ليس بجديد: أغانٍ سبقت «سالمونيلا» إلى استخدام الخطاب الذكوري المُزدري
كتبت: ريهام غريب
فتح العام الجديد أبوابه في ظل حماس وشغف كبيرين، لا سيما أنها بداية عقد جديد حيث تتجدد الآمال وتتوهج الأحلام. لكن للأسف جاءت الساعات الأولى في العام 2020 محبطة للنساء المصريات، وأشاعت حالة من الخوف بين كثير منهن، بعد أن ذاع على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مُفزع يوثق حادثة تحرش جماعي بفتاتين في مدينة المنصورة، بالتزامن مع انتشار أغنية تستخف بالعنف الذي يواجهنه، إذا ما قلن كلمة «لا» للذكور الذين يتعاملون مع رفض النساء لهم ولرغباتهم، باعتباره إهانة تستوجب رد فعل قاسٍ وغليظ.
مع بداية هذا العام صدرت أغنية «سالمونيلا»، أو «عشان تبقي تقولي لأ» مثلما فضّل مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي تسميتها. «عشان تبقى تقولي لأ» هي الجملة الأكثر تكرارًا في الأغنية التي حققت خلال الأسبوع الأول بعد صدورها، ما يقترب من 8 ملايين مشاهدة على موقع يوتيوب، ومن غير المعلوم ما إن كان سبب انتشار الأغنية بهذا الاسم هو إعادة ترديد الجملة أكثر من مرة على لسان مغنيها، أم لأن هذه العبارة التهديدية تحديدًا لاقت صدى في نفوس كثير من المستمعين.
أغنية «سالمونيلا» يؤديها مخرج الإعلانات تميم يونس، الذي عُرِف مؤخرًا بتقديمه لمحتوى ساخر، ومن نفس المنطلق – حسب ما أعلنه شخصه – أراد تقديم أغنية تسخر من الرجال المعنفين الذين يتوعدون النساء إن رفضن عروضهم بالارتباط أو الزواج. لكن الأغنية التي زعم يونس أنها تريد التهكم على هؤلاء الرجال جاءت تستهين بالعنف والإرهاب الذين تتعرض لهما النساء في هذه المواقف.
تحوّلت جملة «عشان تبقي تقولي لأ» التي يقولها يونس في أغنيته بصوت أجش ونبرة تهديد مصحوبة بتعبيرات وجه متجهم، إلى واحدة من أكثر الجمل تداولًا على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية، بعد أن وُضِعت في سياق مبتذل يقلل من وطأة الإرهاب والتخويف الذين تتعرض لهما المرأة إن أعلنت رفضها لرجل، وقد يتبعهما عنف جسدي.
سوّغت الأغنية الاستهزاء بمعاناة النساء إن أعلن رفضهن لأي شيء يقف وراءه الرجل، وجاءت لتنضم إلى سلسلة طويلة من الأغاني المصرية التي تحرّض على العنف ضد النساء وتحط من شأنهن وتضفي طبيعية على قمعهن.
ترى عزة كامل الناشطة النسوية ومديرة مركز ACT، أن النساء في مصر يعشن معاناة أبدية مع الفنون على اختلافها، ويخضن معارك مستمرة احتجاجًا على الأدوار النمطية التي تحصرهن فيها هذه الفنون.
وتضيف كامل في تصريح لـ«ولها وجوه أخرى» أن الترويج للعنف ضد النساء في الأعمال الفنية يستخدمه الصنّاع لتحقيق الانتشار الشعبوي، وهو ما يعرقل الأعمال التي تسعى إلى إحداث تغيير مجتمعي، وتعمد إلى رفع الوعي بحقوق النساء، خاصة أنها تمثّل نسبة ضئيلة من الإنتاج الفني بالمقارنة مع نظيرتها التي تسيء إليهن وتحرّض على العنف ضدهن.
هذا النمط من الأغاني التي تنضح بخطاب ذكوري استعلائي، وتبث كراهية ضد النساء، وتدني من أحقيتهن في تقرير ما يردن مثلما يحق للرجال، يبدو محبذًا لدى صانعي المحتوى الموسيقي عمومًا، سواء كانوا من صنّاع الأغاني الحديثة الأقرب للغربية أو ما يسمى بأغاني المهرجانات الشعبية. وللأسف، فإن هذه الأغنيات في أغلب الأحيان تحقق رواجًا يشجع آخرين على أن يلحقوا بالركب.
أغنية «واحدة تانية خالص»
في العام 2013، صدرت أغنية «واحدة تانية خالص» للممثلة والمغنية دنيا سمير غانم، وقد عكست كلماتها حالة استسلام كلية تعيشها فتاة في علاقتها مع شريكها الذي يتحكم في شتى أمور حياتها.
وفي جزء منها تقول:
ده أنا بقيت بلبس على كيفه
مابقولش لا على حاجة بيعوزها
وبقيت بشوف كل اللي بيشوفه
والتعليمات بالحرف أنفذها
ما هو خلاص سيطر على حياتي
ومفيش ولاد غيره بكلمهم
لا وكمان بينقى صاحباتي
تؤكد كلمات الأغنية على سعادة الفتاة بهذه الحالة، وقد اصطبغ اعترافها بإطاعة حبيبها في كل شيء، برومانسية تجعل من الرضوخ والانصياع أمور حميدة. كما تكرّس الأغنية إلى التصوّر النمطي بأن تبعية المرأة للرجل هي أساس العلاقة بينهما.
