بعد الثمانية عشر يومًا الأولى من الاحتجاجات الشعبية التي اندلعت في الـ25 من يناير في العام 2011، مطالبة بإسقاط نظام مبارك بعد ثلاثين عامًا من الحكم، صارت المظاهرات – شبه اليومية- المطالبة بإصلاحات اجتماعية وسياسية واقتصادية أمرًا اعتياديًا في مصر، خاصة في العاصمة القاهرة.

طيلة أربع سنوات، لازم معظم هذه المظاهرات اعتداءات جنسية جماعية ضد النساء المشاركات فيها، فتحوّل ميدان التحرير إلى مسرح لجرائم الاعتداء الجنسي من أدنى درجاته إلى أقصاها، خاصة في ظل الغياب الشرطي عن الشوارع في ذلك الوقت. ومع تكرر الاعتداءات الجنسية، وتلاشي أدوات الردع والعقاب،  باتت أيام الأعياد والعطلات الرسمية مرتعًا آخر للهجمات الجنسية على النساء والفتيات، وصارت المنظمات والمجموعات النسوية خاصة التي خرجت من رحم الثورة، تُكثّف نشاطها الميداني لمواجهة هذه الجرائم، معتمدةً بشكل أساسي على عمليات التدخل والإنقاذ للنساء اللاتي يتعرضن للاعتداء سواء كان فرديًا أو جماعيًا، خلال الاحتجاجات أو الاحتفالات أو التجمعات عمومًا.

خلال السنوات الخمس الأخيرة، لم تشهد مصر أي مظاهرات كالتي كانت تعج بها الميادين قبل ذلك، ومع ذلك لا يزال الاعتداء الجنسي كالكابوس يطارد الفتيات والنساء أينما ذهبن صباحًا ومساءً، في القاهرة وخارجها، في وسائل المواصلات وفي الشوارع، في أماكن العمل وفي المقاهي، على أرض الواقع وعلى الواقع الافتراضي.

يذكرنا الشهر الجاري بمرور عشر سنوات على بداية هذه الحقبة المفصلية في تاريخ النسـاء، وبدء فصل جديد في الكيف والكم للعنف الجنسي ضد الفتيات والنساء في مصر، إلا أنه أيضًا يجسد فرصة مهمة لاسترجاع بعض المحطات الحاسمة في هذا العقد الاستثنائي، الذي أضاف انتصارات عظمى وانكسارات غائرة، إلى مسيرة النضال الملهمة التي تقودها النساء المصريـات منذ عقود طويلة بقوة وإباء. هذا العقد الذي كان شاهدًا على صلابتهن في مواجهة الإرهاب الجنسي، وتصديهن لكل محاولات إسكاتهن ودفعهن بعيدًا عن المجال العام، وإصرارهن على استحداث طرق نضالية وآليات مقاومة مختلفة بعد انكماش المساحات المفتوحة.

فيما يلي نستعرض بعض – نكرر بعض –  المشاهد البارزة خلال هذه العشريـة، وليس كل ما سجلته الذاكرة عن النضال النسوي المصري ضد العنف الجنسي خلال هذه السنوات..

2011:

مرت الأيام الأولى من ثورة الـ25 من يناير، من دون أن تخرج إلى العلن شهادات عن وقوع جرائم اعتداء جنسي في ميدان التحرير حيث كان يعتصم المحتجات والمحتجون، إلى أن جاء الـ11 من فبراير وتعرّضت الصحافية الجنوب أفريقية لارا لوغان، التي تعمل لصالح شبكة «سي.بي.أس –CBS» الأمريكية للاعتداء الجنسي على أيدي عشرات الرجال في ميدان التحرير، أثناء تغطيتها للاحتفالات التي أعقبت تنحى مبارك.

في شهر نوفمبر: أصدرت منظمة «مراسلون بلا حدود» بيانًا تحذيرًيا للصحافيات حول العالم اللاتي ينوين أو بصدد تغطية الاحتجاجات الشعبية المستمرة في ميدان التحرير، بعد تكرر حوادث الاعتداء الجنسي الجماعي، وقد جاء البيان بعد أيام من تعرّض مراسلة القناة الثالثة الفرنسية كارولين سينز لاعتداء جنسي جماعي، أثناء تغطيتها لإحدى المظاهرات في الميدان.

