حقق مسلسل «بـ100 وش» نجاحًا كبيرًا منذ بدء عرضه مع بداية شهر رمضان الجاري، على المستويين الجماهيري والنقدي، وبين الجمهور المصري خصوصًا والعربي عمومًا، والأعمال التي تنجح على هذا النحو يغدو النظر فيها أمرًا ضروريًا، خاصة أن الانتشار على نطاق واسع يعني تمريرًا أكثر سلاسة لخطاب مضمر يتجاهل كثيرون تحليله عمدًا أو سهوًا، أو قد يعني خروجًا مباغتًا عن النسق الآمن وهذا أيضًا يستدعي التوقف أمامه.

«بـ100 وش» هو خامس أعمال المخرجة كاملة أبو ذكري التلفزيونية، بعد أربعة مسلسلات وست كوم (SITCOM)، وهو ثالث تعاون تلفزيوني بينها وبين الممثلة نيللي كريم بعد مسلسلي «ذات» و«سجن النسا»، ولكن هذه المرة، البطولة لا تتصدرها الأخيرة أو تتقاسمها مع ممثلات أخريات، وإنما يشاركها بطولته الثنائية الممثل آسر ياسين. وهذا ما يبدو ظاهرًا على الأفيشات وتتر البداية، بينما حلقات المسلسل تؤكد أن البطولة تتوزع بين عدد أكبر من الممثلات والممثلين.

تقدم كاملة أبو ذكري هذا العام مسلسلًا كوميديًا، وهو أول خروج صريح لها عن حيز الدراما التلفزيونية الاجتماعية المأخوذة قصصها عن نصوص أدبية، كما هو الحال في مسلسلاتها الثلاث؛ «ذات» من إنتاج العام 2013، و«سجن النسا» من إنتاج العام 2014، و«واحة الغروب» من إنتاج العام 2017.

الثيمة الأساسية للمسلسل معروفة ومكررة في الأعمال ذات الطابع الكوميدي، وهي النصب الذي يخطط لعملياته وينفذها تشكيل عصابي غير متمرس وإنما يصبح كذلك مع تتابع الجرائم التي يرتكبها، إلا أن ما يميز هذا العمل ويحميه من آفة الاستنساخ هو حبكته المتقنة وأحداثه المشوقة التي تُزيد حماس مشاهداته ومشاهديه، فضلًا عن أنه ليس عمل البطل الأوحد أو البطلين الذين يستحوذان على الشاشة لأغلب الوقت وتتحرك الأحداث في فلكهما، إذ أن العلاقات في «بـ100 وش» تتداخل وتتشابك بين عدد أكبر من الشخصيات المحورية، جميعها يساهم بفاعلية في شحن الأحداث وتصعيدها.

يجب التنويه أننا لا نقدم قراءة للعمل من منظور يستند إلى توقعات أخلاقية ومعايير عقائدية تشترط حضور المرأة في الدراما وفقًا لاتجاهات المجتمع، أو تحصرها في الأدوار والمهن التي ترضي المنظومة القيمية السائدة، وإنما ننظر إليه ودافعنا هو محاولة تحديد مدى نجاح أو إخفاق هذا العمل في تحرير الشخصيات النسائية من نمطية شائعة في الأعمال الكوميدية، وتفكيك الخطاب الكامن الذي قد يكون مداعبًا للمخيال الذكوري، بالإضافة إلى تسليط الضوء على الوضع المتعلق بتمكين النساء من صناعة العمل لاستطلاع علاقته باتجاهات هذا النص المرئي، ودلالته فيما يخص ولوج النساء إلى صناعة الدراما المصرية بشكل أعم، خاصة من خلال الأدوار والمواقع الرئيسة.

