قراءة نقدية لفيلم «نسويات إن شاء الله»: نقص في التوثيق يبخس حق المناضلات الأولَيات
يبدأ فيلم “نسويات إن شاء الله: تاريخ النسوية العربية”، من بيروت، حيث يرصد جانبًا من عرض من عروض الشارع، في إطار الاحتفاء باليوم العالمي للمرأة، في الثامن من مارس من العام 2014. ويبرز العرض العنف الذي تتعرض له الأنثى منذ الطفولة، خاصة داخل المنزل.
“العنف المنزلي يعكس نظامًا كاملًا من العنف، الذي نتعرض له في بلادنا، الرجال هم من يحكمون ولديهم السلطة، لذا تعاني النساء.”
“الشعب يريد”
يذكرنا الفيلم بمشاركة النساء القوية والشجاعة في الثورات العربية، التي انطلقت قبل نحو ست سنوات، عندما تقدمت التونسيات الصفوف في الثورة التي أطاحت بـ”بن علي”، كما صدحت المصريات بالحرية في الثورة التي اندلعت في يناير من العام 2011، وأجبرت “مبارك” على التنحي، مشيرًا إلى الإحباطات التي تبعت ذلك، عندما فاز حزب النهضة التابع لجماعة الإخوان المسلمين بالانتخابات التشريعية في تونس، مما أعاد النساء إلى الشوارع، احتجاجًا على مساعيه إلى النيل من مكتسبات المرأة التونسية التي حصلت عليها في العام 1956، عندما صدرت مجلة الأحوال الشخصية، فيما كان الوضع أشد سوءًا في مصر، حيث واجهت المصريات إرهابًا جنسيًا ممنهجًا، إبان الاحتجاجات التي شهدتها البلاد منذ العام 2011 وحتى 2013.
“عندما ثارت شعوب العالم العربي باسم الحرية، أطلقت قضية حرية المرأة ومكانتها جدلًا سياسيًا أكثر من أي وقت مضى”
على الرغم من أن الفيلم يتعرض إلى النضال النسوي في مصر وتونس، والمغرب، ولبنان، فقد ركز بدرجة كبيرة على التجربتين التونسية والمصرية تحديدًا، ربما لأن إحداهما هي الأكثر تقدمًا في الوطن العربي، والأخرى هي الأعرق عربيًا.
فيلم”نسويات إن شاء الله: تاريخ النسوية العربية”، من إعداد وإخراج التونسية “فريال بن محمود”، وصدر في العام 2014
يعود الفيلم إلى ما قبل 50 سنةً، لا سيما بعد حصول الدول العربية على استقلالها، عندما أصبحت حرية النساء أمرًا حتميًا بحسب رؤية الفيلم، ويتطرق الفيلم إلى دور القادة السياسيين وقتذاك في تحرر المرأة، ليقدم مقارنةً بين ما كان عليه وضع النساء في الماضي، وما أضحى عليه في الحاضر.
يطرح الفيلم أسئلة مثل؛ ما الذي حدث؟ وكيف يمكن للنساء أن تغير المجتمعات التي تسيطر عليها النزعة الأبوية؟، محاولًا توثيق تاريخ نضالهن خلال الستين سنة الأخيرة.
قدمت المخرجة الفيلم، باعتباره يوثق تاريخ النسوية في العالم العربي، ويستعرض تاريخًا غير معلوم عنها
كيف يكون الرجال هم من صاغ نظريات النسوية؟!
يحاول الفيلم الربط بين دور “طاهر الحداد” في تونس و”قاسم أمين” في مصر، في إطلاق الشرارة الأولى للنضال من أجل تحرير المرأة، إلى حد وصفهما بأنهما “أول من صاغ نظريات النسوية”، إلا أن ذلك ينفيه التاريخ نفسه، وخاصة فيما يتعلق بالحالة المصرية، فإن كان “قاسم أمين” قد قدم كتابه “تحرير المرأة” في العام 1899، فقد سبقه إلى الكتابة عن المرأة، العديد من النساء في مصر، وبأقلامهن خضن المعركة الأولى، وهي ترقية عقول النسوة القابعات خلف الأبواب المؤصدة في البيوت المحكومة بقبضة الرجال، فضلًا عن تشجيع العالمات بالقراءة منهن على الكتابة، عندما كان انفتاح النساء على المجال العام، أمرًا خارجًا عن التقاليد، والاشتغال بالكتابة تعديًا على الأعراف، وقد فعلن ذلك من خلال المجلات النسائية، وفي مقدمتها “الفتاة” التي أصدرتها “هند نوفل” في الإسكندرية في العام 1892، ومن بعدها “لويزا حبالين” التي أصدرت مجلة “الفردوس” في القاهرة، ثم “أنيس الجليس” التي أصدرتها الأميرة “إلكسندرا ميلتادي أفرينو” في الإسكندرية، في العام 1898.