2012:

شكّل العديد من الشابات والشباب مبادرات مجتمعية وأخرى نسوية، هدفها الرئيس هو التصدي للهجمات الجنسية التي تستهدف النساء في ميدان التحرير وأماكن التظاهر مثل: حركة بصمة، ومجموعة ضد التحرش، وحركة شفت تحرش، ومجموعة تحرير بودي جارد، ومبادرة بنات مصر خط أحمر.

كما كوّن عدد من المنظمات النسوية والحقوقية مبادرة حملت اسم «قوة ضد التحرش» لمواجهة جرائم الإرهاب الجنسي الذي تتعرض له النساء في ميدان التحرير أثناء الاعتصامات والمظاهرات، وقد ساهم المتطوعون بالمبادرة في إنقاذ العديد من النساء من الاعتداءات الجنسية الجماعية، بحسب ما وثقته المبادرة في بيانات كانت تنشرها عبر صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي.

في شهر يونيو: خرجت مجموعة من النساء في مسيرة احتجاجية ضد الاعتداءات الجنسية التي زادت بشكل مرعب. تحركت المسيرة من شارع محمد محمود بمنطقة وسط البلد متجهة إلى ميدان طلعت حرب القريب منه، إلا أن مجموعات من الرجال اعترضت المسيرة واعتدت جنسيًا على النساء المشاركات فيها.

وثق عدد من النساء اللاتي شاركن في المسيرة، ما تعرّضن له عبر شهادات نشرنها على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبات باتخاذ إجراءات رادعة ضد هذه الجرائم، وتعديل القانون المصري الذي يفتقر إلى مادة تختص بجريمة «التحرش الجنسي».

2013:

في شهر يناير: تعرّضت عشرات النساء لاعتداءات جنسية جماعية خلال المظاهرات التي شهدها ميدان التحرير، إحياءً للذكرى الثانية لثورة الـ25 من يناير، بعضها بلغ حد «الاغتصاب بالآلات الحادة».

في شهر مارس: تقدمت مجموعة من الناجيات من الاعتداءات الجنسية الجماعية التي وقعت في ميدان التحرير فيما بين نوفمبر من العام 2012 ويناير من العام 2013، ببلاغات رسمية إلى النيابة العامة، لتكون هذه هي أول خطوة رسمية تتخذها نساء طالهن الإرهاب الجنسي خلال المظاهرات منذ العام 2011.

في إبريل: أصدرت هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN Women) دراسة عن التحرش الجنسي في مصر، بيّنت نتائجها أن 99.3% من الفتيات والنساء في مصر تعرّضن لشكل من أشكال التحرش الجنسي.

بالإضافة إلى ذلك، شهد هذا العام توسيع المبادرات الشابة والمجموعات النسوية الناشئة لنطاق عملها في مواجهة العنف الجنسي، فزادت حملات رفع الوعي المجتمعي بجرائم التحرش الجنسي، عن طريق تنظيم مسيرات في الشوارع (خارج نطاق ميدان التحرير)، ووقفات في محطات المترو، وفعاليات توعوية في الجامعات والمراكز الثقافية. كما استغلت هذه المجموعات قوة الإنترنت لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي التي تضاعف تأثيرها على الرأي العام بعد اندلاع الثورة، فانطلقت بكثافة الحملات الإلكترونية المناهضة للعنف الجنسي.

طغت التشاركية على الحِراك النسوي المصري في هذه المرحلة بشكل افتقده الحِراك لسنوات، إذ ظهرت العديد من الائتلافات مثل ائتلاف المنظمات النسوية المصرية الذي ضم نحو 15 منظمة تنتمي إلى مدارس فكرية نسوية متعددة، وتتبنى اتجاهات متباينة، وتضم أجيالًا مختلفة من النسويات.

كما سيطر العمل الجماعي على معظم الحملات النسوية في ذلك الحين، بالأخص تلك الموّجهة ضد العنف الجنسي، سواء كانت حملات على الأرض أو افتراضية، وإذا كان هدفها هو التوعية أو الضغط على صنّاع القرار لتعديل القوانين، فقد كان الغالب وقتئذٍ أن تتعاون المنظمات والمجموعات في تنفيذ الحملات، ومنها على سبيل المثال؛ حملة #صلحها_في_دماغك التي انطلقت في نوفمبر من هذا العام، بهدف تغيير المفاهيم المغلوطة حول العنف الجنسي ضد النساء، واشترك في تنفيذها عدد من المؤسسات والمجموعات الحقوقية والنسوية.

