فرصة تانيــة: دراما تخاتل بالرومانسية لتعزز النسق الثقافي الذكوري
مسلسل «فرصة تانية» هو واحد من بين سبعة أعمال درامية تندرج تحت تصنيف مسلسلات البطولة النسائية المطلقة في موسم رمضان الحالي، وتتصدر بطولته الممثلة ياسمين صبري في ثاني بطولاتها في الدراما التلفزيونية بعد مسلسل «حكايتي» الذي عرض خلال موسم رمضان الماضي.
ينتمي مسلسل «فرصة تانية» إلى الدراما الاجتماعية الرومانسية، وتدور أحداثه حول فتاة تدعى ملك تجمعها علاقة حب بشاب يدعى زياد. ولكن بعد خطبتهما، تكتشف عن طريق الصدفة أنه يلتقي بفتاة تدعى ريهام كان يزعم أنها تلاحقه، فتقرر الانفصال عنه وإنهاء علاقتهما رغم اعتذاراته ومساعيه المتكررة لإقناعها بحبه لها.
بعد فشله معها، يتزوج زياد ريهام، وفي ليلة زفافهما تتعرض ملك لحادثة سير، تفقد على إثرها الذاكرة.
يتبين من اسم المسلسل قبل أحداثه أنه يتناول فكرة الفرص الثانية في حياة البشر، واستغلالها لإصلاح ما تلف في الماضي أو إهدارها ومضاعفة الخسائر، وقد لجأ صنّاع العمل إلى الحبكة الدرامية الشائعة المتمثلة في فقدان الذاكرة، كسبيل لتمكين البطل من فرصته الثانية للعودة إلى البطلة.
خلف الشاشة: حضور نسائي شديدة الضآلة.. وغياب تام عن أي موقع رئيس
ترتكز صناعة مسلسل «فرصة ثانية» على العنصر الذكوري، إذ أن معظم العمل خلف الكاميرا يخضع لسيطرة ذكورية، ويستحوذ الرجال على كل الأدوار الرئيسة كالإخراج الذي يقوم به مرقس عادل، والتأليف الذي يتولى مهمته مصطفى جمال هاشم، والمعالجة الدرامية التي ينفذها محمد سيد بشير، والإنتاج لتامر مرسي عبر شركة سينرجي، وإدارة التصوير لتامر مرسي، ولذلك بشكل أو بآخر انعكاساته على ما هو معروض على الشاشة.
في المقابل، تظهر المشاركة النسائية على نحو ضئيل من خلال راجية مصطفى كمصورة، وإيمان شعبان المخرجة المنفذة للعمل، والستايليست آية الجنايني، ومهندسة الديكور سارة شاهين التي يشاركها العمل مهندسان آخران، بالإضافة إلى سكريبت الملابس الذي أعدته دلال محسن ومريم زيد، وسكريبت الإكسسوار لآية نبيل، كما تشغل مايا جول حداد موقع مستشارة المظهر (Look Consultant).
الوضع على الشاشة يبدو أفضل فيما يتعلق بمساحة الحضور، إذ أن أغلب الشخصيات المحورية نسائية، فإلى جانب ياسمين صبري التي تجسد شخصية ملك، تجسد أيتن عامر شخصية ريهام، وتؤدي هبة مجدي دور مريم شقيقة ملك، وتؤدي سارة الشامي دور شيرين صديقة ملك، وتجسد نهال عنبر شخصية روحية والدة ملك.
حزمة من الشخصيات النمطية
يتبدى منذ الحلقة الأولى لمسلسل «فرصة ثانية»، أن النمطية تخيم على الأحداث والشخوص، فقد جاء بناء الشخصيات شديد التقليدية في ظل أطر ضيقة تحجب عنها التطور الديناميكي.
