لماذا يستحق فوز فيلم «يحدث» بـ«الأسد الذهبي» احتفاءً خاصًا؟
لقد صنعت هذا الفيلم بغضب، لقد صنعت الفيلم برغبة أيضًا، صنعته ببطني، بأحشائي، بقلبي، برأسي، لقد أردت أن يصبح «يحدث» تجربة.
جاءت هذه الكلمات على لسان المخرجة الفرنسية أودري ديوان، خلال كلمتها في ختام الدورة الثامنة والسبعين لمهرجان البندقية السينمائي الدولي، عقب إعلان فوز فيلمها «يحدث- Happening- L’événement» بجائزة الأسد الذهبي، الجائزة الأهم في المهرجان، والتي نجحت في اقتناصها بعد أن صوتت لجنة التحكيم بإجماع أعضائها لصالح فيلمها.
فيلم «يحدث» مقتبس من رواية للمؤلفة الفرنسية آني إرنو، تنقل من خلالها تجربتها الشخصية مع الإجهاض السري في الستينيات، حينما كانت عمليات الإجهاض مجرّمة والقيام بها قد ينتهي بالنساء خلف القضبان.
انتزاع الجائزة الأهم في المهرجان الأقدم من قبضة الذكور
ضمت المسابقة الرسمية لأفضل فيلم في الدورة الـ78 لمهرجان البندقية 21 فيلمًا، أربعة منها فقط من إخراج نساء، وهي؛ الفيلم الفائز «يحدث» للمخرجة الفرنسية أودري ديوان، وفيلم «موناليزا والقمر الدموي» للمخرجة الأمريكية الإيرانية آنا ليلي أميربور، وفيلم «قوة الكلب» للمخرجة النيوزيلندية جين كامبيون، وفيلم «الابنة المفقودة» من إخراج الأمريكية ماغي جيلنهال.
وتأتي أودري ديوان السادسة في قائمة المخرجات اللاتي فازت أفلامهن بجائزة الأسد الذهبي، الجائزة الأهم في المهرجان الأقدم بين المهرجانات السينمائية الدولية، والتي استأثر المخرجون الرجال بمعظم نسخها منذ بدء توزيعها في العام 1949.
لم يسبق أودري إلى الفوز بهذه الجائزة سوى المخرجة الألمانية مارغريث فون تروتا في دورة العام 1981، والمخرجة الفرنسية آغنيس فاردا في العام 1985، والمخرجة الهندية ميرا ناير في العام 2001، والمخرجة الأمريكية صوفيا كوبولا في العام 2010، وأخيرًا المخرجة وكاتبة الأفلام الصينية كلوي تشاو التي فاز فيلمها «نومادلاند» بالجائزة في الدورة الماضية (دورة العام 2020)، بعد عشر سنوات من غياب أو تغييب المخرجات عن الجائزة.
تجسيد سينمائي للمخاطر التي يواجهنها إذا رفضن السيطرة على أجسادهن
استمدت أودري ديوان فكرة وأحداث فيلمها من رواية سيرة ذاتية فرنسية تحمل الاسم نفسه (L’Événement)، صدرت في العام 2000، وتروي من خلالها الكتابة آني إرنو تجربتها مع الإجهاض السري في العام1963 ، حينما كان الإجهاض لا يزال غير قانوني في فرنسا، وكانت عقوبة السجن في انتظار أي امرأة تقدم عليه.
ورغم أن القصة ترتبط بفترة محددة في تاريخ فرنسا، فإنها تجد صدى لدى ملايين النساء والفتيات اللاتي يعانين من تجريم الإجهاض ورفضه مجتمعيًا في بلدانهن، خاصةً أن الغالبية العظمى من البلدان لا تزال تضع قيودًا على الإجهاض سواء شديدة أو محدودة، ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، هناك ما يقرب من 25 مليون حالة إجهاض غير مأمون تحدث كل سنة، معظمها في البلدان النامية.
يروي الفيلم قصة فتاة جامعية تدعى آن، تبلغ من العمر 23 عامًا، وتخوض رحلة محفوفة بالآلم والأخطار، في مسعى إلى إيجاد وسيلة لإنهاء حمل فوجئت به؛ حمل لم تتوقعه أو تتطلع إليه، وتريد الخلاص منه خوفًا مما سيلحق بها كأم عزباء على الصعيد الاجتماعي وتجنبًا لعرقلة مستقبلها الأكاديمي.
تطرق آن أبوابًا عديدة وتفشل في كل مرة، ثم تحاول الإجهاض باستخدام أدوات غير آمنة وتخفق أيضًا، فتعود وتواصل رحلة البحث عن حل ،حتى تجد أحدًا بإمكانه أن يساعدها على الإجهاض سرًا، لتصبح بوصولها إلى هذه المرحلة في مواجهة خطر السجن إذا انكشف الأمر.
يتغلغل الفيلم في أعماق معاناة آن التي يزداد انغماسها فيها كلما تأخر إنهاء الحمل، وتكشف الأحداث كيف تنبذ الثقافة الأبوية البطلة بعد أن وضعتها في خانة النساء سيئات السلوك، فقط لأنها اختارت أن لا تُخضِع جسدها لقيود المجتمع.
جدير بالذكر أن الإجهاض لم يكن مباحًا في القانون الفرنسي حتى العام 1975، الذي صدر خلاله أول تشريع يقنن الإجهاض، وقد سمح حينها بالإجهاض حتى الأسبوع العاشر من الحمل، قبل أن تدخل عليه تعديلات في العام 2001، لتمتد فترة السماح حتى الأسبوع الثاني عشر بعد الحمل.
السينما كأداة مقاومة
يجسد الفيلم حالة مقاومة وتحدي للمنظومة التي تتحكم بحيوات النساء عمومًا وأجسادهن خصوصًا، ورغم أن الفيلم يعود بالزمن إلى الوراء لأكثر من خمسين عامًا، فإن الرحلة التي تخوضها آن (الشخصية الرئيسة) ليست بعيدة عن الرحلات التي تضطر إليها كثير من النساء حول العالم من أجل حقهن الخالص في التصرف في أجسادهن.
قصـة آن ليست فقط قصة امرأة تبحث عن سبيل لإنهاء حمل لا تريد له أن يستمر متحديةً المنع والتجريم والمصير القاتم، وإنما هي قصة امرأة تعاند وتحارب حتى لا تخسر ملكية جسدها، وكي لا تنهزم أمام مجتمع يريد أن يجبرها على دفع ثمن من حريتها واستقلاليتها الجسدية لأنها تمرّدت على قواعده وكسـرت أصفاده.