هذه الاستراتيجية ساهمت في تعظيم التأثير ومضاعفة النشاط داخل الحركة النسوية المصرية، خاصة أن مثل هذه الائتلافات أو التجمعات لم ينحصر نشاطها في «الخطابات والبيانات والتوقيعات»، وإنما تعددت وتشعبت تحركاتها في ظل انفتاح المجال العام حينذاك.

2014:

في شهر مارس: تعرضت إحدى الطالبات بجامعة القاهرة إلى حادثة تحرش جنسي جماعي داخل حرم الجامعة، اضطرتها إلى الاختباء داخل أحد الحمامات حتى تمكن أمن الجامعة من اختراق صفوف المعتدين والوصول إليها لإخراجها في حماية أفراده.

صاحب الحادثة ردود أفعال أكدت أن الخطاب المجتمعي لم يتحرك قيد أنملة فيما يتعلق بلوّم الناجيات من العنف الجنسي، إذ خرج رئيس جامعة القاهرة بتصريحات تحمّل الفتاة مسؤولية ما تعرضت له، زاعمًا بأن ملابسها استفزت الطلاب، وتبنى طيف واسع من وسائل الإعلام – داخل مصر –وجهة النظر ذاتها.

الهجمة الشرسة على الناجية ومظهرها الخارجي، والإدعاء بأن الملابس هي السبب في وقوع جرائم التحرش الجنسي، أثارا غضب كثير من الفتيات اللاتي غردن باستخدام وسم #أول_محاولة_تحرش_كان_عمري، ليصبح حينها واحدًا من أكثر الوسوم تداولًا على موقع تويتر في مصر، بعد أن أقبلن على التغريد باستخدامه، ليفصحن عن جرائم التحرش الجنسي التي تستهدفهن منذ الطفولة.

في شهر يونيو: تحقق للحركة النسوية المصرية انتصار ناضلت في سبيله، على مدار تسع سنوات، إذ أصدر رئيس الجمهورية السابق عدلي منصور قرارًا بقانون لتعديل قانون العقوبات المصري، بما ينص على تجريم صريح لـ«التحرش الجنسي». وتمثل التعديل في استبدال نص المادة 306 مكرر (أ) وإضافة المادة 306 مكرر (ب).

ونصت المادة 306 مكررا (أ) على «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير فى مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأي وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية. وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه. وفي حالة العود تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة فـي حديهما الأدنى والأقصى.»

بينما نصت المادة 306 مكرر (ب) على «يعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكررا (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجانى من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، …..»

بعد أيام من إصدار هذه التعديلات، وأثناء الاحتفالات الشعبية التي شهدها ميدان التحرير بالتزامن مع تنصيب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقعت جرائم اغتصاب جماعي بالأصابع والآلات الحادة في قلب ميدان التحرير. وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع مصوّر يوثق تفاصيل أحد هذه الجرائم.

في غضون أيام، ألقت الشرطة القبض على تسعة ممن ظهروا في المقطع، وبعد التحقيق معهم أحالتهم النيابة العامة إلى المحكمة الجنائية متهمة إياهم بـ«هتك العرض والاغتصاب».

في شهر يوليو: أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمها بحق المتهمين، وتراوحت العقوبات بين السجن المؤبد والسجن عشرين عامًا، ليكون هذا هو أول حكم من نوعه في مصر، وأول قضية من قضايا الاعتداء الجنسي الجماعي التي وقعت في ميدان التحرير بعد العام 2011، يتم الحكم فيها ومعاقبة الجناة.

الزخم والتجاوب الإيجابي من قبل السلطات مع القضية، دفع بالحركة النسوية إلى إعادة رفع مطلبها بشأن تعديل المواد 267 و268 من قانون العقوبات المصري، ليتسع تعريف الاغتصاب ويشمل جرائم الاغتصاب الشرجي، والفموي، والاغتصاب بالأصابع والآلات الحادة، ولينتهي إدراج هذه الجرائم تحت مسمّى «هتك العرض» الذي يعد تجليًا لتأثير الثقافة الذكورية على صياغة القوانين. لكن ما من أحد التفت إلى هذه المطالب حتى يومنا هذا.