ينطلق المسلسل من ثلاثية تقليدية في الدراما وهي الحبيبة والحبيب والمرأة التي تفسد علاقتة حبهما، وهذا الحبيب هو الشاب الوسيم، صاحب العلاقات النسائية المتعددة الذي اهتدى بالحب أخيرًا إلى فتاة تجتمع فيها المواصفات المثالية من وجهة نظر ذكورية؛ جميلة شكلًا، ليس لها علاقات متعددة في السابق مثله، وتنتمي إلى أسرة من الطبقة الوسطى العليا تتمسك بتقاليد المجتمع.
بانحياز ذكوري معتاد في هذا النمط من الدراما، يتحوّل الشاب المعروف بعلاقاته المتعددة إلى ضحية، عندما تدخل إلى حياته امرأة تسعى إلى تدميرها والنيل من سعادته، إذ يُصدّر المسلسل خيانة الرجل لشريكته باعتبارها خطأ يجوز غفرانه، لأنه لم يُقدِم عليها طواعية بل ساقته الغواية إليها، والغواية في المتخيل الذكوري شأن أنثوي لا يستطيع الرجل رده بسهولة.
وسرعان ما يتصالح المحيطون بالبطلة مع رغبة البطل في العودة إليها ويمهدون له الطريق، فيوافق والد ملك أن يستغل زياد، الذي يؤدي دوره أحمد مجدي، فقدان ابنته للذاكرة ليبدأ علاقته معها مرة أخرى، وتساعده صديقتها المُقرّبة على الدخول إلى حياتها مجددًا، بزعم أنه شخص يتطلع فقط إلى العمل بالشركة التي تعمل بها.
يتجسد في الشخصية الرئيسة (ملك)، القناعات الذكورية تجاه جدية المرأة وحزمها ونجاحها مهنيًا، حيث يبدو ذلك معادلًا للحدة والغلظة، فهي سريعة الغضب، يتحسب الجميع لردود أفعالها، حتى أقرب صديقاتها التي تقول لها بتوجس في أحد المشاهد «ملك .. أنا أصلًا بخاف منك».
على النقيض، تتسم شخصية ريهام بالخنوع خاصة أمام زياد، ولا يظهر أي جانب آخر لشخصيتها سوى إصرارها باستماتة على الإبقاء عليه زوجًا، رغم رفضه المستمر والمهين لها؛ حيث يترك حفل زفافهما من دون أن يهتم لأمرها، حتى يطمئن على ملك بعد الحادثة، ويقرر بعد ذلك منفردًا أن ينهي علاقته بها متهمًا إياها بالضغط عليه ليتزوجها، كما لو كان مسلوب الإرادة، وباحتقار يقول لوالدها «أيوا بنتك رمية»، وفي كل مرة تذهب إليه تستجدي عودته يطردها، وبعد أن يُطلّقها تتوسل إليه أن يعدل عن قراره، فيصفها بأنها بلا كرامة على عكس حبيبته السابقة، ومع ذلك تتشبث بإعادته إليها.
تتشابه إلى حد بعيد شخصية ريهام مع مريم شقيقة ملك، إذ تتسم الشخصيتان بالاعتمادية وغياب الطموحات المهنية على عكس ملك، فضلًا عن قبولهما وتعايشهما مع عنف الشريك.
هذه الحالة تتضح منذ أول اجتماع على الشاشة لمريم وزوجها مدحت، الذي يؤدي دوره دياب، حيث يتحدث إليها بإزدراء مؤكدًا أنه يبغضها وكل أفراد أسرتها، ويقول لها إن ابنته هي السبب الوحيد وراء تحمُّله لها.
تطيل مريم بقاءها مع زوجها خوفًا من أن يحرمها من ابنتها، وتعدل عن قرار الطلاق عقب اعتدائه عليها بالضرب، خشية أن يُذكّر أختها التي فقدت الذاكرة بتفاصيل قد تسبب لها انهيارًا عصبيًا، ثم يتبين بعد ذلك أن هذه المبررات تعضد رغبتها الشخصية في الاستمرار مع هذا الرجل الذي جمعتها به قصة حب في السابق، فتمنحه فرصة تلو الأخرى هي بمثابة تنازل بعد الآخر.
