لا مجال للنجاة من دونهن: وجود النساء في القيادة شرط أساسي لنجاح العمل المناخي
أطلقت الأمم المتحدة في العام 1992 اتفاقيتها الإطارية بشأن تغير المناخ، التي تعترف بالآثار الضارة له على العالم من أقصاه إلى أدناه، وتُلزِم الدول الأطراف فيها بإعداد برامج وطنية وإقليمية تضمن اتخاذ تدابير للتصدي للتغيرات المناخية والتخفيف من آثارها، إلا أن أحد العيوب البارزة في الاتفاقية هو عدم الإشارة في أي من نصوصها إلى النوع الاجتماعي (الجندر) كأحد المحاور المهمة في تقييم تداعيات التغير المناخي، وعدم المطالبة بوضعه في الاعتبار عند إعداد برامج المواجهة أو عند اتخاذ القرارات المتعلقة بالعمل المناخي.
استمر النوع الاجتماعي (الجندر) غائبًا عن أجندة الدول الأطراف في الاتفاقية إلى أن انعقد المؤتمر السابع لهذه الدول في العام 2001، الذي جاء في بيانه الختامي توصية واضحة بشأن العمل من أجل تحقيق المساواة الجندرية في الهيئات المُشكّلة لتنفيذ أهداف الاتفاقية، ثم اتفقت الدول الأطراف في المؤتمر الثامن العشر الذي انعقد في العام 2012 في العاصمة القطرية الدوحة، على الحاجة إلى زيادة تمثيل النساء في جميع جوانب عمليات تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، بما في ذلك العضوية في الوفود الوطنية الممثلة لهذه الدول ورئاسة مجموعات التفاوض.
وبحلول منتصف العام 2015 كان ما يقرب من خمسين هيئة تابعة للاتفاقية قد بدأت في اتخاذ إجراءات لتحقيق المساواة الجندرية في المجالات الخمسة الرئيسة لمفاوضات اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وهي: التكيف، والتمويل، والتخفيف من الآثار، والتكنولوجيا، وبناء القدرات.
أما الخطوة الأبرز في هذا السياق، فقد كانت اختيار باتريشيا اسبينوزا في العام 2016 من قبل الأمانة العامة للأمم المتحدة، لتتولى منصب الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
مع ذلك، تظل المشاركة العادلة للنساء في اتخاذ القرارات الخاصة بالتغير المناخي ليست أمرًا يسيرًا أو شيئًا من المحتمل تحققه في القريب العاجل، فوفقًا للبيان الختامي للمؤتمر السادس والعشرين للدول الأطراف (COP 26) الذي انعقد في العام 2021، بلغ عدد الهيئات المُعيّنة التابعة للاتفاقية التي حققت المساواة الجندرية داخلها ثلاث هيئات فقط من أصل 15 هيئة مُعيّنة، فضلًا عن أن رئاسة النساء للوفود الوطنية في مؤتمرات الدول الأطراف (COP) لا تزال نادرة الحدوث، فقد بلغ تمثيل الرجال كرؤساء للوفود في قمة المناخ التي انعقدت في العام 2019 ما يقرب من 80 في المئة، وفي قمة العام 2021 وصل تمثيل الرجال كرؤساء للوفود إلى 93 في المئة، حيث ترأست عشر سيدات فقط الوفود الوطنية لبلدانهن في مقابل 130 رجلًا.
تحاول المجموعات والمؤسسات النشطة في الحراك النسوي البيئي وضع حد لإقصاء النساء عن صناعة القرارات البيئية، لا سيما تلك المرتبطة بتغير المناخ، إذ تمارس كثير منها ضغوطًا على المستوى الدولي من أجل زيادة تمثيل النساء بين متخذي القرار الخاص بالمناخ، وأبرزها مؤسسة «هي تُغيّر المناخ – She Changes Climate» التي أطلقت حملة واسعة النطاق في العام 2020، للمطالبة بتمكين النساء من المشاركة في صنع القرارات المتعلقة بالمناخ، معتبرةً ذلك شرطًا لا غنى عنه في مواجهة الأزمة، استنادًا إلى الحقائق التي تؤكد أن التأثير السلبي للكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية، يكون أشد على النساء من الرجال، سواء على صعيد الأمن الغذائي، أو العنف القائم على النوع الاجتماعي، أو الانخراط في التعليم، أو المشاركة في الاقتصاد الأخضر، وحتى تكون هذه الأمور أولوية في التخطيط الاستراتيجي للتكيف مع تغير المناخ، لا مناص من زيادة انخراط النساء في اتخاذ القرار.