خلف الشاشة: ما زال حضورهن كثيف بصحبة كاملة أبو ذكري

شكّلت كاملة أبو ذكري في مسلسلاتها الثلاث السابقة ثنائيًا مع السيناريست مريم نعوم، وقد اتسمت المعالجة الدرامية لهذه الأعمال بنزعة نسوية واضحة. وفي مجمل أعمالها، أكدت أبو ذكري أنها واحدة من أكثر المخرجين الذين يفسحون المجال لمشاركة عريضة للنساء في صناعة العمل الدرامي، لا سيما عبر المواقع الرئيسة خلف الشاشة؛ فقد تعاونت مع مديرة التصوير نانسي عبد الفتاح في مسلسلاتها السابقة وفيلميها «واحد صفر» و«يوم للستات»، كما تكرر تعاونها في أكثر من عمل مع السيناريست هالة الزغندي، ومهندسة الديكور شرين فرغل، ومصممة الأزياء ريم العدل، والمونتيرة منى ربيع.

في هذا العمل، لا تشغل النساء أي من المواقع الرئيسة خلف الكاميرا سوى الإخراج والـArt directing  أو الإخراج الفني، إذ يغبن عن التأليف والإنتاج وإدارة التصوير والمونتاج، فالكتابة لعمرو الدالي وأحمد وائل، والإنتاج لجمال العدل (العدل جروب)، وإدارة التصوير لكريم نادر، والمونتاج لوسام الليثي. ومع ذلك، فإن حضورهن يبدو قويًا خلف الشاشة، ويحفظ هذا العمل مكانه في قائمة المسلسلات التي تشهد تمكينًا أكبر للنساء من صناعتها في هذا الموسم.

تتعاون شيرين فرغل مع كاملة أبو ذكري كمخرجة فنية (Art Director) للعمل، كما يضم فريق العمل مي ممدوح كمخرجة منفذة، وإيناس شاهين كمصممة أزياء، ودنيا صدقي كمصممة للشخصيات والمؤثرات الخاصة، ويضم طاقم مهندسي الديكور المساعدين ليلى جمال الدين، وتشارك مرام عاصم جنيدي ضمن المونتيرين المساعدين، وتشغل غادة سعيد موقع مساعدة المونتير الرئيس، وتشارك إلهام صفي الدين كواحدة من المساعدين للستايليست، وتنفذ سارة وحيد سكريبت الملابس.

بالإضافة إلى ذلك، تشارك أمينة علام وماريز قلاده في تنفيذ الإنتاج الذي يتولى مهمته أحد عشر شخصًا، وتقوم أنغام عجرمه بعملية مونتاج الحوار، وتنفذ مريم ماجد يوسف سكريبت إكسسوار الوحدة الثانية، ومنة شريف زلط سكريبت ملابس الوحدة الثانية.

أما على الشاشة حيث يبدو الحضور النسائي كثيفًا أيضًا، تجسد نيللي كريم شخصية سكر، وهي الشخصية الرئيسة إلى جانب شخصية عمر التي يؤديها آسر ياسين، وتجسد علا رشدي شخصية ماجي، وتؤدي دنيا ماهر دور نجلاء، وتجسد زينب غريب شخصية رضوى. كما يشارك في بطولة المسلسل شريف الدسوقي، ومصطفى درويش، وإسلام إبراهيم، ومحمد عبد العظيم.

