فوز الأمريكيات بـ«كأس العالم»: انتصار آخر للنساء على ترامب.. وخطوة تقرّبهن من «المساواة بين الجنسين» في كرة القدم
قبل يومين من تتويج المنتخب الأمريكي لكرة القدم للسيدات بكأس العالم في الـ7 من يوليو الجاري، للمرة الثانية على التوالي والرابعة منذ انطلاق البطولة في العام 1991، وقّع 50 عضوًا بالكونغرس على خطاب موجه إلى كارلوس كورديرو رئيس اتحاد كرة القدم الأمريكي، يطالبونه بتوضيح الأسباب وراء الفجوة الكبيرة في الأجور بين لاعبي ولاعبات كرة القدم في الولايات المتحدة، وبالكشف عن تفاصيل استراتيجية الاتحاد للتصدي إلى التمييز القائم بين الجنسين في كرة القدم الأمريكية.
وتساءل أعضاء الكونغرس في خطابهم «على الرغم من أنهن يقمن بنفس الوظيفة التي يضطلع بها المنتخب الوطني للرجال، فإن لاعبات منتخب كرة القدم النسائي يتلقين أجورًا أدنى، ويعايشن ظروف عمل أسوأ، ويجدن تسويقًا واستثمارًا أقل من جانب الاتحاد الأمريكي لكرة القدم.»
“وفق التقرير المالي لاتحاد كرة القدم الأمريكي للعام 2015، فقد حصل منتخب كرة القدم للرجال على أربعة أضعاف ما حصل عليه منتخب كرة القدم للسيدات خلال العام، بسبب التمييز في الأجور، والمكافآت، ومصروفات الانتقال وغيره، كما نشرت جريدة Wall Street Journal الأمريكية تقريرًا استندت في بياناته إلى تقارير مالية للاتحاد، يكشف أن المنتخب النسائي حقق فيما بين العامين 2016 و2018، عوائد بقيمة 50.8 مليون دولار، بينما حقق منتخب الرجال 49.9 مليون دولار.”
ويأتي تحرك الكونغرس الرامي إلى تضييق الفجوة بين الجنسين في لعبة كرة القدم، بعد ثلاث سنوات من مساعي المنتخب النسائي للوصول إلى المساواة في الأجور مع منتخب الرجال، وآخرها الدعوى القضائية التي رفعتها عضوات الفريق الوطني وعددهن 28، يختصمن فيها الاتحاد الأمريكي لكرة القدم. الآن، رفعت اللاعبات سقف مطلبهن بوقف التمييز في الأجور إلى القضاء على التمييز في مختلف النواحي: الرعاية الطبية، جودة الملاعب، الاهتمام الإعلامي، حجم وعدد المباريات.
كان منتخب الولايات المتحدة لكرة القدم للسيدات قد حاز على لقب الفائز بكأس العالم أربع مرات في الأعوام: 1991، 1999، 2015، 2019، وهو صاحب الرقم القياسي في حصد اللقب. في المقابل، لم يظفر المنتخب الأمريكي لكرة القدم للرجال باللقب نهائيًا، واللافت أن منتخب السيدات عندما فاز بكأس العالم في نسخة العام 2015، حصل على مكافأة من الاتحاد الأمريكي لكرة القدم توازي نحو 32 في المئة من المكافأة الممنوحة لمنتخب الرجال بعد خروجه من دور الـ16 لبطولة كأس العالم التي أقيمت في صيف العام 2014.
“كشف تقرير لمركز «تاكر لأبحاث الفتيات والنساء في الرياضة» أن النساء يمثلن 40 في المئة من المشاركين في الألعاب الرياضية الأمريكية، إلا أنهن يمثلن 4 في المئة فقط من التغطية الإعلامية للرياضة والرياضيين. كما أنهن أكثر عرضة للتصوير في أوضاع ترسخ للتسليع الجنسي (تهدف إلى الإثارة الجنسية). أما في بريطانيا، فقد استحوذت النساء على 7 في المئة فقط من التغطية الإعلامية الرياضية فيما بين العامين 2011 و2013، حسب تقرير لمؤسسة «النساء في الرياضة».”
