أصدرت منظمة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) بنهاية العام الماضي (2021)، إنذارًا جندريًا (Gender Alert) يرصد ويحلل وضع المساواة الجندرية وحقوق النساء في أفغانستان خلال الشهور التالية لسيطرة حركة طالبان على الحكم في منتصف أغسطس الماضي، ويأتي ذلك تأكيدًا على أهمية التعامل مع الأزمة الإنسانية المتفاقمة في أفغانستان من منظور يراعي الجندر (النوع الاجتماعي).

ويركز الإنذار الجندري الذي أعلنت المنظمة الدولية أنه الأول في سلسلة إنذارات مماثلة قررت أن تصدرها لمتابعة وضع حقوق النساء الأفغانيات في ست مجالات رئيسة وهي: العمل، والتعليم، والرعاية الصحية، والحماية، وحرية الحركة، والمشاركة في الحياة العامة والسياسية، ويوثق التقرير تحولًا سريعًا ومقلقًا إزاء التطبيع مع الممارسات التمييزية تجاه النساء، وتقلصًا كبيرًا في حقوقهن وحرياتهن.

وكانت أفغانستان قد حلت أخيرةً بين 170 دولة وفقًا لنتائج مؤشر المرأة والسلام والأمن (WPS) للعام 2021، وهو مؤشر يقيس مدى تحقق الأمن والعدالة والشمول للنساء في الدول، كما رجح برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) أن يتسبب تقييد عمل النساء (الذي تمارسه حركة طالبان) في خسارة اقتصادية تقدر بـمليار دولار أو ما يعادل 5 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.

لقد حذرت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية من انتهاكات جسيمة لحقوق النساء في أفغانستان، منذ أن بدأت تتسارع وتيرة سيطرة حركة طالبان على المدن والولايات الأفغانية خلال النصف الأول من العام 2021، إلا أن الحركة المتشددة حاولت مخادعة العالم بعد استيلائها على الحكم بشكل كامل في أغسطس الماضي، إذ زعمت حينها أنها ستُمكّن النساء من ممارسة حقوقهن ولكن وفقًا لــ«الشريعة الإسلامية»، ومن بينها حقهن في التعليم والعمل. لكن الحقيقة التي يوثقها الإنذار الأممي هي أن حقوق النساء تشهد ردةً كبيرة، وأن مخاوفهن وإحباطاتهنّ تتزايد يومًا بعد الآخر.

إقصـــاء من المجال العام

انتشرت تقارير عديدة خلال العام الماضي (2021) تشير إلى فرض حركة طالبان قواعد صارمة على حركة النساء والفتيات، حيث أصدر عناصر الحركة في بعض المناطق تعليمات بمنع أي امرأة من الخروج من المنزل إلا برفقة أحد أفراد عائلتها من الذكور البالغين أو ما يعرف باسم «المحرم»، وهو ما تؤكده نتائج المسح الإدراكي السريع الذي أجرته منظمة الأمم المتحدة للمرأة (UN Women) في شهر أكتوبر الماضي، كأحد الآليات التي يستند إليها الإنذار الجندري (Gender Alert) في توثيق وتحليل وضع النساء الأفغانيات، إذ أقر 72 في المئة من المجيبين على المسح – وهم ممثلات عن منظمات نسائية ونسوية وبعض أفراد أطقم العمل الإنساني في أفغانستان – بصدور قواعد أو إعلانات عامة بشأن حركة النساء، كما أفاد 82 منهم بصدور قواعد أو إعلانات عامة بشأن ملبس النساء.

إضافة إلى ذلك، أفاد جميع المجيبين على الاستطلاع بأنهم يعرفون نساءً فقدن وظائفهن من جراء القيود التي فرضتها طالبان على حركة النساء، وبسبب الشروط التي وضعتها لتواجدهن في الفضاء العام، إلا أن التقرير يشير أيضًا إلى أن الرقابة الذاتية التي تمارسها بعض الأسر أو حتى النساء أنفسهن تمثل كذلك عاملًا مساعدًا في انكفائهن عن الخروج إلى العمل، وتأتي هذه الرقابة مدفوعة بمخاوف ناجمة عن غياب أي توجيه واضح من طالبان وحكومتها بشأن تمكين النساء من المشاركة الكاملة في القوى العاملة.

في الوقت ذاته، يشدد الإنذار على أن التحديات التي تواجهها النساء في أفغانستان ليست متماثلة، وإنما تختلف من منطقة إلى أخرى، ومن قطاع عمل إلى آخر، خاصة أن بعض قطاعات العمل يكون اشتغال النساء بها ذا قبول مجتمعي أوسع من غيرها.

وفي قطاع الإعلام والصحافة، كثّفت حركة طالبان منذ أن استحوذت على الحكم ضغوطها وقيودها على العاملات بالإذاعة والتلفزيون، واعتدى عناصرها على العديد من الصحافيات، وقد كشفت مؤسسة مراسلون بلا حدود (RSF) في تقرير لها أن عدد الصحافيات اللاتي ما زلن يعملن في إذاعات وقنوات تلفزيونية خاصة داخل العاصمة كابول، يقل عن 100 صحافية بعد أن كان العدد قبل استيلاء طالبان على الحكم في الـ15 من أغسطس الماضي يصل إلى 700 صحافية. كما اتخذت الحركة في نوفمبر الماضي قرارًا بمنع مشاركة الممثلات في الدراما التلفزيونية.