النصب والاحتيال.. سبيلهم للتحقق الذاتي وتذويب الفجوة الطبقية

جرائم النصب التي يمارسها أفراد العصابة العشرة باستثناء فتحي الذي يحترف البلطجة ويعمل بتجارة المخدرات منذ زمن، هي البوابة المؤدية إلى التحقق الذاتي. ولعل ذلك هو أحد العناصر التي أسست للتعاطف الجماهيري مع هذه العصابة وتشجيعها في خطواتها، لأن الحلم الكبير الذي يحرك من هم على الشاشة، تتردد أصداؤه داخل الجالسين أمامها، أينما كانوا ومن أي طبقة جاءوا، فالنصب هو سبيل سكر لتحقيق قفزة طبقية تنقلها من حي بولاق إلى حي الزمالك «حي البشوات»، بعد سنوات من الشقاء والتنقل الاضطراري بين صالونات التجميل النسائية، تحملتها حتى تُجنّب والدتها وشقيقتها الصغرى العوز، والنصب بالنسبة لعمر هو الطريق لتفادي السقوط من الطبقة البرجوازية وتعويض أمه عن معاناتها بعد أن سرقها والده وتركهما وحيدين، وهو ما أرغمهما على الدخول في صراع مع الظروف للحفاظ على مكانهما داخل هذه الطبقة، وهو وسيلة ماجي للحفاظ على استقلالها والقيام بالعمل الذي تحبه وهو المكياج والمؤثرات الخاصة أو السينمائية (Special make-up effects)، وهو فرصة سباعي لإثبات موهبته في التمثيل واستعادة ابنته التي رحلت مع أمها بعيدًا عنه، بعد أن بات يُعرَف بـ«السارق» داخل استديوهات التصوير.

النصب أداة قد تُمكّن حماده من إثبات جدارته وجمع ما يكفي من المال ليصبح لائقًا للزواج بمحبوبته نادية شقيقة سكر التي لا تعلم مصدر أموالهما الحقيقي، وهو ذريعة نجلاء لضمان الأمان والحماية من التشرد بعد وفاة غزال، الرجل الغني الذي كانت تمرّضه.

محاولة للخروج عن نمطية الشخصيات النسائية في الكوميديا

يعد تنميط الشخصيات النسائية من ركائز الكوميديا التي أضحت فنًا يسطو عليه الرجال بفعل التركيبة الذكورية للمجتمع التي تروّج إلى أن النساء ثقيلات الظل، ولا يتمتعن بروح الدعابة مثل الرجال، وتجعلهن موضوعًا للسخرية والتهكم، ولذلك يصبح الرهان على العمل الكوميدي فقط إذا كان الذكور هم من يتصدر بطولته.

وفي هذا الصدد، يأتي موسم الدراما الرمضانية الحالي حاملًا معه ثمانية مسلسلات كوميدية من بين 26 مسلسلًا مصريًا يعرضون خلال شهر رمضان الجاري. واحد فقط من هذه المسلسلات تتصدر بطولته النساء وهو «سكر زيادة» لنادية الجندي ونبيلة عبيد وسميحة أيوب وهالة فاخر.

أهم ما يميز «بـ100 وش» هو أن الكوميديا ليست رديفًا للذكورة، إذ أن المسلسل  – حتى الحلقة 20 – لم يتضمن مشاهد باتت طقسًا في أعمال أباطرة الكوميديا في مصر، حيث الاعتداء بالضرب على النساء لاستجلاب الضحك، أو السخرية من بعضهن لأنهن لا يتمتعن بمواصفات شكلية ارتبطت في حقل التصوّرات الذكورية بجمال الأنثى، أو تحويل النساء ذوات الأجساد الممتلئة إلى مادة للتهكم والاستهزاء. بالإضافة إلى ذلك، لم يزج المسلسل بالتحرش الجنسي وتحديدًا الجسدي ضمن المواقف الهزلية التي يبرز فيها المُتحرش شخصًا خفيف الظل. وإجمالًا، فإن النساء في هذا العمل لم يلعبن – في أغلب الوقت – دور المحفز لإطلاق الإيفيهات على لسان البطل، إذ يشاركن بمساحة واسعة وموازية لهم في صناعة المواقف التي تبدو كوميدية.

كما تحرر المسلسل من مجموعة من الآفات التي أعطبت كثيرًا من الأعمال الكوميدية، مثل العصابة التي يقودها رجل واحد بشكل مطلّق وحضور النساء فيها للفتنة والغواية، أو الصراع والتنافس بين رجل وامرأة يريد كل منهما إثبات تفوقه على الآخر، حتى ينتهي الأمر برضوخ الأنثى والقبول بالتبعية، أو قصر الحنكة على الرجال وحصر النساء في إطار المٌفسِدات لما يصنعه المُحنّكون. لكن ذلك ليس كل شيء، لأن بعض الشخصيات النسائية لم تنج من التنميط، وهذا ما سنتناوله تفصيلًا.

