سؤال يبحث عن إجابة.. هل تنجح «الاستراتيجية القومية للمرأة 2030» في تغيير الصورة النمطية لاستراتيجيات مكافحة ظواهر العنف ضد النساء؟
استضافت القاهرة منذ أيام قليلة مؤتمر إعلان 2017 عام صحة المرأة العربية تحت شعار “صحتك هي أولويتنا”، الذي يأتي تحت رعاية رئيس الجمهورية “عبد الفتاح السيسي”، وهذا الحدث يعد واحدًا من الفعاليات التي تتماشى مع إعلان عام 2017 عامًا للمرأة، ومن المزمع أن ينعقد مؤتمر للإعلان الرسمي عن عام المرأة والاستراتيجية القومية لتمكين المرأة المصرية 2030 خلال الأيام المقبلة، وذلك تزامنًا مع احتفالات شهر المرأة وخاصة اليوم العالمي للمرأة.
وعن الاستراتيجية المرتقب الإعلان عنها، وقد عكف على الإعداد لها المجلس القومي للمرأة لما يصل إلى سنة كاملة، وتضم في طياتها 6 محاور، تتمثل في التمكين الاقتصادى والاجتماعى والسياسى والثقافى والتشريعي للمرأة فضلًا عن محور الحماية للمرأة.
المحور الأخير المتعلق بحماية المرأة، يرمي إلى حماية الحقوق الأساسية والقضاء على العنف متمثلًا في ظواهر ختان الإناث، والتحرش الجنسى، والزواج المبكر، وأيضًا الحرمان من الميراث وضمان الحد الأدنى للحياة الكريمة للمرأة المهمشة، وإنهاء الأمية، وهي إشكاليات لم تحل على مدار عقود، رغم أن الحكومات المتعاقبة على مصر، أعلنت عن حملات قومية لمجابهة هذه الظواهر، وأبرزها الحملة القومية لمناهضة ختان الإناث التي بدأت في 2009، فضلًا عن أن السنوات الأخيرة شهدت الإعلان عن عدد من الاستراتيجيات لمكافحة عدد من ظواهر العنف على رأسها ختان الإناث، ومع ذلك بحسب وكالة تومسون رويترز الخيرية في عام 2013، مصر تضم أكبر تجمع سكاني لنساء أجري لهن عمليات ختان بما يقدر بـ27.2 مليون.
إعلان الحملة القومية لمناهضة ختان الإناث – عام 2009
وبحسب تصريحات “مايا مرسي” رئيسة المجلس القومي للمرأة، فقد عقد المجلس حوار مجتمعي مع شركاء مختلفين لوضع الاستراتيجية، من بينهم، نواب وجمعيات الأهلية.
بشأن مدى جدوى هذه الاستراتيجية، في تحقيق الأهداف المعلن عنها، في ظل إخفاق طويل العمر عرفته مصر في مواجهة ظواهر العنف المستشرية ضد النساء، “ولها وجوه أخرى” تطرح عددًا من التساؤلات على عدد من المعنيين والفاعلين في مجال دعم وتمكين النساء في مصر.
تحديد أهداف الاستراتيجية هو الأساس..
كوتة المرأة والتعيين وسيلة وليس غاية
البداية مع “أمل فهمي” مديرة مركز تدوين للدراسات الجندرية، التي تؤكد أن استراتيجيات عديدة طرحتها الدولة عبر مؤسساتها في الأعوام السابقة، وأبرزها استراتيجية مناهضة العنف ضد المرأة التي أعدها المجلس القومي للمرأة، واستراتيجية مناهضة ختان الإناث التي أعدها المجلس القومي للسكان، واستراتيجية مجابهة الزواج المبكر 2015 -2020، الصادرة عن نفس المجلس بالتعاون مع وزارة الدولة للسكان اَنذاك، وهذا الأمر يستدعي توجيه سؤال مهم وضروري بشأن ما ستضيفه هذا الاستراتيجية بحسب “فهمي”.
وتردف “فهمي” قائلة “الأهم في أي استراتيجية هو تحديد الإطار العام لها، وأهدافها، والتوقيت الزمني لها، والأنشطة التي من المقرر العمل عليها، واَليات تنفيذها، هذه الأمور لابد أن تكون واضحة بشكل كامل.”
مؤتمر الإعلان عن استراتيجية الحد من الزواج المبكر – يونيو 2015
https://youtu.be/FxhuTwwHf88
وفي إطار التمكين الذي أعلن عنه القائمون على الاستراتيجية، في محاور عدة من بينها المحور السياسي، والاقتصادي، والتشريعي، وقد تحقق جانب منها بعد تطبيق نظام كوتة المرأة في انتخابات البرلمان الأخيرة، فوصل عدد النائبات إلى 89 امرأة، فضلًا عن تعيين أول محافظة وهي “نادية عبده”، في البحيرة.
وفي هذا الصدد تشدد “فهمي” على أن الكوتة أو التمييز الإيجابي في المجالس المحلية أو النيابية، في البلدان النامية أمر محمود ومطلوب، لافتة إلى أن المشكلة عادة ما تكون في اختيار الشخصيات التي يجري تعيينها، أو في تذليل العقبات أمامها لتولي المناصب، وتقول “لابد أن تكون الشخصية المختارة صاحبة مواقف واضحة أو شخصية نسوية، فأداء بعض النائبات كان مخيبًا للاَمال، فمشروع الحضانة الذي أثار حالة من الجدل المجتمعي والرفض كان اقتراح إحدى هؤلاء النائبات.”