ربما لم تضم هذه المجلات بين صفحاتها، دعوات بنفس الجرأة التي حملها كتاب “تحرير المرأة”، لكن بالنظر إلى الوضع القائم انَئذ، وحال النساء في ذلك الوقت، خاصةً أن إصدار امرأة لمجلة تخاطب بني جنسها، بهدف تثقيفهن وترقيتهن، كان معركةً في حد ذاته، وهو ما يؤكد أن النسوية في العالم العربي، حركت النساء موجاتها الأولى، على الرغم من التضييق المفروض عليهن، إذ لم يكن لديهن رفاهية الرجال، الذين يتعلمون ويسافرون إلى الخارج للدراسة، ويتحركون بحرية، ويكتبون بلا خوف من ملاحقة أو اتهام بالخروج عن التقاليد التي تمنع ذلك.
عذرًا .. ليست “هدى شعراوي” أول ناشطة نسوية
يعتبر الفيلم “هدى شعراوي” أول ناشطة نسوية عربية، ليغفل بذلك الدور الذي لعبته “ملك حفني ناصف”، التي لُقِبت بـ”باحثة البادية”، وفضلًا عن كتاباتها ومحاضراتها في الجامعة المصرية، كانت أول من كتب عريضةً موجهة إلى البرلمان المصري في العام 1911، تضم 10 مطالب نسوية، ومن بينها؛ ألا يتم الطلاق أو الزواج إلا أمام القاضي في المحكمة، بغية تقييد فوضى تعدد الزوجات والطلاق الشفهي، وأن يكون التعليم الابتدائي للبنات إلزاميًا، وأن يكون للمرأة حق استكمال تعليمها العالي في كل المجالات، فضلًا عن أن “شعراوي” نفسها، أشارت في مذكراتها إلى مدى الحزن الذي أصابها بعد رحيل “ناصف”، لما لها من تأثير في حياتها.
وفي سياق متصل، يسرد الفيلم واقعة خلع “هدى شعراوي” للحجاب، بشكل غير الذي ذكرته نفسها في مذكراتها، فقد قال الفيلم إن “شعراوي” أزاحت الحجاب عن وجهها، وكشفته أمام الناس، عقب عودتها من مؤتمر للحركة النسوية (المقصود: مؤتمر روما النسائي الدولي) في العام 1923، وهو ما يعد خرقًا لأحد المحظورات، ولذلك فقد سادت حالة الاستهجان بين الحاضرين، حتى بدأت مجموعة من النساء التصفيق، بينما الواقعة على لسان صاحبتها، لم تكن كذلك، فقد قالت “شعراوي” في مذكراتها “ورفعنا النقاب أنا وسكرتيرتي سيزا نبراوي وقرأنا الفاتحة، ثم خطونا على سلم الباخرة مكشوفتي الوجه، وتلفتنا لنرى تأثير الوجه الذي يبدو سافرًا لأول مرة بين الجموع، فلم نجد له تأثيرًا أبدًا، لأن كل الناس كانوا متوجهين نحو سعد (في إشارة إلى سعد زغلول)، متشوقين إلى طلعته”، أما ردود الأفعال الغاضبة مما فعلته “شعراوي”، جاءت بعد الحدث نفسه، وعندما أصبحت تظهر دائمًا بوجه ثم شعر مكشوفين.
تونس .. كيف حازت الريادة؟
على الجانب الاَخر، فإن توثيق المرحلة الأولى من التجربة النسوية التونسية في الفيلم، بدا أكثر دقةً، فضلًا عن أن أحد أبرز الوجوه التي ظهرت خلال الفيلم، هي الناشطة النسوية المخضرمة “شريفة السعداوي”، التي انضمت لاتحاد النساء التونسيات، في أربعينيات القرن الماضي، مما أضاف مزيدًا من المصداقية والحيوية للشق المتعلق بتوثيق المرحلة الأولى في النضال النسوي التونسي.