في هذا العمل، معظم الشخصيات النسائية المحورية ليست أحادية البُعد، إذ تتكشف دينامياتها، وتتضح دوافعها وتتبدى استقلاليتها، ومنها شخصية سكر التي ليست جزءًا من قصة رجل، بل هي امرأة تشق طريقها حتى إن كان بطرق غير مشروعة، وذلك ليس بمنأى عما تفرزه الفوارق الطبقية الواسعة في مصر والقاهرة تحديدًا، التي يعيش سكانها ممزقين بين واقعين غير متجانسين، أحدهما محرّم عليهم والآخر محبوسين داخله لا يمكنهم الخروج منه أو تغييره، مما يجعل استساغة سرقة الأغنياء أمرًا ذا مقبولية لدى البعض ومنهم سكر.

ماجي أيضًا من الشخصيات التي نجت من نمطية الفتاة المسطحة، فهي تعيش الحياة كما تريدها، تفعل ما تحب وتتمسك بأحلامها وسعادتها وفق رؤيتها، ولا تقبل بالإذعان إلى قواعد أخرى قد توفر لها قبولًا اجتماعيًا أرحب، وتؤهلها إلى حياة أكثر استقرارًا على الصعيدين المادي والنفسي.

كما تحررت شخصية درية والدة عمر من النموذج التقليدي لشخصية الأم التي عادة ما يُوظف حضورها في الأعمال الكوميدية لتغطية قوالب محددة، كالسيدة التي تمثل عبئًا على البطل ورمزًا للتسلط في حياته، أو المرأة التي تعيش معه وتدخلاتها تقتصر على مساعدته ماليًا أو بالربت على كتفه عندما تتكالب عليه الهموم، أو تتقولب في شخصية الناصحة التقيّة التي تُذكّر ابنها بالطريق الصالح والامتثال إلى القيم الدينية والأخلاقية.

ومع ذلك، فقد ركن «بـ100 وش» إلى بعض الأنماط المعتادة في الأعمال الكوميدية، سواء في الأفكار أو صناعة الصدف أو بناء عدد من الشخصيات النسائية.

إقحام شخصيات نسائية دورها هو مغازلة الـ «جان» والغدر به من أجل المال

على ما يبدو، هناك بناء نمطي لعدد من الشخصيات النسائية، يعز على صناع الدراما التخلي عنه، مثل شخصية الفتاة الكاريكاتورية التي تغازل البطل الوسيم من حين لآخر، وحلمها الكبير يُختزل في الزواج، ومهما تصاعدت الأحداث وتشابكت لا تنجلي أبعادًا أخرى لشخصيتها. ويتمظهر هذا النمط في شخصية رضوى التي تؤدي دورها زينب غريب، صديقة البطلة التي يقتصر وجودها على مساعدتها من دون أن يكون لها شراكة فعلية في صناعة القرارات والخطط التي تنفذناها معًا أو تشاركان في تنفيذها مع آخرين، وهي الشخصية النسائية التي تتغزل في البطل الذي لا يعيرها اهتمامًا، بل وفي كثير من الأحيان ينظر إليها باستعلاء وإزدراء ذكوري لأنها تفتقر إلى مواصفات الأنثى المُستحِقة لمرافقته، وذلك بالطبع يخدم ويزيد وهج الهالة التي تحيط بالممثل القائم بدور البطل، وهو آسر ياسين المُصنّف باعتباره الجان الأبرز بين نجوم جيله من الممثلين.

هذا البطل أيضًا، عادةً ما تربطه الدراما بقصة حب قديمة انتهت على يدي حبيبة طمّاعة تُفضّل المظاهر الاجتماعية والمال أكثر من أي شيء آخر، وهذا ما يتمثل في شخصية شيرين، تؤدي دورها سارة التونسي، التي يتبادل البطل والبطلة وصفها بــ «الواطية».