وتختتم حديثها “الأهم في الأمر هو أن تكون المرأة المناسبة في المكان المناسب، فقد وجدنا رجالًا تبنوا مقترحات جادة كحلول للمرأة وما تواجهه من صعوبات.”
نجاح الاستراتيجية مرهون بالتنسيق بين مؤسسات الدولة
من جانبها توضح “انتصار السعيد” مدير مركز القاهرة للتنمية وحقوق الإنسان، أن نجاح أي استراتيجية سواء ما أعلن عنه سابقًا، أو استراتيجية 2030، مرهون بالتنسيق بين كافة مؤسسات الدولة، والمجلس القومي للمرأة، والمنظمات الحقوقية النسوية على كافة المستويات، وفي مقدمتها العادات والتقاليد التي تتمتع بقوة فعلية أكبر من قوة القانون في المجتمع المصري، وتقول “على سبيل المثال زواج القاصرات مجرم بالقانون، لكنه يحدث وينتشر بنسب مرتفعة خصوصًا في المناطق الريفية والصعيد.”
وحول ما يعرف برمي القتات، فيما يخص تمكين المرأة في المجال العام، ترى “السعيد” أن المجتمع الآن يعيش حالة من الردة الثقافية، على خلاف فترة الستينيات التي كانت تمثل أوج الازدهار الثقافي، والتنوير، مشددة على أن أول من يدفع ويتنازل عن جزء من حقوقه جراء هذه الردة هم النساء.
وتشير “السعيد” إلى أنه من المخزي أن يبدأ عام المرأة في ظل استمرار رفض تعيين النساء كقاضيات، فضلًا عن خطاب صادم لهيئة علماء الأزهر بشأن الطلاق الشفهي، خاصة في ظل مطالب بتجديد الخطاب الديني، وهو ما يفرض على منظمات المجتمع المدني بشكل عام والمرأة بشكل خاص النضال من أجل تفعيل نصوص الدستور ولاسيما المادة 11 منه.
نص المادة 11 ” تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لأحكام الدستور، وتعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلًا مناسبًا فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها.”
الوضع السياسي يبشر بالنجاح لهذه الاستراتيجية
“لابد أن نثق ونتفاءل بهذه الاستراتيجية” يبدأ “هاني لطفي” مدير المركز المصري لحقوق المرأة، حديثه إلى “ولها وجوه أخرى”، ويتابع قائلًا “المجلس القومي يعمل دائمًا وفق اتجاه الدولة المصرية، وعقب إعلان الرئيس السيسي أن عام 2017 هو عام المرأة، تأتي هذه الاستراتيجية المهمة للغاية، في التوقيت الصحيح، وبالتالي فإن الظرف السياسي والسلطة الحالية تدعم هذا الاتجاه ومن هنا مبعث الأمل والتفاؤل بهذه المبادرة.”
ويضيف “لطفي” “هناك ضغوط أيضًا على النواب في مجلس النواب، لتعديل بعض القوانين وعلى رأسها، قانون الأحوال الشخصية، وفي ظل دعم الدولة لهذا الاتجاه، سيسرع النواب بإتخاذ إجراءات تحسين وضع المرأة بشكل عام من خلال تعديل القوانين ومنها قانون الأحوال الشخصية، وقانون العمل والقانون المتعلق بالحقوق السياسية” معربًا عن تفاؤله بأن العام الحالي سيشهد إهتمامًا كبيراً وأداءً مختلفًا فيما يخص قضايا المرأة خاصة على صعيد التشريعات وإعادة صياغتها، في شؤون مثل؛ تمكين المرأة، والأحوال الشخصية، من نفقة وطلاق وحضانة وخلافه.
“الحديث عن جدوى الاستراتيجية لابد أن يكون في نهاية العام، لحصر ما حققته ومالم تسطيع في تحقيقه.” يقول ” مدير المركز المصري لحقوق المرأة.
نبرة التفاؤل لا تعني تنحية المخاوف جانبًا، ولعل هذا الأمر يبدو جليًا بعد حالة الجدل التي أعقبت دعوة رئيس الجمهورية لتقنين الطلاق ووضع حد للطلاق الشفهي، التي انتهت برد هيئة علماء الأزهر، برفض ضمني للدعوة، وفي هذا السياق يعلق “لطفي” قائلًا “هذا الأمر لم يحسم بعد، وهناك لجنة شكلها المجلس القومي للمرأة، وأعضاء مجلس النواب، وعلماء الأزهر، ومنظمات حقوق الإنسان لإيجاد حل لمشكلة باتت تهدد الأمن القومي المصري في ظل وجود زيادة مرعبة للطلاق، وارتفاع نسبة إعالة السيدات لأسرهن والتي تتخطى الـ30 في المئة، سواء كانت المرأة مطلقة أو لا” مؤكدًا أن الأسرة هي أساس المجتمع، فاذا صلحت الأسرة، صلح المجتمع ككل.