«أنا كاتبة محظوظة لأنني أتلقى في كل يوم من حياتي رسالة، مكالمة هاتفية من أحد يخبرني كيف غير عملي حياته/ا.»

بهذه الكلمات عبرت الكاتبة والمفكرة والأكاديمية النسوية الأمريكية بيل هوكس قبل نحو أربع سنوات، عن سعادتها بالتأثير الذي تتركه كتاباتها على مسارات وحيوات كثيرين ممن يطالعونها.

توفيت بيل هوكس في الـ15 من ديسمبر الجاري عن عمر يناهز الـ69 عامًا، بعد أن قضت ما يزيد عن 40 عامًا متسلحة بقلمها في مواجهة العنصرية والذكورية المتعانقتين.

بيل هوكس لم يكن اسمها الأصلي، فهي غلوريا جين واتكينز التي اختارت أن تكتب تحت اسم جدتها الكبرى التي علمت عنها أنها كانت سيدة قوية وجريئة، وهو ما جذبها إلى شخصيتها ودفعها لاستعارة اسمها طوال مسيرتها الأدبية.

تركت بيل ما يزيد عن 30 كتابًا تستكشف وتتعمق من خلالها في موضوعات مثل النسوية والتقاطعية والرأسمالية والعنصرية والعنف، وكان أولها هو كتاب «ألست امرأة؟: النساء السوداوات والنسوية – Ain’t I a Woman: Black Women and Feminism » الذي شرعت في كتابته وهي في الـ19 من عمرها، بعد أن سمعت من أستاذها في جامعة ستانفورد أن النساء لا يمكنهن أن يصبحن كاتبات لأن مصيرهن هو البقاء في المنزل، وهو الأمر الذي شعرت بغرابته بناءً على تجربتها الشخصية لأنها بوصفها فتاة من ذوات البشرة السوداء المنتميات إلى الطبقة العاملة، اعتادت على رؤية النساء المحيطات بها يخرجن إلى العمل. وفي لقاء جمع بين بيل والناشطة والكاتبة النسوية جلوريا ستاينم في العام 2015، أشارت الأولى إلى أن هذا الموقف هو الذي جعلها تفكر لأول مرة في الأنوثة والعرق والتشابك بينهم،  وتبدأ في الكتابة عنهما.

الكتاب الذي استوحت بيل عنوانه من الخطاب التاريخي الذي ألقته المناضلة الأمريكية ضد العبودية سوجورنر تروث في العام 1851 في ولاية أوهايو، لم ير النور حتى العام 1981، قبل أن تحصل على درجة الدكتوراة من جامعة كاليفورنيا في سانتا كروز بعامين، ويثبت محتوى هذا الكتاب أن المنهج التقاطعي في تحليل أزمات النساء، قد شق طريقه إلى الحركة النسوية وأدبياتها قبل أن يصاغ مصطلح «التقاطعية – Intersectionality» على يد الناشطة والأكاديمية الأمريكية كيمبرلي كرينشو في العام 1989.

النسوية للجميع

في حوار سابق لها مع الأكاديمي كيفن كوين، عرّفت بيل النسوية بأنها حركة تهدف إلى القضاء على التمييز على أساس الجنس، والهيمنة، والاستغلال، وتتصدى إلى الأبوية، وخلال مسيرتها الطويلة رفعت شعار «النسوية للجميع» الذي اختارته أيضًا عنوانًا لأحد أكثر كتبها مبيعًا.

وقد أوضحت بيل أنها لا تقصد بكلمة «الجميع» النساء من جميع الأعراق، والطبقات، والأديان، والانتماءات، والميول فقط، وإنما تعني جميع النساء والرجال لأنها توقن أن الذكور أيضًا يعانون ويتضررون من الأبوية، وفي حوار سابق لها مع مقدم البرامج الحوارية الأمريكي تشارلي روز، أذيع في العام 1995، قالت بيل إن «الأبوية قاتلة للكرة الأرضية وللرجال الملونين.»

