كتبت: آلاء حسن

في الأول من شهر أغسطس الجاري، قضت محكمة كامبالا في أوغندا بسجن ناشطة نسوية بارزة لمدة 18 شهرًا، على خلفية اتهامها بالتحرش السيبراني (الإساءة السيبرانية) والاتصال العدواني، وهي عقوبات ينص عليها قانون إساءة استخدام الحاسوب في أوغندا. لكن التهمتين الموجهتين للناشطة ستيلا نيانزي يأتيان بعد أن هاجمت رئيس البلاد عبر حسابها على فيسبوك باستخدام ألفاظ وأوصاف رآها قطاع في المجتمع غير لائقة، واستغلت السلطة ذلك حتى تتصدى لمعارضتها وتحجم مقاومتها.

ستيلا نيانزي هي حقوقية وكاتبة نسوية وأكاديمية أوغندية، حصلت على درجة الدكتوراة في الأنثروبولوجيا الاجتماعية من مدرسة لندن لحفظ الصحة وطب المناطق الحارة، وانشغلت خلال العقدين الماضيين بالبحث في الجنسانية وقضايا النوع الاجتماعي في أوغندا وغامبيا. وقدمت أبحاثًا حول مواقف النساء من اختبارات فيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، والمجتمعات المهمشة ومنها العاملات بالجنس التجاري والمثليين.

وتجدر الإشارة إلى أن أوغندا تشهد معدلات عنف مرتفعة ضد النساء، وبحسب المسح السكاني والصحي لأوغندا للعام 2016؛ هناك مليون امرأة تتعرض للعنف الجنسي سنويًا. كما تكشف سجلات الشرطة في أوغندا للعام نفسه، أن ممارسة الجنس قسريًا مع الفتيات أقل من 18 عامًا، زاد بنسبة 34 في المئة من العام 2015 إلى العام 2016، فضلًا عن زيادة جرائم الاغتصاب من 1419 إلى 1572 جريمة.

نيانزي واحدة من أشد المعارضين لرئيس بلادها يوري موسيفيني الذي يعتلي الحكم منذ 31 عامًا، ويعتبره كثيرون في الداخل والخارج السبب في إفشاء الفساد في أوغندا، والمسؤول الرئيس عن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان في البلاد، بينما يضاعف من شراسة معارضة نيانزي لهذا الحاكم موقفه السلبي من حقوق المرأة ومجتمع الميم.

التصدي للمماطلة في حقوقهن يقود إلى السجن..

كانت نيانزي (45 عامًا) قد أطلقت حملة بعنوان Pads4girlsUg# في مارس من العام 2017، لتمويل شراء وتوزيع فوط الصحية لمليون فتاة في أوغندا، وذلك بعد أن أخفقت الحكومة في الوفاء بما تعهدت به في العام 2016، بشأن توفير الفوط للتلميذات في المدارس، وقد حققت حملتها نجاحًا كبيرًا ووصلت إلى هدف المليون في وقت وجيز، إلا أن ذلك أزعج النظام الذي تبدى فشله في مقابل نجاح الحملة التي قادتها بإمكانيات محدودة.

وتشير تقارير إلى أن 30 في المئة من الفتيات في سن المراهقة في أوغندا، يتسربن من المدارس بعد أن تأتيهن الدورة الشهرية.

تجلّى الغضب الأبوي عندما أوقفت السلطات نيانزي في إبريل من العام 2017، لتقضي 33 يومًا في السجن على خلفية نشرها تدوينة عبر حسابها على موقع فيسبوك، تهاجم فيها الرئيس والسيدة الأولى التي تشغل منصب وزيرة التعليم بسبب فشلهما في هذا الأمر، ووصفته وقتها بــ«زوج من الأرداف». وتتبنى نيانزي في مقاومتها لـموسيفيني، استراتيجية «الوقاحة الراديكالية» التي ظهرت كوسيلة نقد جمعي ومنهجي في أوغندا خلال الأربعينيات إبان الاحتلال البريطاني، وتعتمد بشكل أساسي على نقد من يملك السلطة أو يتمتع بالقوة باستخدام السباب الصريح أو السخرية «البذيئــة». لكن هذا الشكل من النقد عندما يصدر من امرأة يرفضه المجتمع – أكثر من رفضه له إذ صدر عن رجل – بدعوى الخروج عن قواعده والتمرد على النسق الأخلاقي.

