كتبت – شهد مصطفى

بحلول شهر سبتمبر، ستكون القوات الأمريكية قد انسحبت بشكل كامل من أفغانستان، بعد عشرين عامًا من الغزو الأمريكي للبلاد، الذي جاء لإنهاء وجود حركة طالبان في السلطة والانتقام من تنظيم القاعدة الإرهابي، بعد أحداث الـ11 من سبتمبر في العام 2001.

جاء الاجتياح الأمريكي في أكتوبر من العام 2001، لتبدأ معه حقبة من العنف والدمار والقتل لا تزال مستمرة، رغم الإطاحة بسلطة حركة طالبان وقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، ثم يأتي الآن الخروج غير منظم للقوات الأمريكية، غير مكترث لهشاشة السلطة الحاكمة وما قد يترتب عليه من عودة حركة طالبان إلى السلطة مرة أخرى، وهو ما بدأت تلوح بوادره في الأفق، حيث يجتاح مقاتلو الحركة المدن الأفغانية بوتيـرة سريعة، تشي بأن أفغانستان ستكون في القريب العاجل في قبضة طالبان.

في غضون ذلك، تتكاثر التساؤلات حول مدى قدرة الحكومة الأفغانية على الصمود، خاصة أن طالبان ليست التهديد الوحيد أمامها، فالمواجهة تمتد لتشمل تنظيمات إرهابية أخرى مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، إلا أن أغلب التوقعات ترجح أن يكون سقوط هذه الحكومة قريبًا، بعد أن بات كثير من القواعد العسكرية التابعة للحكومة الحالية والعديد من المعابر الحدودية، تحت سيطرة مسلحي طالبان.

أعلنت حركة طالبان عن نفسها في العام 1994، بعد أن خرجت من بين فصائل المجاهدين التي دعمتها الولايات المتحدة الأمريكية إبان الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، وقد تشكلت الحركة في أعقاب الحرب الداخلية التي اندلعت بين الفصائل المختلفة، وتنامت قوتها سريعًا بفضل دعم عدد من الدول في المنطقة، إلى أن انتهى الأمر بوصولها إلى سدة الحكم في أفغانستان بعد أربع سنوات من ظهورها.

في ضوء التطورات الأخيرة تتصاعد حدة المخاوف، فيما يتعلق بأوضاع النساء اللاتي سيكن في مرمى عنف مسلحي حركة طالبان، خاصة أن بعضًا من مظاهر هذا العنف بدأت تتبدى في المناطق التي فرضت الحركة سيطرتها عليها، إذ وزع مقاتلوها في عدة مناطق في ولاية بلخ، شمال أفغانستان، منشورات تأمر سكانها باتباع قواعد صارمة تناظر تلك التي فرضوها عندما كانوا على رأس الحكم فيما بين العامين 1996 و2001، ومن أبرزها منع خروج المرأة من المنزل إذا لم تكن ترتدى البرقع (النقاب الأفغاني) أو إذا لم يكن برفقتها أحد أفراد الأسرة من الذكور، وقد فرضت الحركة القيود ذاتها على النساء في مناطق أخرى في ولايات تخار وبدخشان وقندوز.

من جانبها قالت هيذر بار، الباحثة بمجال حقوق النساء في آسيا بمنظمة هيومن رايتس وواتش، في تصريحات لوكالة صوت أمريكا الإعلامية (VOA)، «إن التقارير الأخيرة حول هجمات طالبان الأخيرة على النساء ليست مفاجئة للغاية، حيث توصلت تحقيقات منظمتها (هيومن رايتس وواتش) إلى أن سياسات طالبان لا تختلف كثيرًا عما كانت عليه في العام 2001.»

في المقابل وقبل أن تصبح هذه القواعد نافذةً في ولاية غور الأفغانية، خرجت مئات النساء يتظاهرن حاملات السلاح احتجاجًا على سيطرة طالبان على العديد من المناطق في أفغانستان، واعتراضًا على القيود التي فرضتها الحركة على ملابس النساء وتنقلاتهن، وبحسـب صحيفة الجارديان البريطانية، فإن القواعد التي تفرضها طالبان ليست محل ترحيب في ولاية غور بالتحديد، حيث اعتادت النساء على ارتداء غطاء الرأس فقط بدلًا من البرقع الذي يغطي الجسد كاملًا، ودأبن على العمل في الحقول إلى جوار الرجال.

