من الأردن- أبرز ما جاء في مؤتمر إطلاق الحملة الإقليمية لعدم التسامح مطلقًا مع العنف ضد المرأة
احتضنت العاصمة الأردنية عمان على مدار يومي 2 و3 مايو الجاري، أعمال المؤتمر الإقليمي الذي نظمته المبادرة النسوية الأورومتوسطية، في إطار الإعداد لإطلاق الحملة الإقليمية التي ترفع شعار «عدم التسامح مطلقًا مع العنف ضد النساء والفتيات». وقد انعقدت جلسات المؤتمر بمشاركة نحو 120 ممثلةً وممثلًا لمنظمات المجتمع المدني والأحزاب وصنّاع القرار والإعلام، في عدد من الدول العربية وهي: الأردن، ومصر، ولبنان، وسوريا، وفلسطين، وتونس، والمغرب والجزائر.
وتنظم المبادرة النسوية الأورومتوسطية منذ العام 2015، اجتماعات إقليمية ووطنية بين عدد من المنظمات النسوية والمشرّعين وصنّاع القرار من أجل تعزيز المساواة بين الجنسين.
شارك في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر كل من؛ بسمة إسحاقات وزيرة التنمية الاجتماعية في الأردن، والنائبة الأردنية وفاء بني مصطفى، وليليان هولز الرئيسة المشاركة للمبادرة النسوية الأورومتوسطية، بالإضافة إلى الدكتورة اَمال حمد وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية التي شاركت عبر برنامج سكايب، بعد أن منعتها قوات الاحتلال الإسرائيلي من السفر.
من جانبها، قالت البرلمانية الأردنية وفاء بني مصطفى في كلمتها، إنه رغم التطوير المستمر للتشريعات في العالم العربي، ما زالت معدلات العنف ضد النساء والفتيات مرتفعة، خاصة مع تصاعد وتيرة النزاعات والصراعات المسلحة في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.
وبصفتها رئيسة ائتلاف البرلمانيات العربيات لمناهضة العنف ضد المرأة، تطرّقت بني مصطفى في حديثها إلى اتفاقية إسطنبول «اتفاقية منع ومكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي»، باعتبارها إطارًا متطورًا ومهمًا في سبيل مناهضة العنف ضد النساء والقضاء عليه، إلا أن الدول العربية لم تستجب لها بالتوقيع والمصادقة حتى الاَن.
يذكر أن اتفاقية إسطنبول صدرت في مايو من العام 2011، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من أغسطس في العام 2014، ووقع عليها 45 دولة من دول المجلس الأوروبي، بينما صدّقت 32 دولة من الدول الموقعة. وعلى الرغم من أن باب التوقيع مفتوح أمام دول أخرى غير أعضاء بالمجلس الأوروبي، وتحديدًا دول شمال وجنوب البحر الأبيض المتوسط، فإن جميع الدول العربية الموجودة في هذا النطاق لم توقع عليها حتى الآن.
وكرد فعل إزاء حالة العزوف تلك، قرر ائتلاف البرلمانيات العربيات الذي تترأسه بني مصطفى، أن يطرح اتفاقية موازية تتوافق وخصوصية المنطقة العربية، مشيرةً إلى أن الاتفاقية المقترحة وضعت في اعتبارها اللاجئات والنازحات والنساء تحت ظروف الاحتلال.
وأردفت البرلمانية الأردنية قائلة «نحن نسعى من خلال المشروع المطروح حاليًا أمام جامعة الدول العربية، إلى توحيد التشريعات الخاصة بمناهضة العنف ضد النساء في المنطقة، واستحداث اَليات تنفيذية تحول دون إفلات مرتكبي العنف.»
وحسب بني مصطفى فقد ركزت الاتفاقية على الإطارين الثقافي والتعليمي، وأهميتهما في بناء ثقافة مجتمعية ترفض التسامح مع العنف والتمييز ضد المرأة، فضلًا عن تخصيص بنود لمعالجة العنف السياسي الذي يعرقل وصول النساء إلى مراكز صنع القرار.
كما لفتت النائبة الأردنية إلى أن أفضل ما تحمله الاتفاقية بين طياتها هو ضمان المساءلة والمحاسبة ومنع إفلات مرتكبي العنف ضد النساء من العقاب حتى في حالات عدم الاستقرار والنزاع المسلح، وأضافت «لن نسمح للسياسيين بالمساومة على حقوق الناجيات من العنف. يجب أن يكون واضحًا للجميع أن مكافحة العنف ضد النساء ليس مادةً خاضعة للتفاوض.»
