تشير أغلب المصادر والمراجع التاريخية إلى أن العراقية زكية إسماعيل حقي هي أول قاضية في العالم العربي، بعد تعيينها قاضية شرعية في العراق، في الـ9 من فبراير في العام 1959، وهو أمر يبدو متسقًا مع ما عُرِف عن العراق في نهاية الخمسينيات من تقدم في مجال دعم النساء وتمكينهن، فالعراق هو أول بلد عربي يُمكّن المرأة من موقع «الوزير» في الحكومة في العام 1959، عندما تم تعيين نزيهة الدليمي وزيرة للبلديات، وهو البلد العربي الذي أصدر قانون الأحوال الشخصية الأكثر إنصافًا للنساء في المنطقة بأكملها في هذه الحقبة، القانون رقم 188 لسنة 1959 الذي قيّد تعدد الزوجات، وحدد السن الأدنى للزواج للفتاة بـ18 عامًا، وساوى في الميراث بين الجنسين، وأعطى المرأة حق تطليق نفسها.

لكن أرشيف مجلة «المصور» المصرية يدحض الاعتقاد بأن زكية حقي هي أول قاضية في المنطقة، إذ يكشف أحد أعداد المجلة العريقة أن هناك من سبقتها إلى هذا المنصب في العالم العربي، وهي المصرية إنصاف البُرعي التي أضحت قاضية في العام 1958.

حسب منشور لمجلة «المصور»، في عددها الصادر بتاريخ 14 نوفمبر من العام 1958، فإن المحامية إنصاف البُرعي هي أول امرأة في العالم العربي تتقلد منصب القاضية، بعد أن تقدمت في العام نفسه بطلب إلى مجلس القضاء الأعلى لتعيينها كقاضية في الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا إبان الوحدة التي أعلِنَت في الـ22 من فبراير في العام 1958)، وقد وافق المجلس على تعيينها في محاكم الأحداث في سوريا، وهي المحاكم المختصة بالنظر في قضايا الأحداث القاصرين، أي من هم دون الثامنة عشرة.

جاء البورتريه الصحافي المُعد عن إنصاف البرعي في «المصور» مقتضبًا في معلوماته، يشير إلى تخرجها في كلية الحقوق بجامعة القاهرة في العام 1955، ومشاركتها في المؤتمر الثاني للمحامين العرب الذي انعقد في القاهرة في شهر مارس من العام 1956، وتعرّفت خلاله إلى المحامي السوري سليم عقيل الذي تزوجته لاحقًا وانتقلت معه إلى سوريا، حيث عملت كمحامية هناك، وسرعان ما ذاعت شهرتها بين المحامين في سوريا بسبب لباقتها وحنكتها وذكائها في التعامل مع القضايا التي أوكلت إليها، مما رفع أسهمها لدى مجلس القضاء الأعلى الذي وافق على تعيينها قاضية.

بعد البُرعي التي لا يعرف كثيرون أنها أول امرأة مصرية تعتلي منصة القضاء، لم تشهد مصر تعيين قاضية أخرى إلا في العام 2003، وهي المستشارة تهاني الجبالي التي صدر قرار جمهوري بتعيينها ضمن هيئة المستشارين بالمحكمة الدستورية العليا، وحتى يومنا هذا تُعرّف الصحافة الجبالي بأنها أول قاضية في مصر في العصر الحديث.

أما سوريا، فبعد انفصالها عن مصر وانتهاء الوحدة في العام 1961، ظلت النساء بعيدات عن سلك القضاء حتى العام 1975، عندما تم تعيين المحامية غادة مراد قاضية وظلت هي القاضية الوحيدة في البلاد حتى العام 1979. وجدير بالذكر أن مراد هي أول امرأة تتولى منصب النائب العام في سوريا والعالم العربي.

حتى الآن، لم يتجاوز عدد القاضيات في مصر الـ66 قاضية في مقابل ما يزيد عن 16 ألف قاضٍ، أي أن النساء يشكلن نسبة 0.5 في المئة من إجمالي القضاة المصريين، وهي نسبة ضئية جدًا إذا ما قورنت بدول عربية أخرى مثل تونس والجزائر حيث تتجاوز نسبة القاضيات حاجز الـ30 في المئة، بينما تبلغ النسبة في المغرب نحو 25 في المئة.

وتظهر هذه الأرقام شديدة الضآلة في بلد لم يكن فقط أول بلد عربي خرجت منه قاضية في العصر الحديث، بل إنه البلد الذي أضحت فيه المرأة أول قاضية في التاريخ.

وفي حوار مع جريدة الشرق الأوسط، منشور بتاريخ 27 مارس من العام 2010، استند الباحث الأثري بسام الشماع وعضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، إلى برديات قديمة تثبت أن «نبت» هي أول وزيرة عدل وقاضية في التاريخ.

«نبت» هي حماة الفرعون «تتي» مؤسس الأسرة السادسة، وهي والدة الملكتين عنخس إن بيبي الأولى وعنخس إن بيبي الثانية، ويعني اسمها في المصرية القديمة «السيدة»، وقد نالت لقب «ساب» الذي يعني «القاضي» بالإضافة إلى لقب الوزيرة «ثاتى».

ترأست «نبت» المحكمة وكانت قرارتها نافذة وتصدر وفقًا لبنود القانون المصري القديم، وقد اختصت بالفصل في النزاعات والمعاملات التجارية في مصرالقديمة، ومنها قضايا التركة والميراث والعقارات والبيع والشراء.