كتبت: شهد مصطفى

«أحتاج إلى إذن قضائي للتدخل»، كان هذا هو الرد الذي جاء على لسان شرطي فرنسي بعد أن طلبت منه موظفة استقبال شكاوى الخط الساخن لمساعدة المعنفات أسريًا، مرافقة إحداهن إلى منزلها حتى تجمع متعلقاتها وترحل من دون أن يؤذيها شريكها، وقد استمع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى هذه الجملة خلال جولته التفقدية في أحد مكاتب خط المساعدة في العاصمة باريس، ليوجه حديثه بعدها إلى الموظفة قائلًا إن «وظيفة الشرطة هي حماية الضحايا (المعنفات)»، مشددًا على أن ما حدث يدلل على وجود مشكلة في تدريب العاملين بالجهاز الشرطي على التعامل مع قضايا العنف الأسري.

قام الرئيس الفرنسي بهذه الجولة بداية شهر سبتمبر الجاري، في محاولة للوقوف على أسباب التصاعد المستمر لجرائم قتل النساء على يد شركائهن الحاليين والسابقين، خاصة بعد أن أعلنت مجموعة رصد تحمل اسم «قتل الإناث على يد شركائهن الحاليين أو السابقين – Femicides par compagnons ou ex» وصول عدد النساء اللاتي قتلهن شركاؤهن الحاليون أو السابقون خلال العام الذي لم ينته بعد إلى 100 امرأة.

وكانت إحصاءات رسمية (صادرة عن وزارة الداخلية)، قد كشفت أن 121 امرأة قُتِلَت في فرنسا خلال العام الماضي (2018) على يد الشريك الحالي أو السابق، أي ما يوازي قتل امرأة في هذا السياق كل ثلاثة أيام. وبحسب إحصاءات الاتحاد الأوروبي (EUROSTAT) الصادرة في العام 2015، فإن فرنسا تشهد تفاقمًا في جرائم قتل النساء، بما يضعها في مرتبة متقدمة في قائمة الأسوأ بين دول الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد، قبل بريطانيا وهولندا وإيطاليا وإسبانيا. ووفق الإحصاءات الصادرة عن الجهة نفسها في العام 2017، يحل هذا البلد ثانيًا بعد ألمانيا في قائمة بلدان الاتحاد الأوروبي التي ترتفع فيها جرائم قتل النساء على أيدي شركائهن الحاليين أو السابقين.

الغضب المتصاعد تجسّد في تظاهرات شهدتها العاصمة باريس في شهر يوليو الماضي، حيث خرج المئات يطالبون الحكومة بإجراءات أكثر صرامة في مواجهة هذه الجرائم، ثم عادت التظاهرات إلى شوارع باريس مجددًا مطلع الشهر الجاري بعد أن دعا إليها تجمع « Nous Toutes- نحن جميعًا» النسوي، ورفعت المتظاهرات خلالها لافتات تحمل أسماء النساء اللاتي لقين حتفهن جراء عنف ارتكبه ضدهن شركاء سابقون أو حاليون منذ بداية العام الجاري.

كما نشرت جريدةLe Monde  الفرنسية، في عددها الصادر يوم الجمعة، الخامس من يوليو الماضي، خطابًا مفتوحًا وقّع عليه مجموعة من الناشطات والناشطين يطالبون الحكومة باتخاذ عدد من الإجراءات للحد من جرائم قتل النساء، من بينها: توفير مزيد من مراكز الإيواء (البيوت الآمنة) للمعنفات أسريًا، وإسقاط حق الأب في حضانة الأطفال فور اتهامه رسميًا بقتل الأم. وقد استجابت الحكومة الفرنسية بالفعل للحِراك النسوي، وأعلن رئيسها إدوارد فيليب، في الثالث من سبتمبر الجاري، عن حزمة من الإجراءات تفي بالمطالب، وكشف أيضًا عن بدء جلسات تشاور موسعة حول قضية العنف الأسري وسبل مواجهتها.

وتضم الجلسات التي من المقرر أن يستمر انعقادها حتى الـ25 من نوفمبر المقبل، الذي يصادف اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، عددًا من الوزراء والقضاة وضباط الشرطة، بالإضافة إلى أهالي عدد من الضحايا اللواتي قضين بسبب العنف الأسري، وممثلات وممثلين عن مجموعات ومنظمات نسوية.

ترتكز الإجراءات على ثلاثة محاور وهي: حماية المرأة من الشريك المُعنِّف، وتسهيل الإبلاغ عن العنف الواقع عليها، وضمان تحقيق العدالة خلال فترة التقاضي.

