رمضان ٢٠٢٣: مساحة أكبر لـ«معاناة النساء تحت الوصاية الأبوية» في السرد الدرامي.. ولكن بأقلام وعدسات ذكورية
انطلق موسم دراما رمضان للعام 2023 بمشاركة 33 مسلسلًا مصريًا، جميعها من إنتاج شركات يمتلكها ويديرها الرجال، ويبلغ عدد المنتجين المشاركين في هذا الموسم 14 منتجًا يأتي في مقدمتهم تامر مرسي الذي تقدم شركته سينرجي (Synergy) خمسة مسلسلات، ومحمد سعدي الذي تنتج شركته سعدي-جوهر أو ميديا هب (Media Hub) العدد ذاته من الأعمال الدرامية، مع العلم أن الشركتين تنضويان تحت الشركة القابضة «المتحدة للخدمات الإعلامية».
السطوة الذكورية على الإنتاج الدرامي المصري، لا سيما المُنتَج للعرض خلال شهر رمضان ليست أمرًا مُستغربًا، فقد اتسمت مشاركة المنتجات على مدار الأعوام الـ13 عامًا الماضية بعدم الاستقرار، ولم تستطع المنتجات اللاتي تواجدن خلال هذه الفترة أن يحافظن على ثبات مشاركتهن في المواسم الدرامية الرمضانية، على عكس العديد من المنتجين الرجال الذين تمكنوا من فعل ذلك بسهولة ويسر، فضلًا عن أن مجمل إنتاجهن في الموسم الواحد لم يكن يتجاوز عمل أو عملين.
لا يختلف الحال كثيرًا فيما يخص مشاركة المخرجات في الموسم الدرامي الأكبر خلال العام، فالأعمال التي أخرجتها نساء خلال المواسم الـ13 الفائتة لم تكن تتعدى – في أغلب الأحيان- ثلاثة مسلسلات في الموسم الواحد، وقلما كانت تقدم هذه الأعمال سردية مضادة للسردية الذكورية التقليدية، أو تعالج قضايا المجتمع من وجهة نظر نسوية.
في هذا الموسم تتواجد المخرجة مريم أبو عوف بمسلسل «تغيير جو» الذي تتصدر بطولته منة شلبي، بينما تقدم مي ممدوح أول تجربة إخراجية لها بعد سنوات من العمل كمخرجة منفذة، متمثلةً في مسلسل «رشيد» من بطولة محمد ممدوح.
أما فيما يخص حضور الكاتبات في مواسم الدراما الرمضانية، فالوضع يبدو أفضل من نظيره الخاص بالمخرجات والمنتجات إذ تزداد مشاركاتهن موسمًا بعد الآخر، وقد أضحى حضور بعض الأسماء أساسيًا مثل مريم نعوم التي تشارك هذا العام بمسلسل «الهرشة السابعة» الذي تتصدر بطولته أمينة خليل، وبه تسجل نعوم مشاركتها الـ11 في مواسم رمضان منذ العام 2010.
كما تضع السيناريست منى الشيمي اسمها للمرة الثالثة على التوالي بين كتاب دراما رمضان، إذ تتعاون هذا العام مع السيناريست مجدي أمين في كتابة مسلسل «تغيير جو» لبطلته منة شلبي، وهو العمل الدرامي الوحيد في هذا الموسم الذي تشغل النساء ثلاثًا من المواقع الرئيسة في صناعته، وهي الكتابة، والبطولة الرئيسة، والإخراج الذي تضطلع به مريم أبو عوف.
