بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية (WHO) في شهر مارس من العام 2020، أن فيروس كورونا قد صار جائحة عالمية، سارعت العديد من الدول إلى فرض إغلاقات عامة لمواجهة تفشي الفيروس. هذه الإغلاقات أحدثت ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات العنف المنزلي، بحسب ما رصدته حكومات مثل الحكومة الفرنسيـة التي كشفت في شهر إبريل من العام 2020، عن زيادة في حوادث العنف المنزلي المُبلّغ عنها لدى الشرطة، بنسبة تتراوح بين 32 و36 في المئة، بعد أن صارت النساء حبيسات المنازل مع المعتدين.

استجابة لذلك، اتخذت الحكومة الفرنسية مجموعة من الإجراءات لكبح هذه الزيادة المرتبطة بفرض الحجر المنزلي، كان من بينها؛ توفير إقامات في غرف فندقية بإجمالي 20 ألف ليلة للناجيات من العنف المنزلي، بعد أن أضحى تسكين مزيد من الناجيات في المراكز المخصصة لاستضافتهن (البيوت الآمنة) أمرًا شديد الصعوبة، نتيجة تطبيق التباعد الجسدي بين المقيمات بها منعًا لانتشار فيروس كورونا.

مراكز استضافة الناجيات هي أماكن مخصصة لاستقبال النساء اللاتي يتعرضن للعنف المنزلي، ويقررن ترك المنازل بحثًا عن الحماية والأمان. توفر هذه المراكز إقامات مؤقتة للناجيات، وتقدم لهن الدعم الاجتماعي والنفسي خلال فترة إقامتهن، وقد تكون تابعةً لمؤسسات حكومية أو منظمات نسوية ومجموعات مستقلة، إذ يختلف الوضع حسب السياق الخاص بكل بلد.

توّجهت الأنظار أيضًا إلى الفنادق كبديل لمراكز استضافة الناجيات في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، عندما كشفت تقارير أولية للشرطة الأمريكية في شهر إبريل من العام 2020، أن المدن الكبرى تشهد زيادة في الإبلاغ عن العنف المنزلي بنسب تتراوح بين 10 إلى 20 في المئة من جراء الحجر المنزلي، مما دفع بقسم إدارة الطوارئ في مدينة لوس أنجلوس إلى إطلاق مشروع «ملاذ آمن» لتوفير سكن آمن للناجيات خارج إطار مراكز الاستضافة التي لم يعد بالإمكان الاعتماد عليها وحدها. وقد ارتكز المشروع على حجز غرف في مجموعة من الفنادق الكبيرة والصغيرة، لتكون مخصصة لاستقبال الناجيات من العنف المنزلي خلال الجائحة.

وفي ولاية إنديانا الأمريكية، استخدمت مؤسسة شبكة العنف المنزلي (Domestic Violence Network) ومنظمة العائلات أولًا (Families First) التمويل المتاح والتبرعات الفردية لحجز غرف فندقية بإقامات طويلة للناجيات من العنف المنزلي خلال الشهور الأولى من الجائحة.

في الولايات المتحدة أيضًا، أعلن عمدة مدينة شيكاغو في الـ28 من إبريل في العام 2020، عقد شراكة مع شركة إير بي إن بي للإيجارات (Airbnb) لدعم الناجيات من العنف المنزلي اللاتي يبحثن عن سكن بديل، وبالتالي عملت إير بي إن بي (Airbnb) على توفير غرف لاستقبال الناجيات في الفنادق التي تتعاون معها، عبر التنسيق مع الخط الساخن لشكاوى العنف المنزلي في ولاية إلينوي ومؤسسة الشبكة (The Network) التي ترفع شعار «المناصرة لإنهاء العنف المنزلي» ويهدف نشاطها إلى تحسيـن حيوات الناجيات من العنف المنزلي.

الفنادق وتفعيل المشاركة المجتمعية لحماية الناجيات

الارتفاع الذي سجلته العديد من دول العالم في معدلات العنف المنزلي، إبان فترة الإغلاق العام خلال العام 2020 (شهدت بعض الدول زيادة بنسبة 25%)، حفّز الحكومات والمنظمات النسوية لا سيما المعنية بدعم وحماية الناجيات من العنف المنزلي، على البحث عن بدائل أخرى لمراكز الاستضافة حتى تستوعب زيادة النساء الباحثات عن أماكن آمنة، فكانت الفنادق هي الخيار الأفضل بالنسبة لكثير من هذه الكيانات، رغم المخاوف المتعلقة بمدى قدرة الفنادق على تزويد الناجيات بمستويات الحماية التي توفرها مراكز الاستضافة، خاصة أن الفنادق تشترط تسجيل أسماء النزلاء كاملة ولا يوجد ما يمنع العاملين بالفنادق من الكشف عن أسماء المقيمين لديها.