الماضي قد يعود

كانت نسبة الطالبات بجامعة كابول قبل العام 1996 نحو 50 في المئة، بينما بلغت نسبة النساء من أساتذة الجامعة 60 في المئة، ومثلت النساء في ذلك الوقت 70 في المئة من المعلمين و40 في المئة من الأطباء في العاصمة كابول. لكن بعد أن استولت طالبان على الحكم، وجدت الفتيات أنفسهن مرغمات على أن يكن حبيسات المنازل، وقد فقدن حقهن في الذهاب إلى المدارس، إذ قررت الحركة في العام 1998، منع كل طفلة يتخطى عمرها الثماني سنوات من الالتحاق بالمدرسة. كما أجبرت النساء العاملات ومنهن الطبيبات والممرضات والمعلمات والأكاديميات على ترك وظائفهن، وبالطبع كانت النساء اللائي يتجاوزن القرارات والأحكام، يتعرضن للعقاب الذي كان يبلغ حد القتل في بعض الأحيان.

بعد الإطاحة بحكم الحركة انحصرت هذه القيود في مختلف أنحاء البلاد، فيما عدا القرى والمناطق الريفية التي استمرت تحت سيطرتها، ومع ذلك ظلت الفجوة واسعة بين الجنسين فيما يتعلق بالتعليم، نتيجة غياب الاستقرار واستمرار الحرب في البلاد، وبحسب منظمة هيومن رايتس وواتش (في تقرير صدر في العام 2017)، فقد أدت الحرب إلى افتقار ما يقرب من نصف المدارس إلى مبان تستوعب الطالبات والطلاب، ذلك فضلًا عن استهداف طالبان عمدًا لمدارس الفتيات، ورسوخ الثقافة الشعبية التي تجعل تعليم الأولاد ذا أولوية أكبر من تعليم الفتيات.

ويسجل البنك الدولي اتساع الفجوة بين الجنسين في المعرفة بالقراءة والكتابة، إذ تكشف بياناته أن نسبة الفتيات المراهقات القادرات على القراءة والكتابة، تبلغ  37 في المئة بالمقارنة مع 66 في المئة من المراهقين الذكور، كما يوضح تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، صدر في العام 2018، أن 43.7 في المئة من الأطفال (7-17) عامًا غير ملتحقين بالمدارس، وتمثل الفتيات 60 في المئة منهم.

في حال عادت طالبان إلى الحكم، فإن زيادة الفجوة الواسعة اتساعًا شبه مقطوع بها، خاصة أن الحركة  تصر على إلغاء القانون – محدود التأثير – الذي يضع حدًا أدنى لسن الزواج للفتيات، ويقره بـ16 عامًا أو 15 عامًا إذا ما حصل ولي الأمر على إذن من القاضي، وإذا زاد استهداف المدارس والجامعات بالتوازي مع إباحة تزويج الفتيات في أي سن، فمن المؤكد أن تشهد الأمية بين الإناث، التي تتجاوز حاليًا الـ60 في المئة، زيادة إلى نسبة غير مسبوقة.

من ناحية أخرى، تشير جريدة التايم الأمريكية (TIME) في تحقيق نشرته بعنوان «الولايات المتحدة تغادر أفغانستان، وحركة طالبان تزداد قوة، وتعليم الفتيات والنساء في خطر بالفعل»، إلى أن مجموعات مدافعة عن حقوق الإنسان في أفغانستان، لاحظت أن مسلحي حركة طالبان بعد أن سيطروا على نقاط تفتيش في جميع أنحاء البلاد صاروا يمنعون النساء، بما فيهن المشرفات على المرافق التعليمية، من السفر إذا لم يكن برفقتهن ذكر من العائلة يتجاوز عمره الـ16 عامًا.