بالإضافة إلى مريم نعوم ومنى الشيمي، تتشارك شيرين دياب مع شقيقها السيناريست خالد دياب في كتابة مسلسل «تحت الوصاية» من بطولة منى زكي وإخراج محمد شاكر خضير، وتتعاون رانيا عاطف مع الكاتب أحمد صبحي في كتابة سيناريو وحوار مسلسل «ليل أم البنات» الذي تتصدر بطولته سهير رمزي ويخرجه عبد العزيز حشاد صاحب القصة، وتقدم يسر بهاء طاهر ورنا أبو ريش مسلسل «كامل العدد» من بطولة دينا الشربيني وإخراج خالد الحلفاوي. وتنضم كذلك إلى القائمة المؤلفة سماح الحريري بمسلسلها «علاقة مشروعة» من بطولة ياسر جلال ومي عمر، والمؤلفة هبة الحسيني بمسلسل «تلت التلاتة» من بطولة غادة عبد الرازق.
في خمسة من المسلسلات السبعة التي شاركت في كتابتها أو تولت كتابتها النساء منفردات تبرز المرأة شخصيةً رئيسة، إلا أن كتابة امرأة لعمل تدور أحداثه حول شخصية نسائية ليست ضامنًا لتحرره من الصور والقوالب النمطية أو تبنيه سردية مغايرة للسائدة في الدراما المصرية إزاء النساء وأنماط حيواتهن وعلاقاتهن الخاصة، وقد رأينا مرارًا أعمالًا تلفزيونية كتبت نصوصها كاتبات وكانت سرديتها متوافقة مع خطاب المجتمع الأبوي ومنظومته القيمية، ومنها على سبيل المثال «لعنة كارما» الذي شاركت في كتابته عبير سليمان وكانت بطلته هيفاء وهبي (موسم 2018)، ومسلسل «حلاوة الدنيا» الذي تعاونت إنجي قاسم وولاء عبد الخالق في كتابة نصه وتصدرت بطولته هند صبري (موسم 2017).
عطفًا على ذلك، لا يمكن القول بأن تغييرًا إيجابيًا أو سلبيًا يحدث فيما يخص مشاركة النساء في أدوار الصناعة الرئيسة للأعمال المُعدة للعرض خلال شهر رمضان، وليس ذلك ببعيد عن سيطرة شركة بعينها على الحصة الأكبر من الإنتاج الدرامي المصري منذ العام ٢٠١٨، بالتوازي مع إتاحة مشاركة محدودة لبعض الشركات الكبيرة – أو التي كانت كذلك سابقًا – وتداعيات ذلك على انخراط النساء في مجال الإنتاج، فقد أوصد احتكار الإنتاج الدرامي وقنوات عرضه الباب أمام صعود منتجات جدد، ووضع عقبةً كؤود في طريق المنتجات اللاتي يتطلعن إلى تثبيت أقدامهن في صناعة الدراما المصرية التي تخضع للهيمنة الذكورية.
في الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى التأثير الإيجابي الذي أحدثته ورش الكتابة التي ازداد الاعتماد عليها مؤخرًا في كتابة النصوص الدرامية، فقد مكنت مزيدًا من الكاتبات خاصةً الشابات من التواجد على خريطة كتاب الدراما، وبعض الأسماء باتت تظهر عامًا بعد الآخر على أفيشات وتترات المسلسلات التي تُبث خلال مواسم رمضان، مثل: منى الشيمي التي يعود اسمها للظهور للمرة الثالثة، ورنا أبو الريش التي قدمت أربعة مسلسلات خلال مواسم الدراما الرمضانية منذ العام ٢٠١٧.
على النقيض من حالة الركود التي تخيم على حضور النساء في المواقع الرئيسة خلف الشاشة، تشهد السنوات الثلاث الأخيرة نزوعًا تجاه تقديم معالجات درامية لقصص النساء اللاتي يواجهن تمييزًا وعنفًا مركبًا من جراء التواطؤ المجتمعي والتشريعي ضدهن. وفي هذا الموسم يعلن صناع بعض المسلسلات ويروجون إلى أنها لا تدور فقط حول شخصيات نسائية، بل تتناول بعضًا من تجليات العنف والتمييز ضد المصريات برؤية نقدية للمجتمع، من خلال مقاربات تسعى إلى شحذ الجمهور إلى إعادة النظر في المفاهيم والمعتقدات الضاربة بجذورها في الثقافة المجتمعية.