جدير بالذكر أن السفيرة مرفت التلاوي رئيسة المجلس القومي للمرأة آنذاك، قالت في مداخلة هاتفية مع البرنامج التلفزيوني «مصر في يوم» الذي كانت تذيعه قناة «دريم 2» الفضائية، عقب ذيوع المقطع المصوّر الخاص بأحد هذه الجرائم، إنها ترفض التعامل معها بوصفها جرائم «هتك العرض»، مشددةً على أنها «جرائم اغتصاب وتعمد قتل».

في شهر نوفمبر: مثلما حظيت التعديلات التي أجريت على قانون العقوبات بشأن تجريم التحرش الجنسي ومعاقبة مرتكبيه، بترحيب باعتبارها اعتراف من الدولة بحق النساء في الحماية من هذه الجرائم، قوبلت أيضًا بانتقادات كالتي أعلنت عنها منظمة «نظرة للدراسات النسوية» عبر حملتها «قانون نشاز»، حيث عابت على المادة «306 مكرر ب» تقصيرها في تعريف التحرش الجنسي، وتأسيسه على نية الجاني وإذا كان قد قصد فعل التحرش أم لم يقصده، بينما الأصل هو ربط تعريف التحرش بمدى الضرر المادي والأدبي الواقع على الناجيات وليس نية الجاني.

2015:

انحصر نشاط العديد من المؤسسات الحقوقية والنسوية لأسباب لوجسيتية وسياسية، وجمّدت المبادرات والمجموعات الشابة نشاطها الميداني، واتجه بعضها إلى الفضاء الإلكتروني كساحة بديلة، والبعض الآخر حل نفسه ذاتيًا.

2016:

في شهر نوفمبر: أعلن المجلس القومي للمرأة الانتهاء من إعداد مشروع قانون متكامل لمكافحة العنف ضد المرأة، وأنه بصدد طرحه للحوار المجتمعى خلال حملة الـ 16 الدولية لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي (25 نوفمبر – 10 ديسمبر)، إلا أن ذلك لم يحدث.

2017:

في شهر أكتوبر: تفاعلت النساء والفتيات المصريات مع وسم #أنا_أيضًا الذي تم تدشينه، تعريبًا لوسم #MeToo الذي بدأ معه حِراك واسع في الولايات المتحدة الأمريكية ضد العنف الجنسي، على خلفية نشر صحيفة النيويورك تايمز (The New York Times) ومجلة نيويوركر (New Yorker) تحقيقين يتضمان شهادات لعاملات بصناعة السينما في هوليوود، يكشفن من خلالها عن تعرضهن للاعتداءات جنسية على أيدي هارفي واينستين، أحد أشهر المنتجين في مجال صناعة الأفلام الأمريكية.

في الشهر ذاته: أصدرت مؤسسة تومسون رويترز الخيرية، تقريرًا يصنف القاهرة كأكثر المدن الكبرى (أي المدن التي يقطنها 10 ملايين أو أكثر) خطورة على النساء في العالم، بسبب تفشي العنف الجنسي.

في شهر ديسمبر: دشنت تسع منظمات نسوية «قوة العمل من أجل قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة»، انطلاقًا من قناعتها بوجوب معالجة قصور التشريعات المصرية في التعاطي مع جرائم العنف ضد النساء، عبر إصدار تشريع مستقل خاص بالعنف ضد النساء وجرائمه، عوضًا عن المواد غير المتصلة والإشكالية الموجودة في قانون العقوبات المصري. وقد أعلنت قوة العمل في بيانها التأسيسي عن إعدادها لمشروع قانون في هذا الصدد وتأهبها لطرحه  للنقاش المجتمعي.

خصص مشروع القانون فصلًا كاملًا لإعادة تعريف جرائم العنف ضد المرأة، لاسيما العنف الجنسي بما يتناسب مع الصكوك الدولية ويحقق الحماية المستحقة للناجيات، حيث نص المشروع على أن جريمة الاغتصاب تقع على الجنسين (لا يعترف قانون العقوبات الحالي بجريمة الاغتصاب إلا إذا كانت امرأة هي من وقع عليها الجرم)، كما حدد عقوبة ضد جريمة الاغتصاب الزوجي التي لا يعترف بها القانون المصري حتى الآن. كما وسع مشروع القانون تعريفه لجريمة الاغتصاب، فنص في إحدى مواده على «يعتبر اغتصابًا كل مواقعة للأنثى بغير رضاها، سواء كانت المواقعة إيلاجًا عبر المهبل أو الفم أو الشرج، وسواء كان الإيلاج بالعضو الذكري أو بالإصبع أو بأية أداة.»