أغنية «سي السيد»
في العام 2013 أيضًا، صدرت أغنية «سي السيد» للمغني تامر حسني، وهي أغنية تجل من التسلط الذكوري، وتحتفي بالرجل الذي يريد أن يُخضِع شريكته له تمامًا ويتحكم في جميع تفاصيل حياتها.
كما تظهر المرأة في الأغنية، كزوجة سطحية تكثر من الصراخ بسبب أو من دون ذلك، وهي صورة أخرى من الصور النمطية التي عمدت المنتجات الفنية المصرية على اختلافها إلى ترسيخها.
ومن كلمات الأغنية:
أنا اللي أقول تعملي إيه
أنا اللي أقوله تمشي عليه
زى مثلًا كده يا حبيبتى تلبسي إيه وما تلبسيش ايه
إياك مرة في يوم أنا ألاقي
رجعالي متأخرة يا حياتي
أنتِ فاهمه إيه اللي هيحصل وطبعًا أنتِ عارفه الباقي
قوبلت هذه الأغنية بنجاح كبير، وتظل حتى الآن واحدة من أشهر أغاني تامر حسني على الإطلاق.
أغنية «ليس لها ماضي»
قدمت فرقة «بلاك تيما» في العام 2015، أغنية بعنوان «ليس لها ماضي»، تحكي كلماتها قصة رجل يريد الزواج من امرأة لم يسبق لها إقامة علاقات مع رجال آخرين، وتنطلق الأغنية من قناعة ذكورية بأن المرأة لا تزيد عن كونها بضاعة تباع وتشترى، إذ تقول كلماتها:
عايز واحدة ليس لها ماضي
شوفولي واحدة ليس لها ماضي
والنبي واحدة ليس لها ماضي
كل ما أقابل واحدة يا ناس
ألاقي اللي قبلي عدى وداس
أقولها يا بنت الناس
تقولي متبقاش حساس
هاسيبها أنا مش عايز احتاس
الكلمات تنزع عن النساء أحقيتهن في إقامة علاقات متعددة قبل الزواج وخارج منظومته، وبوضوح توصم من يفعلن ذلك بالفسق، وتجعل الرجل الراغب في الزواج – بالطبع من امرأة ترضي غروره الذكوري – في ورطة بعد أن أصبحت كثير من النساء ذوات «ماضٍ» مثله.
أغنية «ولا أي اندهاش»
قدم المغني مصطفى محفوظ أغنية «ولا أي إندهاش» في العام 2013، والتي يقول في جزء منها:
والله كبرتي وبقى ليكِ رأي كمان في طريقتي
وجاية عليا بتتفرعني .. دا أنتِ اتجننتي!
لو ناسية الماضي أنا ليا مزاج أبعتلك صورك بس في تاج
شوفي نفسك قبل كده بسنتين والله تتخضي ما تعرفي مين
هفكرك أنت كنتِ فين
تسيطر على الأغنية لهجة احتقار وإزدراء، يوجه بها رجل كلامه إلى من يُفترَض أن تكون حبيبته، فيذكّرها بأنه سبب ارتقائها بعد أن كانت تعاني من تدنٍ في المستوى الاجتماعي والثقافي.
تنبثق الأغنية التي تكتسي عدائيةً شديدةً عن استهانة بالمرأة، وإيمان بأن الرجل هو صاحب الفضل عليها في كل وقت.
أغنية «الراجل»
قدم المغني رامي صبري في العام 2017، أغنية بعنوان «الراجل»، ويمكن إيجاز فكرتها في «الدفاع عن التفوق الذكوري»، وقد حققت هذه الأغنية نجاحًا لافتًا وقت صدورها.
باستعلاء واضح في كلماتها، تدعو الأغنية النساء إلى الإذعان للرجل والامتثال إلى أوامره، وإلا سيخسرن الذكر المُعظّم الذي تتجسد فيه كل المزايا.
وتقول كلمات أحد المقاطع:
لما الراجل يتكلم الست ماتعندش معاه
متقولوش حاضر في كلام يتقال تاني يوم تنساه
تفهمه وتقدر قيمته لو عايزه تكمل وياه
ما هي لو بتعامله بطيبة وحنية وحب وإخلاص
تاخد عينه وتدلع ويصونها وتتشال ع الراس
وقت ما تغلط تتحاسب يسامحها على أي أساس
تحمل كلمات الأغنية تحذيرًا وتوجيهًا للمرأة، بينما تبرر للرجل كل قبح قد يرتكبه، بدعوى أنها هي التي تثير حفيظته وتدفعه إلى ممارسة العنف بحقها.
جاءت أغنية «سالمونيلا» لتنضم إلى القائمة التي تحتوي على أغانٍ أكثر من المشار إليها بالتأكيد، ويقينًا ستظل تستقبل أعمالًا غنائية تضاعف العثرات التي تحول دون تغيير الثقافة المجتمعية القائمة، وتقوّض بشكل أو بآخر تفكيك الهيمنة الذكورية.