وفي سياق حماية المرأة المُعنَّفة، أعلنت الحكومة عزمها تأسيس 1000 مركز إيواء للنساء اللاتي فررن من شركاء يمارسون العنف ضدهن، فضلًا عن وضع النساء المُعنَّفات على قائمة المستفيدين من الإعفاء من الضمان المالي للإيجارات – عادة ما يستفيد من  هذه الخدمة طلاب الجامعات – بما ييسر عليهن إيجاد سكن جديد، كما تعهدت الحكومة بإطلاق منصة في الـ25 من نوفمبر المقبل، بالتزامن مع اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، تسمح بتحديد أماكن الإقامة البديلة الأقرب للمُعنَّفات الباحثات عن ملاذ آمن.

وفيما يتعلق بمسألة الإبلاغ والتفاعل الشرطي مع جرائم العنف المُرتكَبة من قبل الشريك (الحالي والسابق)، قررت الحكومة الفرنسية متابعة أداء 400 مركز شرطي فرنسي خلال شهر سبتمبر الجاري، لضمان حصول العاملين بها على القدر المطلوب من التدريب على تقديم الخدمات الفعّالة للناجيات من العنف الأسري.

وبمقتضى القرارات الحكومية الأخيرة، فإن النساء المُعنَّفات سيتمكنّ من تحرير الشكاوى من المستشفيات حيث يتلقين العلاج الطبي بدءًا من الـ25 من نوفمبر المقبل، ولن يكون لزامًا عليهن أن يذهبن إلى مركز الشرطة للإبلاغ.

كما أفاد رئيس الحكومة الفرنسية بوجود خطة لاستحداث تشريع يسمح باستخدام الأساور الإلكترونية لرصد تحركات مرتكبي العنف الأسري، بما يحول دون وصولهم مجددًا إلى الناجيات، إذ سيصبح من حق القاضي إصدار أمر مُلزم للمتهم بارتكاب جرائم عنف أسري بارتداء سوار إلكتروني لحين صدور الحكم في القضية.

وفيما يخص مرحلة التقاضي، فقد قررت الحكومة إدخال آليات جديدة لتقييم التعامل مع مرتكبي العنف المنزلي من جانب النظام القضائي. كما اتخذت الحكومة قرارًا بتمكين القضاة الجنائيين من تعليق حق حضانة الآباء المتهمين بقتل شريكاتهم أو زوجاتهم، من دون الحاجة إلى انتظار صدور أحكام أو خروج قرار من محكمة الأسرة كما هو معهود.

ورغم أن القرارات الحكومية تبدو حازمة وتدعو إلى التفاؤل، إلا أن مجموعة من الكيانات النسوية لم تستقبلها بارتياح، ومنها تجمع « Nous Toutes- نحن جميعًا» ومنظمة «Osez le féminisme» ، إذ أبدت هذه الكيانات قلقها إزاء عدم إعلان الحكومة عن تخصيص موارد مالية لتنفيذ الإجراءات وتفعيلها، مما يشكك في إمكانية تطبيق جميع الإجراءات وضمان الاستدامة.

جدير بالذكر أن فرنسا تخصص  إنفاقًا سنويًا بقيمة خمسة ملايين يورو لمواجهة ظاهرة العنف المنزلي، بينما لا تجد المنظمات النسوية والمدافعات عن حقوق النساء ذلك كافيًا ويستمر الضغط على الحكومة من أجل زيادة الإنفاق لمواجهة العنف الأسري وقتل النساء، خاصة بعد أن أخفق الوضع الذي سبق أن قررته الحكومة سواء على مستوى الإنفاق أو التشريع في إحداث تغيير ملموس على أرض الواقع.

العنف الأسري لا يقتصر على بلد دون آخر، وإنما تعاني منه النساء في كل مكان حول العالم، ربما تتفاعل معه حكومات أكثر من غيرها، قد يكون هناك مجتمعات أكثر انفتاحًا على الخوض في القضية وإبرازها إعلاميًا، إلا أن النساء يزرحن تحت وطأة العنف الأسري من أقصى الأرض إلى أدناها. ورغم اختلاف أدوات الحِراك التي تحددها خصوصية كل مجتمع، فإن الحركات النسوية أينما كانت تجابه هذا العنف بالتوعية والضغط لسن قوانين ضده.

في مصر:

الخط الساخن لتلقي شكاوى المرأة – المجلس القومي للمرأة: 15115

للإبلاغ عن جرائم العنف ضد المرأة لدى قطاع حقوق الإنسان وإدارة متابعة جرائم العنف ضد المرأة – وزارة الداخلية: ٠١١٢٦٩٧٧٧٤٤٤ – ٠١١٢٦٩٧٧٣٣٣- ٠١١٢٦٩٧٧٢٢٢