إنجازات المنتخب الأمريكي للسيدات تجعله الأفضل في تاريخ كرة القدم الأمريكية، وقد ساهم الفوز الرابع بكأس العالم في تعزيز الدعم الجماهيري لمطالب المنتخب النسائي. وقد ظهر ذلك جليًا عندما هتف المشجعون الأمريكيون في مدرجات استاد مدينة ليون الفرنسية، قبيل تسليم الميداليات والكأس عقب المباراة النهائية، مرددين: «Equal pay» أي «المساواة في الأجر».
على الجانب الآخر، فإن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لا يبدو منشغلًا كعادته بقضية العدالة بين الجنسين، وبالطبع تعمّد تجاهل الأمر حتى سُئِل عنه مباشرة في حوار مع جريدة The Hill الأمريكية، وجاءت إجابته تحمل معارضة للأمر وإن لم يصرح بها نصًا، إذ قال إن الأمر يتعلق بالاقتصاد ثم استطرد «أقصد من يجتذب مالًا أكثر، عندما يكون لدى فريق لاعب مثل كريستيانو رونالدو وغيره من النجوم مثل ميسي، فهم يحصلون على أموال كثيرة، لأن لديهم مئات الآلاف من المشجعين، ومع ذلك، فإنني لم اتخذ موقفًا بخصوص الأمر ولا بد أن أنظر فيه.»
ممانعة ترامب للمساواة في الأجور تبدت مجددًا في تصريحاته إلى المراسلين عقب فوز المنتخب على نظيره الهولندي وتتويجه بالبطولة، فلم يعطهم إجابة واضحة وقال إنه ينبغي عليه أن ينظر في الأرقام والإحصاءات الخاصة بمنتخبي الرجال والنساء، لأن «كأس العالم» شيء واحد فقط.
موقف ترامب المتبرّم من مطالبة اللاعبات بدعم مالي ومعنوي يناظر ما يتمتع به اللاعبون، بالإضافة إلى أزمة افتعلها مع قائدة الفريق ميجان رابينو عبر تغريدة له على موقع تويتر، استقبله بعض الأمريكيون باستهجان لم تستطع حتى قناة Fox News الموالية للحزب الجمهوري أن تخفيه، إذ فوجئ مراسلها الموجود في مدينة ليون الفرنسية، بين مجموعة من الأمريكيين بعد فوز منتخب بلادهم بكأس العالم، بأن هتافهم لصالح الفريق تحوّل إلى سباب لترامب التقطته الكاميرا، ليصل الاحتجاج ضد ترامب إلى شاشة قناته المفضلة.
هزيمة جديدة لترامب أمام النساء
رغم خروجه بتغريدة هنأ فيها منتخب السيدات بالفوز ببطولة كأس العالم، فإن تغريدات سابقة للرئيس الأمريكي تكشف أن الفوز إن جاء سيزعجه ويحرجه أمام كثيرين. وقد جاء في تغريدته «أهنئ منتخب الولايات المتحدة لكرة القدم للسيدات على الفوز بكأس العالم. أداء رائع ومثير. أمريكا فخورة بكن.»
لكن ترامب لم يذكر في التغريدة أي شيء بشأن دعوة المنتخب لزيارة البيت الأبيض، وهو تقليد رسمي اعتاد الرؤساء الأمريكيون القيام به، إذ يوجه الرئيس دعوة للفرق الفائزة ببطولات لزيارة البيت الأبيض احتفالًا بإنجازاتها الرياضية. بل إن ترامب على الأرجح لن يوّجه الدعوة للمنتخب الفائز بكأس العالم، وحسب تصريحاته إلى وكالة Voice of America عقب الفوز، فإنه لم يقرر بعد ما إن كان سيدعو الفريق أم لا.
الأقرب للحدوث هو أن يكتفي ترامب بالتهئنة عبر هذه التغريدة، خشية أن تسبب له دعوة المنتخب مزيدًا من الحرج بعد أن أعلنت قائدة المنتخب ميجان رابينو في حوار مع مجلة 8 By 8 ، رفضها لزيارة البيت الأبيض، قائلة «لن أذهب إلى البيت الأبيض “الحقير” .. لن أذهب إلى البيت الأبيض.. لن يتم دعوتنا.. أشك في ذلك.»
