«ولها وجوه أخرى» تحاور سلطانة الطرب الحديث.. ريما خشيش: لا يمكن أن أقدم أغانى خفيفة حتى لو خسرت شريحة من الجمهور
- أقدم موشحات في القرن الــ21 وعلى الرغم من توقعي عدم نجاحها، وصلت للشباب.
- أصحاب الأغاني الخفيفة يستفزوني .. و”النشاز” يسيطر على أدائهم وكلماتهم تعانى “قلة الذوق”
- لا احترم برامج اكتشاف المواهب وبسبب كثرتها تحول كل الناس لمطربين.
- أحب السينما أكثر من المسرح الغنائي واتطلع للمشاركة فى فيلم سينمائي.
تمتلك صوتًا ساحرًا، يذكرك بعمالقة الفن الذين تركوا بصماتهم واضحة وضوح الشمس فى رابعة النهار، هي خليفة منيرة المهدية لكن فى القرن 21، فتتخلى عن التخت الشرقي وتمزج موسيقي الجاز مع القوالب الغنائية العربية الأصيلة.
تسير ضد التيار، تنقب في أعماق الماضي لتستخرج منه الكنوز وتقدمها بأسلوب عصري، تمكنت من خلال أسلوبها ذاك، تكوين قاعدة جماهيرية كبيرة بين الشباب، ومحت الصورة المعهودة عن الغناء الكلاسيكي الذى لا يسمعه سوى كبار السن.
“ريما خشيش” ابنة جنوب لبنان، حفيدة عمالقة الطرب القادمين من أرض الأرز؛ صباح وفريد الاطرش ،وديع الصافي ،فيروز ، ماجدة الرومي والكثير والكثير.
“ولها وجوه أخرى” حاورت النجمة اللبنانية، على هامش مهرجان القاهرة الدولي لموسيقي الجاز في دورته السابعة التى بدأت فى 15 من أكتوبر الجارى واستمرت حتى الـ17 من الشهر نفسه.
تشاركين في مهرجان “القاهرة الدولي لموسيقي الجاز” وأنتِ من رواد الغناء الكلاسيكي والطرب الأصيل ولديك باع في تقديم الأدوار والموشحات الغنائية .. ما العلاقة بين الجاز والموسيقي الشرقية التراثية؟
حقيقية كثيرون يتعجبون من ذلك، ولكني في حياتي لم أغن جاز، أنا أغني طرب موسيقى عربية كلاسيكية، حتى أول أغاني قدمتها كانت تراثية عربية، ولكن قد يكون الخلط نتيجة عملي مع موسيقيين قادمين من خلفية وثيقة بموسيقي الجاز، كما أن توزيع الأغاني وتقديم التراث بطريقة مغايرة، بمرافقة موسيقية مختلفة عن التقليدية، باستخدام كونترباص مثلًا بدلًا من الاعتماد على العود، أوجد نقطة مشتركة بين الموسيقي العربية والجاز، وفي رأيي هناك قواسم مشتركة بينهما أبرزها الارتجال، وفي نفس الوقت نحافظ على “روحية”(طابعها وهويتها الأصيلة) الأغاني العربية الكلاسيكية، أنا لا أغير في طريقة الغناء ولا المقام ولا الإيقاعات ولكن التجديد في المرافقة الموسيقية عبر اَلات الجاز.
