تدشين قوة العمل لمناهضة ختان الإناث.. وحقوقيون: «تطبيب الختان» سبب رئيس في استمراره
بالتزامن مع اليوم الدولي لعدم التسامح مطلقًا مع ختان الإناث، أو بالأحرى تشويه الأعضاء التناسلية، أعلن عدد من المنظمات النسوية والجمعيات الأهلية التنموية، إعادة إحياء ما يُسمى بــ«قوة العمل لمناهضة ختان الإناث»، وهي تكتل يضم نحو 146 منظمة وجمعية، وبحسب ما أعلنه ممثلو هذه القوة، في مؤتمر الإطلاق وإعلان البيان التأسيسي، فإن الهدف من تشكيلها، هو مواجهة استمرار تفشي هذه الممارسة على نطاق واسع في مصر من أقصاها إلى أدناها، لا سيما أن الأرقام تكشف محدودية تراجع نسب انتشارها، فضلًا عن بروز ظاهرة أخرى مصاحبة وهي «تطبيب الختان»، فبعد أن كانت نسبة إجراء ختان الإناث على أيدي الأطباء والعاملات والعاملين بالتمريض، لا تتجاوز الـ17 في المئة، في العام 1995، أضحت 82 في المئة، في العام 2014.
انعقد المؤتمر ظهيرة يوم الثلاثاء، الموافق 6 فبراير الجاري، وبدأ بكلمة للباحثة «نيفين عبيد»، ممثلةً عن مؤسسة «المرأة الجديدة»، إحدى الجهات المشاركة في تكتل «قوة العمل لمناهضة ختان الإناث»، وقالت خلالها إن ضرورة إحياء قوة العمل، جاء لدفع المنظمات الأهلية للعمل معًا وبقوة، لتقييم التدخلات الرسمية لوقف الظاهرة، وطرح تدخلات ممكنة كبدائل لمناهضة الختان، من خلال استهداف سياسات التعليم والصحة، وتقديم متابعات وتقارير لمتابعة الاستراتيجية القومية لمناهضة الختان، وتبني تدخلات تشريعية من شأنها تلقيح التعديل الأخير، للحد من تنامي ظاهرة تطبيب الختان.
أعقب كلمة «عبيد» مداخلة لمديرة مركز «تدوين لدراسات النوع الاجتماعي»، أوضحت خلالها أن الجمعيات المشاركة في قوة العمل، عكفت على الإعداد لتشكيلها وتحديد أهدافها، على مدار سنة كاملة، من خلال اجتماعات دورية، ونقاشات مستمرة، وطالبت «فهمي» بتطوير خطاب حقوقي مناهض لختان الإناث، بدلًا عن الخطاب ذي الصبغة الدينية، ليشمل حقوق المرأة في السلامة الجسدية والحقوق الجنسية والإنجابية.
وعن تطبيب الختان، تحدثت «فهمي» عن ارتفاع نسبة قبول المجتمع الطبي لممارسة الختان، لافتةً إلى أن مركز «تدوين» الذي تديره، قد أجرى حوارًا مع نقيب الأطباء في السويس، وأكد خلاله أن هناك حالات تستدعي إجراء ختان الإناث.
وفي السياق ذاته، انتقدت مديرة مركز «تدوين»، إجراء الأطباء لمثل هذه العمليات، على الرغم من أن الكتب والمراجع الطبية لا تعترف بها، بما فيها مناهج كليات الطب في مصر، مشددةً على أن ممارسيها يخالفون اَداب وأخلاقيات مهنة الطب، معتبرةً أنه من العار أن تصل نسبة عمليات الختان التي يجريها أطباء وعاملين بالصحة في مصر، إلى أكثر من 70 في المئة.
من جانبها، قالت «عزة سليمان» رئيسة مجلس أمناء مؤسسة «قضايا المرأة المصرية»، إننا في مرحلة لا تقتصر على تشويه الأعضاء التناسلية، وإنما تشويه النظام الصحي والتعليمي، وكل شيء.
ولفتت «سليمان» إلى أن دور الدولة في حماية النساء تراجع منذ فترة طويلة، وقالت «الدولة مطلقانا بقالها خمسين سنة، واللي عايز حقوقه يروح للمحكمة»، كما شددت على أهمية تجديد الخطاب الديني، الذي يؤثر بدرجة كبيرة على مختلف القطاعات والطبقات الاجتماعية، مشيرةً إلى أهمية تضمين هذه القضية في خطب الجمعة، من أجل مواجهتها.
أما «مجدي سيدهم» مدير عام «الجمعية المصرية للتنمية الشاملة»، فقد تحدث عن الأجواء التي تحيط بالجمعيات الأهلية، وتأثيراتها على عملها، وقال «الاَن لا يوجد تعليم ولا ثقافة، وإنما ينتشر الجهل، إلى جانب استعمال التدين، وتصدير معتقدات لا ترتبط بالدين، وهذا ما يجعل الفرد دائمًا يسأل عن الحلال والحرام، ويصدق أنه لا يستطيع التفكير بنفسه، وإنما عليه أن يسأل، وبالتالي فهو مرتبط بشخص اَخر يفكر له، وهو من يحدد له الصحيح والخطأ.»
