تأسست أول جمعية نسائية في مصر والمنطقة العربية في العام 1891، ثم لحق بها العديد من الجمعيات النسائية التي كان يقف وراءها إما أميرات الأسرة العلوية وإما نساء الطبقة العليا، وقد تبنت هذه الجمعيات نهجًا خيريًا، وغالبًا ما كان يركز نشاطها على مكافحة الأمية، وتعليم الفتيات القراءة والكتابة، ومساعدة النساء الأشد فقرًا على تعلم الحرف اليدوية ومهارات الحياكة، وتوفير العلاج للمرضى من غير القادرين.

في هذه المرحلة المبكرة، كانت هدى شعراوي واحدة من النساء اللاتي أسسن أو شاركن في تأسيس جمعيات نسائية، قبل أن تدشن «الاتحاد النسائي المصري»، أول مؤسسة نسوية في مصر والعالم العربي في العام 1923.

قبل ثورة العام 1919، شاركت هدى شعراوي في إنشاء مبرة محمد علي لمساعدة الأطفال المرضى، وساهمت في تشكيل اتحاد المرأة المصرية المتعلمة، كما أسست ناديًا أدبيًا نسائيًا باسم جمعية الرقي الأدبي للسيدات، تقلدت الأميرة أمينة حليم رئاسته الشرفية. بالإضافة إلى ذلك، أسست شعراوي مبرة المرأة الجديدة بدعم من الأميرة عين الحياة (زوجة السلطان حسين كامل)، وقد ضمت المبرة مدرسة داخلية للفتيات، تتيح لهن فرصة تعلم القراءة والكتابة، وبعض الأشغال اليدوية التي تؤهلهن للعمل وقضاء احتياجاتهن.

وقد استمر نشاط جميع الجمعيات التي أسستها هدى شعراوي حتى بعد قيام ثورة العام 1919 وتأسيسها لـ «الاتحاد النسائي المصري»، الذي سرعان ما أصبح أهم كيان نسوي في مصر ونموذجًا ملهمًا للحركات النسوية في بقية البلدان العربية، إلا أن نشاط هذه الجمعيات تغيّر نوعًا ما، إذ لم تعد تقتصر جهودها على العمل الخيري، وصار الدفاع عن حقي النساء في التعليم والعمل على رأس أولوياتها.

في هذا السياق، قررت هدى شعراوي أن تطلق نشيدًا باسم مبرة المرأة الجديدة (كان ذلك بين العامين 1923 و1924)، وقد صيغت كلماته كما لو كانت منطوقة على ألسنة النساء المصريات وموّجهة إلى وطنهن مصر، وقد اعتمدت المبرة النشيد، ونشرته عدد من الصحف المصرية وتزينت به صفحات عدد من الجرائد والمجلات العربية.

يقترب النشيد في شكله ونبرته من الأناشيد الوطنية، إلا أن مقطوعاته ليست ذكورية كتلك التي كان يتكوّن منها النشيد الوطني المصري في ذلك الوقت، والذي تم إقراره في العام 1923 واستمر العمل به حتى العام 1936 وكان يحمل عنوان «اسلمي يا مصر»، إذ كانت كلماته تغض الطرف عن كون النساء مواطنين مصريين مثل الرجال، وجميعها كان ملحقًا بضمائر وإشارات ذكورية، مثل: «أنا مصري بناني من بنى.. هرم الدهر الذي أعيا الفنا» و«وطن الْحُر سَمًا لا تُمتلك.. والفتى الحر بِأفقه ملك.»

يأتي أيضًا نشيد «المرأة الجديدة» الذي يضم عبارات مثل «نخرج للدأب بالنهار» و«نحن ذخر العمل»، في الوقت الذي بدأت فيه النساء المصريات يفرضن وجودهن في المجال العام في أعقاب ثورة العام 1919، وتصاعدت خلاله مطالبات الحركة النسوية المصرية بزيادة مدارس البنات في أنحاء مصر كافة، وبتمكين النساء من العمل في مختلف المجالات.

لكن هذا النشيد ليس صناعة نسائية خالصة، فلم تعهد هدى شعراوي بمسؤولية كتابته إلى شاعرة، ولم تكتبه بنفسها، أو تتعاون مع مدافعات نسويات أخريات في كتابته، وإنما لجأت إلى الشاعر مجد الدين حفني ناصف، شقيق ملك حفني ناصف الكاتبة المدافعة عن حقوق النساء والملقبة بــ«باحثة البادية».

ولكن يجب التنويه بأن هذه الحقبة شهدت ندرة في إعلان الشاعرات عن أنفسهن وإفصاحهن عن هويتهن، خاصة بعد وفاة عائشة التيمورية في العام 1902 وملك حفني ناصف في العام 1918، إذ لم يبرز على الساحة أسماء شاعرات بعدهما، إلى أن ظهرت أسماء مثل ماريا كفاديا، وجميلة العلايلي، وجويس منصور، وغيرهن.

يقول النشيد:

مصر منار الأولين

ومنهل المجد المعين

نحن لها دنيا ودين

نشقى لها كي تنعما

ونفتديها بالدما

..

دعامة المستقبل

زينة مصر والحلي

طبيبها في العلل

لنا المكان والزمان

فنحن ربات الوطن

..

في ظل دين ووقار

نخرج للدأب بالنهار

نكلأ بالليل الصغار (نكلأ تعني نرعى)

فنحن رمز العمل

ونحن ذخر المنزل

..

الله يارب السداد

جدد لنا مجد البلاد

واكفل سعادة العباد

وارع البلاد سرمدًا (سرمدًا تعني دائمًا بلا انقطاع)

واجعل لنا منها هدى

بإمكانكن/م الوصول إلى نسخة من النشيد منشورة في هذا العدد لمجلة «ليلى» العراقية، أول مجلة نسائية في العراق، والصادر بتاريخ الـ 15 من فبراير في العام 1924.