في نوفمبر من العام 2017، استضافت العاصمة المصرية القاهرة «مؤتمر منظمات المجتمع المدني لحقوق النساء في المنطقة الأورومتوسطية»، الذي جمع أكثر من 130 ممثلة وممثلًا لـ107 منظمة وشبكة، بالإضافة إلى أكاديميين وإعلاميين من 26 دولة، ركزوا في نقاشاتهم المكثفة خلال جلسات المؤتمر على سبل التصدي لحواجز المساواة المبنية على النوع الاجتماعي، وحماية الحقوق الإنسانية للنساء في المنطقة الأورومتوسطية.
أما بسمة إسحاقات وزيرة التنمية الاجتماعية الأردنية، فقد استهلت كلمتها باستعادة مقولة سابقة للملكة رانيا، ملكة الأردن، عن حق الفرد في الكرامة الإنسانية باعتباره حقًا يولد مع صاحبه وهو أساس حقوق الإنسان، موضحةً أن المملكة الأردنية أجرت حزمة من الإصلاحات والتعديلات على التشريعات القائمة وفي مقدمتها قانون العمل، بما يساهم في تعزيز حقوق المرأة، فضلًا عن تفعيل قرار مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، وتحديث وتطوير الاستراتيجية الوطنية للمرأة الأردنية، وإقرار استراتيجية منع الاتجار بالبشر 2019-2020.
كما أشارت إسحاقات إلى أن وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية تخص الناجيات من العنف باهتمام كبير، وتقدم لهن خدمات الدعم وفق نهج تشاركي مع منظمات المجتمع المدني، والمتمثلة في برنامج التدخل المبكر وبرامج الوقاية والدمج الأسري.
وفي إتصال عبر برنامج سكايب، أكدت آمال حمد وزيرة شؤون المرأة الفلسطينية على أن جميع الدول العربية يتعين عليها الالتزام بنصوص «اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة» والمعروفة باسم سيداو، لافتةً إلى فلسطين صادقت على الاتفاقية دون تحفظات في العام 2014، فضلًا عن انضمامها إلى اتفاقية حقوق الطفل وخطة التنمية المستدامة 2030، مما يؤكد على موقف الدولة الفلسطينية المناصر والداعم لقضايا المرأة وحمايتها وتمكينها.
من تونس، تحدثت منيرة الهمامي رئيسة جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية، واستعرضت في كلمتها أبرز ما تشتمل عليه القوانين التونسية من مواد تصب في صالح حماية النساء من العنف وتذلل الطريق من أجل تحقيق المساواة، فضلًا عن المواثيق والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الدولة التونسية وفي مقدمتها اتفاقية سيداو.
كما لفتت الهمامي إلى مجموعة من الأرقام تكشف واقع ظاهرة العنف ضد المرأة التونسية، والتي كانت دافعًا للعمل والضغط من أجل إصدار قانون شامل يستهدف مكافحة هذه الظاهرة. وقد استندت في عرضها إلى المسح الوطني بشأن السكان والتشغيل الصادر في العام 2010، الذي جاء فيه أن 47.6 في المئة من التونسيات تعرضن لأحد أشكال العنف مرة واحدة على الأقل خلال حياتهن في الفضاء الخاص، ودراسة أخرى صادرة عن أحد المراكز البحثية التونسية في العام 2016، أفادت بأن 58 في المئة من التونسيات تعرضن للعنف في الفضاء العام.
وخصصت الهمامي جانبًا من كلمتها لاستعراض مميزات القانون الشامل للقضاء على العنف ضد المرأة الذي صدر في أغسطس من العام 2017، ومنها تعريفه للعنف ضد المرأة بأنه كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس، بما يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة، بالإضافة إلى تعريفه لمصطلح «التمييز على أساس الجنس»، إلى جانب أنواع العنف على اختلافها بما فيها العنف السياسي والاقتصادي. كما لفتت إلى أن القانون يتصدى للعنف الواقع في المجالين الخاص والعام على حد سواء، ويضمن معاقبة مرتكبه بغض النظر عن سلطته أو علاقته بالناجية.
علاوة على ذلك، فقد نص القانون على استحداث مرصد وطني لمناهضة العنف ضد المرأة يخضع لإشراف الوزارة المُكلفة بشؤون المرأة، ومن بين مهامه: رصد حالات العنف ضد المرأة بناءً على التقارير والمعلومات المتوفرة، مع توثيق حوادث العنف وآثارها بقاعدة بيانات تُحدّث دوريًا، ومتابعة تنفيذ التشريعات والسياسات وتقييم نجاعتها وفاعليتها في القضاء على العنف ضد المرأة، فضلًا عن إجراء البحوث العلمية والميدانية اللازمة لتقييم التدخلات الواجبة، والمساهمة في إعداد الاستراتيجيات الوطنية ورسم المبادئ التوجيهية للقضاء على الظاهرة.