ويضيف «سيدهم» أن المشكلة تكمن في وجود خطاب ولكن بدون مضمون، مثلما يُهدَر مضمون الدستور حاليًا، مؤكدًا أن المجتمع المدني لم يعد لديه نفس مساحة الحركة التي كانت متوفرةً قبل ذلك، مما يحتم عليه دراسة الظروف القائمة، لابتكار منهج وخطاب ونمط فكري مختلف للتعامل مع ما طرأ من مستجدات.
واستعرض «رضا الدنبوقي» مدير مركز «المرأة للإرشاد والتوعية القانونية»، التطور التشريعي في مواجهة ظاهرة ختان الإناث، مشيرًا إلى وسيلة مرتكبي الجريمة للإفلات من العقاب، وهي إدعاء أن العملية أجريت بهدف إزالة زوائد جلدية، تسبب مشاكل صحية وجسدية للفتاة، مؤكدًا عدم صحة هذه المزاعم والحجج.
كما أفرد مساحة لاستعراض وقائع قضية الطفلة «سهير الباتع» التي استمرت لنحو سنة ونصف. سهير الباتع هي طفلة توفيت في يونيو من العام 2013، إثر إخضاعها لعملية ختان في إحدى العيادات الخاصة، في الدقهلية، وبرأت المحكمة الطبيب في القضية، لكن استطاع المحامون في جولة الاستئناف، أن يحصلوا على حكم بالإدانة.
وتابع «الدنبوقي» قائلًا إن أهل «الباتع» تصالحوا مع الطبيب، مما أدى إلى خروجه من السجن بعد عدة أشهر، ليزاول نشاطه، مشيرًا إلى أنه على الأرجح ما زال يجري عمليات ختان للبنات.
أما جهود الدولة في مواجهة انتشار الممارسة، فقد قدم «باتريك فخري»، ممثل «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، تقييمًا لهذه الجهود، وتحديدًا في الإطار التشريعي، منتقدًا حالة التناقض بين ما يقال وما يفعل والعكس، مستشهدًا بالتعديل الذي أدخله البرلمان إلى قانون العقوبات في العام 2016، بهدف تغليظ عقوبة ختان الإناث، وصاحبه تصريحات مؤيدة للممارسة، من قبل عدد من نواب البرلمان نفسه، مثل؛ أحمد الطحاوي، الذي اعتبر أن ترك الفتاة بدون ختان غير صحيح، والنائب إلهامي عجينة الذي قال إن أكثر من 60 في المئة من الرجال يعانون من الضعف الجنسي، مما يجعل ختان الإناث ضرورة.
تأثير الختان على الصحة الجسدية والجنسية للمرأة، تحدثت عنه باستفاضة الدكتورة «ريما الخفش»، وهي طبيبة أمراض نساء وتوليد، «طوال فترة عملي كطبيبة في مصر، لم أكن أجد نساءً غير مختونات، وعندما جاءتني امرأة غير مختونة، وسألتها: كيف ذلك؟، قالت لي: أنا مش مصرية.» هكذا استهلت «الخفش» حديثها، لتنتقل إلى توضيح الأسباب التي تقف وراء استمرار ممارسة ختان الإناث، وفي مقدمتها حرمان النساء من الاستمتاع الجنسي، وقالت إن الأمر يعود إلى فترة الاستعباد، عندما قرر الأحرار إخضاع النساء من الجواري إليها، ليحرمهن من حقهن في الاستمتاع الجنسي، لأن الرجل وقتذاك، لم يكن يستطيع تحقيق المتعة الجنسية لكل جواريه.
وأكدت «الخفش» أنه لا يوجد سبب يبيح بتر الأعضاء التناسلية للمرأة، بما في ذلك إدعاء كبر حجم البظر، منتقدةً ربط هذه الحجج بالنساء فقط، بينما لا يشكو أحد من أن العضو التناسلي للرجل كبير ولا بد من بتر جزء منه.
وشددت «الخفش» على أنه لا يحق لأحد أن يحرم الأنثى من الاستمتاع الجنسي، سواء عبر الإمتاح الذاتي أو العلاقات الجنسية، باللجوء إلى إخضاعها لهذه الممارسة، التي لا يوجد لها أي مبرر طبي.
أما الدكتورة «راندا فخر الدين» عضوة «ائتلاف الجعيات الأهلية لمناهضة ختان الإناث»، فقد أعربت عن خجلها من إجراء أطباء لعمليات تشويه الأعضاء التناسلية، مؤكدةً أن الوصف الصحيح ليس أطباء وإنما جزارين.