إلى أي مدى ساهمت النشأة في منزل أب عازف قانون وهو “كامل خشيش” فى تشكيل اتجاهاتك الفنية في الغناء الشرقي الكلاسيكي؟
فضلًا عن كون والدي عازف قانون، لدي مخزون موسيقي تربيت عليه، بسبب استماعى لأغاني أم كلثوم وعبد الوهاب وفيروز ووديع الصافي، وهذه الموسيقي العربية الأصيلة التي طالما عشقها أبي وأمي، فكانت الموسيقي تمثل شيئًا أساسيًا بالبيـت، ثم انضمامى لكورال الأطفال مع المايسترو “سليم سحاب “بفرقة بيروت للموسيقي العربية، وهو ما جعلني اندفع أكثر نحو التراث العربي والقوالب الكلاسيكية، واعتدت الاستماع إلى عبد الوهاب وعبد المطلب وزكريا أحمد، وكل هذه عوامل ساهمت في تربيتي فنيًا، وكنت احفظ كل الأغاني التي اسمعها، حتى لو كانت 20 أغنية في حفلات يؤديها فنان “صولو”، وغيرها من الأدوار والموشحات لتصبح أشبه بمثابة الحفر في رأسي منذ سن صغيرة رغم كلماتها الصعبة وألحانها القوية، وكنت أظن في هذه السن الصغيرة، أن الجميع يغني مثل هذا النوع من الطرب الأصيل، لكن اكتشفت أن الأمر ليس كذلك بالطبع.
ذكرتي أنك اكتشفت أن العالم لم يعد يغني هذه الأغاني الطربية، فكيف غامرتي بتقديم ألبوم كامل باسم “هوي ” يضم 11 موشحًا ، وهو أحد القوالب الغنائية الكلاسيكية الصعبة فى 2013 ؟
بالفعل كنت قلقة بشأن قبول الجماهير له، وتوقعت بصراحة شديدة أن يباع من الألبوم 5% فقط من نسخه، خاصة أنني لم أقدم الموشحات التقليدية المعروفة للأذن مثل”ما بدي يتثني “و”يا شادي الحان “، ولكني نقبت عن موشحات قديمة للغاية وغير معروف مؤلفيها، منها ما كنت استمع إليه وأنا صغيرة، ومنها ما لعمر البطش من سوريا، وداود حسني من مصر، وسيد درويش.
لذلك توقعت ألا يكون للألبوم جمهور كبير، حتى أصدقائي المقربين كانوا لا يفهمون بعض الموشحات لما تحتويه من لغة عربية صعبة، فضلًا عن الإيقاعات القديمة المركبة الطويلة الصعبة، ولكن بحياتي ما قدمت شيئًا وكنت أفكر فى رد الفعل، أنا أفعل ما أحب واقتنع به، وأتمنى أن يبقى هذا العمل الفني لسنوات طويلة مستقبلًا، فأنا أعشق الموشحات، واعتبرها من أعظم ما يوجد لدينا فى التراث العربي.
وماذا عن ردود أفعال الجماهير التي لمستينها في الحفلات بعد استماعهن للموشحات، وعن استقبال الشارع الثقافي له بصفة عامة؟
كنت سعيدة جدًا بأنني حصلت على جائزة الإبداع الفني عن هذا الألبوم لعام 2014، من مؤسسة الفكر العربي، فمثلت هذه الجائزة الكثير بالنسبة لي، لأن هذا الألبوم كان من أصعب المشروعات الفنية، صعب فيما يتعلق بالتلقي، والجائزة أسعدتني وقيمتها كانت فى أن هناك أشخاصًا تقدر المجهود المقدم، وترى أن هناك فنانين تريد التطوير والعمل على تجاربهن الموسيقية المختلفة، وحقيقة كان التفاعل مع الألبوم كبيرًا للغاية من جمهوري الذي يأتي للحفلات وأغلبه من الشباب.
ألا تتخوفين من أن يفقدك غناؤك الجاد الكلاسيكي، شريحة كبيرة من الجمهور الذي ينجر وراء الأغاني الاستهلاكية الخفيفة والتجارية؟
اعتقد أن هذه الشريحة ليست بحاجة إلى سماع ما أقدمه، فهناك كثيرون يقدمون هذا اللون الاَن، وصراحة هؤلاء يستفزوني، واتكلم هنا عن بعض ما يقدم من أغاني حالية استهلاكية، لأن غنائهم خالي من المعنى، ولا جديد في اللحن والتوزيع، وهناك قلة ذوق بالكلام المقدم في الأغنية والموسيقي، وحالة نشاز تسيطر على الأداء الغنائي، وقليلون مبدعون حقًا يقدمون جديدًا، أما الغالبية التي نسمعها ونراها في الإعلام والتي تصل إلى الجمهور هي الفئة الاستهلاكية، التي للاَسف لا تضيف شيئًا، فكل ما يقدم فى هذه الأغاني الاستهلاكية الخفيفة مجرد تشويه، فهي تشوه الذوق العام، فإذا تربى جيل على هذه الأغاني فالنتيجة ستكون جيلًا مشوه الذوق.
