريركي”.

فى بداية استخدام المصطلح فى الـقرن الـ17، كان له معنى إيجابي يتعلق بالخصال الحميدة لحامل اللقب، ثم تطور استخدامه بشكل سلبي فى إشارة إلى القمع الممارس من قبل بعض رجالات الدين المسيحي، حتى دخول الـقرن الــ19، عندما استخدمته الحركة النسائية للإشارة إلى خضوع المرأة ورضوخها للذكر.

كما يطلق أيضًا على النظام الأبوي “النظام الذكوري”، لكون الذكر فى المجتمعات العربية القبلية هو من يعتلى قمة الهرم، يتخذ قرارات الأسرة والعائلة والقبيلة ومن ثم المجتمع ككل.

وتميل المجتمعات البطريركية إلى بناء شخصية خاضعة تركن إلى الخضوع للكبار والطاعة العمياء، وفيها يمثل الأب القوة، بينما تمثل الأم والأبناء الطاعة والخضوع.

ولأنها دائرة مفرغة يقلد الأبناء بمرور الوقت الأب، فى التحكم، فتبدأ بتسلط الأخ على أخته، ثم أمه، ثم بعد الزواج، يتسلط على زوجته، ثم ابنته، فى الوقت الذى يربي فيه ابنه على أنه وريثه.

ويبيت أمرًا تلقائيًا أن تقلد الفتاة الأم فى خضوعها وضعفها، وقبولها بسطوة الرجل، ونتيجة هذة العلاقة التسلطية، يختفى الحوار والنقاش فيتحول الأشخاص إلى آلات تنفذ ما يُطلَب منها.

استعبد هذا النظام المرأة، فأضحت ضحية، بعد أن روجت فتن وعادات لا أصل لها من الصحة، تستهدف وضع النساء فى مرتبة أدنى من الرجال، فهذا المجتمع تغيب فيه المساواة بين الجنسين، فالذكر بيده كل شئ، هو الاَمر والناهي، يمنع الأنثى من خروجها للعمل أو التعليم ويعتبره عارًا لها وله، بحكم أنه تابعه.

المجتمع البطريركى فيه الرجل كالإله، بينما المرأة نصف إنسان، تخضع لكل سلطة داخل الإطار الهرمي، بداية من الأب، ثم الأخ، ثم الزوج، ثم الابن.

جدير بالذكر أن هذا النظام لا يقوم على مفهوم التخصص وتقسيم العمل كما هو الحال فى الأنظمة الحديثة، المتقدمة والمتطورة، فهذا يتعارض مع مفهوم القبيلة والعشيرة والعائلة، وهو ما يبرر بوضوح حالة التخلف والقمع الذى يعيشه العالم العربي، فأمور مثل؛ استقلال المرأة، وتساويها مع الرجل، والكفاءة هى أساس تقييم الفرد وليسه جنسه، جميعها غائبة.

وقد قدمت الكاتبة الأمريكية الاسترالية “غيردا ليرنر” كتابًا بعنوان “نشأة النظام البطريركي”، وأوضحت فى ثناياه أن هذا النظام ينبني على فكرة تأصل أن الرجال والنساء خُلِقوا على نحو مختلف ولهدفين مختلفين، وأن الرجال يمتلكون ذهنًا مفكرًا وذكاءً وقدرة على القيادة، ومن ثم من المقدر عليهم أن يمثلوا النظام والحكم، فيما يُنظَر للنساء كونهن أقل على المستوى الفكري، ولذلك يجب أن يخضعن ويصبحن متكلات على الرجال، لافتة إلى أنه فى فترة ألفي سنة من التاريخ المسيحي، اعتُنقت هذه الأفكار كأنها أوامر إلهية وأصبحت متضمنة في المنظومة التربوية الغربية على جميع المستويات.