بعد ما خلعت “شعراوي” حجابها في مصر في خطوة كانت ثورة في حد ذاتها، على واحد من مظاهر السطوة الذكورية، تبعها العديد من النسوة ليس في مصر فقط، وإنما في العالم العربي، ويشير الفيلم إلى اثنتين في تونس حذوتا حذوها، وهما “منوبية الورتاني” في العام 1924، ثم حبيبة المنشاري” في العام 1929، لكن هذه الخطوات في تونس لم يكن لها نفس الأثر كما كان في مصر، فما فعلته “شعراوي”، كان كحبات العُقد التي انفرطت، وبنهاية العشرينيات لم يعد في مصر حجابًا إلا فيما ندر، أما تونس فقد ظل فيها الحجاب حاضرًا بقوة حتى الخمسينيات، ويتبين ذلك من خلال الصور التي استخدمها الفيلم لتوثيق فترة ما قبل وصول “بورقيبة” إلى الحكم في تونس في الخمسينيات، ويظهر فيها النساء بالحجاب الأبيض.
وأشار الفيلم إلى مشهد من المشاهد الباقية في ذاكرة الأمة، عندما أزال الرئيس التونسي “الحبيب بورقيبة” الحجاب عن رؤوس عدد من النساء، فضلًا عن وصفه له بقطعة القماش البائسة.
حتى تلك اللحظة، ما زالت مصر صاحبة الحركة النسوية الأقدم في المنطقة، الأكثر تقدمًا، حتى جاءت إجراءات العام 1956، التي اتخذها “بورقيبة” لتضع تونس في المقدمة، بل ويصبح من الصعب أن تلحقها أي دولةٍ أخرى.
بورقيبة في مواجهة عبد الناصر
يتطرق الفيلم إلى تأثير “بورقيبة”، على مسار الحركة النسوية، خاصة بعد إصدار مجلة الأحوال الشخصية في العام 1956، التي منعت تعدد الزوجات، وجعلت الطلاق إجراءً قانوني، لا يُعترف به إلا عن طريق المحكمة، ورفعت سن الزواج إلى 17 سنةً، ليحول بذلك الأفكار التي دافع عنها “طاهر الحداد” إلى قوانين.
ينظر الفيلم إلى أن ما فعله “بورقيبة” تحت مسمى “النسوية الحكومية” لم يرسخ المساواة الكاملة، لكنه أدى إلى تغيير عميق في حياة النساء التونسيات.
يتوقف الفيلم قليلًا عند أهم ما ميز تونس، وهو وسائل تنظيم النسل، التي باتت متوفرةً على نطاق واسع، والإجهاض الذي أضحى قانونيًا في العام 1973، لكل التونسيات وبدون أي شروط، ليصبح هذا البلد استثناءً في العالم العربي.
في المقابل، كان الوضع في مصر، خاصة فيما يتعلق بدور الدولة في تعضيد حقوق النساء أقل كثيرًا من تونس، وينقل الفيلم تصوره لهذا البلد في فترة حكم “جمال عبد الناصر”، الذي أضحى رئيسًا في العام 1956، وينظر الفيلم إلى السينما من وجهة نظر غير تقليدية، ليرى أنها قدمت صورةً مختلفة للنسوية، وكانت في بعض الأحيان مذهلة، ضاربًا المثل بـالراقصة “سامية جمال”، نجمة الأفلام الاستعراضية في الخمسينيات، إلى جانب نجمات تلك الفترة السينمائية، اللاتي نقلن إلى العالم العربي، عبر أدوارهن ومظهرهن، صورةً مبهرة للمرأة المصرية.
“مثلت الراقصات الحرية التي تجاوزت حدود أي دولة، لقد كن رمز قوة النساء”
لم ينس الفيلم الإشارة إلى إحدى أكثر النساء تأثيرًا في مصر والعالم العربي، وهي “أم كلثوم” التي عبرت الحدود بصوتها القوي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن مخرجة الفيلم “فريال بن محمود”، تبدو شغوفة بـ”أم كلثوم”، إذ قدمت فيلمًا يوثق مسيرة المطربة الأشهر في الوطن العربي، يحمل اسم “كوكب الشرق”.
يقول الفيلم من خلال التعليق الصوتي، إن راقصات الخمسينيات والستينيات قد أعدن فنًا قديمًا، وكأن الرقص الشرقي، انقطع عن السينما أو عن مصر عمومًا، وهذا يجافي الواقع، لأن مصر كانت البلد الحاضن لهذا الفن طوال الوقت، ورافق الرقص الشرقي السينما منذ بدأت (مصر ثاني بلد عرف الفن السينمائي، وحمل أول فيلم مصري روائي طويل، اسم “ليلى” وصدر في نوفمبر من العام 1927).