هل يعني ذلك أنه يستحيل أن يأتي يوم تغني فيه كلمات ليست بالفصحي أو ذات قالب غنائي كلاسيكي؟
لا يمكنني أن أقدم الأغاني الخفيفة، وأنا لا أفتش عن أغاني صعبة، لكونها صعبة، ولكن أنا أبحث عن الأغنية التي تشبهني وأحسها بشدة، فقد تكون هناك أغاني بسيطة رائعة ولكنها ذات قيمة كبيرة، وأشعر أنها تشبهني، فليس المطلوب فقط أن أقدم أغنية صعبة.
كما ذكرت من قبل أنا مشبعة بهذه الموسيقي الأصيلة منذ النشأة، وكل ما أفعله تقديم التراث بأسلوب حديث، فالموسيقي العربية هي حياتي وأنا عاشقة لها كما أعشق الشعر العربي المغنى.
يحيى صوتك دائمًا ذكرى عمالة الفن، وكما قدمتِ أغاني درويش وعبد الوهاب وأسمهان قدمت ألبوم “من سحر عيونك” عام 2012 للمطربة الراحلة صباح؟
يرجع السبب فى إصدار هذا الألبوم إلى “مهرجان دبي السينمائي”، فى دورته ذلك العام كانوا يكرمون شخصية “صباح”، لما تركته من إرث سينمائي يصل إلى ما يفوق 80 فيلمًا، وبالفعل جاء الألبوم ليضم 11 أغنية قدمتها صباح فى أفلام سينمائية، وكنت حريصة على تقديم تلك الأغانى غير المعروفة أو المتداولة إعلاميًا بكثرة، واكتشفت من خلال هذا البحث قيمة هذه السيدة العظيمة، والتنوع الذي تتميز به أغانيها والملحنين الكبار الذي تعاونت معهم مثل فريد الاطرش، وعبد الوهاب، ومنير مراد، وبليغ حمدي وغيرهم، ومن الملحنين اللبنانين أيضًا.
في أحد حواراتك بعد صدور الألبوم، أعلنت عن رغبتك في توصيله للفنانة صباح ومقابلتها، هل حدث ذلك ؟
للَاسف، لم ألتق بها، لأنها كانت مريضة وقتذاك، ووضعها الصحي سئ، ويتم نقلها للمستشفى من حين لاَخر، وبصفة شخصية فضلت ألا أرى “صباح” بهذه الصورة، وأن تكون معرفتى بها وهي مريضة، فاَثرت أن تظل “صباح” كما كان عهدي بها طوال عمري، تلك السيدة التي تشع بهجة سعادة.
ألا تفكرين في تكرار تجربة “صباح” في التعاون الفني بين مصر ولبنان، وهل نرى في ألبوم “ريما” الجديد هذا التعاون مع ملحنين وشعراء مصريين؟
هذا يتطلب أن أعيش فى مصر لفترة طويلة، وأتعرف على الوسط الفني الموجود، لأنني متأكدة أن بمصر الكثير من الشعراء والملحنين العظام الذين يشرفني بكل تأكيد التعاون معهم، ولكن للاَسف لم يكن لدي فرصة للإقامة الطويلة بمصر، ولكن أتمنى في المستقبل أن يتحقق ذلك.