يحل واحد فقط من هذه الأعمال في قائمة المسلسلات التي شاركت كاتبة في تأليفها؛ أي أن معاناة النساء تحت وطأة النظام الأبوي ومن جراء رسوخ القناعات الذكورية، يطرحها دراميًا بالإنابة عنهن الرجال كتابًا ومخرجين ومنتجين، ليكون مكان النساء – كما هو طويلًا – بين المشاهدين، ويغدو المنتظر منهن – كما هو متوقع دومًا – أن يصفقن لهؤلاء الرجال الذين يحكون قصصهن.
بأقلامهـ(م) وعدساتهـ(م): دراما تتمحور حول اضطهاد النساء
تضم قائمة الأعمال التي يُسوّق لها صناعها بوصفها أعمالًا مؤسسة على نظرة ناقدة ومحتجة على الواقع الاجتماعي المتصالح مع العنف ضد النساء ثلاثة مسلسلات، وهي: «تحت الوصاية» من بطولة منى زكي وكتابة شيرين دياب وخالد دياب وإخراج محمد شاكر خضير، و«عملة نادرة» من بطولة نيللي كريم وكتابة مدحت العدل وإخراج محمد جمال العدل، و«حضرة العمدة» للمؤلف إبراهيم عيسى والمخرج عادل أديب وبطولة روبي.
يركز مسلسل «عملة نادرة» على قضية غبن النساء في ميراثهن المنتشر في كثير من القرى المصرية، حيث تحرم العائلات النساء بعد وفاة الأب أو الأخ أو الزوج من حقهن في الميراث أملاكًا وأموالًا، وفي بعض الأوقات تمنع العائلات الإناث من ورث الأراضي والعقارات وتعطيهن عوضًا عنها بعض المال الذي عادةً ما يكون أقل كثيرًا من قيمة ميراثهن الأصلي.
تدور أحداث المسلسل قبل عشرين عامًا في إحدى قرى الصعيد، حيث يقضي زوج نادرة التي تؤدي دورها نيللي كريم عقب زواجهما بفترة قصيرة، فتدخل في مواجهة مباشرة مع عائلته التي تمتنع عن إعطائها حقها في الميراث، تحسبًا لاحتمالية زواجها ثانية وانتقال نصيبها إلى رجل وأبناء غرباء، ويرصد المسلسل تبعات رفض نادرة الخنوع للأعراف وتشبثها بحقها.
يتعرض المسلسلان الآخران لمروحة من صور العنف والتمييز الذين تواجههما النساء، إذ يطرح مسلسل «تحت الوصاية» قضية النساء المعيلات والأعباء الجسام التي يتحملنها، وحرمان الأمهات من الولاية على أطفالهن بعد وفاة الآباء، ثم يدلف إلى التمييز ضد النساء داخل مجتمعات العمل التي يهيمن عليها الرجال، والعنف الجنسي الذي يتعرضن له في هذا السياق. أما مسلسل «حضرة العمدة» فالخط الرئيس فيه هو المقاومة المجتمعية لتقارع النساء مع الرجال على السلطة والحكم، وقد أشار الكاتب إبراهيم عيسى في مداخلة هاتفية لبرنامج «كلمة أخيرة» الذي تقدمه الصحافية لميس الحديدي، إلى أن القرية التي ابتكرها لتكون حاضنة للشخصيات والأحداث تحاكي مصر ككل، وهو ما يجعل منصب العمدة الذي تعتليه شخصية صفية التي تؤدي دورها روبي، يناظر منصب الحاكمـ/ة الذي يمانع قطاع عريض من المجتمع أن تكون امرأة على رأسه، استنادًا لآراء فقهية ذكورية تُقصِر مناصب الحكم أو تولي شؤون الناس على الرجال فحسـب.
