أعلنت إدارة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، في الـ5 من أكتوبر الجاري، التوقيع على ميثاق المساواة بين الجنسين 5050×2020، الذي سبقه إلى التوقيع عليه أكثر من خمسين مهرجانًا سينمائيًا حول العالم، في مقدمتها مهرجان كان، ومهرجان فينيسيا، ومهرجان برلين، ومهرجان لندن، بالإضافة إلى مهرجاني لوكارنو وتورونتو.

وتعد هذه الخطوة، التي لم تقدم عليها مهرجانات أخرى في البلدان العربية حتى الآن، إلزامًا والتزامًا من إدارة واحد من أهم وأعرق المهرجانات السينمائية في المنطقة، بتمكين مزيد من النساء العاملات بصناعة السينما من الوصول بأفلامهن إلى هذه المنصة الدولية، إلى جانب خلق بيئة تنافسية عادلة، والعمل من أجل تحقيق المساواة داخل هياكله.

وبحسب تصريحات صحافية للمنتج السينمائي محمد حفظي، رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، فإن تمكين النساء الذي ترمي بنود الميثاق إلى إحرازه، هو أمر متحقق بالفعل، مشيرًا إلى أن النساء يمثلنّ النسبة الأكبر من العاملين بالهيكل الإداري للمهرجان وفريق البرمجة.

لماذا الاحتفاء بالتوقيع على الميثاق؟

تكمُن أهمية الميثاق في ارتكازه على ثلاثة تعهدات تلتزم بتنفيذها المهرجانات الموّقعة عليه، وهي: الإعلان عن عدد ونسبة المخرجات اللاتي تقدمن بأفلامهن للمشاركة في مسابقات المهرجان، والكشف عن نسبة التمثيل النسائي في أطقم العمل لهذه الأفلام، فضلًا عن الإعلان عن جنس وعرق أعضاء لجان التحكيم وفريق المبرمجين والمستشارين، والأمر ذاته بالنسبة لأعضاء المجالس التنفيذية ومجالس الإدارة. أما الأهم بين التعهدات الواردة في الميثاق، هو التزام كل مهرجان يوّقع عليه، بتحديد جدول زمني لتحقيق المساواة بين الجنسين في وحداته وبرامجه.

ويضاعف من أهمية التوقيع الذي أقدم عليه مهرجان القاهرة السينمائي، وضعية السينما المصرية، الأقدم في المنطقة والأكثر إنتاجية واحترافية على مستوى الصناعة، بما جعلها وما زالت ساحة جذابة للسينمائيات والسينمائيين من شتى أنحاء العالم العربي، ولذلك فإن هذه الخطوة لا تساهم في تعزيز عملية تمكين العاملات بالمجال السينمائي من المصريات فقط وإنما العربيات عمومًا.

يذكر أن أول الموّقعين على ميثاق المساواة بين الجنسين «5050×2020»، هو مهرجان كان السينمائي الدولي، في دورته الـ71 التي انعقدت في مايو من العام 2018، وذلك بعد وقفة احتجاجية شاركت فيها 82 امرأة من العاملات بالمجال السينمائي، حيث اعتلين سلالم مسرح لوميير الذي يحتضن فعاليات المهرجان، ليعلنّ عن رفضهن لضآلة تمثيل النساء في تلك الدورة، مطالبات بوقف التمييز وإفساح المجال لمشاركة النساء بنسبة أكبر في المهرجان، تصل إلى 50 في المئة في دورة المهرجان الـ73 والمزمع انعقادها في العام 2020.

ويأتي هذا الميثاق كأحد التطبيقات العملية التي تساهم في تحقيق هدف الوصول إلى المساواة التامة بين الجنسين في عالم السينما وصناعة الأفلام، الذي تسعى إلى تحقيقه مبادرة «5050×2020» التي انبثق عنها الميثاق.

ما هي مبادرة 5050 في 2020؟

جاء الإعلان الرسمي عن مبادرة «5050×2020»، خلال ندوة عقدها معهد الفيلم السويدي (المعهد السويدي للسينما)، على هامش فعاليات الدورة الـ69 لمهرجان كان السينمائي الدولي التي انعقدت في العام 2016، وشدد حينها المشاركون ومن بينهم وزير الثقافة السويدي ونظيره الفرنسي، على ضرورة العمل من أجل تحقيق المناصفة في قطاع صناعة الأفلام، بحلول العام 2020. وقد تمخضت هذه الفعالية عن تشكيل تكتل ضم 600 عضوة وعضوة، من العاملات والعاملين بمجال صناعة الأفلام في فرنسا.

حمل التكتل اسم «5050×2020»، وتولى أعضاؤه صياغة ميثاق المساواة بين الجنسين «5050×2020»، الذي أعلِنَ عنه لأول مرة في العام 2018 إبان انعقاد فعاليات مهرجان كان السينمائي.

وكان معهد الفيلم السويدي (المعهد السويدي للسينما) برئاسة آنا سرنر، هو أول مؤسسة من مؤسسات دعم مشروعات الأفلام، يحقق المساواة بين الجنسين في اختياره للأفلام المُستحِقة للتمويل في العام 2014، حيث التزم بتخصيص 50 في المئة من مجمل الدعم المالي في ذلك العام لأفلام من إخراج نساء، ثم تبعه معهد الفيلم البريطاني (BFI) الذي أعلن دخول «أهداف الشمول والتنوع» حيز التنفيذ في الأول من إبريل في العام 2018، والتي جاء في مقدمتها «تحقيق المساواة في تقديم الدعم لصانعات وصانعي الأفلام». كما أعلن كل من مجلس الأفلام الأيرلندي (Screen Ireland)، وهيئة التمويل الرئيسة للحكومة الأسترالية لصناعة إنتاج الشاشة الأسترالية (Screen Australia)، تبنيهما للسياسات نفسها بغية الوصول إلى المساواة بين الجنسين أمام وخلف الشاشة الذهبية.

إن تتابع التوقيع من جانب المهرجانات السينمائية على ميثاق المساواة بين الجنسين «5050×2020»، يؤشر على تغيير قادم في الطريق، حتى إن كان تحقيقه سيستغرق سنوات. لكن الالتفاف حول ضرورة إنهاء التمييز السلبي ضد النساء العاملات في صناعة السينما، الذي تترجمه تلك التوقيعات وسياسات مؤسسات التمويل التي تقّر بحتمية تحقيق المساواة، بالتوازي ما أحدثه حِراك #MeToo من هزة في الأوساط السينمائية داخل وخارج هوليوود، يبرهن على صعوبة العودة إلى الوراء بعد الآن.