هذه التصريحات التي رآها ترامب إهانة له، قرر الرد عليها بتغريدة تزدري رابينو وتشكك في قدرات الفريق على انتزاع الكأس، فكتب «عليك أن تفوزي أولًا قبل أن تتحدثي.»
تغريدة ترامب أثارت حفيظة بقية اللاعبات، وأعلنت بعضهن دعم رابينو ورفض الذهاب إلى البيت الأبيض، ومنهن أليكس مورغان وألكسندرا كريغر التي غردت عبر حسابها على موقع تويتر قائلة «فيما يتعلق بتغريدة الرئيس اليوم، أعرف أن النساء اللائي لا يمكنك التحكم بهن أو التغلب عليهن يغضبونك، لكنني أقف إلى جانب ميجان رابينو. أنا لا أدعم هذه الإدارة ولا حربها ضد مجتمع الميم والمواطنين والمهاجرين والأكثر ضعفًا.»
“الفريق نفسه بقيادة ميجان رابينو لبى الدعوة التقليدية لزيارة البيت الأبيض بعد فوزه ببطولة كأس العالم التي أقيمت في كندا في العام 2015، واحتفل آنئذ مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وقد كان المعهود في الولايات المتحدة، هو تلبية الدعوة لزيارة البيت الأبيض من جانب الرياضيين بغض النظر عن مواقف اللاعبات واللاعبين السياسية من الرئيس، إلا أن الأمر اختلف بعد وصول ترامب إلى سدة الحكم، إذ تتكرر رفض الرياضيين لزيارة البيت الأبيض، احتجاجًا على سياساته العدائية ومواقفه العنصرية تجاه قطاعات عديدة في الولايات المتحدة الأمريكية.”
ميجان رابينو هي واحدة من ثلاث قائدات للمنتخب الأمريكي لكرة القدم للسيدات، وتعد من أبرز الوجوه التي تدافع وتطالب بتحقيق المساواة بين الجنسين داخل منظومة كرة القدم الأمريكية، فضلًا عن أنها واحدة ممن يستغلون مكانتهم الرياضية وشعبيتهم للدفاع والتبشير بحقوق النساء، والأقليات العرقية، والمهاجرين، والمثليين، والمتحولين جنسيًا، وهي من أشد معارضي دونالد ترامب الذي يتبنى سياسات من شأنها تمديد التمييز ضد كل هؤلاء، وقد سبق أن وصفت نفسها بـ«احتجاج يمشي على الأرض» ضد إدارة ترامب الذي تعتقد أنه «عنصري، وذكوري، وضيق الأفق، وشخص غير جيد».
خلاف رابينو مع ترامب العلني يعود للعام 2016 عقب توليه منصب رئيس البلاد، عندما رفضت رابينو حينذاك الوقوف خلال عزف السلام الوطني قبل المباريات واستبدلته بالركوع على إحدى ركبتيها، تضامنًا مع لاعب كرة القدم الأمريكي كولين كابيرنيك في دفاعه عن الرياضيين من أصحاب البشرة الملونة، واتفاقًا معه في ضرورة الاحتجاج على عنصرية النظام والتعامل الهجمي للشرطة منذ تولي ترامب منصب رئيس البلاد، لتصبح أول شخصية رياضية نسائية تشارك في الاحتجاج الذي أطلقه كابيرنيك.
تمسكت رابينو بهذا الشكل من الاحتجاج، حتى عدَّل اتحاد كرة القدم الأمريكي لوائحه ليُلزم جميع اللاعبين بالوقوف عند عزف السلام الوطني، لتستجيب بالوقوف لكن من دون أن تردد النشيد الوطني أو تضع يدها على قلبها.
رابينو ليست مجرد رياضية متميزة أو لاعبة ذات شعبية في الولايات المتحدة، وإنما ناشطة تعبر عن مواقفها الداعمة للمساواة بين الجنسين لاسيما في عالم الرياضة، وقد سبق أن صرحت لصحيفة الجارديان البريطانية في العام 2017، قائلة «كلما كان بإمكاني أن أعرف أكثر عن حقوق المثليين، والمساواة في الأجور، والمساواة بين الجنسين، والتمييز على أساس العرق، أدركت أن كل ذلك يتقاطع.»