التفت التحالف الوطني للإسكان الآمن (National Alliance for Safe Housing) إلى هذه الإشكالية، وفي ورقة أصدرها العام الماضي بعنوان «إرشادات لاستخدام الفنادق لتلبية احتياجات الناجيات الفورية فيما يتعلق بالسلامة والسكن»، طالب التحالف البرامج التي تعقد شراكات مع الفنادق لاستقبال الناجيات، بأن تنص في اتفاقاتها على التزام الفندق الشريك بعدم إفشاء أي معلومات عن الناجيات والناجين لطرف ثالث.

لكن بعض المؤسسات النسوية والبرامج الحكومية التي تعمل بشكل مباشر مع الناجيات من العنف المنزلي في الولايات المتحدة، ومنها الخط الساخن المخصص لاستقبال بلاغات العنف المنزلي في ولاية إلينوي، ذهبت إلى ما هو أبعد من هذا الشرط لتضمن أمن وسلامة الناجيات، إذ تعاونت هذه الجهات مع  شركة ريلوشير (Reloshare) التي توفر خدمات الحجز الإلكتروني، من أجل إطلاق موقع إلكتروني يتيح للناجيات الحجز في مجموعة من الفنادق بأسماء مستعارة وليس بالأسماء الأصلية حفاظًا على أمنهن الشخصي. وقد انطلق الموقع في شهر يوليو الماضي تحت عنوان «إقامات آمنة – Safe Stays».

وتأتي هذه الخطوة بعد أن تعاونت شركة ريلو شير (Reloshare) مع مؤسسة الشبكة (The Network) المعنية بدعم الناجيات من العنف المنزلي، في شهر مايو من العام 2020، لتوفير سكن آمن لـ100 ناجية من العنف المنزلي في ولاية إلينوي في غضون شهرين، وقد أظهر تقييم التجربة أهمية اتخاذ إجراءات إضافية لتأمين الناجيات وحمايتهن.

ما تقوم به شركات الحجز الإلكتروني والفنادق في هذا السياق ينضوي تحت المشاركة المجتمعية التي هي أحد ركائز التنمية المستدامة، إذ يتفاعل القطاع الخاص ممثلًا في شركات الحجز والفنادق مع المجتمع المدني متجسدًا في المؤسسات والبرامج النسوية، في ظل بيئة ملائمة للتعاون هيأتها الحكومات.

التعاون بين الفنادق والمجتمع المدني لحماية الناجيات من العنف المنزلي ليس جديدًا، ولم تتفتق الأذهان عنه بسبب الجائحة، فهو قائم منذ سنوات عديدة، ولكن زاد اللجوء إليه نتيجة ارتفاع معدلات العنف المنزلي كأحد الآثار الوخيمة للجائحة.

وتجدر الإشارة إلى أن مركز مسارات إلى السلامة الأمريكي (Pathways to Safety) كان قد أطلق في العام 2007 مشروعًا بعنوان «غرف طارئة بالفنادق للأمهات المعنفات»، يهدف إلى دعم وحماية الأمهات الأمريكيات اللاتي يعشن خارج البلاد مع أزواج معنفين ويبحثن عن ملاذ آمن، حيث يوفر المشروع للأم المعنفة بضعة ليالي مجانية في أحد الفنادق الأمريكية الموجودة في البلد الذي تعيش فيه، ريثما يتواصل معها مسؤولون به للاتفاق حول حل طويل الأمد، إما بتسكينها في مكان آمن، وإما بإعادتها إلى الولايات المتحدة.

يؤشر كل ذلك إلى أهمية ومحورية الدور الذي تقوم به الفنادق وشركات الحجز الإلكتروني لحماية النساء المعنفات، والذي تزداد أهميته في حال كان الوصول إلى مراكز الاستضافة صعبًا في كل الأوقات وليس خلال الظروف الاستثنائية فحسب، وهو الحال في البلدان الناطقة بالعربية التي تعاني فيها الناجيات من قلة عدد مراكز الاستضافة، وصعوبة الإجراءات اللازمة لتمكينهن من الإقامة فيها.