انطلق موسم الدراما الرمضانية لهذا العام بمشاركة 26 مسلسلًا مصريًا بعد أن كان من المنتظر أن يتعدى العدد ثلاثين مسلسلًا، إلا أن أزمة تفشي فيروس كورونا ألقت بظلالها على الإنتاج الدرامي وحالت دون دخول مجموعة من هذه المسلسلات إلى سلة العرض الرمضانية، وذلك بعد أن استجاب عدد قليل من صناع الدراما إلى توّصيات التباعد الجسدي، وأوقفوا التصوير لفترة أو اضطروا إلى إلغاء تصوير المشاهد المتضمنة لتجمعات كبيرة، ومنهم من أرغمته المستجدات على تعطيل التصوير بسبب تضمن السيناريوهات لمشاهد يتعين تصويرها في بلدان أخرى، وهو أمر يستحيل حدوثه في ضوء إيقاف السفر من وإلى مصر في الوقت الراهن.

من بين المسلسلات التي لم يسعفها الحظ للمشاركة في هذا الموسم، مسلسل «ليه لأ» الذي يسجل حضورًا نسائيًا في الموقعين الرئيسين في صناعة العمل وهما التأليف والإخراج، فهو من تأليف الكاتبة مريم نعوم التي لم تغب عن مواسم الدراما الرمضانية خلال السنوات العشر الأخيرة، وفي أكثر من موسم كانت هي الاسم النسائي الوحيد الذي يظهر في خانة كتاب المسلسلات. أما مخرجة هذا العمل فهي مريم أبو عوف التي تعود إلى الدراما بعد آخر مشاركة لها في العام 2014، عندما قدمت مسلسل «إمبراطورية ميم» لمؤلفته غادة عبد العال، والذي كان من بطولة الممثلة هند صبري التي تغيب عن الموسم الحالي اضطراريًا، بعد أن تم تأجيل تصوير مسلسلها الجديد «هجمة مرتدة» بسبب فيروس كورونا المستجد.

عدد المسلسلات التي يسجلها الموسم الحالي يزيد عن الموسم الماضي بمسلسل واحد، حيث شهد الموسم السابق منافسة 25 مسلسلًا، بالإضافة إلى إعادة عرض مسلسل صدر في العام 2018 على قناة غير مصرية، بينما شهد موسم العام 2018 مشاركة 30 مسلسلًا، وفيما بين العامين 2015 و2017، كان الإنتاج الدرامي في مصر يكسر حاجز الثلاثين مسلسلًا للموسم الرمضاني الواحد.

لماذا من المهم أن نرصد الحضور النسائي؟

عملية رصد المشاركة النسائية في صناعة الدراما مهمة إلا أنها ليست كل شيء، وبالطبع لا تشكّل الزيادة في حجم الحضور ضمانة لخروج دراما ذات طابع نسوي.

لكن تظل الأرقام ذات دلالات وإشارات، خاصة فيما يتعلق بمدى تمكين النساء داخل صناعة الدراما التي يسطو عليها الرجال، وهو  أمر تتضافر عوامل عديدة لاستمراره؛ من بينها تفضيل شركات الإنتاج التعاون مع المخرجين الذكور، وهو اتجاه عام في صناعة الدراما التلفزيونية والسينمائية في العالم وليس قاصرًا على الصناعة في مصر، فعلى سبيل المثال أصدرت شركة «وارنر برذرز- Warner Bros» الأمريكية 22 فيلمًا في العام 2019 كان من بينها خمسة أفلام فقط من إخراج نساء، بينما أصدرت شركة «برامونت بيكتشرز – Paramount Pictures» أحد عشر فيلمًا في العام نفسه، لم يكن من بينها أي فيلم من إخراج امرأة.

بالإضافة إلى ذلك، تُعسّر الثقافة المجتمعية على النساء الدخول إلى عالم الدراما، أو تؤدي إلى تعرّض من يقتحمنه إلى إساءات مضاعفة، في ظل إشاعة أفكار تربط عمل النساء في مجال الإبداع الفني بالانحلال. ولكل ذلك تبعاته على حضور النساء كصانعات للأعمال الدرامية في مصر.

تحظى الدراما المصرية لا سيما المنتجة للعرض خلال شهر رمضان، بمشاركة محدودة للنساء خلف الكاميرا، وتظل هذه المشاركة أقرب إلى الثبات منها إلى النمو، فالأسماء النسائية التي تشارك في المواقع الرئيسة، ومنها الإخراج والكتابة وإدارة التصوير والمونتاج والإنتاج، هي شبه ثابتة ونادرًا ما يضاف إليها اسم جديد.

