تسلسل زمني: تمثيل النساء في البرلمان المصري منذ دخولهن إليه وحتى نهاية القرن العشرين
جنت المصريات ثمار نضال نسوي استمر لما يزيد عن 35 عامًا، عندما أقر الدستور الصادر في العام 1956 حقهن في الترشح والانتخاب، وتبعه صدور قانون مباشرة الحقوق السياسية رقم 73 لسنة 1956، الذي شرعن هذا الحق وقادهن إلى دخول البرلمان عبر الانتخابات التي أجريت في العام التالي.
لكن الدخول إلى البرلمان لم يكن سوى بداية لنضال آخر، من أجل تعزيز مشاركتهن السياسية وتحقيق التمثيل العادل داخل المجلس التشريعي، بما يضمن حقهن في صناعة السياسات العامة لبلادهن.
هذا النضال اقطتفنا مرحلة منه، وتتبعنا مكاسب وخسائر النساء خلالها:
العام 1958
بعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا في الـ5 من فبراير من العام 1958، تم حل مجلس الأمة المصري الذي لم يكن قد مر على انتخابه سوى شهور، لينتهي سريعًا أمر أول برلمان منتخب بعد ثورة\حركة يوليو 1952، وأول برلمان مصري تدخل إليه النساء كنائبات، بنسبة بلغت نحو 0.6 في المئة، بعد فوز راوية عطية وأمينة محمد في الانتخابات التي أجريت في يوليو من العام 1957، ليكونا السيدتين الوحيدتين في برلمان قوامه 342 نائبة ونائب.
العام 1960
بعد عامين من إعلان الوحدة، وحل مجلس الأمة المصري ومجلس النواب السوري، أصدر الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي أضحى رئيس الجمهورية المتحدة، قرارًا بتشكيل مجلس الأمة الاتحادي أو ما عُرف بـ«برلمان الوحدة»، الذي تكوّن من 600 عضوة وعضو، ينقسمون إلى 400 من مصر و200 من سوريا. وقد اختار رئيس الجمهورية المتحدة نصف الأعضاء من المجلسين السابقين المصري والسوري، وعين النصف الآخر.
وقد عيّن عبد الناصر خمس سيدات مصريات في مجلس الأمة الاتحادي الذي بدأ انعقاده في يوليو من 1960، بينما مُثّلت سوريا بسيدتين.
العام 1964
بعد حل الوحدة بين مصر وسوريا في سبتمبر من العام 1961، لم تنعقد انتخابات تشريعية حتى العام 1964 بعد أن صدر دستور مصري مؤقت، أجريت على أساسه الانتخابات البرلمانية في شهر مارس.
انتخب الشعب المصري برلمانه الجديد، الذي بلغ عدد نوابه 350 نائبة ونائبًا منتخبين و10 أعضاء مُعينين من جانب رئيس الجمهورية. وقد بلغت نسبة التمثيل النسائي في هذا البرلمان 2.2 في المئة، إذ فازت ثماني مرشحات هن: مفيدة عبد الرحمن عن دائرة الأزبكية، وألفت كامل عن دائرة الجمالية، وكريمة العروسي عن دائرة الموسكي، ونوال عامر عن دائرة السيدة زينب، وبثينة الطويل عن الدائرة الخامسة في الإسكندرية، وفاطمة دياب عن دائرة شبين القناطر، وعائشة حسنين عن دائرة الفيوم، وزهرة رجب عن دائرة الجيزة- الهرم.
العام 1969
تشكّل البرلمان الرابع بعد ثورة\حركة يوليو 1952، في يناير من العام 1969، وأسفرت انتخاباته عن تمثيل نسائي أضعف من سابقه، بلغ نحو 0.8 في المئة، بعد أن حصدت النساء مقعدين فقط عبر الانتخاب، وعيّن رئيس الجمهورية عضوةً ثالثة وهي المحامية مفيدة عبد الرحمن.
مفيدة عبد الرحمن من أوائل النساء اللاتي تخرجن في كلية الحقوق، بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا)، وواحدة من المحاميات الأوليات في مصر والعالم العربي.
العام 1971
انعقدت أول انتخابات برلمانية، في عهد الرئيس المصري محمد أنور السادات في أكتوبر من العام 1971، وقد تغيّر اسمه حينها من مجلس الأمة إلى مجلس الشعب، وانعقدت أولى جلساته في الـ11 من نوفمبر في العام نفسه.