المنظمات المُشكّلة لقوة العمل من أجل قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة هي: مؤسسة المرأة الجديدة، ومنظمة نظرة للدراسات النسوية، ومؤسسة قضايا المرأة المصرية، ومركز القاهرة للتنمية والقانون، ومؤسسة المرأة والذاكرة، ومركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، ومركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية، ومبادرة المحاميات المصريات، ومركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعي.

2018:

في شهر يناير: نشرت إحدى الناشطات النسويات عبر صفحة «Femi-Hub» النسوية على موقع فيسبوك، نص رسالة بريد إلكتروني وصلتها من عاملة سابقة بالمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تروي خلالها تفاصيل الاعتداء عليها جنسيًا مرتين في العام 2014 على أيدي ناشطين حقوقيين، متهمةً أحد أعضاء حزب العيش والحرية (تحت التأسيس) باغتصابها مستغلًا غيابها عن الوعي، واتهمت وكيل مؤسسي الحزب ومدير المركز الذي كانت تعمل به بالتحرش بها لفظيًا.

انتشرت الرسالة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فخرج الحزب بعد أيام ليعلن أنه شكل لجنة مستقلة للتحقيق في الجريمتين في ديسمبر من العام 2017 بعد أن وصلت إليه الرسالة ذاتها، إلا أنه آثر أن تكون التحقيقات سرية.

تصريحات الحزب أثارت مزيدًا من الغضب بعد أن اعتبرت ناشطات ومجموعات نسوية أن الحزب تعمّد إخفاء الاتهامات، والامتناع عن تعليق عضوية العضوين خلال فترة التحقيق، بل وتمسك بترشيحه لوكيله (الموجه له اتهام بالتحرش الجنسي) لخوض الانتخابات الرئاسية للعام 2018.

ضغطت مجموعات نسوية عبر التدوين المتواصل على مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبةً بسرعة إعلان نتائج التحقيق.

في شهر فبراير: أعلن الحزب ما توّصلت إليه لجنة التحقيق، ومفاده أن وكيل مؤسسي الحزب لا يمكن إدانته بانتهاك جنسي باللفظ أو بالفعل، انطلاقًا من الفصل بين الحياة العامة والخاصة، وعلى الرغم من اعتراف الحزب بارتكاب العضو الثاني لجريمة الاغتصاب، فإن بيان إعلان النتائج لم يذكرها باسمها وإنما وصفها بـ«الفعل المشين». أدت اللغة المستخدمة في صياغة البيان إلى هجمة ضارية ضد الحزب، بعد أن اعتبرت العديد من الكيانات النسوية أن بيان الحزب محاولة منه للتحايل على الواقع، والتخفيف من وطأة الجرائم التي ارتكبها عضواه.

تعد هذه الواقعة التي عرفت باسم «واقعة الإيميل» بمثابة حدث مفصلي في النضال النسوي ضد جرائم الاعتداء الجنسي في مصر، خاصة الجرائم التي تقع داخل أروقة منظمات المجتمع المدني. كما دفعت هذه الحادثة عددًا من الناشطات والعاملات بمنظمات المجتمع المدني، لا سيما المنظمات الحقوقية، إلى نشر شهادات شخصية عن اعتداءات جنسية ارتكبها بحقهن عاملون بهذه المنظمات. بالإضافة إلى ذلك، انفتحت أبواب النقاش حول استحداث سياسات داخلية لمواجهة هذه الجرائم وحماية العاملات والعاملين بهذه المؤسسات التي تعلن عن نفسها دومًا بوصفها المدافع «العتيــد» عن أمن النساء وحقهن في الحماية من مختلف أشكال العنف.

2019:

نشرت شبكة «الباروميتر العربي» البحثية استطلاعها السنوي للرأي العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فأوضحت نتائجه أن مصر لا تزال في مقدمة الدول العربية فيما يتعلق بجرائم التحرش الجنسي.