ثلاث مخرجات في مقابل 22 مخرجًا بنسبة مشاركة 11.5 في المئة

«القمر آخر الدنيا».. العمل الوحيد الذي تضطلع النساء بكتابته وإنتاجه

خلال العشرة أعوام الأخيرة، تأرجحت مشاركة المخرجات في دراما رمضان ما بين واحدة إلى ثلاث على الأكثر في الموسم الواحد، إذ شهد العام الماضي مشاركة شيرين عادل فقط بعد انسحاب كاملة أبو ذكري من مسلسل «زي الشمس»، وقد شاركت عادل بعملين في الموسم نفسه وهما «شقة فيصل» و«هوجان». وفي موسم العام 2018، شاركت هالة خليل بمسلسل «بالحجم العائلي» وتغريد العصفوري بالمسلسل الكوميدي «واكلينها والعة»، وفي موسم العام 2017، شاركت كاملة أبو ذكري بـ«واحة الغروب» ومريم أحمدي بمسلسل «الحرباية»، بعد أن خلا موسم رمضان للعام 2016 من مشاركة المخرجات.

كاملة أبو ذكري واحدة من أكثر المخرجات مشاركة في الدراما الرمضانية خلال السنوات الأخيرة، إذ شاركت في العام 2013 بمسلسل «ذات»، ثم في العام 2014 بمسلسل «سجن النسا»، وفي العام 2017 بمسلسل «واحة الغروب»، وكان من المفترض أن تشارك في موسم العام 2019 بمسلسل «زي الشمس» إلا أنها انسحبت بعد تصوير عدد من الحلقات، وتعود لتشارك هذا العام بمسلسل «بـ100 وش».

وعلى غرار «واحة الغروب»، ينتمي مسلسل «بـ100 وش» إلى مسلسلات البطولة الثنائية التي يجتمع فيها بطلين على نفس درجة النجومية، ويكون لهما مساحة متساوية من الحضور والتأثير في الأحداث.

تجمع أبو ذكري في مسلسل «بـ100 وش» نيللي كريم وآسر ياسين معًا، ويعد هذا المسلسل ثالث تعاون تلفزيوني بين نيللي كريم وكاملة أبو ذكري وخامس تعاون فني بينهما، إذ جمعهما مسلسلي «ذات» و«سجن النسا»، وفيلمي «واحد صفر» و«يوم للستات».

في مسلسلاتها السابقة، عُرِفت كاملة أبو ذكري بتفضيلها العمل مع فريق محدد من النساء في عدد من المواقع الرئيسة خلف الكاميرا، وهن السيناريست مريم نعوم، ومديرة التصوير نانسي عبد الفتاح، إلا أن الأسماء الثلاثة لم تجتمع في عمل واحد هذا العام.

وتبرز في الأعمال السابقة لهذا الفريق ومنها مسلسل «سجن النسا»، معالجة المظاهر والتجليات الذكورية في المجتمع عبر رؤية نقدية مقاومة ليست مهادنة أو محتفية.

إلى جانب كاملة أبو ذكري، تشارك إيمان حداد في الموسم الحالي بمسلسل «جمع سالم» الذي كتبه السيناريست محمد ناير، وتقوم بأدوار البطولة فيه زينة، ودلال عبد العزيز، وسلوى خطاب.

وتتعاون إيمان حداد مع زينة في هذا المسلسل، بعد تعاون سابق بينهما في مسلسل «زواج بالإكراه» الذي عرض في العام 2015، وهو ثالث مسلسل تخرجه إيمان حداد، حيث كان باكورة أعمالها الدرامية مسلسل «قصة حب» الذي صدر في العام 2010، وكتب قصته مدحت العدل، وجسد دوري البطولة فيه بسمة وجمال سليمان.

كما تقدم المخرجة تغريد العصفوري هذا العام الجزء الثاني من المسلسل الكوميدي «واكلينها والعة».

وهكذا تضم قائمة مخرجي أعمال هذا الموسم ثلاث مخرجات، بينما يصل عدد المخرجين المشاركين في هذا الموسم إلى 22 مخرجًا، إذا استبعدنا اسم المخرج هاني خليفة الذي انسحب من مسلسل «لعبة النسيان» ليستكمل المخرج أحمد شفيق المهمة، وبالتالي فإن نسبة المخرجات المشاركات في هذا الموسم تبلغ نحو 11.5 في المئة فقط.

على صعيد الكتابة، تشارك في هذا الموسم ثناء الهاشم بمسلسل «القمر آخر الدنيا»، المأخوذ عن رواية «طعم الحريق» للكاتب محمود الورداني، وهذه هي تجربتها الأولى في الكتابة للدراما التلفزيونية، بعد تجارب سابقة في كتابة السيناريو لعدد من الأفلام التسجيلية والقصيرة.

ثناء الهاشم أكاديمية بالأساس، حيث تشغل منصب أستاذ مساعد بقسم السيناريو بالمعهد العالي للسينما في أكاديمية الفنون.

في العمل ذاته، تقوم السيناريست عبير سليمان بالـ«دراماتورج»، وهي وظيفة ترتكز على وضع إطار عام لتحوّيل العمل الأدبي إلى درامي، من دون الإخلال بالنص الأصلي.

الاسم النسائي الوحيد بين منتجي مسلسلات هذا الموسم هو شيرين مجدي، التي تنتج هذا المسلسل عبر شركتها «ستارز ميديا»، وبذلك يكون «القمر آخر الدنيا» هو الوحيد بين المسلسلات المعروضة خلال شهر رمضان الجاري، الذي تشغل النساء فيه أكثر من موقع رئيس من مواقع صناعته.

