ريّا الحسن.. أول وزيرة «داخلية» في العالم العربي
بعد أكثر من ثمانية أشهر من المشاورات العصيبة والمفاوضات العسيرة، أعلن رئيس الوزراء سعد الحريري، مساء الخميس الماضي، 31 يناير الماضي، تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، وهي ثالث حكومة يشكّلها الحريري بعد ترأسه لمجلس الوزراء في العام 2009 وفي العام 2016.
ويأتي التشكيل الحكومي بعد أزمة اشتعل فتيلها في مايو الماضي، وسط اتهامات متبادلة بين القوى السياسية بالمسؤولية عن عرقلة تشكيلها، وتضم الحكومة الوليدة 30 وزيرًا، من بينهم 4 وزيرات يحققن أعلى تمثيل نسائي في تاريخ الحكومات اللبنانية، التي لم يتجاوز حضور النساء فيها حيز الحقيبتين، فضلًا عن أنها أول حكومة لبنانية وعربية تُمكّن المرأة من منصب «وزير الداخلية».
ويشمل التشكيل 16 وزيرًا يتولون الحقائب الوزارية لأول مرة، وتسعة وزراء من الحكومة المستقيلة وخمسة شغلوا منصب الوزير في حكومات سابقة، وبين الفئة الأخيرة يظهر اسم «ريا حفّار الحسن» وزيرة الداخلية الجديدة التي سبق أن شغلت منصب وزيرة المال في العام 2009، وفي المرتين كانت أول امرأة تصل إلى الموقعين في لبنان والمنطقة العربية.
ليلى الصلح حماده هي أول امرأة تتولى منصب “وزير” في تاريخ لبنان، وقد تولت حقيبة الصناعة في حكومة عمر كرامي، التي استمر عملها فيما بين 26 أكتوبر من العام 2004 وحتى 19 إبريل من العام 2005، إبان فترة حكم الرئيس الأسبق إميل لحود.
إلى جانب ريا الحسن (52 عامًا)، اختيرت الصحافية مي شدياق (55 عامًا) لحقيبة الدولة لشؤون التنمية الإدارية، وأسندت وزارة الطاقة والمياه إلى ندى البستاني (35 عامًا)، بينما تولت فيوليت خير الله الصفدي (37 عامًا) وزارة شؤون التأهيل الاجتماعي والاقتصادي لشؤون الشباب والمرأة، التي من المزمع تغيير اسمها إلى وزارة الدولة لشؤون التمكين الاجتماعي والاقتصادي للشباب والمرأة بعد أن لاقت كلمة “التأهيل” انتقادات واسعة من قبل المجموعات والمنظمات النسوية في لبنان.
وكما تعد هذه الحكومة صاحبة التمثيل الأعلى للنساء في تاريخ لبنان، فإنها تأتي بعد تسعة أشهر من انتخابات نيابية أفرزت برلمانًا شهد أعلى تمثيل نسائي عرفته البلاد، منذ تأسيس البرلمان اللبناني في عشرينيات القرن الماضي، وقد فازت المرشحات في هذه الانتخابات بست مقاعد، بواقع 4.6 في المئة من إجمالي عدد النواب.
أول امرأة لبنانية تدخل إلى البرلمان هي ميرنا البستاني، وقد انتخبت بالتزكية لدائرة الشوف في إبريل من العام 1963، خلفًا لوالدها النائب إميل البستاني الذي توفي إثر تحطم طائرته الخاصة.
ريا الحسن التي تمثل تيار المستقبل في الحكومة بين خمس حقائب حصل عليها، شغلت منصبها الوزاري السابق تحت قيادة الحريري أيضًا فيما بين العامين 2009 و2011، أي إبان تولي ميشال سليمان للرئاسة في لبنان.
وللحسن خبرة في القطاع المصرفي منذ التسعينيات، إذ شغلت منصب مساعدة وزير المال ومنسقة الشؤون المالية في الوزارة، ثم عملت كمساعدة لمدير العلاقات العامة بقسم الخدمات المصرفية للشركات في بنك بيبلوس Byblos Bank ، ومع بداية الألفية الجديدة اعتلت منصب مستشارة وزير الاقتصاد والتجارة.
وقبل أن تتولى حقيبة المال في التاسع من نوفمبر في العام 2009، كانت هي المسؤولة عن حزمة من المشروعات المطروحة أمام مجلس الوزراء برئاسة فؤاد السنيورة، كما عملت على تطوير برنامج الحكومة الاقتصادي والاجتماعي في مؤتمري باريس 2 و3 ، وهما مؤتمرين موسعين انعقدا بمشاركة المفوضية الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية وعدد من الدول المانحة، لتقديم مساعدات وقروض ميسرة إلى لبنان.
خلال فترة توليها لحقيبة المال، أعلنت أكثر من مرة رفضها لما يروّج عن أنها عُيّنت من أجل تمثيل صوري للمرأة بالحكومة، وقالت في تصريحات لصحيفة الرأي الكويتية بعد أيام من تسلم مهامها «لا علاقة لكوني امرأة بتوزيري، ولن يكون تحديًا أكبر كوني امرأة، بل إن خبرتي وعملي هما أكبر برهان لتحديد مدى قدرتي على العمل.»
استمرت في موقعها الوزاري الأول حتى الـ13 من يونيو في العام 2011، ثم عُيّنت رئيسة لمجلس إدارة والمديرة العامة للمنطقة الاقتصادية الخاصة في مدينة طرابلس اللبنانية.
أما بالنسبة لدراستها، فقد تخرجت الحسن في الجامعة الأمريكية ببيروت متخصصة في إدارة الأعمال، ثم حصلت على درجة الماجستير في إدارة الأعمال بتخصص التمويل والاستثمار، من جامعة جورج واشنطن الأمريكية.
وفي تصريحات مقتضبة لتلفزيون المستقبل اللبناني عقب إعلان التشكيل الوزاري، أعربت الحسن عن فخرها بتعيينها على رأس هذه الوزارة السيادية وإن كانت قد فوجئت بالأمر، وأكدت ثقتها في أن الوزيرات الجدد سينجحن في العمل المُلقى على عاتقهن، مشيرةً إلى أن اختيار الحريري لها لتولي حقيبتين ثقيلتين (المال والداخلية)، يبرهن على ثقته بقدرة النساء.
فضلًا عن ما تواجهه الحكومة الجديدة من تحديات، في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتعمّق الأزمة السياسة، فإن الوزيرات يواجهن تحديًا مضاعفًا في مجتمع ما زال يترصد عمدًا خطوات النساء في المجال العام، وبالقطع فإن التحدي الأصعب هو الذي تجابهه امرأة تعتلي منصبًا حساسًا في بلد يعاني من وضع أمني مضطرب، في ضوء توترات طائفية تجعله على صفيح ساخن طوال الوقت، بالإضافة إلى تداعيات أمنية فرضتها الأزمة السورية.