محمد أبو الشباب يكتب: يوم المرأة المصرية.. لمقاومة الاستعمار أوجه أخرى
تحتفل مصر في السادس عشر من شهر مارس من كل عام بيوم المرأة المصرية، ويأتي هذا الاحتفال تخليدًا لذكرى ثورة المرأة المصرية ضد الاستعمار الإنجليزي، ونضالها من أجل الاستقلال، الذي أدى إلى استشهاد الثائرة حميدة خليل، التي سقطت بالرصاص الإنجليزي إبان مشاركتها في تظاهرة أمام مسجد الحسين، وهي المظاهرة التي كانت المفجر الأساسي لثورة 1919.
قضت حميدة خليل برصاص الاحتلال الإنجليزي، خلال مشاركتها في المظاهرات النسائية الأولى، التي خرجت تدعم سعد زغلول في منفاه، وكانت حميدة واحدة بين 300 سيدة أخرى قررن أن يتخلين عن الصمت، ويخرجن إلى المجال العام، ويتحدين التقاليد والممنوعات ليقلن قولة حق، بقيادة رائدة الحركة النسوية وقتئذٍ السيدة هدى شعراوي، متمنيات أن يكون مستقبل بلدهن أفضل، وأن يخرج المحتلون منها.
وبين الماضي والحاضر، هناك ما هو مشترك بين النساء المصريات من الجيلين، فقد ناضلت المصريات منذ 1919 ضد السلطة الأبوية والذكورية والبطريركية، متمثلةً في الاحتلال، والآن تقاوم النساء المصريات بضراوة السلطة الأبوية والذكورية والبطريركية، متمثلةً في العنف الأسري، إذ يُشكّل العنف الأسري الوجه الأبرز للعنف الموجّه ضد النساء في مصر، وبوضعيات وأشكال عديدة ومتباينة، مثل القتل على خلفية «الشرف»، والعنف النفسي، والتحرش داخل الأسرة، والعنف الجسدي، والإهانات اللفظية، واستخدام الحيل النفسية، والحرمان من التعليم والعمل والميراث، والاغتصاب الزوجي، وضرب النساء، والإجهاض الانتقائي بسبب جنس الجنين، وغير ذلك الكثير والكثير من أوجه العنف الأسري.
ويعزز كل هذا العنف الثقافة المجتمعية السائدة في التعامل مع مثل هذه الجرائم، التي تعتبرها مجرد «خلافات عائلية» لا ينبغي التدخل حيالها، وللأسف الشديد لا تقع معظم هذه الجرائم ضمن المسؤولية القانونية للمؤسسة الرسمية في الدولة. هذا فضلًا عن الوصمة التي تلاحق المُعنّفات إذا ما قررن اللجوء لطلب الحماية القانونية والاجتماعية، أو الضغط الذي يتعرضنّ له من أجل التنازل عن المحاضر والتصالح في تلك الجرائم.
لقد أعيد إنتاج الاستعمار بأشكال أخرى، فأصبحت النساء مهددات وحيواتهنّ في خطر طوال الوقت، في الفضاء الذي من المفترض أن يكون مصدرًا للأمن والأمان لهن، وهو الأسرة.
الاستعمار في الأساس عملية سيطرة بالقوة والسلاح، والعنف الأسري أيضًا عملية سيطرة بالقوة النفسية و/أو البدنية مع السلاح، والسلاح هنا هو غياب التشريعات التي تجرّم العنف الأسري، أو/و وجود ثغرات قانونية تسمح للجناة بالفرار من الإدانة أو/و تخفيف الأحكام عليهم.
ستظل المرأة المصرية في رحلة مقاومة مستمرة، حتى تحصل على حقها في قانون موحد وشامل ضد العنف الأسري. لقد سقطت مئات من النساء ضحايا وشهيدات للعنف الأسري، ولن تذهب أرواحهن هباءً، فستظل الحركة النسوية تقاوم، وذلك كله من أجل الوطن ونسائه.
*هذا المقال يعبر عن رأي صاحبته/صاحبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي «ولها وجوه أخرى»