زياد رحباني وتعاونك معه .. حدثينا عن هذه التجربة ؟
كان التعاون فى أول ألبوم قدمته وهو” ياللي” عام 2006، وقد عزف زياد الرحباني “بيانو” بأحد أغنيات الألبوم بعنوان “سليمي”، وكانت قامت بغنائها من قبل “زكية حمدان”، وبصفة عامة ألحان “زياد الرحباني” تربيت ونشأت عليها منذ الصغر، فأنا أحب زياد كفنان، فهو يمتلك الموهبة بإبداع وبساطة وإحساس، فهي تمس وجداني بشدة، وللأسف منذ ذلك الوقت لم يحدث تعاون مشترك بيننا لكن أنا على علاقة طيبة بزياد واتمنى أن يجمعني معه لحن مشترك لأغنية قريبة .
هل يمكن أن نرى “ريما خشيش” تقدم مسرح غنائي كذلك الذي قدمته الست “فيروز”؟
أنا أحب السينما أكثر، خاصة أنني درست “إخراج” بالجامعة، وأحب هذا الفن، وأتمنى مستقبليًا أن أشارك بالتمثيل أو الغناء في فيلم، فالمسرح الغنائي صعب جدًا أن يقدم الاَن، فهو يحتاج لظروف خاصة وانتاج ضخم.
لو سألنا ريما خشيش ” المعلمة الموسيقية ” عن تقييمها لبرامج اكتشاف المواهب الغنائية مثل the voice، star academy ؟
برأيي يكتفى هذا القدر، فقد تحول الأمر إلى أن كل الناس مطربين والأقلية هي تلك التي لا تغني، من كثرة هذه البرامج وما تفعله، وصراحة أنا لا احترم هذه البرامج.
هل هذا يعني لو طلب منك المشاركة فى أيهم كعضو لجنة تحكيم..سترفضين؟
بالقطع، أرفض الاشتراك في مثل هذه البرامج، هناك مواهب كثيرة قد تكون موجودة بهذه البرامج ولكن الصوت وحده لا يكفي، بدون دارسة أو علم أو رؤية، وكثيرًا ما تؤذي هذه البرامج المواهب، لأنها تقوم بتحويلهم لنجوم بسرعة فائقة، دون أن يتدربوا ويطوروا أنفسهم، وهذا لا يكفي، كما أرى هذه البرامج تفرض ذوقًا معينًا على الجمهور، وتجعل المشتركين يغنون بنفس الطريقة ليعجبوا هذا الذوق، وهذا شيء غير سليم.
ماهي خططك المستقبلية وتحضيرك للألبوم الجديد ؟
التسجيل سوف يكون في يناير، وأتمنى أن يطرح للجمهور بالربيع، وسيضم الألبوم أغاني جديدة تمامًا، أتعاون فيه بشكل مبدئي مع الشاعر فؤاد عبد المجيد، والملحن ربيع مروة.
ريما خشيش فى سطور
* مطربة لبنانيّة مواليد 1974
* بدأت مسيرتها الفنيّة عن عمرٍ يناهز الثمانية أعوام، حين شاركت في برنامج الهُواة “ليالي لبنان” وانضمّت إلى فرقة بيروت للموسيقى العربيّة بقيادة المايسترو سليم سحّاب، وقدّمت الموشّحات والأدوار القديمة في إطار حفلاتٍ في لبنان وجولات في العالم العربيّ ودول أوروبا.
* خريّجة الجامعة اللبنانيّة الأميركيّة والمعهد الوطني العالي للموسيقى- الكونسرفتوار.
* أعطت دروسًا في الغناء الشرقيّ والموشّحات لمدّة 12 عامًا، كما تدرّس مادّة الموسيقى العربيّة في الجامعة الأميركيّة في بيروت والجامعة اللبنانيّة الأميركيّة.
* تتلقّى ريما خشيش في صيف كلّ عام دعوة إلى ولاية ماساتشوستس للمشاركة في تعليم الغناء العربي ضمن إطار الأرابيك ميوزيك ريتريت في جامعة ماونت هوليوك بإدارة المؤلّف الموسيقيّ وعازف العود والكمان سيمون شاهين.
* من إصداراتها: أسطوانتها الأولى “قطار الشرق” 2001، وأسطوانتها المنفردة الأولى بعنوان “يلللّي” 2006، وأسطوانة “فلك” 2008، وآخر إصداراتها أسطوانة “هوى” 2013.