وعلى سبيل المثال، فقد ظهرت الراقصة “حكمت فهمي” في أفلام مثل؛ تتياوونج من إنتاج العام 1937، وفيلم العزيمة من إنتاج العام 1939، كما ظهرت الراقصة “ببا إبراهيم” في أفلام مثل؛ شيء من لا شيء من إنتاج العام 1938، ودنانير من إنتاج العام 1939، وعريس من إسطنبول من إنتاج العام 1941، والمتهمة من إنتاج 1942، وظهرت الراقصة “كيتي” في فيلم المصري أفندي من إنتاج العام 1949.
أفرد فيلم “نسوية إن شاء الله”، مساحةً للحديث عن تأثير جماعة الإخوان المسلمين، في تقييد الإصلاحات التي جرت لصالح النساء في مصر، واستشهد الفيلم بواحد من أشهر المقاطع المصورة، للرئيس المصري “جمال عبد الناصر”، عندما تحدث بسخرية عن مطالب المرشد العام للجماعة بشأن فرض الحجاب على النساء ومنعهن من العمل.
بحسب الفيلم فإن “عبد الناصر” كان عليه أن يحافظ على الطابع الريفي والمحافظ الغالب على بلاده، ولذلك بقيت إصلاحاته متواضعة بتلك التي قدمها “بورقيبة” في تونس.
النكسة والنِفط: عدوان جديدان للنساء
عندما هُزِمت الأنظمة العربية وفي مقدمتها النظام المصري على يد الجيش الإسرائيلي، اَمن المحافظون بأن هذا انتقام من الله، وزادت وتيرة انتقادهم للمجتمع ووضع المصريات والسينما المصرية، بكل ما تحمله من تحرر، كان ذلك مفاد تعليق الباحث السياسي “غسان سلامة” على تأثير هزيمة العام 1967 على وضع النساء في العالم العربي، والردة التي أدى إليها في هذا الشأن.
“لم تمثل هزيمة 1967 هزيمة للعرب وإنما كانت هزيمة للحداثة”
في السبعينيات، تغير التوازن في الشرق الأوسط، ومع تدفق النفط، انتقلت القوة الاقتصادية والجيوسياسية من مصر إلى شبه الجزيرة العربية، ويلفت الفيلم إلى الحداثة المزيفة التي عرفتها السعودية، لينظر عن قرب إلى واقع النساء السعوديات، الذي يعد الأسوأ عربيًا، لا سيما أن السعودية كانت الدولة العربية الوحيدة التي تحظر على النساء قيادة السيارة، حتى أصدر الملك سلمان في سبتمبر الماضي، مرسومًا يرفع الحظر.
يركز الفيلم على تأثير السعودية على المجتمع المصري تحديدًا، مستعرضًا التحول الذي طاله بسبب الأفكار الوهابية التي تغلغلت فيه، في ظل هجرات المصريين إلى السعودية، لأسباب اقتصادية. ويحاول الفيلم عن طريق عدد من الأكاديميين والمواد المأرشفة، أن يوثق كيف كانت هذه الأسلمة سببًا في عودة الحجاب والنقاب إلى مصر، وأسهمت في انتهاء المظهر المتحرر الذي عرفه العرب عن النساء المصريات.
ويركز الفيلم على ما يمكن وصفه بالحرب التي شنها أبناء الفكر الوهابي في شبه الجزيرة، مستهدفين النساء لفرض العودة إلى الحجاب، سواء من خلال القنوات السلفية أو تجنيد الفنانات المصريات، لافتين إلى “حنان ترك” نموذجًا، التي ارتدت الحجاب، وعمدت إلى التبشير به من خلال لقاءاتها التلفزيونية.
“صارت عودة الحجاب يدًا بيد مع عودة الأسلمة إلى المجتمع. مع بداية عودة الأسلمة كان الحجاب عدوانيًا، كان الإسلام السياسي يفرض ارتدائه، وبالتدريج ومع عودة الأسلمة إلى المجتمعات تحول الحجاب إلى حجاب هوية”
يحاول الفيلم قراءة التناقض الذي صاحب هذه الحالة من التدين الظاهري، التي أفضت إلى كبت، وكما أصبح كثيرون يتابعون البرامج الدينية “المتشددة”، صاروا يشاهدون أيضًا برامج مثل التي تقدمها الدكتورة “هبة قطب”، استشارية الطب الجنسي، التي دخلت إلى المناطق المحظورة، وحقق برنامجها “كلام كبير” نجاحًا كبيرًا.
