فيلم «مينا تسير»..تجسيد واقعى لمعاناة فتيات أفغانستان..بلد يقتل بناته أحياء بسهام الفقر والزواج المبكر وإعالة أسرهن
تتشابه كثيرًا أزمات المرأة فى بلاد العربية والإسلامية، ولذلك لا نشعر باغتراب حينما نشاهد أفلامًا تروى لنا واقع المرأة فى بلد ما غير بلدنا، حتى لو كان أفغانستان، البلد الذى يعانى حربًا طويلة العمر، تضرر فيها النساء بالغ الضرر ودفعن الثمن مضاعفًا.
وعلى الرغم من أننا كثيرًا ما نسمع أن المرأة الأفغانية الأسوأ حالًا بين نساء العالم، إلا أن أغلب معلوماتنا مصدرها، قصص فى التلفاز، وما يكتب فى الصحف والمواقع الإلكترونية، أو ما تنقله لنا الهيئات الدولية من أرقام وحقائق، فيما يصعب إدراك معاناة هؤلاء النسوة عن قرب أو لمسها بواقعية، لكن فيلمًا سينمائيًا مثل “مينا تسير”، كان قادرًا على محاكاة الواقع الذى يعيشه قطاع واسع من الفتيات فى هذا المجتمع المقيد بحبال القرون الوسطى.
يتعرض الفيلم لمشكلات عديدة أبرزها؛ حرمان الفتيات من التعليم، وخطر الزواج المبكر، وعمالة الأطفال، وإعالة القاصرات لأسرهن، والعنف المنزلي.
“مينا تسير” هو أحد الأفلام المشاركة فى المسابقة الرسمية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولى فى دروته الــ37، وتدور أحداثه حول مراهقة أفغانية فى الــ12 من العمر، تعيش مع والدها مدمن المخدرات وجدها المريض، بعد أن قٌتِلَت أمها إبان حكم حركة طالبان لأفغانستان.
الفتاة المراهقة تعول أسرتها الصغيرة، وفى الوقت ذاته تتمسك بحلمها فى “التعليم”، فنجد أنفسنا أمام فتاة تصبح على رعاية جدها ومن ثم تذهب للمدرسة، وبعد ذلك تنضم لمجموعة من الأطفال العاملين بالبيع الجائل فى أحد الأسواق تحت إمرة شخص يدعى “بشير” يعطيهم البضائع التى يبيعونها ثم يقاسمهم الربح، وبعد شقاء يوم طويل، لم ينته بعد، تعود الطفلة لمنزلها لتعتنى بجدها، وتعد الطعام له ولوالدها، الذى يظل عبئًا عليها خاصة مع إصراره الاستمرار فى تعاطي المخدرات، واتكاله عليها فى نفقات العيش، وكأنه مسؤول منها وليس عنها.
والد “مينا” لم ينل من الأبوة سوى اللقب، ينهر ابنته بدون سبب لأنها قيدت جدها المريض قبل أن تذهب للمدرسة، حتى لا يعاود الخروج من البيت هائمًا على وجهه وسط الشوارع لدرجة قد تودى بحياته، فى حين يتركه هو وحده بلا رقيب لأجل مرافقة مدمنى المخدرات فى القهاوى والأوكار الخاصة، هذا بالإضافة إلى رفضه استمرار ابنته فى المدرسة، ورغبته أن تقضي يومها بين العمل فى الشارع كبائعة تجلب له مزيدًا من المال ليشترى المخدرات، وبين أن تكون ربة منزل تخدم أباه العجوز.
نكتشف تباعًا أن “بشير”، هو من يورد المخدرات لوالد “مينا”، على الرغم من أن اتفاق قد جري بينه وبين “مينا” أن يتوقف عن فعل ذلك مقابل ثلث ما تتحصل عليه يوميًا.
تستمر حياة “مينا” على ذلك الحال، تعيش أيامًا مهلكة منهكة أكبر من سنها، تمر فى السوق على بائعي الزاد، لتشتري الطعام لأهلها فيما تكتفى بالمرور ولمس الدمى دون قدرة أو أمل فى شرائها.
تتبدل الأمور، بعد وفاة جدها المفاجئة، والتى تولت عناءها وحدها أيضًا دون أن يرفع والدها عنها مشاق عمليات الغسل والنقل والدفن.
فبعد أن تكتشف الصغيرة وفاة جدها، تبحث عن والدها ليدفنه معها، حتى تجده فى أحد الأوكار غائب عن الوعي بعد أن تعاطى جرعة من المخدرات، لا يمكنه الإفاقة أو الذهاب معها، فتتولى هى بمساعدة أحد أصدقائها من الباعة الجائلين والجيران المحيطين، إتمام كافة الخطوات بداية من التكفين مرورًا بالغسل والنقل للمقابر انتهاءً بالدفن، وتقضي ليلتها الحزينة وحيدة فى البيت تبكى ولا تجد من يهون عليها.
لم تفقد “مينا” الأمل فى تحقيق الأمان مع والدها وإثنائه عن تعاطى المخدرات حتى لو بلي ذراع “بشير”، فتخفي إحدى حقائب مستلزماته، لكنها لم تفلح فقد هددها بقتل والدها، مما اضطرها فى النهاية إلى الإبلاغ عنه لدى الشرطة بأنه انتحاري لحماية أبيها منه، وبالفعل تتحرك الشرطة بناءً على بلاغ منها ويبدو أنه دون فحص، مما يدلل على مستوى الشرطة وجهات الأمن هناك، ويُقتَل “بشير”، وهو ما يزعج والد “مينا” أكثر من موت أبيه، فيعود للمنزل ليبرحها ضربًا.
بدلًا من أن يكون ما حدث بمثابة صفعة على وجه الأب للاستيفاق مما هو فيه، يتمادى أكثر، ويظل يبحث عن المال بلا تعب، بلا عمل، لدرجة سمحت له بأن يوافق على بيع ابنته لصديقه تحت ستار الزواج، بعد أن أصبحت لا تدر له مالًا، فقد لفظها زملائها من الباعة الجائلين ومنعها من حل محل “بشير” من العمل، وبات الجميع لا يأمن لها بعد أن تسببت فى مقتله.
تهرب “مينا” من هذا المصير، حتى تعيش حرة، لكن التحرر من قيد الزواج المبكر له ثمن، والثمن هو التنازل عن حلمها الكبير فى التعليم فتترك المدرسة وتسلم كتبها للمعلمة لعل أحدًا غيرها يستفيد بها ، ومن ثم تضطرها الظروف للعمل بالشحاذة بالشوارع مرتدية البرقع الأزرق (الزى الأفغانى للنساء) حتى لا يعرفها أحد.
حتى فى ظل الحظر .. خرج الفيلم للنور
قدمت الممثلة الصغيرة “فرزانا نوابي”، دور “مينا” باقتدار شديد، والتصقت بالشخصية وذابت فى تفاصيلها، فلم يبد أى شئ فى مظهرها أو طريقة كلامها أو تعابير وجهها مفتعلًا.
يذكر أن كاتب مخرج الفيلم وكاتبه”يوسف باراكي”، كشف المزيد عن هذا المجتمع المغلق فى الندوة التى تبعت عرض الفيلم مساء أمس، حيث أكد أن ظروف التصوير كانت صعبة للغاية وبإمكانيات محدودة، وحاول فريق العمل ألا يخرج عن التلال وأسطح المنازل حتى لا يتعرض للملاحقة كما أن الفيلم تم تصويره فى وقت مضغوط خلال 19 يومًا.