ومن المنتظر أن تتشعب الخطوط الدرامية للمسلسل في مسعى لفحص مزيد من أبعاد العنف الذي يستهدف النساء في مراحل عمرية مختلفة، من جراء تشبع المجتمع من أعلاه إلى أدناه بالأفكار الذكورية، وبحسب التصريحات الإعلامية للمؤلف والمخرج فإن المسلسل يعرج على موضوعات كتشويه الأعضاء الجنسية الخارجية للإناث (المعروف باسم: ختان الإناث)، وتزويج القاصرات، والعنف المنزلي، وحرمان النساء من الميراث، وقتل النساء على أيدي الرجال بسبب تمردهن على الوصاية أو خروجهن عن النسقية.
طرح هذه القضايا خلال موسم درامي تحظى الأعمال المعروضة خلاله بمشاهدات ضخمة سيمنحها قدرًا من النقاش والجدل على الفضائين الافتراضي والواقعي، وهو أمر مهم لتفكيك الخطابات والقناعات الغائرة، إلا أن هذه الخطوة قد لا تؤدي إلى شيء أبعد من الطنطنة، إذا كانت الأعمال المذكورة تتسم بالشعارتية وكثير من مشاهدها وحواراتها أقرب إلى الخطب الحماسية، التي تجعل الجماهير تشعر بأنها أمام محاولة لتدجين عقولها بأيديولوجيا معينة، أو إذا كانت المعالجات الدرامية تتعاطى مع الاضطهاد والقمع الذين تكابدهما النساء، باعتبارهما ممارسات عرضية تقوم بها بعض الجماعات أو الأفراد، وليس كونها مواقف وسلوكيات استعلائية وعدائية تتضافر النظم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لإدامتها، أو إذا كانت المقاربات الدرامية تجنح إلى رهن استحقاقية المرأة لحقوقها بحسن سيرها وسلوكها تبعًا لتوقعات المجتمع منها، وهي إشكاليات توقفنا أمامها في مسلسل «فاتن أمل حربي» للمؤلف إبراهيم عيسى والمخرج محمد جمال العدل الذي عُرِض خلال موسم رمضان الماضي (2022)، وكان موضوعه الرئيس هو تعسف وظلم قانون الأحوال الشخصية المصري الحالي للنساء، وكذلك مسلسل «الطاووس» للمؤلف كريم الدالي والمخرج رؤوف عبد العزيز الذي عُرِض في موسم رمضان للعام 2021، وتشابهت أحداثه مع تلك الخاصة بجريمة الاغتصاب الجماعي التي وقعت داخل فندق فيرمونت نايل سيتي، ولكن ارتأى صنّاعه أن يجعلوا الناجية فتاة من الطبقة الكادحة تعمل لإعالة أسرتها، وتتعرض للاغتصاب الجماعي على أيدي مجموعة من أبناء الطبقة البرجوازية المستهترين، أثناء تواجدها بإحدى القرى السياحية ضمن فريق ضيافة حفل زواج صديقهم، بينما الناجية في الواقعة الفعلية فتاة من الطبقة العليا تعرضت للاغتصاب الجماعي عقب حضورها حفل خاص في الفندق المذكور آنفًا.
يمكننا استنباط بعض الاتجاهات بناءً على إرهاصات أولية في الأعمال الثلاثة، ولكن ما دمنا في الأيام الأولى لا نستطيع بالطبع أن نقفز إلى تقييم بشأن أي منها، ومن ثم فإننا نتابع حاليًا ما بدأ عرضه بترقب وحذر، ونعلم أنه بمرور حلقة بعد الأخرى سنستطيع أن نحدد ما إذا كانت هذه المسلسلات تقدم سردية محتجة على المجتمع الذكوري بخطابه وأفكاره وتشريعاته، أم أنها تتسلق على قضايا العنف ضد النساء من أجل الجلبة واعتلاء الوسوم المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لأطول فترة خلال الشهر.