من هنا ينتقل الفيلم، لمناقشة علاقة الإسلام بقضية المساواة، عن طريق مرور سريع على حركة “النسوية الإسلامية” التي بدأت في أندونيسيا، ومن ثم يتطرق إلى وضع النساء المغربيات، حيث يعشن في بلد يظل ملتزمًا بالقواعد الدينية، منذ أن نال استقلاله في العام 1956، وصدر قانون الأحوال الشخصية في العام 1959، الذي جاء محافظًا أكثر مما ينبغي، ولم يجري تعديله إلا في العام 2003، على يد الملك محمد السادس، لتتضمن المدون الجديدة؛ تقييد تعدد الزوجات، ويفرض الموافقة القضائية على الطلاق، وتسهيل طلب المرأة للطلاق، وهو ما جعل المغرب في المرتبة الثانية عربيًا بعد تونس، فيما يخص حقوق النساء.
وبحسب إحدى الناشطات المغربيات، تدعى مريم يافوت، فإن تغيير القوانين في المغرب ليس كافيًا، وما زال النظام القانوني فاسدًا، يسمح للرجال بالالتفاف عليه، وبالتالي فما زال هناك مجال لسريان تعدد الزوجات.
أمينة .. الجسد في قلب المعادلة
في مارس من العام 2013، نشرت ناشطة تونسية شابة تدعى “أمينة” على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، صورة لجسدها عاريًا وقد كتبت عليه “جسدي ملكي.. ليس شرف أحد”، مما أثار جدلًا واسعًا لم يقتصر على المجتمع التونسي، وإنما امتد للمجتمع العربي كله، ومن خلال مشاهد مصورة لاحتجاجات، إما مع أو ضد ما فعلته “أمينة”، وتعليقات من رجل معترض على ما فعلت، وناشطة مؤيدة، يتبين حجم الهزة التي أحدثتها “أمينة” بهذه الصورة، لتضع الجسد في قلب النقاش النسوي العربي، بعد أن كان على الهامش.
“تناضل ناشطات النسوية العربية من أجل الحقوق والاختصاص القضائي، والمواضيع الاجتماعية والاقتصادية، لكن الحديث عن الجسد أمر صعب جدًا”
يعود الفيلم إلى مصر، وترصد الكاميرا، جانبًا من رسوم الجرافيتي على الجدران في محيط ميدان التحرير، حيث اندلعت الثورة المصرية في العام 2011، وتحديدًا هذه التي تروي قصص الهجمات الجنسية التي تعرضت لها النساء عندما نزلن إلى الشوارع يطالبن بالحرية، وعلى الرغم من أن الفيلم لم يوغل في هذه القضية، على الرغم من محوريتها في مسيرة النضال النسوي المصري، إلا أنه اتخذها مدخلًا، لمناقشة الرابط بين النسوية والسياسة.
“النسوية فكرة سياسية، لا يمكن التفكير في النسوية من دون التفكير في الحرية السياسية وحرية الرأي”
التقط الفيلم ذلك الوجه النسائي، الذي ظهر على مواقع التواصل العربي مباشرة بعد الثورات العربية في العام 2011، وبالتمعن في تفاصيله، يتبين أنه خريطة الوطن العربي، وهو شعار حركة إلكترونية، بعنوان “انتفاضة المرأة في العالم العربي”، ويلتقي الفيلم بمؤسستي هذه الحركة “يلدا” و”ديالا” في بيروت، بالتعاون مع ناشطة في مصر وأخرى في فلسطين، ليُعلن أن هدفهن هو التضامن النسوي فيما بين الناشطات العربيات.
اختارت المخرجة “فريال بن محمود” أن تنهي الفيلم، بكلمات لـ”ديالا”، تقول إننا في مرحلة تسبق ثورة نسوية، وتتبعها بصور تبرز تضامن نساء ورجال من شتى أنحاء العالم العربي، مع انتفاضة المرأة في العالم العربي.
إن كان الفيلم قد جانبه الصواب في عدد من المعلومات التي أوردها في السياق التاريخي المتعلق بالنسوية المصرية على وجه الخصوص، وإن كان لم يقترب من النسوية في الكثير من البلدان العربية، على الرغم من خصوصية بعض التجارب، لا سيما تلك التي اصطدمت بما هو أشد وحشية من قوى الإسلام السياسي، إلا أنه في النهاية، تمكن من الإجابة عن السؤالين الذين طرحهما، بشأن التغير الذي طرأ على واقع المرأة، لكن الإجابة تكاد تقتصر على تونس ومصر، ومبررات ذلك كما نتصورها ذكرناها سلفًا، والسؤال الثاني فيما يتعلق بكيف يمكن للنساء أن تُغَيَّر هذه المجتمعات الأبوية، فإجابته لخصتها إحدى مؤسسات حركة “انتفاضة المرأة في العالم العربي”، في «الثورة النسوية».
هذا الموضوع منشور ضمن مجموعة #السينما_في_مواجهة_العنف_ضد_المرأة