ومن رحم التكلس، تُنسَج خيوط المقارنة الذكورية بين امرأة طبقية تتمتع بمظهر جذاب، وخلفيتها الثقافية أقرب إلى البطل بحكم الأمكنة التي عاشوا فيها واجتمعوا فيها وشهدت على قصتهما، وبين البطلة القادمة من الطبقة الكادحة التي تفتقد إلى ما تمتلكه الأولى، ولكن «جدعنتها» وقبولها له رغم مشاكله وتناقضاته، تجعلها النسخة الأفضل والرابحة في هذه المقارنة.

هذه الموازنة التي يأنس إليها صناع الدراما المصرية، تدعم وتغذي تصوّرًا نمطيًا رسخت له وما برحت المنتجات الثقافية، وهو خلق رابط بين «جدعنة المرأة» وطبقتها الاجتماعية، حيث تصبح سمة شائعة بين نساء الطبقة العاملة، ومن يفتقرن إليها بينهن مجرد استثناء، والعكس هو حال نساء الطبقات العليا، ولذلك فلا غرو في أن تكون ماجي هي الاستثناء الموازي بين أصدقاء عمر الذي يمثلون الطبقة البرجوازية.

أما شخصية نجلاء التي تؤدي دورها الممثلة دنيا ماهر، التي قد تكون أحد الأسباب الرئيسة بأدائها السلس والتلقائي، في إكساب الشخصية أبعادًا أخرجتها عن نمط المرأة النكدية والرغاية، وهي عناصر استخدمها صناع العمل كخط من خطوط صناعة الضحك. وبفضل إدارة كاملة أبو ذكري، خرجت شخصية الممرضة نجلاء عن الشكل النمطي لهذا النوع من الشخصيات، فإذا كانت تتسم بتهويل مخاوفها وتضخيم قلقها، والنظر إلى الجانب المظلم دائمًا، إلا أنها تفعل ذلك من دون التجهم طوال الوقت، والصراخ في وجه الآخرين بشكل جنوني، وهي أمور يتكل عليها كثيرون من صنّاع الدراما في تأطير الشخصية النسائية التي يفر منها الناس بسبب النكد والرغي المزعجين، والتي تدفع الرجل إلى السخرية منها والرحيل عنها إلى شخصية أخرى أكثر هدوءًا وأقل حديثًا، تقدّره بالابتسامات والضحكات على نكاته، بشكل يجعله راسم الابتسامة وخالق الضحكة، بينما نجلاء هي من يرسم الابتسامة ويخلق الضحكة بشكل أساسي، بسبب اقترابها بدرجة كبيرة من شخصيات واقعية موجودة بالفعل حول المشاهدين، تتحدث بعفوية وتسرد التفاصيل بحميمية، وفي محيطها هي ليست ملفوظة ولا يتم وضعها في مقارنة مع امرأة أخرى لإثبات أنها النموذج الأسوأ.

حتى مبالغتها في الخوف أفسحت المخرجة بشكل عابر المجال للتعريف بالخلفية التي قد تكون مبررًا لما تشكلت عليه هذه الشخصية، بداية من النشأة في دار لرعاية الأطفال (ملجأ)، ثم الخروج للعمل بالتمريض، وصولًا إلى العيش شبه وحيدة لسنوات داخل قصر كبير لتمرّض مسنًا.

كاملة أبو ذكري واستكشاف عوالم النساء

اتساقًا مع كون العمل كوميديًا، إيقاعه سريع والتركيز الأكبر فيه على الأحداث، لجأت المخرجة إلى الومضات للتعريف بماضي مجموعة من الشخصيات المحورية. وفي ضوء ذلك، يتبين أن الشخصيتين الرئيستين، سكر وعُمر، قد جاءا من «بيت أمومي»، حيث تحملت النساء المسؤوليات الأسرية كاملة بعد سجن الأب أو هروبه.