2020:

في بداية شهر يوليو: أطلقت نادين أشرف الطالبة بالجامعة الأمريكية، حسابًا على موقع انستغرام باسم «Assault Police»، نشرت من خلاله عشرات الشهادات لناجيات من اعتداءات جنسية (تحرش جنسي، ابتزاز جنسي، شروع في اغتصاب، اغتصاب شرجي)، ارتكبها بحقهن أحد الطلاب السابقين في الجامعة.

تجاوزت الشهادات حدود الصفحة وموقع انستغرام، وتناقلها على نطاق واسع مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، فتضاعفت الشهادات ضد المتهم، وتصدر وسم #المغتصب_أحمد_بسام_زكي الوسوم الأكثر تداولًا في مصر على موقع تويتر.

أسفر السخط الذي اجتاح الفضاء الإلكتروني بعد انتشار شهادات الناجيات، عن إلقاء القبض على المغتصب، وبدأت النيابة العامة مباشرة التحقيق في الجرائم المتهم بارتكابها.

أكدت هذه القضية الحاجة الملحة لتحقيق المطلب النسوي القائم منذ سنوات، حول ضرورة حماية سرية بيانات الناجيات والناجيين في جرائم العنف الجنسي بالقانون، بعد أن امتنعت العديد من الفتيات عن الإدلاء بشهاداتهن في القضية لهذا السبب.

قادت شهادات الناجيات في هذه القضية إلى انطلاق طوفان من البوح، انهارت أمامه جدران الصمت التي لم تستطع كثير من النساء والفتيات تجاوزها قبل ذلك ذلك، خوفًا من اللوم، والانتقام، والوصم. ونشرت عشرات النسـاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدًا تويتر، شهاداتهن عن ما تعرّضن له من حوادث اعتداء جنسي اضطررن إلى عدم الإفصاح عنها، مستخدمات عددًا من الوسوم، من بينها: #مش_بس_أحمد_زكي و#افضحوا_المتحرشين و#نصدق_الناجيات و#الاغتصاب_جريمة.

في نهاية شهر يوليو: أطلقت ناشطات نسويات مدونة باسم «دفتر حكايات» لتمكين النساء من نشر قصصهن الخاصة بالاعتداء الجنسي باختلاف درجاته، من دون حاجة إلى كشف هويتهن، وقد تمكنّت المدونة في غضون شهور قليلة  من فضح عدد من المعتدين من ذوي التأثير والنفوذ في مجالات مختلفة.

في شهر أغسطس: وافق مجلس النواب على تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، وإضافة مادة برقم 113 مكرر تتيح لقضاة التحقيق عدم إثبات بيانات المجني عليهم، فى الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع من الكتاب الثالث لقانون العقوبات المصري (الإشارة إلى: جرائم الاغتصاب والجرائم المسمّاة بجرائم هتك العرض)، أو الجرائم الواردة في المادتين 306 مكرر أ، و306 مكرر ب من القانون ذاته (الإشارة إلى: جرائم التحرش الجنسي)، أو الجرائم المشار إليها في المادة 96 من قانون الطفل (الإشارة إلى: المخاطر التي يتعرض لها الأطفال ومن بينها التحرش والاستغلال الجنسي)، وأضحت عقوبة كل من يرتكب جريمة إفشاء هذه البيانات، هي العقوبة المنصوص عليها في المادة 310 من قانون العقوبات، وهي الحبس مدة لا تزيد عن ستة شهور أو غرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصري.

رغم أهمية هذا التحرك وسرعة إقرار التعديل، انتقدت ناشطات وكيانات نسوية ضعف العقوبة وافتقار التعديل إلى تحديد آليات واضحة لإثبات ارتكاب شخص بعينه لجريمة تسريب البيانات.

بالتأكيد يفصل بين هذه المشاهد التي عايشناها خلال السنوات العشر الماضي، مشاهد أخرى توثق المزيد من المحطات المحورية في النضال ضد العنف الجنسي في مصر، وربما تكون عاودتكن بعضها أثناء قراءتكن لهذا المنشور. وفي النهاية، يظل يقيننا بأن استعادة التاريخ بما فيه التاريخ القريب وإنعاش الذاكرة من حين لآخر، هما في حد ذاتهما قوة دفع للاستمرار وبوصلة مُوجهة لمسارات النضـال.