من لبنان، تحدثت رولا زعيتر، عضوة الهيئة الإدارية في التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، وقالت إنه «على الرغم من أن لبنان حقق مكتسبات في مجال حقوق المرأة وتمكينها، فإن الدولة ما زالت عاجزة عن إصدار قانون شامل لحمايتها من العنف»، مشيرةً إلى أن القانون رقم 293 المختص بمناهضة العنف الأسري والصادر في مايو من العام 2014، خرج مشوهًا فيما عدا تجريمه للاغتصاب الزوجي.
وينص القانون 293 في الفقرة «ب» من المادة 7 على «من أقدم بقصد استيفائه الحقوق الزوجية في الجماع أو بسببه، على تهديد زوجه عوقب بإحدى العقوبات المنصوص عليها في المواد 572 إلى 572 من قانون العقوبات. وفي حال معاودة التهديد تُشدد العقوبة وفقًا لأحكام المادة 357 من قانون العقوبات.»
في السياق ذاته، قالت زعيتر إن لبنانيات كثيرات غير قادرات على تقديم الدعم والتضامن فيما بينهن للناجيات من العنف بسبب الخضوع للموروثات الثقافية، لافتةً إلى أن العنف ينتقل من الدوائر الضيقة في المجال الخاص إلى الدوائر الأوسع في المجال العام.
كما انتقدت عضوة التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني ما وصفته بــ «ضعف مؤسسات الدولة في تفعيل وتنفيذ مواد القانون»، واستطردت قائلة «أمامنا تحد كبير وهو الفكر الديني، فالمجتمع اللبناني مجتمع طائفي بامتياز. في لبنان يوجد 15 قانونًا طائفيًا، مما يضيق الخناق على النساء ويُضعف قدرتهن على كسر حاجز الصمت، وبالتالي تقف الجمعيات الأهلية عاجزة عن تقديم المساعدة والدعم.»
نقطة أخرى أشارت إليها زعيتر كمعوّق، وهي تمسك الدولة اللبنانية بالتحفظ على المادة 16 من اتفاقية «القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة» المعروفة باسم سيداو، والتي تنص على «تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في جميع الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية، وبوجه خاص تضمن على أساس التساوي بين الرجل والمرأة: نفس الحق في عقد الزواج، ………..»
أما الناشطة النسوية المصرية عزة كامل، مديرة مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (ACT)، تحدثت عن المكتسبات والتحديات منذ العام 2011 وحتى الآن، وفيما يتعلق بالشق الأول، أشارت إلى تعديل بعض أحكام قانون العقوبات المصري في يونيو من العام 2014، فيما عُرِف إعلاميًا بـ«قانون التحرش الجنسي»، وذلك على خلفية تصاعد حوادث العنف الجنسي إبان الاحتجاجات الشعبية التي عمّت الشوارع المصرية بين العامين 2011 و2013.
وترتكز التعديلات التي أشارت إليها كامل في كلمتها، على إضافة المادة 306 مكرر (أ) والمادة 306 مكرر (ب) إلى قانون العقوبات المصري، وقد نصت المادة 306 مكرر (أ) على «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير فى مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأى وسيلة بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية……»، بينما نصت المادة 306 مكرر (ب)، على «يعد تحرشًا جنسيًا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها فى المادة 306 مكررا (أ) من هذا القانون، بقصد حصول الجاني من المجنى عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين…..»
كما تطرقت كامل إلى تعديل القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث، الذي أضيف بموجبه مادة تجرّم الامتناع العمدي عن تسليم الميراث لأحد الورثة والحجب أو الامتناع عن تسليم السندات المؤيدة لذلك. ويهدف التعديل إلى حماية حق النساء المُنتهك والمهضوم في كثير من قرى الريف والصعيد في مصر، حيث تُحرَم المرأة من الميراث بسبب العادات والتقاليد السائدة في هذه المناطق.
وفي إطار المكتسبات أيضًا، أشارت كامل إلى حملة «التاء المربوطة» التي أطلقها المجلس القومي للمرأة في العام 2016 لمناهضة العنف ضد المرأة، وحملة «لأني رجل» التي أطلقها المجلس نفسه بالتعاون مع هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN Women)، في ضوء المساعي الرامية إلى إدماج الشباب والرجال في عملية تمكين المرأة.
وبشأن التحديات، أشارت كامل إلى الإشكاليات التي تعاني منها المنظومة التشريعية فيما يتعلق بتجريم زواج القاصرات، بما يسمح باستمرار وقوع الجريمة بمعدلات مرتفعة، فضلًا عن التأخر في تدشين مفوضية مكافحة جميع أشكال التمييز، على الرغم من أن الدستور المصري نص في مادته الــ53 على إنشائها. واختتمت كامل كلمتها بالتأكيد على أن القوانين وحدها ليست كافية، وأن الاستراتيجيات رغم أهميتها لن تحقق وحدها الهدف الأكبر في مواجهة العنف القائم على النوع الاجتماعي، مما يتطلب مزيدًا من الجهد والعمل بغية تغيير الثقافة المجتمعية.