مسلسل «القمر آخر الدنيا» من إخراج تامر حمزة، وهو من مسلسلات البطولة الجماعية حيث يضم بشرى، وثراء جبيل، ومؤمن نور، وهشام اسماعيل، ومادلين طبر، وسميرة عبد العزيز.

سبع مسلسلات تسـتأثر ببطولتها النســاء

والتيار الغالب مسلسلات تحتفي بالجسد والعنف الذكوريين

يبلغ عدد المسلسلات ذات البطولة النسائية المطلقة سبع مسلسلات، وهي «لعبة النسيان» من بطولة دينا الشربيني، و«فرصة تانية» لبطلته ياسمين صبري، و«سلطانة المعز» لغادة عبد الرازق، و«جمع سالم» لزينة، و«ونحب تاني ليه» لياسمين عبد العزيز، بالإضافة إلى «خيانة عهد» الذي تتصدر بطولته يسرا، الممثلة الأكثر مشاركة في سباقات الدراما الرمضانية منذ التسعينيات، وهي واحدة من أكثر نجوم الدراما نجاحًا وشعبية على مدار ثلاثة عقود، ويتميز مسلسلها الجديد بحضور نسائي لافت في أدوار البطولة، إذ يشارك معها حلا شيحة وجومانا مراد وعبير صبري وهنادي مهنى.

أما مسلسل «سكر زيادة»، فتدور أحداثه حول أربع سيدات تجبرهن الظروف على الإقامة في البيت نفسه، ويختبرن سويًا مواقف مختلفة في إطار كوميدي، ويعد إنتاج هذا المسلسل إنجازًا في حد ذاته، إذ أنه أول عمل فني على الإطلاق يجمع النجمتين نادية الجندي ونبيلة عبيد.

بشكل استثنائي كانت الجندي وعبيد مصدر تهديد للسيطرة الذكورية على السينما التجارية على مدار عشرين عامًا تقريبًا، خلال الثمانينيات والتسعينيات، وكانت أفلامهما تحقق إيرادات ضخمة، مكنتهما من كسر السطوة الذكورية على شباك التذاكر.

وفضلًا عن مسلسل «القمر آخر الدنيا»، يأتي تحت مظلة مسلسلات البطولة الجماعية، مسلسل «ليالينا 80» الذي يتشارك في بطولته غادة عادل وصابرين وأياد نصار وخالد الصاوي، ومسلسل «لما كنا صغيرين» الذي يشارك فيه محمود حميدة وخالد النبوي وريهام حجاج، والمسلسل الكوميدي «ونسني» الذي يقوم بأدوار البطولة فيه أحمد سلطان، ومحمود الليثي، وسارة درزاوي، وبسنت شوقي، وحازم إيهاب.

دون ذلك، تبرز البطولة الذكورية المطلقة في بقية الأعمال التي ينتمي أغلبها إلى فئتين هما الحركة والكوميديا، وفي الفئة الأولى نجد مسلسل «البرنس» من بطولة محمد رمضان، ومسلسل «الفتوة» من بطولة ياسر جلال، ومسلسل «الاختيار» لأمير كرارة، ومسلسل «النهاية» ليوسف الشريف، ومسلسل «شاهد عيان» لحسن الرداد، وهذه الأعمال– حسب ما ظهر في الإعلانات الترويجية لها- تحتفي بالجسد الذكوري وتطبع مع العنف الذكوري، وتكرّس لاقتران الذكورة بالفحولة والعنف، وهو نسق انتقل من سينما الأكشن إلى التلفزيون، ليذكي التصوّرات الذكورية بشأن الرجولة المُحبّذة مجتمعيًا.

أما جعبة المسلسلات الكوميدية، فيملؤها مسلسل «فالانتينو» من بطولة عادل إمام، ومسلسل «اللعبة» لشيكو وهشام ماجد، ومسلسل «رجالة البيت» من بطولة أحمد فهمي وأكرم حسني، ومسلسل «اثنين في  الصندوق» من بطولة أوس أوس وحمدي المرغني، ومسلسل «عمر ودياب» من بطولة علي ربيع ومصطفى خاطر، ومسلسل «ولاد إمبابة» من بطولة سعد الصغير وعمرو رمزي ومصطفى أبو سريع.

ويبدو جليًا السيطرة الذكورية على المسلسلات الكوميدية التي تُظهِر إعلاناتها الترويجية وأفيشاتها وحلقاتها الأولى (بدأ عرض بعضها قبل انطلاق شهر رمضان بأيام) أن النساء على هامش الأحداث التي تدور بشكل أساسي حول الرجال، وأنهن موضع سخرية وتهكم.

هذه نظرة على الحضور النسائي في الدراما الرمضانية للعام 2020 وما تشي به الإعلانات الترويجية لمسلسلات هذا الموسم، وهي خطوة لا بد منها قبل النظر في المضمون وما تحمله هذه الأعمال من خطابات سواء بارزة على السطح أو خفية.