ولقناعتها بأن النسوية أرحب من أن تكون حركة تحتكرها فئة بعينها، انتقدت بيل بشكل لاذع كتاب «اللغز الأنثوي» لكاتبته بيتي فريدان الذي احتفت به الموجة النسوية الثانية في الولايات المتحدة الأمريكية، لما رأته في هذا الكتاب من تعميم لتجربة ربات المنازل ذوات البشرة البيضاء، المنتميات للطبقة الوسطى، المتعلمات، اللاتي يقبعن في منازلهن وليس بوسعهن الخروج للعمل، وقد احتجت بيل بشدة قولًا وكتابةً على تقديم هذا القطاع من النساء باعتباره انعكاسًا لجميع النساء في الولايات المتحدة، في تجاهل تام لتجارب النساء الفقيرات والنساء الملوّنات والنساء العزباوات. وفي كتابها «النظرية النسوية: من الهامش إلى المركز – Feminist Theory: From Margin to Center» الذي صدر في العام 1984، خصصت بيل فصلًا كاملًا لنقد كتاب بيتي فريدان الذي اعتبرته إقصائيًا وتمييزيًا، لأنه يجعل أزمة المرأة البرجوازية البيضاء هي مركز الخطاب النسوي.

شعار «النسوية للجميع» يشمل وفقًا لبيل هوكس الأطفال أيضًا، ولذلك توجهت إليهم بكتب مثل «Happy to be Nappy» الذي يشجع الفتيات ذوات البشرة السوداء على تقبل شعرهن المجعد، ويحثهن على ألا يخجلن منه، وألا يحاولن تغيير طبيعته لإرضاء توقعات المجتمع بشأن الشعر والمظهر الجميل للفتاة.

أكدت بيل هوكس على أهمية الكتب التي استهدفت بها الأطفال في لقاء عقدته «المدرسة الجديدة – The New School» بنيويورك في العام 2014، وصرحت خلاله بأنها أرادت أن تطرح من خلال هذه المؤلفات كيف يجب أن يبدأ تحرير أجساد الأطفال الملوّنين قبل أن يتعرضن للإساءات النفسية والاستعمار (الثقافي).

رغم أن بيل هوكس واحدة من أكثر الكاتبات والمفكرات اللاتي وجهن انتقادات للحركة النسوية الغربية عمومًا والأمريكية خصوصًا، فقد كانت طوال الوقت على يقين بأن هذا النقد سيساعد على تطوير الحركة لتصبح أكثر شمولًا وتعددية، وفي كتابها «النسوية للجميع – Feminism is for Everybody» تقول إن الحركة النسوية يمكن أن تواجه النقد والتحدي، بينما تظل ملتزمة بإخلاص تجاه رؤية العدالة والتحرر.

وفي محاضرة عقدتها كلية سانت نوربرت في ولاية ويسكونسن، في إبريل من العام 2017، قالت بيل إن أحد أكثر الأمور التي تحبها شخصيًا في الحركة النسوية، هو أنها واحدة من حركات العدالة الاجتماعية القليلة التي تمارس باستمرار التأمل الذاتي، من خلال العودة بشكل دائم إلى الوراء لمراجعة وانتقاد الحركة نفسها، مشددةً على أن الحركة النسوية دون غيرها من حركات العدالة الاجتماعية كانت الأكثر إيجابية في التعامل مع النقد الشرس، لا سيما فيما يخص هيمنة النسوية البيضاء وتهميش النساء الملوّنات عن الحراك.

لطالما وصفت بيل النظام القائم والثقافة السائدة في الولايات المتحدة الأمريكية، بعنوان عريض هو «الأبوية الإمبريالية العنصرية الرأسمالية»، مؤكدةً أن السبيل لتحرير العقول من هذه الأفكار مجتمعة هو التفكير النقدي، والتدريس، والحوارات، والتعليم، وقبل ذلك الحب.