النساء وتأثير التغير المناخي عليهنّ
على الرغم من أن الكوارث المناخية تخلّف عواقب وخيمة على جميع البشر، فإنها تؤثر على النساء بشكل غير متكافئ، إذ تزيد احتمالية تعرضهنّ للمخاطر الصحية والاقتصادية والاجتماعية تحت وطأة الظواهر المناخية المتطرفة، بالمقارنة مع احتمالية مواجهة الرجال للمخاطر ذاتها، وقد قدّرت الأمم المتحدة أن 80 في المئة من النازحين بسبب المناخ هم من النساء والفتيات.
وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد مثلت النساء أكثر من 70 في المئة من المتضررين من تسونامي المحيط الهندي الذي ضرب أجزاءً من آسيا في العام 2004، بينما شكلت النساء من ذوات الأصول الأفريقية غالبية المتضررين من إعصار كاترينا الذي ضرب عددًا من الولايات الأمريكية في صيف العام 2005.
يساهم أيضًا التغير المناخي في زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهذا ما أكدته سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي في الـ25 من نوفمبر في العام 2019 (بالتزامن مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء)، مشيرةً إلى وجود بيانات تثبت أن الأزمات الناجمة عن تغير المناخ تؤدي إلى تفاقم العنف المنزلي، وقد كشفت منظمة «كيـر – Care» الدولية في تقرير سابق لها أن واحدةً من كل خمس نساء من اللاجئات أو النازحات بسبب الكوارث الطبيعية قد تعرضت للعنف الجنسي.
إضافة إلى ذلك، يبين تقرير مشترك لمنظمة الأمم المتحدة للمرأة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، صدر في العام 2020، أن النساء في البلدان النامية أكثر قابلية إلى أن يعملن في القطاع غير الرسمي، مما يجعل سبل عيشهن أكثر تأثرًا بالصدمات الاقتصادية والبيئية.
تأثير زيادة مشاركة النساء في صناعة القرار البيئي
قبل أكثر من عشر سنوات، أصدر منتدى الأمم المتحدة للغابات في دورته التاسعة ورقة حقائق تكشف أنه قد ثبت بالدراسة أن تحسين مشاركة النساء في إدارة الغابات المجتمعية يساهم بشكل أكبر في الحفاظ على موارد الغابات وتجديدها. كما أوضحت دراسة استهدفت 130 دولة، بعنوان «النوع الاجتماعي وتغير المناخ: هل تُحدِث البرلمانيات فرقًا؟»، أن زيادة التمثيل السياسي للنساء في البرلمانات يتبعه سياسات أكثر صرامة بشأن تغير المناخ.
يدلل كل ذلك على أن دمج المنظور المراعي للنوع في صناعة القرارات البيئية هو السبيل الوحيد لإدماج وجهات نظر متنوعة ومبنية على خبرات عملية في التعامل مع التغيرات المناخية، بما ييسر مهمة إيجاد الحلول وابتكارها، وبالتأكيد ما لذلك أن يتحقق من دون مشاركة عادلة وفعالة للنساء في صناعة القرارات.
بيت القصيد هو أن غياب النساء عن أي عمل أو مسعى لصياغة سياسات تهدف إلى التصدي للتغير المناخي وتداعياته، كما هو الحال في الوقت الراهن، يجعل معظم هذه السياسات إن لم يكن جميعها أقل استجابةً للأضرار الواقعة على النساء والفتيات، وأكثر تعميقًا للفجوة بين الجنسين.