ظلت نسبة تمثيل النساء محدودة في هذا البرلمان، فلم تتجاوز الـ 2.2 في المئة، وهي التي سبق أن حققنها في برلمان العام 1964، إذ فازت سبع سيدات عبر الانتخاب المباشر، بينما عيّن رئيس الجمهورية امرأة واحدة من بين عشرة مُعينين وهي أستاذة القانون ليلى تكلا، لتحصد النساء في النهاية ثمانية مقاعد من أصل 360 مقعدًا في هذا المجلس.
العام 1976
أجريت في شهر نوفمبر انتخابات مجلس الشعب، الذي كان من المزمع انعقاده فيما بين العامين 1976 و1981، وفازت أربع مرشحات وعيّن رئيس الجمهورية سيدتين، لتنخفض نسبة التمثيل مجددًا، وتحقق النساء ما يقترب من 1.7 في المئة.
جدير بالذكر أن هذا البرلمان لم يكمل مدته المقررة، إذ اتخذ رئيس الجمهورية آنذاك محمد أنور السادات، قرارًا بحله في إبريل من العام 1979، نتيجة اعتراض بعض النواب على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، التي كان قد وقعها السادات في الـ26 من مارس في العام نفسه.
العام 1979
في شهر إبريل، جرى تعديل بعض أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، وصدر القانون رقم 21 لسنة 1979 بتعديل أحكام قانون مجلس الشعب وقانون تحديد الدوائر الانتخابية. وبموجب القانون الجديد، طبقت مصر لأول مرة نظام الكوتا النسائية، بعد أن نص على تخصيص ثلاثين مقعدًا للنساء، ولم يسمح للرجال بالتنافس على هذه المقاعد، بينما سمح لهن بالتنافس مع الرجال على المقاعد الأخرى.
وقد حفّز ذلك نحو 200 امرأة للترشح في الانتخابات التي انعقدت في شهر يونيو، لتحصد النساء 33 مقعدًا عبر الانتخاب، فضلًا عن تعيين سيدتين أخريين، ليرتفع التمثيل النسائي في البرلمان المصري لأول مرة إلى 35 نائبة من أصل 390 نائبًا، وتقترب النسبة من 9 في المئة.
العام 1980
تأسس مجلس الشورى ليكون مجلسًا استشاريًا وغرفة ثانية للبرلمان إلى جانب مجلس الشعب، وذلك بعد أن أفضت نتائج الاستفتاء على تعديلات الدستور المصري، الذي انعقد في مايو من العام 1980، إلى موافقة الناخبات والناخبين على استحداث هذا المجلس.
تلى ذلك صدور القانون رقم 120 لسنة 1980 في شأن مجلس الشورى، والذي نص في جزء من مادته الثانية على «وفي جميع الأحوال يجب أن تتضمن كل قائمة مرشحًا من النساء على الأقل.»
أجريت الانتخابات في شهر أكتوبر، وضم المجلس المُستحدث 270 عضوة وعضوًا، جرى انتخاب ثلثيهم وعيّن رئيس الجمهورية آنذاك الثلث الآخر. ومن بين هذا العدد، حصدت النساء سبع مقاعد فقط، بعد أن فازت اثنتان عبر الانتخاب المباشر وعيّن رئيس الجمهورية خمس أخريات، ومن أبرز نائبات هذه الدورة؛ الصحافية أمينة السعيد رئيسة تحرير مجلة حواء، والإعلامية همّت مصطفى التي شغلت منصب رئيس التلفزيون المصري خلال العام 1980.
العام 1983
في شهر أغسطس، صدر القانون رقم 114 لسنة 1983، الخاص بتعديل بعض أحكام القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، وخصصت التعديلات حصة محددة من مقاعد المجلس للنساء، إذ جاء في المادة الثانية «يتعين أن تتضمن كل قائمة في الدوائر الإحدى والثلاثين المبينة بالجدول المذكور، عضوًا من النساء بالإضافة إلى الأعضاء المقررين لها مع مراعاة نسبة العمال والفلاحين.»