وعن واقع الناشطات النسويات والعاملات بالمجتمع المدني، فقد أفاد 65 في المئة من المجيبين على المسح الإدراكي السريع، بأن المنظمات النسائية في المناطق التي يتواجدون فيها أوقفت عملها بعد سيطرة حركة طالبان على الحكم، وأوضحت ممثلات المنظمات التي تعمل على تمكين النساء وتعزيز المساواة الجندرية مواجهتهن لمخاطر كبرى في العمل، على عكس المنظمات النسائية النشطة في مجالي الصحة والتعليم التي يبدو نشاطها مقبولًا من السلطات الحالية.

على صعيد حق الفتيات في التعليم، يشير الإنذار إلى أن عدد الطلاب بالمدارس في أفغانستان قد وصل إلى 9.2 مليون طالب وطالبة في العام 2018، وكانت نسبة الطالبات في ذلك الوقت 38 في المئة، ولكن ما اتخذته طالبان من قرارات في الآونة الأخيرة لا يجعل فقط زيادة هذه النسبة دربًا من الخيال بل حتى مجرد الحفاظ عليها شبه مستحيل، خاصة أن 27 ولايـة من أصل 34 ولاية أفغانية لم تسمح فيها الحركة لطالبات المرحلة الثانوية بالعودة إلى مدارسهن. أما الولايات الـ7 الأخرى فقد أصدرت الحركة في نوفمبر الماضي قرارات تمكّن الفتيات فيها من مواصلة التعليم المدرسي، ولكن بقواعد صارمة على الملبس واشتراط الفصل التام عن الذكور. وفي هذا السياق، تعلق إحدى الناشطات الأفغانيات المشاركات في المسح الإدراكي السريع قائلة «بين عشية وضحاها، انًتزِع منا حقنا في التعليم.»

يتطرق الإنذار إلى تنحية النساء عن المشهد السياسي ومراكز صناعة القرار، فالحكومة الحالية التي شكّلتها طالبان في سبتمبر الماضي، تضم في تشكيلتها رجالًا فحسـب، رغم أن الحركة سبق أن وعدت بأن يكون للنساء حصة في الحكومة.

فضلًا عن ذلك، ألغت حركة طالبان وزارة شؤون المرأة التي أدخِلَت إلى الحقائب الوزارية في العام 2001، عقب الإطاحة بالحركة وإنهاء حكمها الأول للبلاد الذي بدأ في العام 1996، واستحدثت في المقابل حقيبة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» لتطبيق وإنفاذ رؤية الحركة للشريعة الإسلامية.

العنف ضد النسـاء

قبل أن تستولي حركة طالبان على الحكم العام الماضي، كانت معدلات العنف ضد النساء مرتفعة للغاية في أفغانستان، فقد سبق أن أظهرت بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNDP) أن 85 في المئة من الفتيات والنساء قد تعرضن للعنف خلال حياتهن.

مع ذلك، تعتقد بعض النساء الأفغانيات أن وجود طالبان على رأس السلطة قد خلق «بيئة خصبة» للعنف ضدهن، فخلال الشهور التالية لسيطرتها على الحكم، تراجعت خدمات الدعم والمساعدة الموجهة للناجيات من العنف، وتزايدت التهديدات التي يتلقاها مقدمو هذه الخدمات، وهو ما دفع بالعديد منهم إلى إيقاف عملهم بحثًا عن السلامة والأمن.

وتقول إحدى الناشطات المشاركات في المسح الإدراكي السريع إنه لم يعد هناك مكان تذهب إليه النساء ليطلبن المساعدة وليُستمَع إليهن، مؤكدةً أن للنساء حق أساسي في الحماية.

يزيد العنف ضد النساء عندما يصبحنّ حبيسات المنازل، وهو حال كثير من الأفغانيات المتضررات من القرارات والإجراءات التي اتخذتها طالبان لتقييد حركتهن، ومن المتوقع أن تتضاعف احتمالية تعرّض النساء للعنف مع فقدان مصادر الرزق وزيادة أسعار السلع وتنامي الفقر والتضخم، وقد حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF) في نوفمبر الماضي، من زيادة تزويج القاصرات في أفغانستان من جراء انعدام الأمن الاقتصادي.

لإنقاذ ما يمكن إنقاذه تقدم الأمم المتحدة للمرأة (UN WOMEN) في نهاية الإنذار الجندري عددًا من التوصيات لحماية حقوق النساء الأفغانيات وحرياتهن، في مقدمتها دعم الحركة النسوية حتى تتمكن من إعادة بناء نفسها في ظل الظروف الجديدة، واستحداث آليات مبتكرة لدعم المؤسسات النسوية ماديًا، ومراقبة حقوق الإنسان عبر آلية مستقلة تضمن التحقيق المستمر وجمع الأدلة بما يضمن المحاسبة وفقًا للقانون اﻟﺪولي لحقوق اﻹﻧﺴﺎن.