دراما تنحاز إلى الرجل: تصوير الزوج المُعنِف استثناء للقاعدة
يتجسد في شخصية مدحت زوج مريم، صورة الزوج المُعنّف الذي اعتاد على تعنيف زوجته لفظيًا، في ظل تعايش منها مع ذلك، فيتحور العنف ليصبح جسديًا فيما بعد، إلا أن إشكالية هذه الشخصية رغم واقعيتها، هو قولبتها على نحو باتت الدراما المصرية تفضله مؤخرًا، بعد سنوات طويلة من تسفيه العنف ضد الشريكة والتطبيع معه. إذ يبدو العنف ضد الزوجة في هذا المسلسل تفصيلة قبيحة تُكمّل الصورة البغيضة لرجل فاسد يمارس الاحتيال والنصب، مما يدفع باتجاه نهاية تعيسة يسهل توقعها، ليست بسبب عنفه ضد زوجته وإنما نتيجة جرائمه الأخرى التي يعاقب عليها القانون الذي لا يعترف حتى الآن بجرائم العنف المنزلي.
هناك امرأة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف على يد شريكها الحميم، وبالتالي من المستحيل أن يقتصر ارتكاب العنف المنزلي على فئة محددة من الذكور، لأن ذلك يتعارض مع حقيقة أن عنف الرجل ضد زوجته تحديدًا ثقافة مقبولة مجتمعيًا، يمارسه بغض النظر عن خلفيته أو طبقته الاجتماعية أو وضعه المهني.
علاوة على ذلك، أراد صناع العمل أن يقدموا مبررات لما يرتكبه مدحت من عنف بحق زوجته، فوضعوا على لسانه سردًا يعود به إلى طفولته حين كان يعاني من قسوة أبيه، وقد وظف المؤلف كلماته المروية بأسى ضمن حديث مع زوجته التي يمارس بحقها شتى أنواع العنف، لتصبح المُعنفَة هي من يربت على يد معنفها.
التكريس لهرمية الأسرة
الأب عنصر أساسي والأم على الهامش أو غائبة في حياة الشخصيات الرئيسة، سواء ملك وشقيقتها مريم أو ريهام أو زياد.
الأب في حياة ملك ومريم هو من يملك سلطة القرار، هو الذي يتحدث وتؤكد كلامه الأم أو تكتفي بالإنصات له، وهو الذي تلجأ إليه ابنتاه قبل أمهما، وهو مصدر الأمان والحماية لهما، وهو من يتدخل لحل مشكلاتهما، بينما الأم تتبعه.
في المقابل، تظهر الأم في أغلب الوقت في مساحة مغلقة هي المنزل، وإذا ظهرت خارجه، تكون بصحبة زوجها أو إحدى بناتها، بما يعكس التزامًا بالتقسيم التقليدي للأدوار الجندرية.
أما شخصية ريهام فتتمركز حياتها حول شخصين هما زياد ووالدها الذي يساندها بالقوة الناجمة عن مال ونفوذ، وقد يرتكب جرائم حتى يرضى ابنته الوحيدة ويحقق لها ما تتمناه.
كما تتلاشى الأم في حياة زياد، ويمكن استنباط وفاتها قبل هذه المرحلة التي يتناولها المسلسل، ولذلك يتمتع الأب بحضور بارز في حياة البطل على الرغم من أن وجوده يبدو مقحمًا، فهو شخصية أحادية البعد، ردود أفعاله شبه ثابتة، وعادةً ما يكتفي بالمشاهدة والاستماع لما يفعله ويقوله ابنه.
وهكذا تأتي الشخصيات الثلاث لتصب في اتجاه التأكيد على قدسية الحضور الأبوي، الذي تختل في غيابه الموازين وتتعطل الحيوات.
هذا ما رأيناه في مسلسل «فرصة تانية» بعد أسبوع من عرضه، ونعتقد أن الأحداث ستمضي على هذا النسق الذكوري، خاصة أن كثيرًا منها يمكن توقعه في ظل نمطية القصة.