القوانين ترشدنا إلى ما هو أبعد من القمع السياسي..

تستغل الأنظمة السياسية هذه الحالة المجتمعية لتمارس قمعها بحق النساء المتمردات عمومًا والمعارضات خصوصًا، ومن هؤلاء نيانزي التي نشرت قصيدة في سبتمبر من العام 2018، تنتقد فيها الرئيس الأوغندي الجالس على كرسي الحكم منذ العام 1986، معتمدةً على رسم صورة خيالية ليوم ولادته مستخدمة أوصافًا دارجة للأعضاء التناسلية لأمه.

سرعان ما وجدت نيانزي نفسها في مواجهة تهمة الخروج عن الآداب العامة والنقد غير اللائق وانتهاك الخصوصية بعد أن ثارت ثائرة الحاكم، فانتهى بها الأمر سجينة خلف القضبان لتسعة أشهر، قبل أن يصدر بداية الشهر الجاري الحكم بسجنها لمدة 18 شهرًا، بما يعني أنها ستقضي في السجن ما يعادل المدة نفسها التي قضتها قبل صدور الحكم.

صدر الحكم بناءً على نص قانون إساءة استخدام الحاسوب في أوغندا للعام 2011، ليكشف عن التقاطع المنهجي بين النظام الأبوي والتحكم في أجساد النساء، حيث تبدو القوانين المناهضة لما يسميه المجتمع فحشًا وإباحية، ليست مجرد تقييد للمعارضة السياسية وإنما هي ستار لقيود غير مرئية على أجساد النساء التي تعتبرها السلطة ملكًا للذكور لا ينبغي أن تُمس حتى بالكلمة.

الغضب إزاء توصيف الأعضاء التناسلية الأنثوية بشكل علني يتجاوز في حدته الغضب من توصيف الأعضاء التناسلية للذكور، سواء في نقد عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو مقال منشور في صحيفة، وسواء كان من خلال قصيدة أو تدوينة ساخرة. أما الحديث عن الجنس والجسد بألفاظ دارجة فهو أمر محرّم على المرأة وأي خروج عن هذه القاعدة ينتهي بفاعلته إلى دائرة الاتهام بالفحش والملاحقة اللفظية وقد يزج بها داخل السجن. وفي هذه الحالات، تدفع النساء المعارضات الثمن مضاعفًا لأنه في حال مررت السلطة هذا النقد، لا يتصالح معها المجتمع.

نيانزي القابعة خلف القضبان منذ نوفمبر الماضي، فصلتها جامعة ماكيريري، التي تعد أكبر مؤسسة تعليم عالي في أوغندا، من وظيفتها في العام 2017 بعد أن سجنت لأول مرة بتهمة إهانة الرئيس والسيدة الأولى، وهو ما بدا إقصاء وانتقامًا غايته إسكاتها. لكن ذلك لم يتحقق، فقد صرّحت نيانزي عقب الإفراج عنها حينها بكفالة مالية، لجريدة الجارديان البرطيانية قائلة «إن لغتها ستزداد حدة إذا استمرت الحكومة في قمعها.»

ما زالت نيانزي على عهدها، ورسالتها المعارضة للنظام تحمل بين طياتها رسالة أكبر بشأن كسر تابوه وصف الأعضاء التناسلية للنساء، ولتأكيد حقهن في تبني استراتيجيات نقدية ما برح الرجال يحتكرونها ويتقبلها المجتمع طالما خرجت على ألسنة ذكورية.