العام 1984
انعقد الاستحقاق التشريعي في يونيو من العام 1984، وأجريت الانتخابات بنظام القوائم النسبية. وبسبب الكوتا النسائية التي حددها القانون رقم 114 لسنة 1983، انتزعت النساء 31 مقعدًا، إلى جانب خمس مقاعد أخرى خارجها، ليحققن إجمالًا 36 مقعدًا من أصل 448 مقعدًا، أي ما يمثل نحو 8 في المئة.
العام 1987
في شهر فبراير، أصدر الرئيس المصري آنذاك محمد حسني مبارك، قرارًا بحل مجلس الشعب ودعوة الناخبات والناخبين لانتخاب أعضاء جدد، وذلك استباقًا لحكم المحكمة الدستورية في الطعن المُقدم إليها في ديسمبر من العام 1984، بشأن دستورية بعض مواد قانون الانتخاب.
وبناءً على القرار، أجريت الانتخابات في شهر إبريل، قبل أن تصدر المحكمة الدستورية العليا حكمها بعدم دستورية ثلاث مواد من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب، المُعدّل بالقانون رقم 114 لسنة 1983، والذي انتُخب على أساسه المجلس، نظرًا لعدم تحقق شرط تكافؤ الفرص والمساواة بين المواطنين التي يُقرّها الدستور المصري، إذ أن القانون أعمل نظام القوائم الحزبية في الانتخابات، ليُقصِر الترشح على الحزبيين ويحرم المستقلين من هذا الحق.
وفي محاولة لتفادي تكرر الأزمة وبهدف تجاوز الإشكالية، جرت انتخابات مجلس الشعب الجديد بنظامي القائمة النسبية والفردي معًا، بعد إلغاء الكوتا النسائية.
أثّر إلغاء المقاعد المخصصة للنساء سلبًا وانخفض التمثيل في هذا البرلمان عن سابقه، إلا أن القوائم النسبية ساهمت في تمكين 14 سيدة من الفوز، كما عيّن رئيس الجمهورية أربع أخريات، ليصبح عددهن الكلي 18 من أصل 458 عضوة وعضوًا، أي ما يعادل نسبة تمثيل تصل إلى 3.9 في المئة.
العام 1990
لم يكمل أيضًا مجلس النواب المنتخب في العام 1987 مدته، بعد حكم آخر أصدرته المحكمة الدستورية العليا في مايو من العام 1990، يقضي بعدم دستورية بعض مواد قانون الانتخابات رقم 38 لسنة 1972 الخاص بمجلس الشعب، والمُعدّل بالقانون رقم 188 لسنة 1986، لأن التعديلات أدت إلى غياب تكافؤ الفرص بين المرشحين المستقلين ومرشحي القوائم الحزبية، فتم حل المجلس بقرار من رئيس الجمهورية في أكتوبر، وأجريت انتخابات المجلس التالي في شهر نوفمبر، استنادًا إلى قانون انتخابات جديد يعتمد على نظام الانتخاب الفردي فقط.
لم يعد للنساء فرصة في كوتا أو في قوائم حزبية، وخضن معركتهن في ظل نظام لا يضمن لهن المنافسة على قدم المساواة مع نظرائهن الذكور، خاصة أن المال السياسي والولاءات القبلية تزيد قوتهما مع تطبيق النظام الفردي، ولا يتستفيد منهما عادةً سوى الرجال.
أدت هذه الانتخابات إلى تمثيل نسائي ضئيل، حيث فازت النساء بسبعة مقاعد وعين رئيس الجمهورية ثلاث أخريات، ليحققن عشرة مقاعد فحسب في هذه الدورة، التي بلغ العدد الكلي لنوابها 454 نائبة ونائب، وبذلك عادت النساء إلى نسبة الـ 2.2 في المئة، التي تحققت في برلماني 1964 و1971.
العام 1995
أجريت انتخابات مجلس الشعب للدورة 1995-2000 بالنظام الفردي أيضًا، لتستمر حالة إقصاء النساء ويقتصر تمثيلهن على تسعة مقاعد، بعد فوز خمس سيدات عبر الانتخاب المباشر وانضمام أربع معينات، لتظل نسبة التمثيل في حدود الـ2 في المئة.
عندما انتهت هذه الدورة البرلمانية، كان القرن العشرين قد انقضى، والألفية الجديدة قد بدأت، بينما النساء المصريات ما زلن يكابدن إقصاءً سياسيًا تشرعنه القوانين، وسياسات لا تعترف بأحقيتهن في تمثيل يعبر عنهن بواقعية.