تنجلي بعض الجوانب في حياة درية والدة عمر، التي تجسد شخصيتها سلوى محمد علي، ووالدة سكر التي تجسد شخصيتها حنان يوسف، فالأولى امرأة تضررت من زوج استغلها ماديًا واستولى على كل ممتلكاتها وأموالها ثم تزوج عليها، وتركها تتحمل مسؤولية ابنها الصغير بمفردها، وقد شهد الصبي على ما فعله الأب وقرر لاحقًا أن يتبع الأسلوب نفسه، ويمارس الاحتيال على الآخرين ليتكسب المال ويساعد والدته.

أما والدة سكر، فقد انتقلت بابنتيها من المنصورة إلى القاهرة، حتى تحميهما من الوصم الذي بات يلاحقهما بعد سجن الأب بتهمة السرقة ووفاته في محبسه، وخرجت للعمل للإنفاق عليهما، إلا أنها لم تستطع سد احتياجاتهما، فخرجت سكر للعمل في صالونات التجميل. ورغم ذلك، لم تخرج الأسرة من دائرة الفقر، فاتجهت سكر إلى سرقة محلات الذهب مثلما كان يفعل والدها، فاستطاعت أن ترتقي بأسرتها من شريحة إلى أخرى داخل الطبقة ذاتها، ثم تنامت الطموحات وصارت السرقة هدفًا للوصول إلى قمة السلم الطبقي.

تتأكد أهمية ومحورية الحضور الأمومي، مع ماجي التي تؤدي دورها علا رشدي التي انقلبت حياتها رأسًا على عقب وفاة والدتها، وصارت في مواجهة أب تعامل معها بمنطق التابع المُهمّش في حياته، فقررت أن تصنع حياة تخصها بعيدًا عنه، حتى لا تفقد استقلالها وتفرّدها.

من ناحية أخرى، تدمن ماجي المخدرات ولا يقدمها المسلسل باعتبارها من الساعين إلى التخلص من ذلك أو النادمين المتطلعين إلى التعافي، لأن المخدرات في سياق هذا النص معادل للهروب من الواقع المرهق نفسيًا بالنسبة لها، مثلما يدمن سباعي الكحول للهروب من واقعه المرير بعد أن انهارت أسرته ومضت السنوات من دون أن يحقق حلم التمثيل.

الاجتماعات النسائية على الشاشة وما تحمله من دلالات، تعد من الأمور اللافتة في هذا العمل، وهي أحد التجليات الثابتة في أعمال كاملة أبو ذكري. تظهر في مشاهد سكر مع شقيقتها نادية وأمها، ومشاهدها مع صديقتها رضوى، وذلك المشهد الذي يجمع نجلاء بزميلتها الممرضة خارج غرفة التحقيق. كلها مشاهد تعكس تضامنًا ودعمًا فيما بينهن بالفعل، وبالكلمة، وبالنظرة، وحتى بلحظات الصمت أثناء الشكوى، وهذه المشاهد بدلالتها تخرق اعتيادية تحويل التجمعات النسائية إلى مساحات للمكايدة أو حياكة المؤامرات أو الصراخ والعويل، وأحيانًا الاعتداء على بعضهن البعض بشد الشعر أو تمزيق الملابس.

لقد نجح مسلسل «بـ100 وش » بشكل جزئي في التحرر من أنماط تقليدية ينزع إليها صناع الكوميديا أو الملهاة، ورغم الإشكاليات التي تعرضنا إليها، فإن هذا لا يلغي مزايا أخرى في هذا العمل تجعله مختلفًا بالفعل عن الأعمال الكوميدية التي تتمركز حول الرجل وتأصل لكونه باعث الابتسامة، ومزيل الوحشة، ووحده من يملك القدرة على انتزاع الضحكات على حساب النساء.