أما العمل وبعد أن كان أقرب إلى المستحيل بالنسبة للنساء خلال فترة حكم طالبان، زاد خروجهن إليه خلال العقدين الماضيين، وإن كانت النسبة ما برحت ضعيفة لأسباب عديدة من بينها الأعراف القبلية، ووفقًا للبيانات الخاصة بمفوضية الخدمة المدنية في أفغانستان والصادرة في العام 2019، فقد بلغت نسبة النساء المشتغلات بالقطاع العام 27 في المئة من إجمالي المشتغلين به.

بالإضافة إلى ذلك، ولجت النساء إلى قطاعات كان محظورًا عليهن دخولها، مثل الشرطة والجيش، وبحسـب تقرير لهيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان (SIGAR)، صدر في يناير الماضي، فإن نسبة النساء في الجيش النظامي الأفغاني تبلغ 3.5 في المئة، بينما تقتصر النسبة على 1 في المئة فقط بين القوات الشرطية النظامية، وكانت وزارة الداخلية الأفغانية قد أعلنت في شهر مارس الماضي، عن خطة لزيادة عدد النساء في القطاع الشرطي من أربعة آلاف إلى عشرة آلاف خلال السنوات الثلاث المقبلة. لكن كل ذلك قد يذهب أدراج الرياح إذا ما سيطرت طالبان على مقاليد الحكم مرة أخرى.

مكتسبات في خـــطر

لم يكن وضع النساء في أفغانستان أفضل كثيرًا قبل وصول طالبان إلى الحكم في العام 1996، إذ أن المجتمع الأفغاني هو بالأساس مجتمع قبلي، وزعماء القبائل هم المتحكم الرئيس في مصائر النساء، وإذا خرجت المرأة عن أعراف القبيلة تتولى مجموعات مفوضة من زعيم القبيلة معاقبتها، إلا أن وصول التنظيم الإرهابي إلى سدة الحكم فاقم الوضع وزاده سوءًا، وحتى إذا لم تكن الأوضاع قد تغيّرت كثيرًا بعد إسقاط طالبان، فإن ثمة حقوق استردتها النساء عقب السقوط يخشين الآن أن يفقدنها فيعدن عقودًا إلى الوراء، في مقدمتها التعليم، والعمل، وحقهن في المشاركة في عملية التشريع الذي تضمنه الكوتة المنصوص عليها في الدستور الأفغاني الصادر في العام 2004، الذي يخصص 68 مقعدًا من إجمالي 249 مقعدًا من مجلس النواب للنساء، بما يمثل 27٪ من مقاعده.

علاوة على ذلك، تخشى كثير من النساء قطع الطريق أمام نضالهن من أجل انتزاع حقوق أصيلة مثل ذكر اسم الأم في شهادات الميلاد وبطاقات الهوية بدلًا من نسبها إلى أحد رجال العائلة كالزوج أو الأب أو الأخ أو الابن، وهو الأمر الذي نجحت النساء الأفغانيات العام الماضي، في أن ينتزعن موافقة حكومية بشأنه، حيث أعلنت الحكومة موافقتها على تعديل قانون تسجيل السكان الأفغاني، بما يسمح بإضافة أسماء الأمهات في شهادات الميلاد والبطاقات الشخصية، إلا أن القانون لا يزال في حاجة إلى موافقة مجلس النواب، وإذا كانت القبلية تقف عائقًا أمام ذلك، فإن وصول طالبان إلى الحكم قد يقضي على مشروع القانون نهائيًا.

بالإضافة إلى ذلك تناضل النساء الأفغانيات من أجل تجريم فحوص العذرية القسرية المنتشرة على نطاق واسع في البلاد، والتي تحميها الأعراف القبلية المتجذرة، وكانت مفوضية حقوق الإنسان المستقلة في أفغانستان قد تبنت منذ العام 2015، حملة مناهضة لهذه الممارسة لما تمثله من انتهاك صريح لحقوق الإنسان، إلا أن تقدم طالبان على الأرض وتصاعد احتمالات سيطرتها الكاملة على البلاد، لا يصاحبهما فقط تخوف من إخماد هذا الحِراك، بل من إمكانية أن تزيد ممارسة القبائل لهذه الفحوص، بسبب اعتياد مسلحي الحركة ارتكاب جرائم العنف الجنسي ضد النساء والأطفال.